نيويورك تايمز| ما هي ردود الأفعال الدولية إزاء مساعي الولايات المتحدة لإجراء محادثات مع إيران؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

في آخر مرة حاولت الولايات المتحدة التفاوض على اتفاق نووي مع إيران، كان رد فعل الحكومة الإسرائيلية صريحًا وشرسًا. ففي السنوات التي سبقت اتفاق إيران عام 2015 مع واشنطن والعديد من القوى الدولية الأخرى، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” المفاوضات كثيرًا بأنها “خطأ تاريخي”.

غير أن الإعلان الرسمي يوم الجمعة الماضي عن سعي إدارة بايدن للعودة إلى المفاوضات النووية مع إيران، بعد انهيار اتفاقية عام 2015 في عهد الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، لم يُثِرْ ردَّ فعلٍ عنيفًا حادًا في القدس فقط، ولكن أيضًا في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين تعارضان أيضًا التقارب السخي مع إيران.

ربما يتوارى رد الفعل الخافت من الخصوم الإقليميين لإيران وراء تيار خفي قوي من التشاؤم والتراجع وراء الكواليس ضد قرار الأمريكيين، إذ لا تزال إسرائيل والسعودية والإمارات حذرين من نوايا إيران، وقد أشارت إلى أنها لن تكون منفتحة على صفقة إلا إذا التزمت بالاتفاق السابق، وهو إيقاف برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، وتدخلها في الدول الأخرى، والميليشيات التي تدعمها في العراق ولبنان واليمن وغيرها، فضلاً عن برنامجها النووي.

من جانبه، أصدر مكتب نتنياهو بيانًا مقتضبًا تجنب التعليق المباشر على النية الأمريكية للتفاوض، غير أنه أشار إلى أن إسرائيل على اتصال بالولايات المتحدة، وقال البيان إن الموقف الإسرائيلي من الاتفاق النووي “لم يتغير”، وإن إسرائيل “تتمسك بتعهدها بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، ولم تغير موقفها في هذا الصدد”، لافتًا إلى أن إسرائيل “تؤمن بأن العودة للاتفاق النووي السابق ستؤدي إلى تمهيد الطريق أمام إيران لامتلاك ترسانة نووية”.

فيما قال دبلوماسيون غربيون ومسئولون إسرائيليون سابقون إن الإسرائيليين قبلوا الحاجة إلى التعامل بشكل بنّاء مع واشنطن بدلاً من رفض المفاوضات. وقال “تساحي هنغبي”، وزير شئون المجتمع الإسرائيلي، إن الحكومة الإسرائيلية لا تعارض المفاوضات في جوهرها، ولكن كان على المحادثات أن تسفر عن صفقة أفضل من تلك التي كانت في عام 2015، والتي أدانتها إسرائيل ودول الخليج؛ لأن قيودها على الأنشطة النووية الإيرانية ستنتهي في غضون 15 عامًا، كما أنها لم تقدّم شيئًا لكبح النشاط العسكري الإيراني عبر الشرق الأوسط.

وأضاف هنغبي: “نود أن تؤكد المفاوضات ما يود العالم أن يراه: اتفاق لفترة أطول، لمدة 50 عامًا على الأقل، إن لم يكن أكثر.. كما ينبغي أن يكون الاتفاق صالحًا لأجيال، وأي شيء آخر لن يحقق هدف منع إيران نووية”.

من ناحية أخرى، التزم المسئولون السعوديون والإماراتيون الصمت، في حين قال محللون إن الدولتين الخليجيتين شعرتا بالغضب لاستبعادهما من المفاوضات الأخيرة، إلا أنهما شاهدا تواصل إدارة بايدن مع طهران باستسلام، ولا يمكنهما إلا أن تأملا في أن تفي الولايات المتحدة بوعودها بالتأكيد على المصالح الخليجية في المحادثات.

من جانبه، قال “عبد الخالق عبد الله”، أستاذ العلوم السياسة في الإمارات: “علينا فقط أن نثق في الإدارة الأمريكية الجديدة.. ليس لدينا أي خيار.. إنها مصممةٌ حقًّا على التواصل مع إيران، لذلك لا توجد طريقة يمكن لأي شخص أن يوقفها بها”، إلا أنه أقر بأن هناك ما يمكن تحقيقه، قائلًا: “إذا كانت النتيجة النهائية هي مواجهة أقل مع إيران، وأن تكون أقل عدوانية وأقل توسعية، فهذا حُلمٌ من نوعٍ ما”.

فيما قال “عاموس يادلين”، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، إن تحفظ الحكومة الإسرائيلية يعكس نهجًا أقل عدوانية تجاه صنع سياسة إدارة بايدن مما هو عليه مع الرئيس “باراك أوباما”، على الأقل في البداية، وقال: “عمليًّا، لن تواجه إدارة بايدن بشكل مباشر”، ستنتظر قليلًا لترى مدى تفاعل الإيرانيين وكيف تتطور المفاوضات.

أما من وراء الكواليس، فإن إسرائيل تضغط بالفعل على الولايات المتحدة من أجل اتفاق أكثر صرامة بشأن إيران، حيث سيسافر رئيس الموساد، “يوسي كوهين”، وفريق من الخبراء قريبًا إلى واشنطن لإطلاع كبار المسئولين الأمريكيين على ما يرون أنه تهديدات لا تزال تشكّلها إيران، على أمل إقناع الولايات المتحدة بالتمسك بفرض قيود أكثر حزمًا على إيران في أي وقت، وفق ما صرح به مسئولان إسرائيليان كبيران.

وقال مسؤولون في الاستخبارات الإسرائيلية إن إيران انتهكت بشكل صارخ شروط الاتفاق النووي الأصلي، ولا زالت تخطو خطوات حثيثة لتطوير رأس حربي نووي، وهي مزاعم تنفيها إيران. أما في أوروبا وروسيا والصين، التي أيدت الاتفاق الأصلي وعارضت انسحاب ترامب منها، فكان رد الفعل إيجابيًّا، حيث كتب وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس” على تويتر: “الولايات المتحدة تعطي الدبلوماسية فرصة.. ونحن نرحّب بهذا صراحة وندعمه”. كما حذر “ماس” إيران من اتخاذ إجراءات متشددة في وقت بدا فيه الحل الدبلوماسي ممكنًا، وقال: “الآن يجب على القادة الإيرانيين إظهار أنهم جادون”.

وفي روسيا – حليف إيران وإحدى الموقّعين على الاتفاق النووي – أشاد الكرملين بكيفية تراجع البيت الأبيض أيضًا عن مساعي إدارة ترامب لإعادة عقوبات الأمم المتحدة على طهران، وقال “ديمتري بيسكوف” المتحدث باسم الرئيس “فلاديمير بوتين”: إن “رفض الدعوة إلى فرض عقوبات أمر جيد بحد ذاته”، مرجحًا أن يكون هذا الحدث علامة “إيجابية”.

من جانبها، أكدت الصين، التي وقّعت اتفاقية تجارية وعسكرية مع إيران العام الماضي، مجددًا يوم الجمعة أنه يجب على الولايات المتحدة العودة “دون قيد أو شرط” إلى الاتفاق النووي، وكانت قد عارضت إعادة التفاوض بشأن اتفاقية جديدة في الماضي. وقالت “هوا تشون ينج”، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، في مؤتمر صحفي: إن العودة غير المشروطة “هي المفتاح لكسر الجمود”.

أما مسئولو إدارة بايدن فقد قالوا، يوم الجمعة، إن الخطوة التالية هي الخطوة الإيرانية، وأنهم لا ينوون تقديم تنازلات أو حوافز لطهران للانضمام إلى المفاوضات، وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض “جين بساكي” للصحفيين الذين سافروا مع الرئيس بايدن على متن طائرة الرئاسة: “لا نتوقع اتخاذ خطوات إضافية”، فيما قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية إن أي إجراءات أمريكية، مثل رفع العقوبات عن إيران، يجب أن تُناقش على طاولة المفاوضات.

هذا، ولم يرد المسئولون الإيرانيون رسميًّا على اقتراح بايدن يوم الجمعة، على الرغم من أن العديد من المسئولين قالوا يوم الخميس إن إيران من المحتمل أن تنضم إلى المحادثات، غير أنهم أكدوا موقفهم بأن الولايات المتحدة يجب أن ترفع العقوبات أولًا قبل أن تعود إيران إلى التزاماتها بموجب الاتفاق النووي.

بدوره، كتب المتحدث باسم وزارة الخارجية “سعيد خطيب زاده” على تويتر: “الإشارات جيدة”، لكنه قال إنه من أجل إحياء المحادثات النووية؛ فإن “على الولايات المتحدة أن تتحرك لرفع العقوبات ونحن نستجيب”.

وفي الخليج العربي، كان حلفاء الولايات المتحدة، الذين ينظرون إلى إيران على أنها تهديد كبير، ينتقدون المحادثات المحتملة، حيث أوضح “علي الشهابي”، المعلق السياسي السعودي المقرب من الحكومة، إن المملكة العربية السعودية كانت تشير إلى إدارة بايدن منذ شهور بأنها تدعم إعادة التفاوض مع إيران، ولكن فقط إذا كان الهدف هو اتفاق ذو قيود إضافية على سلوك طهران الإقليمي، وقال: “إن شعب بايدن يصدر كل الأصوات الصحيحة، لكن لا يوجد دليل على ذلك”.

بينما حذر “محمد اليحيى”، رئيس تحرير الموقع الإنجليزي لقناة العربية الإخبارية المملوكة للسعودية، الذي وصف استئناف المفاوضات مع إيران بأنه “أمر محيّر للعقل تمامًا”، من أن رفع العقوبات عن إيران سيعني التخلي عن كل نفوذ اكتسبته إدارة ترامب عبر حملة الضغط الأقصى من العقاب الاقتصادي، تاركة لطهران أن تفعل ما يحلو لها. وقال اليحيى: “لقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل.. إذ إن العودة إلى نفس الصفقة ستؤدي إلى ذات النتائج الدقيقة التي حققتها الصفقة الأولى: تزداد سلطة إيران، وستحاول سريعًا استعادة نفوذها الإقليمي الذي فقدته نتيجة حملة الضغط الأقصى.. إن هذا النظام لن يتصرف بحسن نية أبدًا”.

ومع ذلك، وفي خضمّ حالة من الفتور في العلاقات الأمريكية السعودية، قال مسئولو بايدن إنهم سيعيدون ضبط العلاقة بعد أربع سنوات من الراحة بين إدارة ترامب والسعوديين، فيما أكدت الاتصالات الرسمية السعودية على الإيجابية في التعامل مع إدارة بايدن حتى الآن، وفق ما صرحت به “إيمان الحسين”، المحللة السعودية في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، وقالت الحسين: “إنهم يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم جزء من حل هذه المشاكل”، مُرجعةً ذلك جزئيًّا إلى “جو التخوف” بشأن علاقة المملكة غير المؤكدة مع الولايات المتحدة.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا