شبيجل| هل يمكن للقاحات الروسية والصينية أن تُغير قواعد اللعبة؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

تقوم كلٌّ من الصين وروسيا بتصدير لقاحاتهما منذ عدة أشهر، على الرغم من نقص البيانات المتعلقة بالسلامة والفاعلية. ويوم الثلاثاء، جرى الإعلان عن أن لقاح “سبوتنيك 5” الروسي آمن وفعال، وإذا واجهت اللقاحات الصينية أيضًا فحصًا صارمًا، فستكون خطوة كبيرة في مكافحة فيروس كورونا.

لا يطيق الكثيرون في ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى صبرًا للحصول على التطعيم ضد فيروس كورونا. غير أن الوضع في صربيا كان على النقيض من ذلك تمامًا، بدا أحيانًا أنه من الصعوبة بمكان إيجاد شخص مستعد لقبول التطعيم باللقاح، فلم تكن مراكز التطعيم مليئة بمنتجات شركات الأدوية الغربية، بل بلقاح طوّرته شركة سينوفارم الصينية. ومع ذلك، اختار وزير الصحة الصربي “زلاتيبور لونكار” أن يكون أول شخص في بلاده يتلقى اللقاح. يقول لونكار: “لقد استرشدت بحقيقتين أساسيتين: أولاً أن اللقاح يفي بجميع معايير السلامة. وثانيًا أنه فعال”. وأضاف بعد أن تلقى الجرعة في يناير: “عندما اقتنعت بكل ما سبق، تمكنت من الوقوف أمام مواطني صربيا وأقترح عليهم البدء في تلقيح جماعي”.

وقد توصلت دول مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا وباراغواي وقائمة كبيرة من الدول الأخرى إلى استنتاجات مماثلة. وسيتلقى مواطنو تلك الدول لقاحًا من الصين أو روسيا لأن لقاحات شركات الأدوية الغربية غير متوفرة. في الواقع، بِيعَت لقاحات من إنتاج شركتي بيوتيك ومودرنا، وقد أثبتت فاعليتهما العالية في الدراسات السريرية، بينما ثبت أن اللقاح الذي طوّرته أسترازينيكا أقل فاعلية.

أما روسيا فهي تأمل في إيصال لقاحها إلى 50 دولة، فيما تخطط لفتح مواقع إنتاج في الهند والبرازيل وكوريا الجنوبية. وفي غضون ذلك، وقَّعت شركتا سينوفارم وسينوفاك الصينيتان عقودًا مع 24 دولة على الأقل ليبدآ بالفعل في تصدير لقاحاتهما إلى عددٍ منها.

وفي ظل الجائحة تبدو صربيا في وضع فريد، إذ بدأت تستورد اللقاحات من أي مصدر متاح. يقول لونكار: “أستطيع القول إن كل هذه اللقاحات المستخدمة في بلادنا – الصينية والروسية والألمانية الأمريكية – هي الطريقة والوسائل الوحيدة لهزيمة فيروس كورونا والسيطرة عليه.. لا ينبغي للمرء أن ينظر إلى مصدر اللقاحات، ولكن إلى جودتها وسلامتها وفاعليتها”.

بيد أن اللقاحات الصينية والروسية لم تأخذ أختام الموافقة هذه، وربما تكون موجودة بالفعل في السوق لكنها لم تخضع لنوع التجارب السريرية المتعارف عليها في الغرب، ومن المحتمل أن يتم اختبارهم على الأشخاص في ظل ظروف مشكوك فيها، فقط على أمل أن تثبت فاعليتها.

  قدّم معهد جاماليا لبحوث علم الأوبئة والأحياء الدقيقة الروسي لقاحه في أغسطس الماضي، وأطلق عليه اسم “سبوتنيك 5″، بحسب اسم القمر الصناعي الذي أطلقه الاتحاد السوفيتي في مداره قبل 60 عامًا، والذي كان على متنه فئران وجرذان وكَلبَان.

جرى تمويل تطوير اللقاح من قبل صندوق الاستثمار المباشر الروسي، وهو صندوق الاستثمار الذي تديره الدولة والمسئول الآن عن تسويق الدواء. وقال “كيريل ديميترييف” الرئيس التنفيذي للصندوق لمجلة لانسيت للأمراض المعدية: “لقد أدركنا أنه سيكون هناك الكثير من الشكوك والرفض للقاح الروسي لأسباب تنافسية؛ لذلك كان هناك قرار بإطلاق اسم دولي روسي معروف عليه”.

وعلى عكس اللقاحات عالية الفاعلية وشديدة الحساسية التي تنتجها كل من بيوتيك ومودرنا، لا يلزم تخزين لقاح سبوتنيك في درجات حرارة منخفضة للغاية، حيث يظل فعّالًا عند 2 إلى 8 درجات مئوية؛ ما يجعل نقله أسهل بكثير. وجرى بالفعل تطعيم 1.5 مليون شخص في روسيا به.

ويصر صندوق الاستثمار المباشر الروسي على أنه فعال، فقد قال موقع الويب الذي تم إعداده للقاح: “تم تأكيد فاعلية لقاح “سبوتنيك 5” بنسبة 91.4٪ بناءً على تحليل البيانات لنقطة التحكم النهائية للتجارب السريرية. فاعلية لقاح “سبوتنيك 5” ضد الحالات الشديدة من فيروس كورونا هي 100٪”. ولبعض الوقت، لم يتم إتاحة مصدر لتأكيد هذا الادعاء، ولكن في الإصدار الحالي من مجلة لانسيت، نشر الباحثون نتائج مؤقتة من تجربة المرحلة الثالثة العشوائية الخاضعة للرقابة في روسيا والتي أظهرت فاعلية بنسبة 91.6٪ ضد فيروس كورونا.

ويقول تعليق مصاحب في المجلة الطبية: “يبدو أن لقاح سبوتنيك ضد فيروس كورونا مرشح آمن وفعال.. لقد تعرض تطوير اللقاح لانتقادات بسبب التسرع غير اللائق، والاختصار وغياب الشفافية، غير أن النتيجة المذكورة هنا واضحة والمبدأ العلمي للتطعيم جرى إثباته؛ ما يعني أن لقاحًا آخر قد انضم الآن إلى المساعي الدولية للحد من انتشار فيروس كورونا”.

ويعتمد اللقاح الروسي على وسيلة نقل متخصصة، وهي فيروس غدي غير ضار وتقنية جرى اختبارها جيدًا، وتُعرف باسم اللقاح الناقل، ولكن يمكن أن يصبح الجسم محصنًا ضد ناقل الفيروس، لا سيما في الحالات التي تكون فيها الجرعات الإضافية ضرورية؛ ما يجعل اللقاح الروسي غير فعال بمرور الوقت.

في يناير، ناقش معهد جاماليا للأبحاث تلك المخاوف وغيرها غيما يتعلق بلقاح “سبوتنيك 5” مع خبراء من وكالة الأدوية الأوروبية، المسئولة عن تقييم الأدوية للاستخدام في الاتحاد الأوروبي، وقد ركز الاجتماع السري على الوثائق اللازمة لإجراء تقييم علمي سليم. ووفقًا لمتحدث باسم وكالة الأدوية الأوروبية، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الروس سيتقدمون بطلب للحصول على موافقة الاتحاد الأوروبي على اللقاح.

ومع ذلك، تجري الاتفاقات بشكل جيد دون تلك الموافقة، إذ تنوي الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وباراجواي وفنزويلا والجزائر نشر اللقاح أو أنها بدأت ذلك بالفعل. كانت المجر أولى دول الاتحاد الأوروبي تقدّم طلبًا إلى روسيا بمليوني جرعة، ففي أواخر يناير، منحت وكالة وطنية في البلاد الموافقة الطارئة للقاح. وقال وزير الخارجية المجري “بيتر زيجارتو” في تصريحات ليورونيوز: “علينا تأمين إمدادات إضافية للشعب المجري”.

من جانبها، تعمل وسائل الإعلام الحكومية في الصين حاليًا على التشكيك في سلامة اللقاحات الغربية، حيث ادعى الصحفيون أن المسئولين رفضوا التحقيق في وفيات الأشخاص الذين جرى حقنهم بلقاح بيوتك–فايزر. ولكن معهد “بول إيرليش”، الهيئة التنظيمية للدواء في ألمانيا، فحص الحالات ولم يجد أي سبب للشك، مشيرًا إلى أنه مع إعطاء اللقاح لعشرات الآلاف من كبار السن والأفراد الذين يعانون بالفعل من المرض، فليس من المستغرب أن يموت بعضهم مصادفة في وقت قريب من تلقي اللقاح.

ومن الواضح أن تلك محاولة من الصين لصرف الانتباه عن التناقضات في تطوير لقاحها الخاص، فبحلول نوفمبر، جرى تطعيم ما يقرب من مليون شخص في الصين، دون انتظار نتائج تجربة المرحلة الثالثة واسعة النطاق. وينم مثل هذا النهج – من المنظور الغربي– عن تجربة غير منضبطة تشمل أعدادًا هائلة من الأشخاص.

فيما أجرى المنتجون الصينيون دراسات أخرى خارج الصين، حيث أجريت تجربة سينوفارم في الإمارات العربية المتحدة في يوليو بمشاركة 31 ألف مشارك، وبعد ذلك بوقت قصير، بدأت دراسة مماثلة في البحرين، ومع ذلك لم يتم نشر أي بيانات حول تلك الدراسات. ومع ذلك، زعم مسئولو الصحة في دول الخليج العربي أن اللقاح الصيني أظهر فاعلية بنسبة 86% ووافقوا عليه.

وكما هو الحال في صربيا، قام وزير الصحة الإماراتي بتطعيم نفسه في محاولة لإثبات سلامة اللقاح وفاعليته، فيما أشارت مجلة “الإيكونوميست” البريطانية إلى أن أجهزة الأمن الإماراتية تلاحق من يروجون لشائعات حول المخاطر المزعومة للقاح، وفي المقابل نشرت الصحف المحلية أخبارًا عن طوابير طويلة من المواطنين الذين ينتظرون التطعيم. وكان للحملة الأثر المطلوب، فقد جرى تطعيم أعداد كبيرة من سكان الإمارات بنسبة أكثر من أي دولة أخرى في العالم باستثناء إسرائيل.

أما اللقاح الصيني الثاني، الذي أنتجته شركة “سينوفاك”، فقد كان أيضًا موضوع تجارب عديدة. فوفقًا لدراسة أجريت في تركيا، فقد أثبت فاعليته بنسبة 91%، في حين كشفت دراسة أخرى في إندونيسيا فاعلية أقل بكثير بنسبة 65%، وأخرج الاختبار الذي شارك فيه عشرة آلاف مشارك في البرازيل رقمين مختلفين، ففي البداية، أعلن الباحثون عن فاعلية بنسبة 78%، ثم نزلت النسبة إلى 50.38% بعد وقت قصير. ومع ذلك، يعتزم المسئولون البرازيليون الموافقة على اللقاح، ففي النهاية اللقاح الضعيف أفضل من لا شيء على الإطلاق.

من جانبه، قال “أدريان إسترمان”، خبير الإحصاء الحيوي وعالم الأوبئة بجامعة جنوب أستراليا: “بالنسبة للدول التي ينتشر فيها الوباء، فحتى اللقاح الذي تبلغ فاعليته 50% سيقلل الضغط على الخدمات الصحية؛ ما يسمح لها بالتكيف”. وربما يكون اللقاح أكثر فاعلية مما تظهره الأرقام.

والآن، تأمل منظمة الصحة العالمية في الحصول على رؤية أفضل لوضع اللقاح في الصين، إذ وصل فريق من منظمة الصحة العالمية بالفعل إلى البلاد للقيام بجولة في مصانع الإنتاج التي تديرها سينوفاك وسينوفارم. وقد قدمت الشركات بيانات تجريبية، وتأمل – على ما يبدو – في الحصول على موافقة منظمة الصحة العالمية الطارئة على لقاحاتها. ولكن من غير المرجح أن يأتي القرار قبل منتصف مارس، غير أن التقييم الإيجابي سيكون له عواقب بعيدة المدى؛ إذ سيتمتع الصينيون أخيرًا بالمصداقية ويمكنهم البدء في تسليم منتجاتهم إلى برنامج “كوفاكس”، وهو برنامج المعونة الدولية الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية لشراء اللقاح وتوزيعه على الدول الفقيرة.

ووفقًا للتقديرات، ينبغي إعطاء ما بين 10 و11 مليار جرعة لقاح في جميع أنحاء العالم للحد من انتشار فيروس كورونا، فيما ستحتاج الشركات المنتجة حتى عام 2023 أو 2024 لإنتاج هذا الحجم الكبير.  وللوصول إلى هذا الهدف، ستكون هناك حاجة إلى لقاحات من جميع الدول، ما دامت البيانات المقدمة تُثبت سلامتها وفاعليتها بشفافية.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا