مؤسسة كارنيجي للسلام | جيوسياسة اللقاح قد تعرقل تعافي أفريقيا بعد الجائحة

آية سيد

ترجمة – آية سيد

إذا كان عام 2020 هو عام جائحة كورونا، فإن عام 2021 يتجه ليصبح عام اللقاح، غير أن التفاؤل حول وصول لقاحات كورونا يتناقض مع الحواجز الهائلة أمام توافرها وإمكانية الحصول عليها في مناطق كبيرة من العالم، فيما تعاود الأنماط المألوفة من التفاوتات العالمية الظهور، وتكتسب حملة التطعيم العالمية الزخم. وعلاوة على ذلك، المنافسة الجيوسياسية المشتدة، لا سيما بين الصين والولايات المتحدة، تعيق التعاون متعدد الأطراف في القضايا الحرجة مثل الصحة العامة.

أما الدول الأكثر فقرًا والأقل تأثيرًا، خاصة في أفريقيا، فتُعلّق في المنتصف، وتواجه عقبات في الحصول على اللقاحات، مصحوبة بآثار سلبية محتملة على آفاق التعافي السلس بعد الجائحة.

بحث الضرر الاقتصادي

تحتاج الدول الأفريقية للحصول على التطعيمات على نطاق واسع لكي تعود إلى الحالة الطبيعية بعد الجائحة. فكما حدث في المناطق الأخرى، عطلت الجائحة بشدة النشاط الاقتصادي في أنحاء أفريقيا. وبالنسبة إلى الدول المُصدرِّة للنفط، مثل أنجولا والجابون ونيجيريا وجنوب أفريقيا، فاقمت الآثار الاقتصادية للجائحة أزمة كانت قد بدأت مع انهيار أسعار السلع في 2015. لم تتراجع أكبر اقتصادات أفريقيا، وهي نيجيريا وجنوب أفريقيا، إلى الكساد في 2020 فحسب؛ بل ستضعف آمال الانتعاش حتى 2022. لقد شهدت الدول ذات الاقتصادات الأكثر تنوعًا نسبيًّا مثل كوت ديفوار وإثيوبيا ورواندا – التي كانت تمتلك أسرع معدلات نمو قبل الجائحة – شهدت تراجعًا لكن ليس انعكاسًا في مساراتها الاقتصادية القوية.

لقد قلّل الطلب المتراجع في الاقتصادات المتقدمة الصادرات، وعطلت قيود السفر صناعتَي السياحة والضيافة في الدول الجزرية الصغيرة مثل الرأس الأخضر وموريشيوس وساو تومي وبرينسيبى وسيشل. والإغلاق الصارم منذ بدايات الجائحة أثر على الشركات الصغيرة، وهبطت تحويلات المهاجرين المالية للدول الأفريقية، التي تُعد الآن أكبر من تدفقات المعونات والاستثمار الأجنبي المباشر، وهبطت بنسبة 9%، وهو انخفاض كبير، على الرغم من أنه ليس حادًّا كما أشارت التوقعات السابقة.

وسوف تواصل معظم الدول الأفريقية التعرض لمعاناة متعلقة بالجائحة في المستقبل القريب، فيما يتوقع صندوق النقد الدولي نموًا إجماليًّا بنسبة 3.2% في 2021 لدول أفريقيا جنوب الصحراء، وهو أداء أفضل من الشرق الأوسط لكن أسوأ من الأسواق الناشئة الأخرى. ولن يعود الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى مستويات ما قبل الأزمة حتى 2022 على الأقل وحتى 2024 بالنسبة إلى مُصدِّري النفط. وقد تكون هناك أيضًا انعكاسات مدمرة على المدى الأطول، وبحسب البنك الدولي، قد يهبط بين 26 مليونًا إلى 40 مليون أفريقي في الفقر المدقع في خضم الجائحة. يفتقر حوالي نصف الطلاب الأفارقة إلى إمكانية الوصول إلى التعليم عن بُعد، في الوقت الذي تتأخر المنطقة في المعدلات العالمية للالتحاق بالدراسة وإكمالها.

تكثر المشاكل الأخرى أيضًا. مثلما في المناطق الأخرى من العالم، تعيق خدمة الديون قدرة الحكومات الأفريقية حسنة النية على توفير المساعدات الاجتماعية، وضخ الحوافز الاقتصادية، وشراء المستلزمات الطبية. وفي حين أن معظم الانتباه ركز على الديون الثنائية الأنجولية والزامبية للصين، فإن عدة دول أفريقية مثل إثيوبيا وغانا وكينيا ونيجيريا مثقلة بالديون لدائنين من القطاع الخاص وجهات إقراض متعددة الأطراف مثل البنك الأفريقي للتنمية والبنك الدولي. ومن هذا المنطلق، قد يصبح التأثير التراكمي للجائحة مدمرًا بما يكفي ليتسبب في “عقد تنمية ضائع” آخر لأفريقيا، وفقًا لوزير مالية غانا. لكي تخفف الدول الأفريقية القيود بطريقة آمنة، وتصل إلى مناعة القطيع، وتعود إلى مسار مستدام من التعافي الاقتصادي، سوف تحتاج إلى تحصين عدد كبير من الناس.

التأخر في الحصول على لقاحات كوفيد-19

متى ستحصل الدول الأفريقية على لقاحات كافية لكي تبدأ الطريق الطويل إلى التعافي الاقتصادي؟ وفقًا لوحدة الاستخبارات الاقتصادية، أفريقيا، مثل معظم العالم النامي، لن تستطيع الحصول على اللقاح قبل 2023 على أقل تقدير للعاملين في الرعاية الصحية، وكبار السن، والمجموعات الأخرى الأكثر عُرضة للإصابة. قد يمتد هذا الجدول الزمني إلى نصف عقد من أجل التغطية العالمية. وهكذا، القارة التي لم ينشأ فيها كوفيد-19 والتي وظفت بفاعلية موارد محدودة لكي تُبقي الإصابات والوفيات أقل من المتوسط العالمي ربما تعاني بشدة من الآثار الاقتصادية الاجتماعية للجائحة بسبب التحديات المحيطة بالحصول على اللقاح.

تتأخر أفريقيا في الحصول على اللقاح بسبب الإمدادات العالمية غير الكافية. تحتاج القارة إلى 1.5 مليار جرعة لتطعيم 60% من السكان، وهو الحد الأدنى المستهدف حاليًا من الاتحاد الأفريقي. وحتى الآن، استطاع الاتحاد الأفريقي تأمين 270 مليون جرعة لقاح من مجموعة مصادر مختلفة تشمل فايزر وبايونتك، وجامعة أوكسفورد وأسترازينيكا، وجونسون آند جونسون.

إجمالًا، هناك نقص نحو 1.3 مليار جرعة مما تحتاجها أفريقيا لكي تصل إلى هدفها بتطعيم 60% من السكان. وتُعد تكلفة شراء وتوصيل هذه اللقاحات مشكلة أخرى. سوف تتكلف الـ1.5مليار جرعة اللازمة حوالي 9 مليارات دولار للشراء والتوصيل، بحسب استراتيجية اللقاح الخاصة بالاتحاد الأفريقي. وحتى عند الحصول على إمدادات اللقاح، سوف تؤثر تحديات أخرى متعلقة بالبنية التحتية واللوجيستيات على توصيل لقاح كوفيد-19 في أفريقيا. تمتلك اثنتان وعشرون دولة فقط “نظام [تخزين] سلسلة تبريد عامل” للحفاظ على اللقاحات عند درجات الحرارة المناسبة، ناهيك عن شروط التخزين المتقدمة للغاية للقاحات فايزر وموديرنا. تشمل التحديات الأخرى القدرة المحدودة للعاملين في مجال الرعاية الصحية والمعلومات المضللة واسعة الانتشار حول لقاح كوفيد-19.

ضغوط جيوسياسة اللقاح

تتعقد التحديات أمام أفريقيا للحصول على لقاحات كوفيد-19 بنظام متعدد الأطراف مهترئ يتميز بمنافسات متصاعدة بين القوى العظمى. وكما ذكر المحلل النيجري نواتشوكو إيجبونيك، الدول الأفريقية، مثل معظم العالم النامي، عالقة “بين دبلوماسية القوة الناعمة الصينية وقومية اللقاح الغربية”. وسعيًا وراء دبلوماسية اللقاح، صنفت الصين نفسها كقوة حميدة تساعد الدول النامية الأخرى للتغلب على جائحة ظهرات حالاتها الأولى داخل حدودها. ولذلك، في مايو 2020، تعهد الرئيس الصيني شي جين بينج بجعل لقاحات كوفيد-19 “منفعة عامة عالمية”. إلا أن التفاصيل حول توصيل اللقاح غير واضحة.

تكثف قوى غير غربية أخرى دبلوماسية اللقاح. عرضت روسيا على الاتحاد الأفريقي 300 مليون جرعة من لقاح سبوتنك، في إلى جانب حزمة تمويل للدول التي تريد تأمين الجرعات. ضمنت مجموعة من الدول، من ضمنها الجزائر ومصر وغينيا، بعض الإمدادات من سبوتنك -وتستخدم الهند أيضًا صناعتها الدوائية الواسعة لبسط قوتها الناعمة. 

تحدث دبلوماسية القوة الناعمة هذه من القوى الصاعدة إلى جانب قومية اللقاح التي تمارسها الدول الغربية. وقد وصف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية بإنه “من غير المبرر أخلاقيًّا” حقيقة أن “الدول الغنية التي تمتلك 16% فقط من سكان العالم اشترت 60% من إمداد اللقاح العالمي”. اشترت كندا أكثر من تسعة أضعاف إمداد اللقاح الذي تحتاجه لتغطية سكانها بالكامل. وبصورة مماثلة، اشترى الاتحاد الأوروبي أكثر من ثلاثة أضعاف اللقاحات التي يحتاجها سكانه، وكذلك فعلت المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

تحديد الخطوات التالية اللازمة

ماذا يُمكن فعله لتخفيف هذا الوضع المضطرب بشدة؟ يمكن اتخاذ بعض الخطوات داخل أفريقيا. بأخذ العبرة من دول مثل المغرب، وسيشل، وجنوب أفريقيا، ينبغي أن تؤمن المزيد من الدول اتفاقات تكميلية مع مُصنّعين فرديين لحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية، وصناع السياسة، وأفراد الجيش، والقطاعات الأخرى الحيوية للأمن القومي. ويمكن التفاوض على هذه الاتفاقات عبر منصة الإمدادات الطبية الأفريقية التابعة للاتحاد الأفريقي، وينبغي تعزيز الجهود الاستثنائية للمراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في التنسيق على مستوى المنطقة، ومشاركة المعلومات في حينه، ومراقبة جودة الإمدادات القادمة من الصين.

بيد أن الاعتماد بشكل رئيسي على كوفاكس والتبرعات الخيرية الأخرى لمكافحة جائحة مستعرة لا يمكن أن يكون الركيزة الأساسية لاستراتيجية الصحة العامة الأفريقية طويلة المدى؛ وبالتالي، يتعين على الاتحاد الأفريقي أن يصبح أكثر براجماتية في التنسيق بين الدول الأعضاء باتجاه استراتيجيات للتعايش مع كوفيد-19 في المدى المتوسط، مع الحد من الإصابات والوفيات، وينبغي أيضًا أن تكون هناك استثمارات في البحث والتطوير الأفريقي وإنتاج المستحضرات الدوائية، مثلما فعلت الهند بنجاح.

تحتاج الدول الغنية أيضًا لاتخاذ المزيد من الإجراءات، فلديها التزام أخلاقي بعدم منع الدول النامية بشكل متعمد من الحصول على المستلزمات والعلاجات الطبية الضرورية لإنقاذ أرواح المليارات. وتلبية لدعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لرفض قومية اللقاح، أعلن قادة دول مجموعة السبع عن مضاعفة التمويل لكوفاكس من أجل تأمين المزيد من جرعات اللقاح والسعي لطرح 1.3 مليار جرعة لقاح على الأقل في الاقتصادات الأكثر فقرًا في العالم في 2021، وهذا أمر يستحق الثناء.

وفي النهاية، ينبغي على منظمة التجارة العالمية تحت القيادة الجديدة لنغوزي أوكونجو إيويلا أن تجعل من أولوياتها تنسيق تخفيف الحماية على الملكية الفكرية للتكنولوجيا الدوائية المتعلقة بكوفيد19 لإتاحة إمكانية الحصول العالمية في الوقت المناسب وبتكلفة معقولة، مع تعزيز قدرة التصنيع في الدول النامية. وتستطيع الولايات المتحدة بالتحديد إمداد الدول الأفريقية بلقاح جونسون آند جونسون بتكلفة معقولة، والذي يُعد مناسبًا لأفريقيا بسبب شروط التخزين والنقل الأقل صرامة، كما ينبغي أن تستخدم الولايات المتحدة تاريخها الطويل من برامج الصحة العامة الفعالة في أفريقيا كنقطة انطلاق لإعادة ضبط علاقاتها مع القارة.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا