ناشيونال نيوز| تركيا تتغافل عن وكلائها المتطرفين وتنتقد مسلسلًا يشيد بمقاتلات كرديات في سوريا

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

خاضت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة “هيلاري كلينتون” في غمار العلاقات الامريكية – التركية المضطربة، وذلك عندما أعلنت هي وابنتها “تشيلسيا” الأسبوع الماضي، أنهما حصلتا على حقوق إنتاج مسلسل تلفزيوني مأخوذ من كتاب سيصدر قريبًا يحكي عن المقاتلات الكرديات في سوريا.

من المقرر أن يصدر كتاب “بنات كوباني”، الذي ألّفته الصحفية ذات الكتب الأكثر مبيعًا “غايل تزيماخ ليمون”، في السادس عشر من فبراير، وسيروي عن دفاع “وحدات حماية الشعب الكردية” (واي بي جي) عام 2014 عن مدينة كوباني الحدودية ضد هجوم داعش، وعن الأيام الأولى عندما كانت تلك الوحدات هي القوة المقاتلة الرئيسية في التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم داعش.

وتَعتبر تركيا “وحدات حماية الشعب الكردية” جزءًا من “حزب العمال الكردستاني”، الذي قاد تمردًا مسلحًا في جنوب شرق البلاد لعقود من الزمن، والمصنف جماعة إرهابية من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. عبّرت وكالة أنباء حكومية تركية عن مخاوفها من أن مسلسل “آل كلينتون” سيعمل على “تبييض” الإرهابيين وتصويرهم على أنهم مقاتلو حرية.

إنه لأمر غريب أن يصدر هذا من حكومة يُعتقد على نطاق واسع أنها ساعدت في صعود داعش، والتي أنشأت في السنوات الأخيرة شبكة واسعة من الوكلاء المثيرين للمشاكل يخدمون مصالحها، بداية من تركيا حتى غرب أوروبا، ومن القوقاز وصولًا إلى الشرق الأوسط وخارجه.

وكما ورد على نحو مفصّل في تقرير جديد صادر من “معهد القدس للأبحاث والاستشارات الإستراتيجية والأمنية” في أبو ظبي، فان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” سعى لملء الفراغ الإقليمي وإعادة تشكيل تركيا بوصفها قوة مهيمنة بمساعدة مجموعة متنوعة من الجماعات والمتعاقدين الدفاعيين وعناصر مارقة.

يقول مؤلفا التقرير “هاي إيتان كوهين يانروكاك” و”جوناثون سباير”: إن “أرودغان يمتلك الآن منظومة تتكون من جيش خاص وجماعات شبه عسكرية. وقد نشر أردوغان هذه المنظومة للقيام بعمليات محلية وخارجية من دون رقابة رسمية”. ويضيف المؤلفان أن هذه المجموعات “تخدم أجندة إسلامية وعثمانية جديدة ومناهضة للأكراد”.

إن أبرز استخدام لهذه الجماعات الوكيلة من جانب تركيا، كان في الحربين الأهليتين في سوريا وليبيا، وفي الصراع الأخير في إقليم “ناغورنو-كارباخ”. وفي الحالات الثلاثة، استعانت تركيا بآلاف من المتمردين المناهضين للأسد للقتال من أجل قضيتها، والكثير من هؤلاء مرتبطون بجماعة الإخوان المسلمين أو جماعات إسلامية متطرفة أخرى. في شمال شرق سوريا، اتُّهم مقاتلون مدعومون من تركيا بارتكاب تطهير عرقي وجرائم حرب، مثل تنفيذ عمليات إعدام على جانب الطريق.

وهناك عنصر مهم آخر في إمبراطورية أردوغان وهو شركة “سادات” للاستشارات الدفاعية، التي تأسست عام 2012 من جانب عميد سابق ذي ميول إسلامية في الجيش التركي وهو “عدنان تانريفيردي”. وتقدّم هذه الشركة تدريبات عسكرية لوحدات الشرطة الخاصة وحرس أردوغان الرئاسي وجماعات حرّاس الأحياء المشكّلة حديثًا. اتهمت إسرائيل شركة “سادات” بتمويل حركة “حماس”، المصنفة جماعة إرهابية من قِبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

بعد خروج السيد “تانريفيردي” في أواخر عام 2019 من منصبه كمستشار رئاسي، أصبحت شركة “سادات” الآن غير مرتبطة بالدولة، ما يمنحها قدرة على إنكار المسئولية. وبحسب “يانروكاك” و”سباير”، فقد ساعدت شركة “سادات” في تجنيد وإرسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا وناغورنو كارباخ، وأن لديها صلات مع “هيئة تحرير الشام” المرتبطة بتنظيم القاعدة، تمامًا مثل وكالة الاستخبارات التركية وذراعها “هيئة الإغاثة الإنسانية التركية” (IHH). في مقابلة جرت أواخر عام 2015، تحدث السيد “تانريفيردي” عن الملامح العامة للعمليات العسكرية التركية في عامي 2016 و2019 في شمال شرق سوريا، كاشفًا عن تورطه المحتمل في شئون عسكرية على أعلى المستويات.

يتطرق التقرير إلى أداتين يستخدمهما أردوغان لاستعراض القوة: جيش الأئمة الأتراك في جميع أنحاء أوروبا والذين يراقبون المعارضين، ويروجون لرسالة قومية وإسلامية وسط خمسة مليون مغترب تركي وجماعات إسلامية أخرى، والأداة الثانية هي الطائرات المسيّرة التركية القوية التي لعبت دورًا حاسمًا في استعراض قوة تركيا، ودعم أجندة تركيا في سوريا وليبيا وناغورنو كارباخ وشمال العراق وحتى في شرق المتوسط.

يقول تقرير “معهد القدس” إن أصول استخدام تركيا لجماعات غير تابعة للدولة يمكن إنكارها، تعود إلى مفهوم “الدولة العميقة” الذي ترسّخ في سنوات الستينيات والسبعينيات المضطربة، لكن التقرير يلقي الضوء أيضًا على منظمة “الذئاب الرمادية” التي تأسست عام 1965 كجناح شبابي لحزب الحركة القومية اليميني المتطرف. تتبنى “الذئاب الرمادية” عقيدة تركية – إسلامية ترى أن الجمهورية التركية مقدسة، وأن مهمتها الأساسية هي التصدّي لتهديدات متصورة ضد الدولة، لا سيما العناصر الشيوعية والانفصاليين الأكراد اليساريين.

بعد انقلاب عام 1980، جرى دمج بعض عناصر “الذئاب الرمادية” في وحدة عمليات خاصة تابعة للدولة العميقة، ومُنحوا تدريبات عسكرية أوسع نطاقًا، وجرى إرسالهم في مهام عسكرية سرية ضد مسلحين أرمينيين في أوروبا، وضد نشطاء أكراد داخل تركيا. وقَتَلَ “محمد علي أغشا” العضو في منظمة “الذئاب الرمادية”، صحفيًّا وناشطًا تركيًّا شهيرًا اسمه “عبدي إبيكشي” عام 1979، وحاول بعد عامين اغتيال بابا الفاتيكان “جون بول الثاني”.

في عام 1997، وصف مجلس الأمن القومي التركي “الذئاب الرمادية” بأنها تمثل تهديدًا على الأمن القومي، لكن عوضًا عن تجريم هذه المنظمة، واصلت تركيا بهدوء استخدامهم في عمليات جرت معظمها في الخارج. قاتلت “الذئاب الرمادية” مع المسلمين الشيشانيين ضد روسيا حتى عام 2000، ثم بعد عِقد من الزمن، قاتلوا مع تركمان سوريا، وذلك انسجامًا مع جهود تركيا للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.

يكتب المؤلفان “ياناروساك” و”سباير” في التقرير أن “عمليات التجنيد كان علنية بواسطة ماكينات الدعاية التركية في الداخل، لا سيما عبر صحف موالية للحكومة مثل (يني شفق) و(ستار)”. ويضيف المؤلفان أن عضوًا في منظمة “الذئاب الرمادية” هو الذي قتل الطيار الروسي الذي أُسقطت طائراته بنيران طائرة إف16 تركية في نوفمبر 2015. ويتابع التقرير بالقول: إن “دعم تركيا العلني للذئاب الرمادية، يعني أن هذه المنظمة بدأت تتحول من كونها جماعة يمينية هامشية متطرفة، لتصبح منظمة تحتضنها الدولة التركية”.

لقد ازداد هذا التواؤم قوة في السنوات الأخيرة نتيجة للتحالف البرلماني الذي أنشأه حزب العدالة والتنمية الحاكم مع حزب “الحركة القومية”. وهذا يتجلّى بوضوح في الأفعال المتزايدة الجرأة التي يقوم بها أعضاء “الذئاب الرمادية” في أوروبا.

في يونيو الماضي، هاجمت “الذئاب الرمادية” تجمعًا جماهيريًا لمنظمة كردية في فيينا، هدفه زيادة الوعي بشأن العنف ضد المرأة في تركيا. وفي الشهر التالي، قاطعت مجموعة من “الذئاب الرمادية” مظاهرة أرمينية في شرق فرنسا، وأعلن قائدهم: “فلتمنحني الحكومة التركية ألفي يورو وسلاحًا، وسأفعل كل ما يلزم، في أي مكان في فرنسا”. بعد بضعة أشهر، وفي خضم الصراع الأذربيجاني – الأرميني، خرّبت “الذئاب الرمادية” نصبًا تذكاريًا للإبادة الأرمينية في مدينة “ليون”.

دفع ذلك الهجوم فرنسا لحظر هذه المنظمة، كما دعا مشرّعون ألمان بعد ذلك بوقت قصير لفرض حظر مماثل على المنظمة، ما قد يدفع النمسا لاتخاذ قرار مماثل. يعيش نحو 11 ألف عضو تابعين لـ “الذئاب الرمادية” في ألمانيا، كما عبّر معارضون أتراك بارزون يعيشون في المنفى هناك، مثل الصحفي “كان دوندار”، عن مخاوفهم من أن الحكومة التركية قد تستخدم هؤلاء للقيام بعمليات اغتيال.

إن شركاء تركيا يبدون بالتأكيد أقل جاذبية مقارنة مع شركاء الولايات المتحدة؛ فبفضل مساعدتهن في هزيمة تنظيم داعش، تمت الإشادة بمقاتلات “وحدات حماية الشعب الكردية” بوصفهن بطلات على غلاف مجلات “تايم” و”ماري كلير” و”دير شبيغل”. وأفادت تقارير أن كتاب المؤلفة “ليمون” أشعل سباقًا محمومًا للفوز بحقوق البث التلفزيوني، وقد فازت شركة (HiddenLight Productions) المملوكة لآل كلينتون بهذه الحقوق.

لا يمكنني تخيُّل أن يؤدي مسلسل تعرضه “نيتفليكس” عن “الذئاب الرمادية” أو متمردين سوريين متطرفين، لإثارة هذا النوع من الضجة الإعلامية، غير أن هذا لا يعني أنه لا ينبغي أن يولي العالم اهتمامًا بالغًا بوكلاء تركيا المثيرين للمشاكل.   

للاطلاع على الرابط الاصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا