جلوبال ريسك | العودة للواجهة.. ما أسباب وتداعيات الحضور المتنامي لداعش مؤخرًا؟

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

نادرًا ما تنقل وسائل الإعلام الرئيسية هذه الأيام أخبار تنظيم داعش. بعد خسارتها آخر جزء من أراضيها في معركة “البغوز فوقاني” في مطلع عام 2019، أُعلن عن “هزيمة الخلافة”. مع هذا، شهد عام 2020 ارتفاعًا كبيرًا في هجمات داعش في معاقلها التقليدية في سوريا والعراق، فضلًا عن حضورها المتنامي في إقليم أفغانستان – باكستان وفي مناطق واسعة من القارة الإفريقية. وبالرغم من خسارة الأراضي، إلا أن عقيدة داعش لم تُهزم، وعلى الرغم من صعوبة تحديد حجم قوتها البشرية، إلا هناك أدلة تشير إلى أن أعضاء داعش يعيدون ترسيخ أقدامهم في الشرق الأوسط.

عودة ظهور داعش في الشرق الأوسط؟

في الحادي والعشرين من يناير 2021، نفذ انتحاريان هجومًا في سوق مزدحم في بغداد، ما أسفر عن مقتل 32 شخصًا وجرح كثيرين آخرين. وبعد أقل من أربعة وعشرين ساعة، أعلنت داعش مسئوليتها عن الهجوم. وبالرغم من ندرة الهجمات في العاصمة العراقية في السنوات الأخيرة، إلا أن المنطقة عمومًا في العام 2020 شهدت ارتفاعًا حادًا في أنشطة داعش، وزعم تقرير صادر من معهد الشرق الأوسط أن داعش “تظهر القدرة والإرادة لاستعادة الأراضي والسكان والموارد” في كل من العراق وسوريا. وبحسب مسئولين عسكريين عراقيين، فإن الهجمات أصبحت أكثر تعقيدًا وتطورًا. وبالإضافة إلى تصاعد الهجمات، زاد التنظيم من عمليات تجنيده على الإنترنت، وأصبح يمتلك احتياطيات نقدية كبيرة.

الشعبية والفوضى والسياسات وجائحة كورونا

هناك عدد من عوامل العرض والطلب التي تساهم في عودة ظهور داعش: شعبية أيديولوجية هذا التنظيم، والفوضى في المناطق التي تنشط فيها، وأحيانًا السياسات غير المتجانسة والمتضاربة التي تُستخدم لهزيمة داعش، وبالطبع هناك جائحة كورونا التي عطّلت العالم. كان من الضروري أن يكون تحليل المخاطر التالي موجزًا، ما يمنعنا من التعمّق في بحث هذه القضايا، لذا نرجو أن يتفهّم القرّاء الطبيعة الموجزة للاستعراض العام التالي.

الشعبية:

بالرغم من أن خسارة داعش للأراضي في عام 2019 كانت تبدو مبشّرة، إلا أن الجماعات مثل داعش تعمل وفقًا لجدول زمني مختلف عن بقية العالم. ونظرًا لأن “النجاح يُقاس بعقود من الزمن”، فإن خسارة الأرض يُنظر إليها بوصفها تطورًا مؤقتًا في رحلة الجهاد الطويلة، كما سيُنظر إلى المكاسب الصغيرة باعتبارها انتصارات عظيمة. على المدى القريب على الأقل، تكون أهمية الأرصدة الملموسة أقل من فكرة انتشار العقيدة الجهادية – السلفية. وللإيضاح، فإنه بالنسبة للأعضاء العاديين لداعش، لا تُعد الأيديولوجيا بالضرورة ذات طابع ديني. فالمقاتلون يحرّكهم طيف من العوامل، من بينها الأمن والهوية والعدل والمغامرة وحتى احتمال الموت. تحظى داعش بشعبية لأنها تقدم بديلًا للشباب والمحرومين والمحبطين. هي تمنح الإحساس بالانتماء والتوجيه والمكانة والمكافأة، وهي تفعل هذا عبر استراتيجيات تجنيد وعلاقات عامة متطورة للغاية. هذا يساعد التنظيم على استغلال المظالم المحلية حول العالم، وإشعال الحماسة الثورية وسط الجماعات المنتمية لهويات مختلفة. في مقابل كل مقاتل يلقى مصرعه، يكون هناك شخص آخر يمكن تجنيده، ومقابل كل شبر أرض تتم خسارته، يكون هناك جزء آخر من الأرض يمكن استعادته لاحقًا. وطالما بقيت الأيديولوجية على قيد الحياة، سيظل التنظيم قائمًا، يتحيّن فرصته.

الفوضى:

إن الأوضاع التي أدّت لترسيخ أقدام داعش في العراق وسوريا، لا تزال قائمة. بعد تصاعد نفوذها نتيجة للفراغ الأمني الناجم عن الغزو الأمريكي للعراق، وتزايد قدراتها بشكل هائل عبر استغلالها للصراع في سوريا، تمكّن داعش من استغلال غياب الجهاز الأمني والمظالم العرقية والدينية والحدود سهلة الاختراق في الشرق الأوسط. في مطلع عام 2021، لا يزال العراق يشهد اضطرابات أهلية بسبب البطالة المرتفعة والفساد وغياب الخدمات الأساسية التي من المفترض أن توفرها الحكومية. بالإضافة إلى هذا، يخلق النفوذ الإيراني وتواجد مليشيات وكيلة، والتي كان الهدف منها في البداية هو محاربة داعش، توترات بين السُنّة والشيعة في العراق. أما في سوريا، التي ستدخل حربها الأهلية قريبًا عامها العاشر، فلا يزال الوضع غير مستقر ويتزايد طول أمده بسبب القوى الخارجية والمحلية المنخرطة فيه. ومع غياب أي تسوية سياسية أو عسكرية في الأفق، لا تزال الدولة السورية هشّة للغاية وعرضة لهجمات داعش التي تستغل الديناميات سريعة التغيّر لإعادة ترسيخ أقدامها.

السياسات:

لعل السبب الأكثر إثارة للجدل الوارد في هذا المقال، هو الاستراتيجيات والسياسات المتبعة في مكافحة داعش وفي الحرب على الإرهاب عمومًا. إن الإجراءات العقابية التي نُفذت على الأرض، مثل حرب الطائرات المسيّرة والانتهاكات بحق السجناء في “أبو غريب” وغوانتانامو”، عززت من خطاب داعش الدعائي حول “الغرب العدواني”. بالمثل، فإن الإجراءات المحلية لمكافحة الإرهاب التي يتّبعها الغرب، مثل استراتيجية المنع في المملكة المتحدة، زادت من تهميش الشباب المسلم، وربما أدّت على نحو بشع لدفع البعض نحو التطرف. بالإضافة إلى مضمونها المريب، أدّى غياب أي استراتيجية منسجمة ومتسقة، كما هو الحال مع قرار الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترمب بالتخلي عن “قوات سوريا الديمقراطية” – التي تعدّ حليفًا مهمًّا في الحرب على داعش- لخلق حالة عدم استقرار وهيأ الظروف المواتية لتلاعب داعش. بصرف النظر عن اختلاط هذه الردود المتباينة والتبسيط المفرط لهذا الوضع المعقد، إلا أن عدم وجود استراتيجية واضحة وعقلانية “مشتركة”، ربما كان ضرره أكثر من فائدته في الحرب على داعش.

لكن العامل الأكثر إثارة للقلق فيما يتعلق بالسياسات المتعبة ضد داعش، ربما يكون الافتقار الملفت لأي سياسة تجاه قضية السجون ومعسكرات المشردين في أراضي داعش السابقة. تتسم المعسكرات، مثل معسكر “الهول” بالقرب من الحدود السورية – العراقية، والذي يأوي عائلات مقاتلي داعش، بازدحامها وعنفها الشديدين، فضلًا عن تحولها إلى “بؤر اعتناق أفكار متطرفة” لأفرادها البالغ عددهم 70 ألف شخص، أغلبهم من الأطفال. لقد أُلقيت مسئولية التراجع السريع في الوضع الأمني داخل هذه المعسكرات، على عاتق “قوات سوريا الديمقراطية” العاجزة عن الحدّ من انتشار أيديولوجية داعش. في تلك السجون، ينتظر العديد من المقاتلين الأجانب انتظارًا مضنيًا، فيما ترفض حكومات بلادهم استعادتهم من أجل معاقبتهم أو إعادة دمجهم، ويخلق هذا الوضع قنبلة موقوتة من أفراد يعانون ويحاصرهم العنف ولا يملكون أي أمل في المستقبل سوى السقوط في مصيدة نفوذ داعش وأمنها النسبي.

جائحة كورونا:

تركت جائحة كورونا أثرها على جميع أنحاء العالم تقريبًا وعلى كل صناعة أو نشاط بشري. بالنسبة لداعش، وفرت كورونا فرصة كبيرة للاستغلال، بينما تكافح حكومتا العراق وسوريا للتصدّي لهذه الجائحة، لم يعد لديهما سوى موارد محدودة لمحاربة داعش. يعتقد كثير من المحللين أن تزايد هجمات داعش عام 2020 كان نتيجة مباشرة للثغرات الأمنية الناجمة عن الانشغال بـ كوفيد19، وهذا ينطبق أيضًا على بقية العالم. مع تحول الاهتمام نحو الصحة العامة والأزمات الاقتصادية التي جلبها هذا المرض، باتت الدول الوطنية تنكفئ على ذاتها شيئًا فشيئًا، إذ تراجع الاهتمام بالسياسة الخارجة لصالح التعامل مع قضايا محلية أكثر إلحاحًا. كما وجد داعش أيضا طرقًا جديدة لاستغلال تفشي الجائحة. في مطلع عام 2020، طلب داعش من أتباعه الموجودين بالفعل في الدول الغربية، بالتقاط عدوى الفيروس ونشره وسط “الأمم الصليبية”. في الوقت ذاته، زعم قادة داعش أن المسلمين المؤمنين لن يصيبهم المرض، مُشددة على أن هذا المرض هو عمل من أعمال الله – أي أنه عقاب للكفار وأعداء نسختهم من الإسلام. وحفّزت هذه المزاعم من جهود التجنيد التي يقوم بها داعش، وذلك عبر تسليطه الضوء على إخفاق الحكومات في حماية شعوبها، مانحًا أملاً مزيفًا بالحماية عبر الانتماء لصفوفه.

الخلاصة

بالرغم من المزاعم التي تقول إن داعش تعرض للهزيمة، إلا أن خسارة الأراضي أضعفت التنظيم لكنها لم تدمره، ويُظهر التنظيم عدة إشارات على عودته من جديد.

على المدى القصير، من المرجح أن يكون هذا الانبعاث بطيئا وتدريجيًا. مثل بقية العالم، وضعت جائحة كوفيد19 عراقيل ملموسة في طريق داعش. فتشديد المراقبة على الحدود، وتعليق السفر وفرض قيود على استخدام الفضاء العام، يعرقل قدرة داعش على الحركة. مع هذا، فإن انعدام الاستقرار والتحول المستمر في ديناميات القوة في العراق وسوريا، يخلقان فرصة متميزة للتنظيم، ومع عجز المؤسسات الأمنية والحكومية أو عدم رغبتها في حل هذه المشكلة، وانشغال الأطراف الدولية ذات المصلحة بأزماتها الصحية والاقتصادية والسياسية، سيواصل داعش النمو. في عام 2021، من المرجح للغاية أن تشهد سوريا والعراق اتجاهًا تصاعديًّا في الهجمات على مؤسساتهما وبنيتهما التحتية وشعبيهما. ستواجه الأجهزة الأمنية الموجودة الآن لعبة القط والفأر، مع استيلاء داعش أو استعادتها مساحات صغيرة من الأراضي في المنطقة.

على المدى الأطول، ستشكّل الجائحة خطرًا يتمثل في تركها وراءها عددًا هائلًا من المهمشين والمحرومين. في جميع أنحاء العالم، سيسيطر الشعور بعدم الأمن والغضب على هذه الشرائح الاجتماعية التي تشعر بأن تعامل حكوماتها مع الجائحة تسبب في تركها وحيدة دون مساعدة. لو اقترن هذا بصعوبات اقتصادية، وخصوصًا لو كان هناك تمييز يُمارس ضد جماعة ذات هوية مميزة، فقد يترك هذا الباب مفتوحًا أمام داعش لاستغلال هذه المظالم المحلية عبر شنّها حملة استهداف وتجنيد بارعة، كما فعلت في إفريقيا وجنوب آسيا. بالإضافة إلى العنف المحلي، يوفر هذا أيضًا لداعش موجة من المجندين الذين قد يتشجعون، في عالم ما بعد الجائحة، للسفر إلى الشرق الأوسط. عندما يقترن هذا بوجود مشردين وأفراد ليس لديهم جنسية في المنطقة، فسينشأ وضع خطير ينمو فيه داعش بسرعة محاولًا إعادة تأسيس خلافته الفعلية.

بالطبع، تعتمد هذه الاحتمالات على سلسلة من استجابات السياسة العامة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي. على سبيل المثال، لو تمكنت الدول، لا سيما تلك التي تُوصف بأنها هشّة، من الحدّ من التوزيع الظالم المزعوم أو الحقيقي للموارد في استجابتها للجائحة، فربما يساهم هذا في تقليص عدد الأفراد المتاحين لداعش. في الشرق الأوسط، لو كانت الجهود الإقليمية المبذولة لتهيئة الظروف المناسبة للسلام محددة تحديدًا واضحًا ومنسقة جيدًا ومتمحورة حول أمن الإنسان وليس المصلحة الوطنية، فربما تقلّل هذه الجهود من انعدام الأمن وتعزز من قدرة القطاعات الأمنية على التصدّي بفاعلية لداعش. على الصعيد الدولي، ربما يتمكن العالم من قلب الأوضاع في حربه طويلة الأمد مع داعش والجماعات المتطرفة الأخرى، وذلك في حال أعاد العالم التفكير بشأن التوجهات التي شكّلت الحرب على الإرهاب، وعمل على توضيح القوانين المتعلقة بالمقاتلين الإرهابين الأجانب، بحيث يكون هناك توازن بين العدل وحقوق الإنسان.            

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا