مودرن دبلوماسي | سوريا ولبنان.. علاقة معقدة وتقاطع بين الطاقة والجغرافيا السياسية

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

تستمر سوريا في كونها ساحة للتنافس بين روسيا والولايات المتحدة للسيطرة على حقول النفط والغاز وطرق النقل التي تجلب مصادر الطاقة للمستهلكين، في حين تسعى روسيا لتوسيع نفوذها في مجال الطاقة في سوريا، لا سيما في المناطق الخاضعة للمتمردين المدعومين عسكريًّا من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا ولبنان المجاور، وذلك عبر ساحل سوريا على البحر المتوسط.

إن قرار الحكومة السورية بتوقيع عقود استكشاف وإنتاج مع شركتي الطاقة الروسيتين (Mercury LLC) و(Velada LLC) في ثلاثة مربعات في مناطق مختلفة من سوريا، يضمن تحقيق الأهداف الروسية. تتضمن عقود استكشاف النفط والغاز، حقل غاز شمال دمشق، وحقول نفط في غرب “دير الزور”، وبالقرب من بلدة الرصافة المنتجة للنفط في شمال شرق سوريا، وأفادت تقارير أيضًا بأن شركات طاقة روسية فازت بعقود لاستكشاف مواد هيدروكربونية في ثلاثة مربعات قبالة ساحل سوريا على البحر المتوسط، فيما أجرت سفينة روسية عملية رسم خرائط جيوفيزيائية في أرجاء المياه الإقليمية اللبنانية والسورية لاستكشاف الغاز.

إن وجود شركتي الغاز الروسيتين (Mercury LLC) و (Novatek)، اللتين تربطهما علاقة مباشرة بالكرملين، في المربعات البحرية السورية واللبنانية، يشير إلى مشاركة روسية طويلة الأمد في شئون الطاقة الجيوسياسية في شرق المتوسط.

ولا شك أن العقوبات الجديدة المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر”، والتي دخلت حيز التنفيذ في يونيو 2020، هي أداة أمريكية لمنع الشركات الروسية من تنفيذ أعمال تجارية في القطاعين النفطي والعسكري في سوريا، وإعادة تأهيل البنية التحتية للطاقة في هذا البلد. ويعزز وجود شركة “ديلتا كريسنت إنيرجي” (Delta Crescent Energy) الأمريكية الصغيرة في شمال شرق سوريا، من مصالح الطاقة الأمريكية في المنطقة، ويقوّي من التحالف الأمريكي مع “قوات سوريا الديمقراطية”.

إن تمديد وزارة الخزانة الأمريكية للإعفاء الممنوح لشركة “ديلتا كريسنت إنيرجي”، للسماح لها بتطوير حقول النفط والغاز وتجديد البنية التحتية للطاقة في شمال شرق سوريا، يُظهر التزامًا أمريكيًّا بالبقاء لمدة طويلة في سوريا.

في الواقع، تخطط شركة “ديلتا كريسنت إينرجي” لبناء مصفاة تكرير في شمال شرق سوريا بتكلفة 150 مليون دولار، ويهدف هذا لتقليل اعتماد منطقة شمال شرق سوريا على حكومة الأسد، حيث لا تمتلك هذه المنطقة حاليًا قدرة تكرير، ونتيجة لهذا يُباع كل النفط الذي تستخرجه “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من أمريكا لحكومة الأسد، ثم يتم شراؤه مجددًا بعد تكريره. وقد وقّعت شركة “ديلتا كريسنت إينرجي” عقدًا مع “قوات سوريا الديمقراطية”، لا يشمل فقط استكشاف موارد الطاقة وتطويرها، ولكن يشمل أيضًا تشييد بنية تحتية للنقل، حتى تصل منتجات الطاقة السوق الدولي عبر تركيا أو إقليم كردستان العراق.

في هذا السياق المعقد، يبدو أنه سيكون من المفيد للغاية توجيه عوائد النفط والغاز للتخفيف من الأزمة الإنسانية في سوريا وترميم البنية التحتية الأساسية.  أما في لبنان المجاور، دفع الارتفاع الكبير في حالات الإصابة بكورونا وانخفاض أسعار البترول عالميًّا، الحكومة اللبنانية، للمرة الثالثة، لتأجيل الجولة الثانية لمنح تراخيص التنقيب حتى نهاية عام 2021. إن هذا التطور، بالإضافة إلى الفشل في العثور على كميات غاز ذات قيمة تجارية في المربع رقم أربعة، يمنعان لبنان من المضي قدمًا في تنفيذ مشاريع مرتقبة منذ زمن طويل، مثل إنشاء منصات غاز طبيعي مسال ووحدات إعادة تحويل وتخزين غاز عائمة، بالإضافة إلى هذا، فإن غياب مقدمي العطاءات أو الممولين المحتملين، يؤجّل بناء محطات طاقة تعمل على تحويل الغاز إلى كهرباء للاستهلاك المحلي.

إن تطوير مخزونات لبنان الهيدروكربونية، يواجه تحديات محلية وخارجية، تتراوح بين غياب آليات مؤسساتية لتعزيز الشفافية والمحاسبة، وصولًا إلى تعقيدات جيوسياسية تُعرقل استغلال المربع رقم تسعة الواقع على الحدود البحرية المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل، كما أن نتائج التنقيب السلبية في المربع رقم أربعة، الواقع في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، أظهرت غياب الشفافية في هذا البلد، وقد أثارت عددًا من نظريات المؤامرة. من بين نظريات المؤامرة تلك، أن اتحاد الشركات المسئول عن التنقيب في هذا المربع، عثر على غاز ولكنه أُجبر على تزوير تقريره لأسباب سياسية. في الواقع، فإن نظريات المؤامرة هذه تبرز في وقت يواصل فيه النظام السياسي الحالي في لبنان فشله في معالجة المشاكل الاقتصادية المتجذرة بهذا البلد.

إن آمال استخراج الغاز في لبنان ترتكز على استكشاف المربع رقم تسعة الذي تزعم إسرائيل أحقيتها في جزء منه، وقد أظهر لبنان توجّسه من بدء إسرائيل أنشطة استكشاف عن النفط والغاز في منطقة بحرية قريبة من المربع رقم تسعة، وداخل المربع رقم 72، المعروف سابقًا باسم “ألون دي” (Alon D)، الواقع في الجزء الشمالي للمنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل. الأمر الملفت هنا هو أن إسرائيل نشرت خريطة (في إطار جولة منح التراخيص الدولية البحرية الرابعة) لا تمدد الحدود الشمالية للمربع رقم 72 إلى داخل المنطقة البحرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، ويُمكن النظر إلى هذا باعتباره مبادرة لتخفيف التوترات الثنائية، وترك مساحة لوساطة طرف ثالث.

لقد استُؤنفت الوساطة الأمريكية لتسوية النزاع اللبناني – الإسرائيلي على المنطقة البحرية البالغة مساحتها 854 كيلومتر، في أكتوبر 2020، بقاعدة لقوات “اليونيفيل” الأممية المكلفة بحفظ السلام، وجرت نقاشات بشأن خريطة مُسجلة لدى الأمم المتحدة عام 2011، إذ طالب لبنان بالحصول على مساحة بحرية إضافية تبلغ 1.430 كيلومتر مربع جنوبًا، تمتد جزئيًّا داخل حقل “كاريش” الإسرائيلي للغاز المملوك من جانب شركة يونانية صغيرة اسمها (Energean Oil & Gas). على الجانب الآخر، طالبت إسرائيل بمدّ الحدود البحرية شمالًا، انسجامًا مع موقفها التقليدي بأنه يحق لها الحصول على اكتشافات الغاز المحتملة في المربع رقم تسعة.

لقد جرى طرح عددٍ من الاقتراحات لحل هذا النزاع البحري، ما قد يساهم في إطلاق العنان لإمكانيات الطاقة للبنان وإسرائيل، وأبرز هذه الاقتراحات هو الاقتراح الذي طرحه “ديفيد سترفيلد”، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق، والذي يرتكز على تأسيس صندوق ائتماني مشترك خاضع لإشراف الأمم المتحدة، يتم توزيع عوائده على لبنان وإسرائيل وفقًا لاتفاق يراعي نسب مشاركة الأرباح وتوزيعها بين البلدين.

هناك اقتراح آخر ظهر مؤخرًا، ويتمحور حول تولي الإمارات دورًا إيجابيًّا في النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل، وذلك عبر حصول الإمارات على حصة تشغيل وتطوير في مربعات الغاز الإسرائيلية الشمالية ومربعات لبنان الجنوبية. إجمالاً، فإن أي اتفاق توحيد إنتاج محتمل، يمكن أن يضمن إجراء عملية تطوير وإنتاج مشتركة لمخزونات الطاقة في الحدود البحرية المتنازع عليها، وتحقيق أقصى استفادة من الاستخراج الاقتصادي للغاز من التراخيص الممنوحة للتنقيب في مناطق التعاقد.

ومن الواضح أنه يتعيّن على سوريا ولبنان دراسة الفرص المتاحة فيما يتعلق بأمور التمويل ومشاركة العوائد والعلاقات السياسية مع بلدان أخرى. وبالرغم من التحديات، إلا أن هناك مصلحة لهذين البلدين في ضمان عدم استبعادهما أو تأخرهما عن ركب التعاون الإقليمي في مجال الطاقة؛ وبالتالي، فإن الوقت له أهمية قصوى في هذا الصدد.      

للإطلاع على الرابط الأصلي إضغط هنا    

ربما يعجبك أيضا