الصحافة الفرنسية|حصيلة وفيات مأساوية لمونديال قطر.. وحرب أعصاب بسبب النووي الإيراني

مترجمو رؤية

ترجمة: فريق رؤية

حتى الآن.. بايدن يختار حوار المَدافع للتفاوض مع إيران

مع اقتراب الدخول في مفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني، قارنت جريدة ماريان الفرنسية بين تناول إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وإدارة الرئيس بايدن للمواجهة مع إيران. فبعد أسبوع من الهجوم الذي نفذته المليشيات الموالية لإيران على القاعدة الجوية العراقية بالقرب من السفارة الأمريكية في بغداد، قرر الرئيس الأمريكي الرد عبر شن هجوم على هذه المليشيات في سوريا، حيث تحدثت واشنطن عن تنفيذها “لرد متناسب ودفاعي بالأساس”. لكن في الوقت الحالي، بالكاد تغير الحوار الإيراني الأمريكي الجديد عما كان عليه في عهد دونالد ترامب.

ومن المؤكد أن المقارنة بين طريقة تعامل الإدارتين مع إيران مغرية؛ فقبل أكثر من عام بقليل وفي 3 يناير 2020، جرت تصفية الجنرال قسام سليماني، القائد العام للقوات الخاصة للحرس الثوري والرجل الرئيسي في النظام الإيراني، بأوامر صريحة من ترامب. ومن بين ضحايا الضربة التي نفذتها طائرة أمريكية مسيرة، كان هناك بعض الشخصيات البارزة في الجماعات الموالية لإيران بالعراق والتي كانت تعمل تحت قيادة سليماني، مثل أبو مهدي المهندس، زعيم كتائب حزب الله، وعدد من ضباط ائتلاف مليشيات الحشد الشعبي، وهي نفس القوات التي استهدفها الجيش الأمريكي مؤخرًا في شمال سوريا، حيث جرى – بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان – استهداف “قافلة من ثلاث شاحنات محملة بالذخيرة قادمة من العراق عند نقطة حدودية غير شرعية جنوب مدينة البوكمال السورية”.

وبحسب تقييم أولي أعده المرصد عن الهجوم، فإن من المحتمل أن سبعة عشر مقاتلًا، جميعهم من الحشد الشعبي لقوا مصرعهم. ففي أول عملية عسكرية له منذ تنصيبه، كان جو بايدن يعتزم من خلال هذه العملية الرد على سلسلة الهجمات التي نفذتها هذه الميليشيات بالقرب من السفارة الأمريكية في بغداد، وعلى قاعدة بلد الجوية العراقية الواقعة إلى الشمال، وضد قاعدة عسكرية تستضيف قوات التحالف الاجنبية في مطار أربيل بكردستان العراق.

الرد المناسب مقارنةً بالاغتيال غير المشروع

وبالنسبة للمتحدث باسم البنتاغون، فإن الغرض من هذا “الرد المتناسب” هو الدفاع بشكل أساسي، وبعث رسالة تحذير إلى طهران أيضًا، ولكنه ليس إعلان حرب. وباختصار؛ على العكس من الاغتيال غير القانوني لسليماني الذي ندد به الديمقراطيون آنذاك، حيث برر ترامب ذلك قائلًا: “فعلنا ما كان يجب أن نفعله على مدى عشرين عامًا”، في إشارة إلى كل العمليات السيئة التي دبرها أو رعاها سليماني وحلفاؤه بين بيروت وطهران. وعلى عكس التوقعات، وبعيدًا عن تأجيج المنطقة، فإن الضربة التي قام بها الرئيس السابق لم يكن لها سوى ردود فعل محدودة من قِبَل طهران.

وبفضل تغيير الإدارة وتصريحات بايدن التي قال فيها إنه مستعد للنظر في عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية النووية لعام 2015، قد يرغب المتشددون في النظام الإيراني في اختبار مقاومة الشيطان الأكبر الذي أصبح فاضلًا؛ وشجعهم على القيام بذلك تطور الرأي العام الذي لا يؤيد استئناف المفاوضات؛ فالمرشد الأعلى علي خامنئي دعا رسميًّا إلى رفع جميع العقوبات الأمريكية قبل أي استئناف للحوار الذي سيتم برعاية الاتحاد الأوروبي. وبعد أن وعد في 7 فبراير الماضي قائلًا “سنعود إلى الاحترام الكامل للاتفاق النووي”، يشكّك بعض الخبراء الآن بشدة في هذا الأمر، ويتوقعون أن بإمكان إيران في غضون عام امتلاك سلاح نووي أساسي.

 حرب أعصاب بسبب النووي الإيراني

وفي السياق ذاته؛ وصف موقع “فرانس إنتر” الإخباري الصراع الإيراني الأمريكي بالحرب النفسية، حيث استأنفت المواجهة الدبلوماسية حلقاتها من جديد بين الجانبين، ومن المقرر أن ينخرطا في محادثات لإعادة تفعيل اتفاق 2015، بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وبعد أن استعادت الآلة الدبلوماسية نشاطها بشأن الملف النووي الإيراني، بعد إعلان الولايات المتحدة عزمها العمل على العودة لاتفاقية فيينا لعام 2015، تهدد طهران بتقييد السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمنشآت النووية داخل الجمهورية الإسلامية. حيث تتم عمليات التفتيش بموجب نص اتفاقية عام 2015، المنوط بها تقييد البرنامج النووي الإيراني والتي شهدت انسحابًا أمريكيًّا أحادي الجانب في عام 2018 بالإضافة إلى إعادة فرض العقوبات الأمريكية الخانقة للاقتصاد الإيراني. ومن المقرر أن يزور رافائيل جروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران في أقرب وقت لمحاولة إيجاد حل للأزمة.

وبعد العقوبات التي فرضها ترامب، أخذت إيران تحرر نفسها تدريجيًّا منذ عام 2019، من عدد من القيود التي وافقت على فرضها على برنامجها النووي بموجب الاتفاقية المبرمة مع مجموعة 5+1 التي تضم الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا العظمى وروسيا والصين) بالإضافة إلى ألمانيا. وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على تويتر إن طهران “ستلغي على الفور” إجراءاتها الانتقامية إذا “رفعت الولايات المتحدة دون قيد أو شرط جميع العقوبات التي فرضها ترامب أو أعاد فرضها”.

تهدئة عسكرية قبل المعركة الدبلوماسية

ويهدف الجانب الأمريكي إلى قلب صفحة ترامب والعودة إلى اتفاق فيينا؛ حيث كان جو بايدن الرئيس الحالي للولايات المتحدة، نائب الرئيس باراك أوباما، عندما أُبرم الاتفاق النووي. ومنذ وصول بايدن إلى السلطة، تبادل البلدان الكرة، وطلب كل منهما من الآخر المبادرة باتخاذ الخطوة الأولى، لكن قبل استئناف المحادثات المحتملة تحت رعاية الاتحاد الأوروبي، والتي رحبت بها لندن وبرلين، تقوم طهران بتصعيد المزايدات والتهديدات. لكن هذا الأمر الذي ينم عن عدم الثقة، يتناقض مع حالة التواري عن الأنظار التي يتبناها الإيرانيون في مياه الخليج العربي، كما لو كانت إيران ترسل إشارة تهدئة على صعيد الجبهة العسكرية، عشية معركة دبلوماسية حاسمة محطمة بالفعل للأعصاب ومحفوفة بالعراقيل.

يقول الأدميرال جاك فيارد، رئيس القاعدة الجوية البحرية الفرنسية بدولة الإمارات العربية المتحدة: “بعد آخر استعراض كبير للقوة نفذته البحرية الإيرانية في الخليج، فإن الفترة الحالية هادئة للغاية، حيث يتراوح معدل النشاط بين منخفض ومعتدل. ومع اتخاذها موقفًا صارمًا بشأن نشاط قواتها الجوية البحرية في الخليج، تلتزم إيران في هذه المرحلة بسلوك شديد الحذر والاحترافية”.

وقعطت الولايات المتحدة وإيران علاقاتهما الدبلوماسية منذ عام 1980، لكن دونالد ترامب مارس سياسة الضغط الأقصى على إيران بتهمة دعم الإرهاب والسعي لامتلاك أسلحة نووية. ولطالما نفت إيران سعيها لامتلاك أسلحة ذرية، كما ينص الاتفاق النووي على الرفع الجزئي للعقوبات الدولية، مقابل ضمان عدم حصول طهران على هذا السلاح الرادع.

إيران تصعّد الضغط قبل المفاوضات مع واشنطن

وفي تقرير لها، ذكرت جريدة “ليزايكو” أن طهران بدأت في تخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من الحد المسموح به، وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن قلقها من وجود موقع نووي تحت الأرض، كما أرسلت كلٌّ من باريس ولندن وبرلين رسائل تحذير إلى طهران. وتتواصل الضغوط قبل بدء المفاوضات؛ فقد بدأت إيران تقييد عمليات التفتيش التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو إجراء نددت به لندن وباريس وبرلين ووصفوه بأنه “خطير”. وتُعد هذه المناورة إحدى طرق تعديل ميزان القوى ظاهريًّا قبل بدء المناقشات مع واشنطن من أجل استعادة الاتفاقية النووية.

تخصيب اليورانيوم أكثر من الحد القانوني بـ14 مرة

ويقدّر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية صدر مؤخرًا أن إيران لديها بالفعل مخزون من اليورانيوم منخفض التخصيب من النظير 235 المستخدم لإنتاج القنابل النووية أربعة عشر مرة أعلى من الحد الأقصى الذي تسمح اتفاقية عام 2015، أي نحو 2.9 طن مقابل 124 كجم عندما انسحب ترامب من الاتفاقية.

وبالإضافة إلى ذلك، ووفقًا للتقرير الفصلي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران تنتج 20٪ من اليورانيوم المخصب منذ شهر يناير الماضي بمعدل 15 كجم شهريًا، بمعدل أكثر استدامة مما نص عليه قانونها الأخير؛ حتى أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي حذر من أن بلاده يمكن أن تخصب اليورانيوم “إلى 60٪ إذا لزم الأمر”، وهو ما يتوافق بشكل واضح مع الاستخدام العسكري.

وفي تقرير ثان، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها لم تتمكن منذ عدة أشهر من الوصول إلى موقعين في منطقة توركوزاباد، حيث اكتشفت فيهما جزيئات يورانيوم العام الماضي. وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أشارت بالفعل إلى هذا الموقع في تقريرها الصادر في نوفمبر الماضي، وقالت إن تفسيرات طهران لهذا الأمر “غير موثوقة”.

هل تمتلك فرنسا الوسائل الكافية لتحرير الباحثة فريبا عادلخواه من إيران؟

وعلى هامش الأزمة الإيرانية، تساءلت جريدة “لاكروا” عن مدى استطاعة الخارجية الفرنسية إطلاق سراح عالمة الأنثروبولوجيا الفرنسية الإيرانية “فريبا عادلخواه”، حيث كررت فرنسا أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، طلبها بالإفراج عن العالمة المحتجزة في إيران منذ عام 2019.

وباتت الكرة في الملعب الإيراني، بعد أن استغل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وكرر طلبه بالإفراج النهائي عن الباحثة. واحتُجزت عادلخواه بتهمة “التواطؤ بهدف الاعتداء على الأمن القومي” و”الدعاية ضد النظام السياسي” للجمهورية الإسلامية” وحُكم عليها في مايو الماضي بالسجن خمس سنوات. والآن تعيش الباحثة التي طالما رفضت التهم الموجهة إليها، رهن الإقامة الجبرية في طهران ملزمة بارتداء سوار إلكتروني لمراقبة تحركاتها.

استبعاد تبادل الأسرى

وكان السلطات الإيرانية قد أطلقت سراح رفيقها الباحث الفرنسي “رولان مارشال” في مارس الماضي مقابل إطلاق سراح الإيراني “جلال روح الله نجاد”، ولطالما اعتادت طهران على استخدام عمليات تبادل الأسرى. ومن هذا المنظور، يبدو أن تبادل “عادلخواه” بالدبلوماسي الإيراني “أسد الله أسدي”، الذي تمت إدانته أوائل فبراير في بلجيكا لتخطيطه لشن هجوم على تجمع لمعارضين للنظام الإيراني بفرنسا، مناسب لتحرير الباحثة. لكن الجنسية المزدوجة الفرنسية الإيرانية التي تمتلكها “فاريبا عادلخواه” تُعقّد الوضع.

يقول جان فرانسوا بايارت، صديق الباحثة فاريبا عادخواه وأستاذها في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنموية (IHEID) بجنيف: “إنها ترفض تمامًا فكرة ازدواج القومية وترفض أن تعامل على هذا الأساس. فبالنسبة لها، لا يوجد سبب لمنح ثنائيي الجنسية معاملة تفضيلية على نظرائهم من حملة الجنسية الإيرانية وحدها. إنها لا تريد أن يتم تبادلها؛ بل تريد استعادة حقوقها وجوازات السفر الخاصة بها”.

“رهينة” الملف النووي الإيراني

وعلى الرغم من الدعوات الفرنسية المتعددة للإفراج عنها، لا تزال الطرق مسدودة. يقول تييري كوفيل، الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS): “تكمن الصعوبة مع إيران في خلق اتصال لإقامة توازن قوى”. ومن المتوقع أن يوفر وصول جو بايدن لسدة الحكم في الولايات المتحدة ورغبته في إعادة الحوار مع إيران حول القضية النووية الشائكة، نافذة جديدة من المفاوضات لفرنسا، التي نجحت في إقحام نفسها للعب دور الوسيط بين الطرفين.

ويقول جان فرانسوا بايارت: “نحن في وقت يتعين فيه على أبطال الرواية أن يكونوا ودودين وعدائيين في آن واحد. فإطلاق سراح فاريبا عادلخواه سيكون بمثابة تعهد بالثقة من قبل إيران. وقد تكون طهران هي المستفيد من الدخول في مفاوضات تتجاوز حدودها، أو قد تكون هي الضحية إذا ساءت الأمور. فنافذة إطلاق النار تصبح أضيق مع اقتراب إيران من انتخاب رئيسها الجديد في 18 يونيو المقبل. وسيعتمد استمرار المفاوضات من أجل إطلاق سراح الباحثة “عادخواه” على نتيجة الاقتراع.

ملف واحد من بين ملفات كثيرة

وأعرب جان إيف لودريان عن قلقه أيضًا بشأن وضع المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان الإيرانية نسرين ستوده، التي حُكم عليها بالسجن لمدة 12 عامًا. وأصيبت الإيرانية البالغة من العمر 57 عامًا، بعد أن ثبتت إصابتها بفيروس كوفيد-19 في نهاية عام 2020، بنوبة قلبية لا تزال تتعافى منها. وبعد إدانتها بالدفاع عن متظاهرة احتجت على شرط ارتداء الحجاب، لا تزال تقضي عقوبتها في السجن، ومع ذلك، فإن التأكيد على اعتقال رجل فرنسي ثان في إيران سيعقد الموقف. وبحسب ما ورد؛ ألقي القبض على سائح فرنسي يبلغ من العمر 35 عامًا في مايو 2020 على الحدود الإيرانية التركمانية أثناء تشغيله لطائرة من دون طيار، وبينما لا يتضح سبب اعتقاله، تطمئنه وزارة الخارجية الفرنسية وتؤكد له أنه “يتمتع بحماية قنصلية”.

إحصائية صعبة.. قتلى ملاعب مونديال 2022 في قطر يفوق الوصف

أشارت جريدة “الغارديان” إلى وجود حالة من التكتم الشديد بشأن حالات الوفيات في صفوف عمال تشييد ملاعب قطر؛ فووفقًا للصحيفة البريطانية، توفي نحو 6500 عامل أجنبي على الأقل في قطر منذ حصول الإمارة على حق تنظيم كأس العالم لكرة القدم، لكن الأعداد قد تكون أكبر بكثير بسبب التعتيم حول الأرقام.

وبالشوارع المزدحمة والأعلام الوطنية وسط الزحام، أمضت الدوحة يومًا احتفاليًا في أوائل ديسمبر 2010 بعد الإعلان عن الفوز بتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022. وعلى مدار أكثر من عشر سنوات بعد تلك الليلة الحارة في العاصمة القطرية، أحصت الجارديان البريطانية، وفاة 6751 عاملًا أجنبيًّا في البلاد، أي ما لا يقل عن 12 حالة وفاة أسبوعيًّا منذ منح تنظيم المسابقة.

ولاستضافة كأس العالم، عملت قطر بشكل جدي، حيث من المقرر أن تستضيف المباريات المختلفة ثمانية ملاعب، تم بناء سبعة منها بالكامل. لكن بخلاف هذه البنى التحتية، كان هناك برنامج أكبر مما كان متوقعًا يضم شق طرق جديدة وبناء شبكة مترو ومبان جديدة للمكاتب والمساكن والفنادق وتوسعة المطار… واستخدام العمالة الأجنبية ليس جديدًا في قطر؛ حيث يمثل الأجانب بها حوالي 90٪ من السكان لكن عددهم ارتفع من أجل المشاركة في الأعمال الخاصة بالمونديال، وفي عام 2012، قدرت منظمة العمل الدولية احتياجات القوى العاملة في قطر بمليون عامل جديد.

ومع ذلك، يمكن القول إن عدد القتلى الذي أعلنت عنه صحيفة الغارديان أقل من الحقيقي، حيث إنه يقتصر فقط على مواطني الهند وباكستان ونيبال وبنغلاديش وسريلانكا، التي قدمت سلطاتها أرقامًا عن عدد الوفيات. وعلى العكس، لا يمكن معرفة الإحصائية الخاصة بقتلى كل من الفلبين وكينيا، اللتين يشكل مواطنوهما جزءًا كبيرًا من فرقة العمال الأجانب. وتستهجن الباحثة في الشئون الخليجية بمنظمة العفو الدولية “مي رومانوس”، موقف هذين البلدين قائلة: “من دون بيانات دقيقة من قطر والبلدان الأصلية للعمال، من المستحيل معرفة الحجم الحقيقي لعدد العمال الذين فقدوا أرواحهم من أجل استضافة هذا البلد لكأس العالم”.

ظروف وفاة غير واضحة

وبالإضافة إلى عدد الوفيات، تخيم الضبابية على ظروف الوفاة؛ فنحو 69٪ من وفيات العمال الهنود والنيباليين والبنغلاديشيين حدثت بشكل “طبيعي” ولا تمثل “حوادث العمل” سوى 7٪ من مجموع الوفيات، بحسب الأرقام الصادرة عن الصحيفة البريطانية، التي ذكرت أيضًا أنه في عدة مناسبات تبين “نقص في الشفافية وتناقضات حول الأعداد، فعندما يموت عامل مهاجر في قطر، يُعزى ذلك في كثير من الأحيان إلى أسباب السكتة القلبية أو الطبيعية، دون إجراء تشريح مناسب أو إجراء تحقيقات لتحديد السبب الفعلي للوفاة. وهذا يجعل من الصعب للغاية الحصول على صورة واضحة لما يحدث في البلد وتحديد بدقة ما إذا كانت الوفاة مرتبطة بالعمل”.

ولم تحدث جميع حالات الاختفاء هذه أثناء بناء ملاعب كأس العالم ولا تخص دائمًا الأشخاص الذين يعملون عليها. فوفقًا لمنظمة العفو الدولية، يعمل 2 ٪ فقط من العمال الأجانب مباشرة على مشاريع كأس العالم مثل الملاعب. لكن هذه الوفيات تأتي في سياق عبء العمل المكثف مع تحول دولة بأكملها لعام 2022، وتدفق كبير للعمال الأجانب، الذين يعملون في ظروف معقدة ودرجات حرارة عالية. فعلى سبيل المثال، تحدثت الجارديان عن انتحار نيبالي بعد أسبوع واحد من وصوله، وصعق مواطن بنغلاديشي بالكهرباء عندما لامست المياه كابلات عارية، واكتشاف جثة هندي يبلغ من العمر 43 عامًا على الأرض في أحد العنابر السكنية.

نفي قطري

لكن قطر لم تعترف رسميًّا إلا بعدد 37 حالة وفاة فقط مرتبطة بالعاملين في الملاعب، 34 حالة منها ليس لها علاقة بالعمل. وفي بيان صحفي أرسلته إلى الجارديان، نفت الحكومة القطرية الأرقام اليومية وقالت: “إن معدل الوفيات داخل هذه المجتمعات الأجنبية يقع ضمن النطاق المتناسب مع حجم السكان والديموغرافيا. ومع ذلك، فإن كل خسارة في الأرواح هي مأساة، ولا ندّخر جهدًا في محاولة منع كل حالة وفاة في بلدنا”.

من جانبها، أكدت اللجنة المنظمة لكأس العالم في صحيفة الغارديان، أنها “حافظت دائمًا على الشفافية حول هذه القضية”، وأعربت عن معارضتها “للادعاءات غير الدقيقة المتعلقة بعدد العمال الذين ماتوا في مشاريعها”. وأعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) دون التدليل بأي أرقام أن “الحوادث التي شهدتها ساحات كأس العالم صغيرة مقارنة بمشاريع البناء الكبرى الأخرى حول العالم”.

وفي الواقع ليست تلك هي المرة الأولى التي نرى فيها محاولات لإحصاء عدد الوفيات المرتبطة بتنظيم مونديال 2022 في قطر. ففي عام 2013، وفي صحيفة الغارديان أيضًا، قدر الاتحاد الدولي لنقابات العمال أن نحو 4000 شخص قد يموتون قبل أن تبدأ المنافسة. وقبل بضعة أشهر، نعت الهند وفاة 700 من مواطنيها في قطر بين عامي 2010 و2012. واعترفت قطر، لأول مرة، بوفاة عامل في أكتوبر 2016.

إصلاحات لا تحظى بالاحترام

وفي مواجهة الضغوط الدولية، فرضت قطر سلسلة من الإجراءات على العمال الأجانب، منها إمكانية الترحيل من البلاد أو تغيير الوظيفة دون إذن صاحب العمل أو تحديد الراتب الأدنى، لكن “مي رومانوس” توضح أن هذه الإصلاحات “لا تزال تعاني التنفيذ على نطاق ضيق؛ ما يترك آلاف العمال تحت رحمة أرباب العمل عديمي الضمير الذين يواصلون استغلالهم والإفلات من العقاب”.

ربما يعجبك أيضا