فورين بوليسي | لماذا يجب على بايدن إنهاء النفاق الأمريكي بشأن الأسلحة النووية الإسرائيلية؟

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

حتى 17 فبراير، أرجأ الرئيس جو بايدن المكالمة الرسمية المعتادة بعد التنصيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي. استنتج المطلعون في واشنطن أن المعاملة الباردة الظاهرية تعني أن بايدن لم يوّقع بعد “الخطاب” الذي تطلبه إسرائيل عادةً من الرؤساء الأمريكيين لضمان ألا تذكر الولايات المتحدة أسلحة إسرائيل النووية عندما تناقش انتشار الأسلحة في المنطقة، أو تضغط على الحكومة الإسرائيلية لتخفّض حجم ترسانتها الذرية الهائلة.

وكما ذكر آدم إينتوس في مقال لمجلة  نيويوركر في 2018، فقد وّقع كل الرؤساء الأمريكيين منذ بيل كلينتون، بإلحاح إسرائيلي، على خطاب سري عند توليهم المنصب والذي يتعهدون فيه بأن الولايات المتحدة “لن تضغط على الدولة اليهودية لتتخلى عن أسلحتها النووية ما دامت تواجه تهديدات وجودية في المنطقة”. وأيًّا كانت السياسة التي تتبناها الولايات المتحدة تجاه الأسلحة النووية الإسرائيلية، حان الوقت لكي توقف هذه الطقوس المهينة.

كانت نتيجة ذلك على السياسة الأمريكية هي أن الولايات المتحدة لا تضغط على إسرائيل لكي تتخلى عن أسلحتها النووية – في الوقت الذي يُعد فعل هذا هو الشيء الوحيد المتسق مع السياسة الأمريكية للحد من انتشار الأسلحة النووية. غير أن واشنطن تساعد إسرائيل بنشاط، على الصعيد الدبلوماسي عن طريق منع مناقشة أسلحتها النووية في المنتديات الدولية، وعلى الصعيد المادي عن طريق غض الطرف عن المخالفات الإسرائيلية للقوانين المتعلقة بالأنشطة النووية، والتي تشمل بعض المخالفات داخل الولايات المتحدة.

كان من ضمن هذا التظاهر عام 1979 بأن ما كان اختبارًا نوويًّا إسرائيليًّا في جنوب المحيط الهندي، والذي رصده قمر صناعي أمريكي، لم يحدث. أضفى البيت الأبيض في عهد الرئيس الأسبق جيمي كارتر ومن خلفوه السرية على الوثائق وفضحوا ما كان معروفًا، لكن الأدلة دامغة، مثلما أوضحنا بالتفصيل في فورين بوليسي.

ولعل أسوأ نتيجة لتلبية هذه المطالب الإسرائيلية هي أن الحكومة الأمريكية غضت الطرف عمدًا عن طريق التظاهر بعدم معرفتها لأي شيء عن الأسلحة النووية الإسرائيلية – وهو ما أفسد جهودها لصنع سياسات مترابطة وبنّاءة.

ومن خلال الإبقاء على هذا الجهل الوهمي داخل الحكومة، عندما كان الجميع يعلمون الحقيقة، أصدرت الحكومة الأمريكية قانونًا يهدّد موظفي الحكومة بعقاب شديد إذا أقروا بأن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية. وبطبيعة الحال، هذا القانون ممنوع من النشر العام، وتختبئ الحكومة خلف تفسير مطاط للاستثناء الذي ينص عليه قانون حرية المعلومات للوثائق التي “من شأنها أن تكشف تقنيات وإجراءات تتعلق بالتحقيقات أو الملاحقات الخاصة بهيئات إنفاذ القانون”.

في أول مؤتمر صحفي متلفز للرئيس الأسبق باراك أوباما، سألته الصحفية الراحلة “هيلين توماس” عما إذا كان يعلم بشأن أي دول مسلحة نوويًّا في الشرق الأوسط. كان أوباما مستعدًا بالإجابة المناسبة: “فيما يخص الأسلحة النووية، لا أريد التكهن”، كما لو أن الشخص الذكي لن يكون متأكدًا. هذه التصريحات الرئاسية تقدم الإرشاد لبقية الحكومة. في اجتماع حضرناه خلال إدارة أوباما، قال مسئول رفيع المستوى في وزارة الخارجية ليداري إحراجه: “شخصيًّا، وعلى حد علمي، أنا لست متأكدًا”.

وتوجد خرافة بأن هذه التمثيلية ضرورية بسبب تفاهم سري في عام 1969 بين الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون ورئيسة وزراء إسرائيل السابقة جولدا مائير. يُزعم أنها وعدت بعدم اختبار أي سلاح نووي وأن نيكسون وعد بعدم الضغط على إسرائيل لتوقّع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية أو تتخلى عن أسلحتها النووية.

إن مشكلة هذا الاستنتاج، الذي طرحه المؤرخون والمسئولون بثقة، أن نيكسون وجولدا مائير تحدثا على انفراد دون حضور مساعدين، ولا حتى وزير الخارجية المتواجد في كل مكان هنري كيسنجر، ولا يوجد شيء مكتوب يكشف ما تحدثا عنه. مع هذا، احتالت حكومات إسرائيلية متعاقبة على المسئولين الأمريكيين ليقبلوا التزامًا مزعومًا بمواصلة حماية أسلحتهم النووية من الكشف العلني أو الانتقاد.

تذكر الصحافة الأسلحة النووية الإسرائيلية بين الحين والآخر، لكن يتردد الصحفيون في سؤال مسئول حكومي عن الموضوع، لعلمهم أنه ليس من المجدي لمسيرة الصحفي المهنية أن يغامر بالخوض في تلك المسألة.  

لكن المخاطر مرتفعة أكثر بكثير في وقت يمثل الانتشار النووي في المنطقة شاغلًا عالميًّا وخطرًا متناميًا. إن الحكومة العاجزة عن الاعتراف بامتلاك إسرائيل لأسلحة نووية لا تستطيع مناقشة قضية الانتشار النووي في أي مكان آخر في الشرق الأوسط بمصداقية، وهذا يؤدي إلى مزيد من الحماقة. لقد صوّت مؤتمر مراجعة معاهدة الحد من الانتشار النووي لعام 2010 بالإجماع على عقد مؤتمر للشرق الأوسط لبحث مشاكل حظر الأسلحة النووية.

وفي اليوم التالي لتصويت مبعوثه إلى المؤتمر لصالح الفكرة، هدم أوباما الفكرة قائلًا: “وجهة نظرنا هي سلام شامل ودائم في المنطقة والامتثال الكامل من كل الدول الإقليمية لالتزاماتها بالحد من التسلح ومنع الانتشار النووي من البوادر الأساسية لترسيخ [الحظر]. … نحن نعارض بقوة الجهود لاختصاص إسرائيل بالذكر وسوف نعارض التصرفات التي تُعرّض الأمن القومي الإسرائيلي للخطر”. وعلى الرغم من أن هذه السياسة المدفوعة بالسرية هي ما يصمم عليه الإسرائيليون لكي يحافظوا على غموضهم، ليس من الواضح على الإطلاق أن هذا في مصلحة إسرائيل. لكن من المؤكد أنه ليس في مصلحة الولايات المتحدة.

يستطيع المرء أن يتخيل تأثير هذا التصريح على مصداقية تصريحات الولايات المتحدة بخصوص الحاجة للحد من انتشار الأسلحة النووية. إن المصداقية الأمريكية ضرورية لأن ولي العهد السعودي والرئيس التركي أثارا مؤخرًا الشكوك حول تعهداتهم بعدم الحصول على أسلحة نووية بموجب معاهدة الحد من الانتشار النووي، ومستقبل إيران النووي يواصل كونه موضع شك. إن فكرة انعقاد مؤتمر حول شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية لم تختفِ – قال وزير الخارجية المصري إن مصر ستُثير القضية مرة أخرى في مؤتمر مراجعة معاهدة الحد من الانتشار النووي المقرر انعقاده في أغسطس 2021، كما أن توقيع الخطاب سيفرض تكرارًا لأداء أوباما.

في هذا الصدد، يبدو أن سلوك المسئولين الأمريكيين يتوافق مع سياسة الغموض الإسرائيلية الشهيرة فيما يتعلق بالأسلحة النووية. لكن هناك فرق: يوّقع الرؤساء الأمريكيون الخطاب، وتلتزم الحكومات الصمت، لكن من المثير للسخرية أن الإسرائيليين يجدون طرقًا، دون ذكر كلمة نووي، للتفاخر بأسلحتهم النووية.

إنهم يمتلكون الثلاثي الخاص بهم: صواريخ أرضية ذات رؤوس نووية (فرنسية التصميم)، وطائرات ذات قدرات نووية (أمريكية التصميم)، وغواصات ألمانية متطورة مسلحة بصواريخ كروز إسرائيلية ذات رؤوس نووية بعيدة المدى. عندما وصلت آخر إضافة لأسطول غواصاتهم من ألمانيا في 2016، تحدث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن الدمار الذي قد تُلحقه هذه الغواصة بأعداء إسرائيل إذا حاولوا إيذاء الدولة. إنك لا تستطيع إرهاب أعدائك إذا لم تُعطِهم فكرة عما أنت قادر عليه.

لقد وضعت الولايات المتحدة نفسها في موقف سخيف. إذا كانت إسرائيل تريد الحفاظ على غموضها بشأن ترسانتها النووية – سواء من أجل الأمن القومي أو لأسباب بيروقراطية داخلية لتجنب التدقيق – فهذا شأنها، لكن قبول الولايات المتحدة أو رفضها لتقييد ما يمكنها قوله هو الآن شأن بايدن.

ربما كان هناك وقت عندما كان الكشف عن القدرات النووية الإسرائيلية قد يتسبب في رد فعل عكسي خطير من السوفييت، ربما عن طريق مساعدة برامج الأسلحة النووية في الدول العربية، لكن ذلك الوقت قد مضى منذ زمن طويل، ولا شك أن الولايات المتحدة الآن في عملية محاولة منع إيران من تطوير الوسائل للحصول على أسلحة نووية، فيما لا تستطيع واشنطن مناقشة الموضوع بمصداقية أو فاعلية دون الاعتراف بأن إسرائيل أيضًا تمتلك أسلحة نووية.

إن الخطاب الذي تتوقع إسرائيل من كل الرؤساء الأمريكيين التوقيع عليه يُفترض أنه يتحدث عن الحماية الأمريكية ما دامت إسرائيل تواجه “تهديدات وجودية” – وهو ما يثير التساؤل حول ما إذا كانت إسرائيل لا تزال تواجه أي من هذه التهديدات، خاصة بعد الاتفاقيات الإبراهيمية التاريخية في عام 2020، والاتفاقيات الأخرى مع دول عربية رئيسية، وقد تحدث وزير الخارجية أنتوني بلينكن في جلسة استماع في مجلس الشيوخ عن أن الأمن الإسرائيلي “مقدس”.

لقد حان الوقت لتحديث تفكير واشنطن. إن إسرائيل دولة قوية مسلحة نوويًّا وأقوى من كل جيرانها مجتمعين، ولا شك أن مصداقية الولايات المتحدة وموقفها بينما تسعى لمنع المزيد من الانتشار النووي الإقليمي أهم من التساهل مع إسرائيل في تمثيلية تقوض المصالح الأمريكية.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا