موقع عالم الغاز الطبيعي | ما الدور الذي تلعبه مصادر الطاقة في تحولات الشرق الأوسط الجيوسياسية؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

إن نظرة واحدة على مزيج الطاقة اليوم كفيلة بالتذكير بأن مصادر الطاقة الأحفورية – النفط والغاز والفحم – لا تزال تهيمن على نظام الطاقة العالمي. ومن المهم فعلًا وضع هذه الحقيقة في الاعتبار عند التفكير في تحويل الطاقة، وهي محاولة تحقيق نظام طاقة خالٍ من الانبعاثات تمامًا بحلول عام 2050 للحفاظ على متوسط ​​درجة الحرارة العالمية أقل بكثير من 2 درجة مئوية. ونظرًا لأن قطاع الطاقة يمثّل أكثر من ثلثي إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري – نحو 32 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون– أصبح النفط والغاز أهدافًا أساسية لخفض الانبعاثات وتطبيق إجراءات سياسية عليهما.

وفي الوقت نفسه، أصبحت مصادر الطاقة المتجددة، وتخزين الطاقة (البطاريات) وناقلات الطاقة غير الكربونية (الهيدروجين)، وتقنيات الحد من الكربون، سمات أساسية لخرائط طريق خالية من الانبعاثات. وهذا يبدو منطقيًّا، فقد انخفضت تكلفة مصادر الطاقة المتجددة بنسبة تزيد عن 80% في العِقد الماضي؛ ما يجعل التكلفة المعيارية لإنتاج الطاقة المتجددة ذات تكلفة تنافسية مقابل الوقود الأحفوري؛ وبالمثل، انخفضت تكاليف خلايا البطاريات إلى النصف على مدار السنوات الخمس الماضية من 230 دولارًا أمريكيًّا/كيلووات ساعة في عام 2015 إلى 110 دولارات أمريكية/كيلوواط ساعة في عام 2020. وسيؤدي تزايد كهربة نظام الطاقة – حيث من المتوقع أن ينمو استهلاك الكهرباء من الآن حتى عام 2040 – إلى زيادة منافستها للوقود، خاصة وأن مصادر الطاقة المتجددة والغاز لها نصيب أكبر في مزيج الطاقة العالمي.

ومع ذلك، فإن المسارات إلى الحالة الصفرية من الانبعاثات ستكون بعيدة كل البعد عن السلاسة.

فبينما تتزايد مصادر الطاقة المتجددة وتزداد التدفقات الاستثمارية، هناك جيوب للطلب لن تلبيها مصادر الطاقة المتجددة (مثل الطيران والنقل البحري). وبالمثل، فإن النشر الكامل لطاقة الرياح والطاقة الشمسية والاستيعاب السريع للمركبات الكهربائية لن يكون كافيًا لإبقاء الاحتباس الحراري العالمي أقل من 2 درجة مئوية. بينما لا تزال تقنيات الحد من الكربون في القطاعات التي يصعب معالجتها وقطاعات الانبعاثات الشديدة مثل الفولاذ في مهدها.

في الواقع، إن التكلفة التنافسية لتقنيات الحد من ثاني أكسيد الكربون ليست صفقة نهائية. فإذا جئنا للبطاريات، فبينما تحسنت كيمياء الخلايا وتصميمها بشكل كبير خلال العقد الماضي (وهو ما يساعد على تحسين كثافة الطاقة)، إلا أن “تحويل الطاقة” يُعدّ أيضًا “تحويلًا للسلع الأساسية”؛ ما يؤدي إلى زيادة الطلب على معادن مثل النيكل والليثيوم والكوبالت والمنجنيز. ولأن غالبية تكلفة الخلية تأتي من الكاثود، تظل حساسيات تكلفة مدخلات المواد الخام من القضايا الرئيسية، لا سيما في ظل التوقعات الصعبة لأرصدة المواد الخام على مدى السنوات القادمة.

وبالمثل، فإذا أخذنا في الاعتبار التقنيات المهمة الأخرى مثل احتجاز الكربون وتخزينه، فإن تكاليف الدورة الكاملة تظل أعلى بكثير من أسعار الكربون الحالية؛ ما يستدعي الحاجة إلى مزيد من التدخل في السياسات.

أما بالنسبة للغاز، ففي حين أنه من المقرر أن تنمو حصته في مزيج الطاقة حتى عام 2040، فإن إزالة الكربون من سلسلة القيمة تظل أمرًا أساسيًّا، لا سيما بالنظر إلى دور تسرب الميثان (الأكثر ضررًا من ثاني أكسيد الكربون) والحاجة إلى أن تظل ذات صلة كوقود تحويلي. ولأن الدول الرئيسية المستوردة للغاز الطبيعي المسال، مثل اليابان، قد وضعت أهدافًا نحو صفر انبعاثات، فإن مرافق الغاز الرئيسية، مثل طوكيو غاز وجيرا ستدفع، كثيرًا للغاز الطبيعي المسال منخفض الكربون، وهو ما يخلق فائزين وخاسرين جددًا في السوق.

أخيرًا، في حين أنه من المتوقع أن ينخفض ​​الطلب المطلق على النفط من عام 2035 إلى عام 2040، فإن نمط الطلب على النفط سيتحول حسب المنتج وعبر المناطق الجغرافية؛ ما يخلق تدفقات تجارية جديدة، واختلالًا كبيرًا في الأسعار، ونتائج جيواستراتيجية جديدة. فعلى سبيل المثال، بينما يدخل الجازولين وزيت الوقود في مرحلة تدهور هيكلي، من المتوقع أن ينمو الطلب على غاز البترول المسال والنافتا والإيثان مع نمو الطلب على البتروكيماويات خلال العقد المقبل.

وفي ضوء هذه الصورة، فإن إيجاد نتائج واضحة للدول بناءً على ملامحها الاقتصادية ومزيج الطاقة والتحولات التي يُرجح حدوثها على مدى الثلاثين عامًا المقبلة، تبدو محاولات مبسطة، فلن يكون انتقال الطاقة محايدًا من الناحية الجيوسياسية ولن تكون نتائجه متوقعة.

* هل سيكون الشرق الأوسط الخاسر الأكبر؟

النفط هو أساس الاقتصاد والهياكل السياسية في منطقة الشرق الأوسط. فإلى جانب كونها أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، فهي تضم ما يقرب من نصف احتياطيات النفط المؤكدة في العالم وأكثر من ثلث احتياطياتها من الغاز، كما أنها لا تزال أيضًا إحدى أكثر المناطق كثافة في استخدام الطاقة على مستوى العالم، فالنمو السكاني القوي، والدعم، والطلب على الطاقة للتبريد وتحلية المياه، كلها عوامل أساسية في زيادة الاستخدام.

وقد ساهم دور المنطقة كمصدرٍ رئيسٍ للنفط والغاز في تشكيل مكانتها الجيوسياسية بالطرق التالية:

  • المظلة الأمنية الأمريكية الخليجية: وهي لم تشُكَّل تاريخيًّا من خلال دور الولايات المتحدة كمنتج ومستهلك فقط، بل أيضًا من خلال الدور الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية في أسواق النفط كأقوى عضو في منظمة أوبك، إضافة إلى قدرتها الإنتاجية الفائضة، سواء كأداة إشارة أو كآلية لامتصاص الصدمات الجيوسياسية للعرض.
  • هيمنة قطر على أسواق الغاز الطبيعي المسال: سمح التوسع في قدرة شركة “قطر للبترول” في تسييل الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى غاز، وشركائها من شركات النفط الدولية، لقطر باتباع سياسة خارجية توسعية وتحصين نفسها من الصدمات الجيوسياسية الكبرى (على سبيل المثال مقاطعة دول الخليج لها). 
  • علاقات روسيا الاستراتيجية مع الشرق الأوسط: فك الارتباط الاستراتيجي للولايات المتحدة من الشرق الأوسط الأوسع وتسليح أدوات التجارة الأمريكية (على سبيل المثال العقوبات ضد إيران وفنزويلا وروسيا) أعطت دولًا مثل روسيا فرصةً استراتيجية لتوسيع دبلوماسيتها في مجال الطاقة في المنطقة. وعلى الرغم من انخراط موسكو العميق (بعد عِقد من انعدام الثقة) مع أوبك منذ عام 2016 (تشكيل أوبك + موجب إعلان التعاون)، فقد أقامت روسيا أيضًا علاقات استراتيجية مع قطر (حيث أصبح جهاز قطر للاستثمار مساهمًا في شركة روسنفت في عام 2016)، والعراق (حيث تظل شركات جازبروم ولاكويل وروسنفت تشارك بنشاط، سواء كمشغلين أو متعهدين أو مساهمين في البنية التحتية الحيوية) والإمارات العربية المتحدة.
  • زيادة التركيز على الأسواق الآسيوية: مع بلوغ الطلب الأوروبي على النفط ذروته في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ونمو النفط الأمريكي الذي غيّر موازين النفط في البلاد، تسارعت تدفقات النفط الخام في الشرق الأوسط من تحولها شرقًا طوال العقد الماضي، ليؤدي ذلك لتكثيف التنافس بين المصدرين، عبر تحولات تركيبة التسعير المادي واستثمارات التكرير (والتخزين) الخارجية التي يجريها كبار منتجي النفط في الخليج، مثل السعودية والإمارات والكويت.

في ضوء هذه الخلفية، فإن الافتراضات بأن تكون دول الشرق الأوسط هي “الخاسر الأكبر” في تحول الطاقة (يرجين، 2020) تبدو قائمةً على الافتراضات التالية:

  • سوف يتباطأ نمو الطلب على النفط، ثم يستقر في النهاية ويتراجع، وسيحدث انخفاض أسعار النفط لمعظم اقتصادات الشرق الأوسط على خلفية الميزانيات الوطنية الجامدة ماليًّا (حيث تواجه زيادة عجز في الحساب الجاري)، والنمو السكاني المرتفع (والذي سيخلق ضغوطًا في سوق العمل)، والأدوات المالية المحدودة للتغلب على الأزمات.
  • لن يؤدي تراجع النفوذ الاستراتيجي للنفط إلى تآكل القوة المؤسسية والوطنية فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى تآكل المكانة الجيوسياسية، وسيقلب المنطق التنظيمي للترتيبات الجيوسياسية السابقة (على سبيل المثال، دعم القوة الأمريكية الصارمة لدول الخليج).

في حين أنه لا يمكن إنكار أن الهوامش الأكثر إحكامًا، وتوقعات أسعار النفط المنخفضة، واحتمال حدوث دورات نفطية متقلبة قد تؤدي إلى تآكل الوضع الجيوسياسي للمنطقة، فمن المرجح ألا تشكّل الثروات الاستراتيجية للمنطقة فارقًا، حيث لن تقف أي منطقة مكتوفة الأيدي بينما تتجذر القوى التي تشكل تحول الطاقة. والشرق الأوسط ليس استثناءً والدليل الحقائق التالية:

الحقيقة الأولى: لن يفقد منتجو الشرق الأوسط نفوذهم الاستراتيجي مع انخفاض الطلب على النفط. كان أحد الآثار التحويلية لأزمة فيروس كورونا هو هلاك النفقات الرأسمالية للنفط والغاز، ومن المتوقع أن يشهد عام 2021 ما يقرب من 315 مليار دولار من الإنفاق الاستباقي، أي أقل بنسبة 30% تقريبًا من مستويات ما قبل عام 2019 و60% أقل من ذروة 2014 البالغة 752 مليار دولار.

وبالمثل، شهد عام 2020 إعلان شركات النفط الأوروبية الكبرى عن خرائط طريق خالية من الانبعاثات، وإنشاء محافظ لأصول محايدة الكربون تتماشى مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ، وهذه الجهود ليست بالضرورة مدفوعة بمخاوف من ذروة الطلب على النفط، ولكن من مطالب المستثمرين، حيث أعلنت شركة “بريتيش بتروليوم”، على سبيل المثال، عن هدف طموح لخفض إنتاجها من النفط والغاز بنسبة 40% (1.1 مليون برميل يوميًّا) على مدار العقد المقبل، وزيادة محفظتها من الطاقة المتجددة، بهدف الوصول إلى 50 جيجاواط من السعة بحلول عام 2030، (من 2.5 جيجاوات اليوم). وبالمثل، حددت شركة “توتال” زيادة في الطاقة المتجددة المركبة من 7 جيجاوات اليوم إلى 35 جيجاواط بحلول عام 2025. كما تلعب العوائد المستقرة طويلة الأجل التي توفرها مصادر الطاقة المتجددة (والتكاليف الهامشية الصفرية على المدى القصير) دورها في هذا التحول في تخصيص رأس المال.

ومن غير المرجح أن يلبي هذا التراجع في النفقات الرأسمالية العالمية الطلب على النفط على المدى المتوسط؛ ما يوفر فرصًا استراتيجية لمنتجي الشرق الأوسط ذوي التكلفة المنخفضة لتوسيع حصتهم في السوق. فشركة “أرامكو” السعودية لديها أقل تكاليف للرفع في العالم، ولديها خطط لزيادة الإنفاق الرأسمالي لتعويض الانخفاضات الناجمة عن ذلك وزيادة سعة الحقول البحرية (على سبيل المثال، في حقول المرجان والزلوف والسفانية). وبالمثل، تخطط شركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) لتخصيص 122 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة للوصول إلى هدفها البالغ 5 ملايين برميل يوميًّا بحلول عام 2030.

وفي قطاع الغاز، ستعمل توسعة حقل الشمال القطري أيضًا على رفع الطاقة الاستيعابية من 78 مليون طن/سنة إلى 126 مليون طن/سنة خلال العقد القادم. وتحدث توسعات القدرات هذه في وقت يتم فيه تطوير آليات تمويل المشاريع المبتكرة لزيادة رأس المال لاستخراج القيمة من أصول النفط والغاز الإنتاجية ولتطوير أدوات جديدة لتمويل الطاقة. وكان بيع شركة أدنوك الإماراتية العام الماضي لأنابيب الغاز الوسطية أحد الأمثلة على ذلك، ومن المتوقع أن تتبعها أرامكو في تحرك مماثل.

ومع ذلك، ففي حين أنه من المتوقع أن يزداد الطلب على الخام السعودي وخام أوبك خلال العقد المقبل، فلن يستفيد بالضرورة جميع منتجي الشرق الأوسط. في عالم من ضرائب الحدود على السلع المحتوية على الكربون وارتفاع أسعار الكربون، ستكون كفاءة الكربون في النفط والغاز في الشرق الأوسط مقياسًا رئيسيًّا للمنافسة. ومن المعروف، على سبيل المثال، أن شركة أرامكو السعودية لديها ثاني أقل كثافة كربونية – انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لكل وحدة طاقة منتجة – في عمليات التنقيب والإنتاج على مستوى العالم (~ 4.6 جرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون/ميجا جول)، ولم يكن هذا نتيجة لتقنيات فعالة لإدارة التوهج فقط، بل أيضًا لدمج الطاقة الشمسية في معالجة النفط والغاز والقطع المنخفض للمياه لكل برميل (تقليل الممارسات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل إعادة تدوير المياه المنتجة). ومن المرجح أن يفيد ذلك القدرة التنافسية المستقبلية لأكبر شركة تصدير في المملكة العربية السعودية “أراب لايت”. وبالمقارنة، يعدّ إنتاج النفط والغاز في العراق من أكثر إنتاجات النفط كثافة على مستوى العالم، حيث يبلغ متوسط ​​كثافة الكربون نحو 15جرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون/ميجا جول، مدفوعًا بشكل كبير بمعدلات حرق الغاز المرتفعة (أكثر من 18 مليار متر مكعب سنويًّا) وزيادة قطع المياه لكل برميل.

الحقيقة الثانية: سينمو الدور الجيوستراتيجي للغاز في الشرق الأوسط.  سيلعب الغاز دورًا أكبر في قطاع الطاقة في الشرق الأوسط. ومن جانبها، تمضي المملكة العربية السعودية قدمًا في تطوير الغاز غير التقليدي في جنوب الغوار والجفورة؛ ما يساعد على إزاحة السوائل في قطاع الطاقة. وبالمثل، وضعت أدنوك خططًا لزيادة أمن الغاز الخاص بها (زيادة نفوذ التفاوض مع انتهاء صلاحية عقود خطوط الأنابيب، على سبيل المثال، دولفين في عام 2032).

وكان العراق، وهو من أكبر الدول التي تعمل بحرق الغاز واستيرادًا للغاز، قد استمتع باحتمال استيراد الغاز الفائض من كردستان (خور مور)، فضلًا عن تطوير الحقول غير المرتبطة به في غرب العراق ومحافظة ديالى.

إن وجود سوق نفط أكثر تنافسية في ظل تحول الطاقة والاحتياجات المتزايدة للطاقة بسرعة (للتبريد مع ارتفاع درجات الحرارة، لخدمة عدد متزايد من السكان، ولتلبية الطلب المكبوت الهائل على أساس نصيب الفرد) يمكن أن يحفّز العراق على تخطي الاختلافات السياسية لصالح تحسين مرونة الطاقة. وبينما تشير هذه الاتجاهات إلى الدور المتزايد للغاز كأداة لبناء المرونة في الشرق الأوسط مع تعرض هوامش النفط للضغط، يمكن العثور على مثال مباشر أكثر في تنامي القوة الجيوستراتيجية لقطر.

وكما ذكرنا سابقًا، فإن القوة الجيوستراتيجية للدوحة لن تنمو فقط مع زيادة حصة الغاز في مزيج الطاقة؛ والأهم من ذلك، ستكون إزالة الكربون من سلسلة قيمة الغاز– دعم دور الغاز كوقود انتقالي وبناء مراكز طلب جديدة في عالم يطمح إلى انبعاثات صفرية – أمرًا بالغ الأهمية.

وفي هذا الإطار، فإن تطوير قطر للبترول لمشاريع احتجاز الكربون وتخزينه (مع خطط لعزل أكثر من 5 ملايين طن بحلول عام 2025) والطاقة الشمسية في القطارات الجديدة في توسعة حقل الشمال، سيعطي قطر المزيد من النفوذ والقوة السوقية. وأحد الأمثلة على ذلك تأتي الصفقة التي وُقِّعَت أواخر العام الماضي بين جناح الطاقة السنغافوري والوحدة التجارية لقطر للبترول مقابل 1.8 مليون طن سنويًّا من الغاز الطبيعي المسال لمدة 10 سنوات بدءًا من عام 2023. وهذا الاتجاه المستقبلي وضع قطر في وضع تنافسي للغاية، ليس فقط باعتبارها المنتج الأقل تكلفة، ولكن أيضًا بسبب قدرتها على التفاوض على العقود المتميزة، حيث تسعى إلى زيادة ثقلها في السوق.

الحقيقة الثالثة: يتيح تحول الطاقة للمنتجين فرصًا لزيادة نفوذهم الجيوسياسي. لم يقف الشرق الأوسط ساكنًا مع تسارع وتيرة تحول الطاقة، وعلى الرغم من تحول أدنوك منذ عام 2017 (إعادة هيكلة الامتياز، والخصخصة، ورسملة الأصول)، وضعت الإمارات العربية المتحدة رهانات استراتيجية على الهيدروجين (الأزرق منه والأخضر)، ووسعت بصمتها في صفقات تمويل الطاقة الخضراء، ووسعت خط أنابيب مشروع احتجاز الكربون (حيث تحتجز حاليًا نحو 800 ألف طن سنويًّا لأغراض الاستخراج المعزز للنفط).

أما بالنسبة لشركة أرامكو السعودية، فإن إنشاء قسم يركز على “نقاط التحول التكنولوجي” يشير إلى يقظة الشركة لاتجاهات التكنولوجيا الناشئة، وهو أمر أساسي ليس فقط لاستراتيجية الهيدروجين في المملكة؛ ولكن أيضًا لنهج اقتصاد الكربون الدائري، حيث تُعدّ مصادر الطاقة المتجددة أساسية في هذا النهج. ومع وجود خطط لتغطية 50% من مزيج الطاقة لديها بمصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، فإن هذا سيدعم مرونة الطاقة السعودية ويضع حجر الأساس للصناعات الجديدة. ومن الناحية الجيوسياسية، بينما تتسارع الجغرافيا السياسية نحو الطاقة النظيفة، تتمتع دول مثل السعودية والإمارات وسلطنة عمان بفرص متعددة لتكون لاعبًا رئيسيًّا.

ومن جهة أخرى، فإن مخاوف الولايات المتحدة وأوروبا إزاء هيمنة الصين على سلسلة توريد البطاريات، ربما تفيد بعض دول الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، تهيمن المصافي الصينية حاليًا على الإنتاج الكيميائي لسلائف الكاثود (خاصة هيدروكسيد الليثيوم). ومع تخطيط الاتحاد الأوروبي حاليًا لبناء سعة كبيرة لخلية البطاريات حتى عام 2030، سيزداد الضغط الجيوسياسي لتقليل الاعتماد على الصين. ونتيجة لذلك، يمكن أن تصبح السعودية والإمارات إما مراكز رئيسية للمواد الكيميائية للبطاريات (تخدم مصانع الكاثود الأوروبية) أو أن تكونا من مُصنّعي الكاثود بأنفسهما. ولا يقتصر الأمر على انخفاض تكاليف الكواشف (مثل حامض الكبريتيك) في دول مثل السعودية والإمارات، ولكنها تستفيد أيضًا من الأنظمة المالية ذات رأس المال الجيد والدعم الصناعي الاستراتيجي، لا سيما بالنظر إلى الأهمية التي توليها هذه الدول لمصادر جديدة للإيرادات الخاضعة للضرائب وإيجاد فرص جيدة للوظائف.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا