توماس فريدمان يكتب لـ «نيويورك تايمز»: الاختراقات ونافالني وأشياء أخرى.. كيف يمكن لبايدن أن يردع بوتين؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

لا شك أن الاكتشاف الأخير المتطور للغاية لاختراق شركات التكنولوجيا والوكالات الحكومية الأمريكية الكبرى، والذي من شبه المؤكد أن تكون روسيا وراءه، يضع فريق بايدن الجديد في مأزق حقيقي: كيف ومتى أو حتى ما إذا كان عليهم الانتقام من الرئيس الروسي؟ هناك الكثير من التعاطف مع هذا المأزق؛ لأن «فلاديمير بوتين» أصبح صديق أمريكا السابق من الجحيم!

لقد برز وقت كانت فيه روسيا – التي كانت في السابق جوهر الاتحاد السوفيتي (بلغ عدد سكانه ضعف سكان روسيا التي يحكمها بوتين الآن) – مهمة للغاية بالنسبة لنا، فقد هددت ذات مرة بغزو أوروبا بأكملها ونشر الشيوعية في جميع أنحاء العالم. كان ذلك الوقت هو الحرب الباردة، وقد مضى وقت طويل، وبات أهم منافس عالمي لنا اليوم هو الصين.

إن بوتين ليس مهمًّا جدًّا بالنسبة لنا على الإطلاق، فهو أحد رجال المافيا في موسكو الذي حاول عملاؤه قتل «أليكسي نافالني»، الناشط الذي يكافح الفساد، عن طريق رش غاز الأعصاب «نوفيتشوك»، والذي يعود اختراعه إلى الحقبة السوفيتية، في ملابسه الداخلية. أنا لا أختلق ذلك! لقد أعطت روسيا للعالم ذات مرة “تولستوي” و”تشايكوفسكي” و”رشمانينوف و”دوستويفسكي” و”ساخاروف” و”سولجينتسين”، أما روسيا بوتين فستظل ذكراها مرتبطة بإعطائها العالَم (ملابس داخلية مسمومة).

ولكن من أجل تشتيت انتباه شعبه عن فساده وقبضته المستميتة على السلطة، يقدِّم بوتين نفسه على أنه المدافع العظيم عن الوطن الأم الروسي وثقافته المسيحية الأرثوذكسية ضد الغربيين الملحدين والمثليين. ولتعظيم أهميته – في نظره ونظر الروس – يواصل مطاردتنا، فيتدخل في انتخاباتنا، ويخترق شركاتنا، بينما ينكر كل ذلك بابتسامة متكلفة، ويستمتع بفكرة أن الكثير من الأمريكيين يعتقدون أنه نصَّب “دونالد ترامب” رئيسًا لأمريكا.

هذا نوع جديد من المشاكل الاستراتيجية للمخططين الأمريكيين، فكيف نتعامل مع مُطارِد جيوسياسي؟ كيف نتعامل مع زعيم روسي ليس قوة عظمى، بل قزم خارق.. لكننا نقول له: “فلاديمير، لم نعد معجبين بك بعد الآن، إننا نرى دولاً أخرى، مثل الصين، ولو كان الأمر بأيدينا، لحصلنا على أمر من المحكمة بإبعادك مسافة خمسة آلاف ميل”.

من المؤكد أن بوتين لا يزال يسيطر على الصواريخ النووية الخطرة، ويسعدني اتفاقه مع الرئيس “جو بايدن” الأسبوع الماضي على تمديد معاهدة ستارت النووية الجديدة التي كانت على وشك الانتهاء. وكما رأينا الآن من خلال الاختراق بعيد المدى لشركاتنا وحكومتنا، فإن قدراته الإلكترونية كبيرة. لكن كل ذلك يخفي دولة ليست ديناميكية على الإطلاق، ففي العالم الحقيقي، حيث تزدهر الدول من خلال صنع أشياء يرغب الآخرون في شرائها، فإن أكبر سبع صادرات لبوتين هي: النفط والغاز (52%) والحديد والمعادن النفيسة والآلات وأجهزة الكمبيوتر (2.1٪)، إضافة إلى الأخشاب والسماد والحبوب.

وبالنسبة لدولة بها الكثير من المواهب البشرية، فإن هذا مثير للشفقة، فقد أصبحت روسيا اليوم اقتصادًا قيصريًّا يمتلك محطة فضائية؛ بل هي «دكتور زيفاجو» لديه صواريخ نووية ومتسللي الإنترنت. وفي غضون ذلك، فإن العلماء الذين فروا من روسيا جعلوا من إسرائيل ووادي السيليكون قوى تقنية عظمى. ومع ذلك فإن لقاح فيروس كورونا الروسي يُعد نجاحًا نادرًا، ولكن من الصعب إنتاجه بكميات كبيرة.

متى كانت آخر مرة اشتريت فيها جهاز كمبيوتر أو هاتفًا ذكيًّا أو تطبيقًا من شركة روسية؟ سيارة روسية؟ ساعة روسية؟ طائرات تجارية روسية الصنع؟ إنني أُفضّل ركوب الحافلة على ركوب إحدى تلك الطائرات. والصادرات الروسية الوحيدة التي تروق للغربيين هي الكافيار والفودكا ودمى القطنية، ولدينا فائض من الثلاثة.

لماذا كل هذا؟ لأن بوتين يثق في الأشياء التي تخرج من الأرض أكثر من تلك التي قد تخرج من رأس شعبه. لذلك، فقد بنى حكمًا نفطيًّا تغذيه الموارد الطبيعية، وليس الموارد البشرية، ثم يستخدم النقود لتشحيم محرك الفساد الذي يبقيه هو وأعوانه في السلطة، بينما يحرم شبابه من الأدوات والحريات لتحقيق إمكاناتهم الكاملة.

لذا، ألا تخبرني يا فلاديمير، إِلَامَ تهدف من وراء اختراق شركاتنا؟ فأنت لن تغزونا، حيث إن نظام حكومتك – الكليبتوقراطية – بغيض لشعبك، ناهيك عن الأجانب. وبالتأكيد ليس لدينا مصلحة في غزوكم. وماذا ستفعل بكل أرقام بطاقات الائتمان المسروقة؟ هل ستجري عمليات شراء ضخمة من أمازون؟ (“سآخذ ثمانية ملايين حفاضة، و30 مليون لفة ورق التواليت، وأرمي أربعة ملايين زوج من الملابس الداخلية للرجال”).

والحقيقة هي أن كل شيء يستحق السرقة في الولايات المتحدة هو واضح للعيان، إنه دستورنا وإعلان الاستقلال ووثيقة الحقوق والانتخابات الحرة والنزيهة والقضاء المستقل الذي يدعم الانتخابات – حتى لو خسر شاغل المنصب – ومكتب التحقيقات الفيدرالية المستقل، ولكن بوتين لا يريد شيئًا من ذلك (ربما يكون هذا أمرًا جيدًا؛ نظرًا لأننا واجهنا نحن بأنفسنا مشكلة في التمسك بهذه القيم– وهو ما سنتناوله في عمود آخر). إذن، ما هي أفضل طريقة يتعامل بها بايدن مع هذا المُطارِد الجيوسياسي؟

الجواب: ردع عسكري منخفض التكلفة ودبلوماسية كبيرة الحجم تضعنا بقوة خلف حركة نافالني لمكافحة الفساد. وها أنا أبعث برسالة إلى بوتين: “كان آخر رئيس لنا يقف معك، ونحن الآن نقف مع شعبك، طاب يومك”.

وفيما يتعلق بالردع، أخبرني الخبير الروسي « ليون آرون»، مؤلف كتاب “بوريس يلتسين: حياة ثورية”، أنه منذ ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، لجأ بوتين إلى “الوطنية العسكرية، ومعاداة الولايات المتحدة واستعادة المجد الضائع للقوة العظمى السوفيتية” لاستعادة الولاء والشعبية في الداخل.

وأكد «آرون» أنه يجب علينا الاستعداد الآن لمحاولة محتملة من نوع شبه جزيرة القرم “للاستيلاء على المناطق الواقعة عبر الحدود الروسية التي تضم عددًا كبيرًا من السكان من أصل روسي وضمها، وستكون على الأرجح في إستونيا أو لاتفيا، لإعادة إشعال الحماسة الوطنية الروسية وإظهار الناتو نمرًا من ورق”.

وبعبارة أخرى، قد يكون الوقت مناسبًا لبايدن لإلغاء أمر ترامب بسحب حوالي ثلث القوات الأمريكية من ألمانيا، وأيضًا لتعزيز عضوي الناتو في منطقة البلطيق، إستونيا ولاتفيا.

وحول مكافحة الفساد، شاركت الأسبوع الماضي في مكالمة هاتفية من لندن مع «فلاديمير أشوركوف»، رئيس مؤسسة نافالني لمكافحة الفساد، والذي شارك برسالة أرسلها للتو إلى بايدن، يحثه فيها على فرض عقوبات على 35 فردًا في روسيا يزعم أنهم يزودون “عشيقات بوتين وأولياء أمورهم وأطفال بوتين، باليخوت والشقق وملايين الدولارات”.  وقال «أشوركوف» إن عقوباتنا الاقتصادية الحالية واسعة للغاية، فمن خلال منع هؤلاء الـ 35 من السفر إلى الغرب وغسل أموالهم هناك، فإننا سنضغط على الأشخاص الرئيسيين الذين يمكنهم الضغط على بوتين.

والسبب في أن نافالني يمثّل تهديدًا كبيرًا لبوتين – وهو السبب الذي دفع محكمة بوتين لإعادته إلى السجن يوم الثلاثاء لمدة عامين ونصف تقريبًا – هو أن نافالني قومي روسي مثل بوتين، لكنه يركز حملته على فساد بوتين الهائل. ففي المحكمة، وصف نافالني بوتين بأنه “”لص صغير يختبئ في قبو”.

ويتردد صدى هذا على نطاق واسع في روسيا، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن مؤسسة نافالني نشرت مؤخرًا مقطع فيديو لقصرٍ شبيهٍ بقصر فرساي بقيمة 1.7 مليار دولار، تزعم أن بوتين بناه لنفسه على البحر الأسود، وشوهد الفيديو أكثر من 100 مليون مرة. ومن جانبه، نفى بوتين ملكيته له، ووصف الفيديو بأنه “ممل”.

في الوقت نفسه، دعونا لا ننسى أن سياسة بايدن للمناخ والطاقة الخضراء هي رادع ضخم مربح للجانبين بالنسبة لنا، إذ إن كل جيجاوات جديدة من الطاقة النظيفة الأمريكية تجعل نفط وغاز بوتين أقل قيمة وأمريكا أكثر صحة.

وأخيرًا، هناك رسالة ردع أخيرة يمكن أن يرسلها بايدن إلى بوتين، تذكيرًا بأن ترامب الحبيب قد غادر المدينة: “فلاديمير، إذا توقّفت جميع أجهزة الكمبيوتر في الكرملين عن العمل في إحدى الليالي– وصدحت أغنية “ولد في الولايات المتحدة” في الساحة الحمراء – فاعتبرها تذكيرًا لطيفًا من القيادة الإلكترونية الأمريكية بما يمكننا فعله لك إذا اعتقدنا أنك مهم حقًّا”.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا