ذا هيل | هل تعود الديمقراطية إلى فلسطين؟

علي عبدالعزيز

ترجمة – آية سيد

كل نظام ديمقراطي به من يتمنون أن يصبحوا طغاة، وأصحاب عقائد يريدون إرغام الآخرين على الخضوع لهم، وجماعات هامشية تُعظّم الذكريات غير الواقعية لأمجاد الماضي الخيالية وتخشى المستقبل الأقل قابلية للتنبؤ. والطريقة التي تسير بها هذه الأنظمة هي أن أعداء الديمقراطية الهامشيين يظلون هامشيين! إنهم لا يُفترض بهم أن يديروا الأمر برمّته.

لكن حول العالم، المستبعد أصبح مرجحًا. وفي حين أن فرانسيس فوكوياما أشاد بنهاية الصراع على ملامح الحكومة، وأن “نهاية التاريخ” وصلت مع سيادة ليبرالية السوق، تشوّه عصابات الاستبداديين اليوم المؤسسات الحاكمة في بلادهم لتحولها إلى وظائف عاطلة دائمة مدرة للثروة.

لقد رأينا شي جين بينج يحل محل ماو في الصين، وفيكتور أوربان يخنق الديمقراطية في المجر، وفلاديمير بوتين يقتل الأعداء في الداخل والخارج بأسلوب ستالين – ودونالد ترامب يحرّض أتباعه على الاعتداء على مبنى الكابيتول الأمريكي بينما اختبأ أعضاء مجلس الشيوخ، والنواب ومساعديهم خوفًا. كان على نائب الرئيس بنس الاختباء أيضًا من أولئك الذين يظنون أنهم كانوا “يمنعون السرقة”.

من ضمن الأماكن الأخرى التي ماتت بها الديمقراطية – دون أن يلاحظ أحد – هي فلسطين. انتُخب محمود عباس، رئيسها الحالي، منذ 15 عامًا لولاية مدتها أربع سنوات لكنه لم يرحل أبدًا. لقد وصل إلى رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية أثناء الولاية الثانية لجورج دبليو بوش. إن سياسة الشرق الأوسط معقدة، لكنّ أولئك المرشحين الذين يحاربون الاستعمار والاحتلال ويحاربون لأجل الاستقلال الذاتي الديني والسياسي غالبًا ما تكون لهم الأفضلية على العلمانيين. إن إصرار بوش على انتخابات فلسطينية حرة (لأنه شعر أن الديمقراطية ستضع الأشخاص المناسبين في السلطة) أعطى الفرصة لحماس الأكثر تشددًا وعداوة لإسرائيل لكي تربح الأغلبية في المجلس التشريعي ورئاسة الوزراء – حتى اندلعت الحرب الأهلية بينها وبين حركة فتح بقيادة عباس.

لقد امتلك عباس، ذو الـ85 عامًا، والمعروف أيضًا بأبو مازن، توقيتًا رائعًا لقمع الديمقراطية. أولًا، لم يُرد القادة في أوروبا والولايات المتحدة تمكين حماس أو جماعة الإخوان المسلمين، التي تُعد حماس جزءًا منها. ثانيًا، الديمقراطية في فلسطين هشة بطريقة مفهومة وسط الضغوط، الحقيقية والمختلقة، التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي. تُعد إسرائيل نظامًا ديمقراطيًّا، لكن بالنسبة إلى الكثيرين، لم يكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ديمقراطيًّا حقيقيًّا – وهو سبب آخر لغض الطرف عن ولاية أبو مازن التي لا تنتهي.

عندما حاول الرئيس أوباما ونائب الرئيس بايدن تعزيز حل الدولتين في فلسطين -إسرائيل، أصبحت الأخيرة الخصم الرئيسي الذي لا يمكن ذكر اسمه، وفلسطين الضحية الواضحة التي لا يمكنها الظهور لكي تحافظ على قشرة الانسجام الظاهرية بين إسرائيل والولايات المتحدة. لكن كل الديمقراطيين البارزين، وتحديدًا بايدن ووزير الخارجية حينها جون كيري، كانوا غاضبين من توسع إسرائيل المستمر في المستوطنات والعنف ضد الفلسطينيين. كان آخر شيء سيفعله فريق أوباما هو إخبار أبو مازن إنه عليه الرحيل. لذلك بقي مهمّشًا منافسيه ببطء، وموزّعًا المساعدات الأجنبية على حاشيته وعائلته.

في الوقت الذي قام الرئيس ترامب بأول زيارة خارجية رسمية له إلى السعودية، لم يهتم أحد في فريقه بما فعله أبو مازن. طرح جاريد كوشنر، مستشار الرئيس لشئون الشرق الأوسط وصهره، “صفقة القرن” التي لم يتم التفاوض عليها مع الفلسطينيين – الذين خسروا أراضي (حرفيًّا) في الضفة الغربية، وخسروا المعركة على نقل سفارة واشنطن إلى القدس، وأصبحوا ليسوا ذوي صلة بالمناقشات حول أمن واستقرار الشرق الأوسط.

اقترح أبو مازن بين الحين والآخر قرارًا للأمم المتحدة يدين الأفعال الإسرائيلية، أو حاول اتخاذ موقف ضد دبلوماسية كوشنر التجارية في المنطقة. لكن بسبب الركود لأكثر من عقد بعد نهاية ولايته الانتخابية، خسر العرب والأمريكيين والأوروبيين وحتى دعم شعبه! وبعد أن كان ثاني رئيس منتخب لفلسطين أصبح رئيس حزب مناهض للديمقراطية والذي أصبح محاسيبه أكبر المستفيدين.

يعرف الرئيس بايدن وفريقه، إسرائيل والزوايا المختلفة المتعددة في أحجية التوصل إلى وضع نهائي في القضية الفلسطينية -الإسرائيلية والتي يمكن للجميع التعايش معه. لقد حاول أوباما وفشل في مساعدة الفلسطينيين، ثم دفعهم إلى مؤخرة أولوياته، وتجاهلهم ترامب – لكن لا شك في أن فريق بايدن يريد معالجة قضية غياب الشرعية في القيادة السياسية الفلسطينية قبل أن يتعاونوا في أي شيء.

هذا هو السبب الوحيد الذي جعل أبو مازن يدعو إلى الانتخابات التشريعية في 22 مايو، والانتخابات الرئاسية في 31 يوليو، وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني في 31 أغسطس. لكن نفس التحديات تظهر على الفور: هل ستتفق فتح مع حماس؟ هل سيُسمح لبعض الأحزاب المنافسة الجديدة بالمشاركة؟ هل سيحاول السياسي المسجون مروان البرغوثي الاستفادة من قوته للحصول على قيادة جديدة أقل فسادًا أم سيُبقي العصابة القديمة في السلطة؟

إن كل شيء تقريبًا حول فلسطين يتغير تغييرًا هائلًا، وفلسطين تحتاج لإعادة ضبط – قادة جدد غير فاسدين وأصغر سنًّا والذين يعرفون الدولة وانتهوا من خوض المعارك التي لم تعد مهمة. إن الاتفاقيات الإبراهيمية التي تُطبع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والسودان تعزل فلسطين وتجعلها ليست ذات صلة، والقادة الشباب الفلسطينيون ينهضون ويدعون إلى إنهاء الوضع الراهن وإنهاء ولاية أبو مازن.

في 1993، دعا الرئيس كلينتون الشباب من منظمة بذور السلام – وهي منظمة غير ربحية جمعت مراهقين فلسطينيين وإسرائيليين ومصريين وأمريكيين في معسكر صيفي – لحضور التوقيع التاريخي في حديقة البيت الأبيض على اتفاقيات أوسلو بين إسحاق رابين وياسر عرفات. أصبح أولئك الشباب الآن في أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من عمرهم، وظلوا مشاركين في المناقشات المهمة حول العدالة المدنية والدولية. لعلهم من ضمن القادة الذين يجب أن تبدأ فلسطين في البحث عنهم لعصر ما بعد أبو مازن.

بعد هجوم 6 يناير على الكابيتول الأمريكي، تحدثت السيناتور جين شاهين عن اللحظة في 2012 عندما التقت هي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جيم ريش مع رئيس جورجيا، ميخائيل ساكاشفيلي، وشجعاه على قبول نتائج الانتخابات الوطنية التي تُظهر خسارته. لقد أخبراه أن القادة الديمقراطيين يحتاجون لحماية الديمقراطية وفعل الشيء الصحيح عندما يقول صوت الشعب إنه حان وقت الرحيل، وأن الانتقال السلمي للسلطة هو ما يميز القادة العظماء. أعلن ساكاشفيلي حينها النتائج واعترف بالهزيمة.

سيكون صعبًا على عباس أن يمحي وصمة التشبث بالسلطة لأكثر من عِقد بعد انتهاء ولايته، غير أنه يمكنه أن يلعب دورًا الآن في التقاعد بشكل بنّاء وتشجيع مجموعة جديدة من القادة المحتملين لفلسطين على التقدم.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا