الصحافة الألمانية|السعودية تعيد اكتشاف نفسها.. وانتفاضة جامعة إسطنبول تؤرق أردوغان

مترجمو رؤية

ترجمة – فريق رؤية

هل يشتعل سباق التسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط؟

نشر موقع “إن تي في” تقريرًا للكاتب “كريستيان هيرمن” لفت إلى السباق النووي في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بين إيران والمملكة العربية والسعودية وتركيا، ويشير التقرير إلى امتداد هذا السباق إلى منطقة الشرق الأقصى؛ لا سيما اليابان وكوريا الجنوبية اللتين أصبحتا أمام تهديد حقيقي بسبب التهديد النووي من كوريا الشمالية والصين، فهل تظل هذه الدول على موقفها أم تضطر للانزلاق نحو إنتاج وتصنيع السلاح النووي؟

إيران هي الدولة العاشرة التي تحاول تصنيع السلاح النووي، وإذا ما نجحت يمكن لدول أخرى في المنطقة أن تحذو حذوها، وهذا النقاش لا يكتسب زخمًا فقط في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل أيضًا في الشرق الأقصى أيضًا؛ بسبب مخاطر سباق التسلح النووي هناك. وقد حاولت واشنطن سابقًا إيقاف طهران عن تصنيع السلاح النووي عن طريق المعاهدة التي وقّعها الرئيس الأسبق باراك أوباما، والتي انسحب منها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فيما يحاول الرئيس الحالي “جو بايدن” والرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعادة المعاهدة الأخيرة مع طهران مرة أخرى لمنع إيران من إحراز هذه الخطوة، رغم أن الولايات المتحدة وروسيا، وكذلك الصين والهند وباكستان، ينفقون الكثير من الأموال لتطوير الترسانات النووية.

 وقد قامت روسيا بالفعل مؤخرًا باختبار أسلحة نووية جديدة، كما تعمل الولايات المتحدة على استثمار 100 مليار دولار لإنتاج صوارويخ نووية جديدة؛ ما يبرهن على ازدواجية المعايير، وعلى أنه لا يمكن لعالمنا أن يصبح خاليًا من الأسلحة النووية إطلاقًا في ظل احتدام هذا السباق. وإذا عدنا لمنطقة الشرق الأوسط، فإن إيران ليست وحدها التي تسعى لامتلاك السلاح النووي. يقول السيد “موريتز كوت” من معهد أبحاث السلام وسياسة الأمن بجامعة هامبورغ: إن تركيا أيضًا تسعى بجدية لتصنيع هذا السلاح، ولا يخفي الرئيس أردوغان هذه المساعي، فقد صرّح في القمة الاقتصادية التي كانت في سبتمبر 2019 بأنه من غير المقبول أن تمتلك بعض الدول بجوارنا صواريخ نووية وتركيا لا تملكها.

 وتابع “كوت” بأن تركيا محاطة بالعديد من بؤر التوتر، مثل سوريا وإيران، التي تعمل بكل قوة لامتلاك السلاح النووي، بالإضافة للصراع مع اليونان وحلف شمال الأطلسي، كما أن فكرة حيازة السلاح النووي بالنسبة لأردوغان ليست بهدف حماية الأمن القومي التركي فحسب، بل إنها تدعم فكرة “الأنا” لديه؛ فالسلاح النووي سيضع أنقرة ضمن ترتيب الدول المصنّعة في العالم، وهذا ما تريده الرئاسة التركية.

وقد طلب أردوغان عام 2019 قنابل نووية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كما فعل مع سلفه باراك أوباما، وفي كلتا الحالتين كان الرد بالرفض، ولذا صرح الرئيس التركي بأن بلاده ستقوم بتصنيع السلاح النووي. وتخطّط الحكومة التركية لتشغيل أول محطة للطاقة النووية في عام2023 يشرف على بنائها وتشغيلها خبراء روس، وعادة ما تكون الطاقة النووية المدنية هي الخطوة الأولى نحو تصنيع السلاح النووي، وستتجه أنقرة – بلا شك – إلى الصين وروسيا، كما ستعتمد على تعاون الدول الحائزة للسلاح بالفعل، مثل الهند وباكستان.

خطوات نحو السلاح النووي

وأضاف الخبير “كوت” بأنه من الناحية الفنية فإنه من المستبعد أن يكون بمقدور أنقرة القيام بمثل هذه الخطوة؛ حيث يحتاج تصنيع القنابل النووية إلى مواد انشطارية مثل البلوتونيوم أو اليورانيوم عالي التخصيب، وتركيا لم تعلن عن أي منهما، مشيرًا إلى أن الإدارة التركية لم تعلن عن أي مصانع أو خطط لبناء مثل هذه المصانع.

وإذا كانت أنقرة تسارع إلى تصنيع السلاح النووي خوفًا من التهديد الإيراني؛ فإن المملكة العربية السعودية هي الأخرى أحق باتخاذ مثل هذه الخطوة لحماية أمنها القومي، ومن ثمّ يخطط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لبناء ما لا يقل عن 16 محطة للطاقة النووية بحلول عام 2038، وهذه المحطات جميعها قد تمثل خطوة أساسية في تصنيع السلاح النووي؛ حيث إن الخط الفاصل بين الاستخدام المدني والعسكري يكاد يكون غير واضح.

الولايات المتحدة تتعهد بالحماية

ليست منطقة الشرق الأوسط فحسب ولكن منطقة الشرق الأقصى أيضًا تعاني من هذا الصراع؛ فقد ذكرت مجلة “الإيكونوميست” البريطانية أن كوريا الجنوبية واليابان تسعيان بشدة لحيازة السلاح النووي، ورغم أن حرص اليابان على تصنيعه والسعي نحو الحصول عليه بعد ما حدث في الحرب العالمية الأولى، هو أمر مثير للدهشة، خاصة وأنها الدولة الوحيدة التي عانت من الآثار المدمرة لهذا السلاح بعد سقوطه على مدينتي هيروشيما ناجازاكي؛ غير أن الخطر المحدق الذي يحيط باليابان يجعلها تفكر في حيازة هذا السلاح لأنه يمثل قوة الردع، ونفس الأمر ينطبق على كوريا الجنوبية التي تنظر للحقائق الجيوسياسية والصراعات الحدودية والموقف المتحفظ من التنين الصيني، كما أن كوريا الشمالية باتت قوة نووية لا يستهان بها على الإطلاق.

وتابعت مجلة “الإيكونوميست” بأن الادعاء الأمريكي بحماية كوريا الجنوبية واليابان لم يعد فعّالًا، خاصة وأن صواريخ كوريا الشمالية باتت قادرة على تخطي سيول وطوكيو لتصل إلى واشنطن نفسها، فهل يمكن أن ترد واشنطن إذا كان هناك تهديد بشن هجوم على سان فرانسيسكو أو لوس أنجلوس؟ وتشغل مثل هذه التساؤلات المجتمع السياسي في كوريا الجنوبية واليابان، ولكن كوريا الشمالية واليابان لم يبدآ بالفعل في وضع حجر الأساس لتطوير الأسلحة النووية مثلما فعلت العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط.

الحوار العلني

ولا يزال المجتمع المدني الياباني يعارض انتشار الأسلحة النووية ويدعم معاهدة الحظر الجديدة. ورغم مقاطعة العديد من القوى النووية لهذه الاتفاقية وعدم تأييد دول كبيرة في الناتو، مثل ألمانيا، فإن الحكومة اليابانية لم تؤيد أيضًا هذه الاتفاقية، ولعل مخاوف الحكومة اليابانية كانت في محلها؛ فقد عبرت الصواريخ الكورية الشمالية الأراضي اليابانية أثناء الاختبارات التجريبية عام 2017، وهو ما دفع الساسة اليابانيين لتغيير موقفهم والحديث علنًا عن ضرورة حيازة وتصنيع السلاح النووي، وضرورة الانسحاب رسميًّا من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ومن ثم ستقول اليابان هي الأخرى في هذه الحالة: “وداعًا للسلام” وستطوّر أقوى سلاح في العالم.

انتفاضة جامعة إسطنبول تهدد أردوغان

نشر موقع “فرانكفورتر ألجماينا تسايتونج” تقريرًا للكاتب “هنريك بوميرانز” لفت إلى انتفاضة جامعة البوسفور ضد قرار أردوغان بتعيين السيد “مليح بولو”، أحد المقربين له رئيسًا للجامعة، في خطوة يراها معارضو أردوغان استمرارًا لسياسة الاستقطاب والانقسام وبسط النفوذ، وتسييس الجامعات التي من المفترض أن تكون بعيدة عن عبث السياسة وصراعات السلطة والنفوذ.

وتقع جامعة البوسفور في إسطنبول على بُعد أكثر من 1700 كيلومتر من هذه الساحة المغطاة بالثلوج في برلين – كروزبرج، ومع ذلك فقد شارك مئات الشباب من الأتراك هنا منذ ستة أسابيع من أجل الحفاظ على جامعتهم من عبث أردوغان وحزبه، بعدما عيّن رئيسًا للجامعة من حزب العدالة والتنمية، وقد نادت “تقويم نهال”، البالغة من العمر 30 عامًا، باستقالة رئيس الجامعة المعين وطالبت بإطلاق سراح الطلاب المحتجزين.

ووجهت “تقويم” ورفاقها مطالبهم إلى أردوغان في المقام الأول لأنه المسئول عن تعيين السيد “مليح بولو” رئيسًا للجامعة. ويُعد “بولو”، 51 عامًا، عضوًا بحزب العدالة والتنمية الحاكم، وهناك مخاوف كبيرة من أن يؤدي هذا التعيين إلى تقييد الحرية الأكاديمية، ولذلك قامت المظاهرات والاحتجاجات والتي ما زالت مستمرة حتى الآن. وقد وصف أردوغان المتظاهرين بأنهم “إرهابيون”، بينما وصفهم وزير داخليته بـ”المنحرفين”، فيما اعتقلت الشرطة التركية المئات من الطلبة ووضعت بعضهم رهن الاحتجاز، ومنذ هذه اللحظة أصبحت جامعة البوسفور رمزًا للمقاومة.

تقول تقويم نهال إن المشاركين في مظاهرات إسطنبول سيتعرضون للترهيب والخوف، ومن ثم أردنا أن نساندهم وندعمهم، ونقول لهم “لستم وحدكم”. وترتدي “تقويم” قناعًا كُتب عليه “البوسفور تقاوم”، وقد درست السياسة في جامعة البوسفور قبل ثماني سنوات لكنها تعيش الآن في ألمانيا، وقامت بتنظيم المظاهرة بالاشتراك مع خريجين آخرين من جامعتها القديمة، وتواصل تقويم قائلة: نحن لسنا بمعزل عما يحدث في جامعتنا؛ بل نتابع الأمر هناك لحظة بلحظة، ولذلك يرفع المشاركون شارات سوداء عليها أسماء المعتقلين.

ولا تقتصر المظاهرات المعارضة لتعيين رئيس الجامعة على الطلاب فقط، ولكن هناك العديد من الأساتذة في الجامعات شاركوا بالفعل في هذه الاحتجاجات، وقد نقلت وسائل الإعلام صورًا لمسيرة شارك فيها أساتذة من الجامعة تتوجه إلى مكتب رئيس الجامعة الجديد. يقول السيد “فولكان سيدام”، الأستاذ المساعد للعلوم السياسية بجامعة البوسفور سابقًا والذي يعمل الآن في جامعة برلين: إن أغلبية واضحة من أساتذة الجامعة يعارضون هذه الخطوة، وتابع “سيدام” بأن الرئيس الجديد للجامعة غير جدير بهذا المنصب، وأن تعيينه يصحبه بالتأكيد دوافع سياسية.

وحتى طلاب الجامعة، الذين يعدون الأفضل في البلاد باتوا قلقين على مستقبلهم ومستقبل الجامعة. يقول الطالب محمد كسرلي، البالغ من العمر 26 عامًا، وأحد طلاب الجامعة والذي يدرس الآن منحة الماجستير في برلين: إن هناك الكثير من زملائه في الجامعة يحاولون السفر إلى الخارج ويشعرون أنه كلما طالت مدة إقامتهم في تركيا، كلما زاد شعورهم بأن مستقبلهم في خطر.

ويقمع أردوغان الأكاديميين والعلماء منذ بداية عام 2016، عقب محاوة الانقلاب المزعومة، حين وجهت مجموعة “أكاديميون من أجل السلام” نداءً إلى العالم بعد إقالة الحكومة التركية عددًا من أستاذة الجامعة بدعوى مشاركتهم وتأييدهم للانقلاب وحركة فتح الله غولن، واستخدم النظام التركي قانون الطوارئ للتخلص من منتقديه والذين كان من بينهم عدة آلاف من أساتذة الجامعات، واستطاع بعدها تغيير النظام الانتخابي ليصبح في مقدوره تعيين الرؤساء والعمداء في الجامعة، ولم يكن ذلك متاحًا قبل ذلك.

أوضاع صعبة

لم تقف التظاهرات عند حد الاحتجاج على تعيين السيد “بولو” رئيسًا للجامعة، ولكنها تعدت للتنديد بالأوضاع الاقتصادية والفساد السياسي؛ فقد بلغ معدل البطالة نحو 13% وارتفع التضخم إلى 14.6% في العام الماضي، كما أن التعيينات والتوظيف في الحكومة بات مرتبطًا بالولاء والقرب من حزب العدالة والتنمية ولا علاقة للأمر بالكفاءة أو المقومات الضرورية للحصول على الوظيفة. ويصف السيد “جونتر سيوفيرت”، رئيس مركز الدراسات التركية التطبيقية الوضع الراهن بأنه يمثّل معضلة حقيقية؛ حيث يعمل أردوغان الذي تتساقط شعبيته على استثمار المظاهرات في زيادة الاستقطاب في المجتمع والاعتماد على مناصريه في ترويج هذه الاستراتيجية، ومن ثم فإنه لا يمكن أن يتراجع ويستسلم لمطالب المتظاهرين إطلاقًا ما دام يستطيع الاستمرار في هذه اللعبة القذرة.

توسيع التظاهرات ليس الهدف

يحاول البعض الربط بين الاحتجاجات القائمة واحتجاجات منتزه غيزي عام 2013، والتي سرعان ما انتشرت في ربوع تركيا وأدت في النهاية إلى إغلاق حديقة غيزي في إسطنبول بعدما تطورت المظاهرات المعارضة لخطة الحكومة التركية (آنذاك) بقيادة أردوغان، وراح ضحية هذه المظاهرات العشرات من القتلى والآلاف من الجرحى في عموم الأراضي التركية، وهو الأمر الذي تستغله الحكومة الحالية وتحذر من تكراره. لذلك يقول اليسد “سيدام” إن هدف هذه الاحتجاجات هو الحفاظ على الجامعة ولا علاقة لنا برحيل أو إسقاط النظام.

هل كان الغزو التركي لشمال سوريا حماية للسوريين؟

نشر موقع “تسايت” تقريرًا للكاتب “إيسيو إيريش” تحدث عن تقييم الغزو التركي لسوريا وأسبابه الحقيقية التي تتعلق بقطع الطريق على الأكراد وحرمانهم من إقامة الحكم الذاتي، ليس فقط في تركيا؛ بل أيضًا في سوريا، ويستخدم في ذلك ورقة اللاجئين، حيث إن أنقرة بها ما يزيد عن ثلاثة ملايين ونصف لاجئ سوري يخطط أردوغان لإعادة توطينهم في هذه المنطقة العازلة التي تفصل بين تركيا وسوريا. واحتل الرئيس التركي أردوغان أجزاء كبيرة من شمال سوريا بعد عدة عمليات عسكرية منذ عام 2016، وأثارت هذه العمليات انتقادات دولية واسعة رغم أن هذه المنطقة التي تحتلها تركيا حاليًا يعيش بها نحو خمسة ملايين سوري وينعمون بالسلام نوعًا ما مقارنةً بالمناطق التي يسيطر عليها النظام.

مصالح مشتركة

وأثارت مراسلة صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تساؤلًا مفاده: هل التدخل التركي بحاجة إلى إعادة تقييم اليوم؟ وهي واحدة من الصحفيين الغربيين القلائل الذين يعتمدون في تقاريرهم على النزول إلى الشارع ومعايشة الواقع والبحث في الميدان، وقد قامت الصحفية بمسح آراء أعدد كبيرة من المواطنين السوريين في هذه المناطق المحتلة من قبل أنقرة واستنتجت أن صورة تركيا لدى هؤلاء المواطنين أصبحت إيجابية، أو على الأقل يرون أنها باتت لاعبًا لديه مصالح مشتركة مع واشنطن، وعلى إثر نشر هذا التقرير اتُّهمت الصحفية بالعمل على تبييض وجه الحكومة التركية، حيث قامت وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة باستغلال تغطية الصحيفة لهذا الموضوع واستخدمتها للترويج للاحتلال التركي لشمال سوري.

 لكن في الحقيقة لا يمكن تقييم التدخل التركي في سوريا فقط من خلال استطلارع آراء المواطنين السوريين؛ فهذا تقييم سطحي جدًّا والأمر أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير؛ فحين يفضّل بعض السوريين تقسيم وطنهم، فهذا لا يعني أنهم غير شرفاء وأنهم ليسوا وطنيين، لكن الأمر يتعلق بما يفعله النظام السوري من جرائم ويرتكبه من مجازر دفعت بعض السوريين لتفضيل التقسيم بدلًا من الوقوع في قبضة النظام المجرم الذي يقتل أبناءه، فبعدما تحولت الاحتجاجات ضد نظام الأسد في سوريا عام 2011 إلى حرب أهلية قُتل فيها مئات الآلاف وتشرد فيها الملايين، تدخلت تركيا بحجة المساهمة في وقف إطلاق النار الذي أنهى أسوأ الهجمات بعد ما يقرب من عشر سنوات.

 ومنذ ذلك الحين جرى تقسيم سوريا إلى ثلاثة أجزاء، بحيث تولت تركيا والميليشيات المتحالفة معها زمام الأمور في الشمال الغربي، بينما يحكم الأكراد السوريون الشرق على أمل الحصول على الدعم الأمريكي، ويسيطر نظام الأسد، المدعوم من روسيا وإيران، على حوالي ثلثي مساحة البلاد، فيما تعمل الأطراف الفاعلة على إيجاد حل طويل الأمد للصراع، حيث تتفاوض القوى الإقليمية الثلاث، روسيا وإيران وتركيا، على المستوى الجيوسياسي لتحقيق هذا الهدف، كما تساهم الأمم المتحدة في ذلك، لكن تمسك نظام الأسد بالسلطة هو الذي يصعِّب المهمة حتى الآن.

تقييد عمل منظمات الإغاثة الدولية

إن الوضع الإنساني في الأراضي المحتلة في سوريا محفوف بالمخاطر، حيث يعيش الكثيرون في مخيمات مؤقتة للاجئين ويعتمدون على المساعدات القليلة للغاية، وكل ما يصل إلى تلك المناطق المحتلة يجب أن يمر عبر تركيا، وترغب القوات التركية هناك في السيطرة على المنظمات الإنسانية، ولذلك ألغت المنظمة الألمانية (Deutsche Welthungerhilfe) مشروعًا لترميم المنازل المدمرة في مدينة عفرين بعد اتهامها بدعم سياسة الاحتلال التركي للمنطقة، ووفقًا لوزارة الخارجية الألمانية، فإن ألمانيا هي أكبر الدول المانحة في شمال غرب سوريا، حيث قدمت في العام الماضي أكثر من 100 مليون يورو كمساعدات إنسانية هناك.

وهكذا، فإن تركيا لم تحتل هذه المنطقة لحماية المدنيين من هجمات النظام السوري، ولكن لأن أجزاءً كبيرة منها كانت تحت سيطرة القوات الكردية، والتي اكتسبت نفوذًا متزايدًا على طول الحدود في خضم اضطرابات الحرب الأهلية، وربما كانت هذه القوات الشريك الأهم للغرب في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، لذلك خشيت أنقرة من ظهور دولة كردية جديدة تحت حكم وحدات حماية الشعب على الحدود مع تركيا، حيث إن هذه القوات لها علاقات وطيدة مع حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، والذي يُصنف أيضًا على أنه منظمة إرهابية في ألمانيا، وتخشى أنقرة من وجود تلك القوات على الحدود التركية السورية العراقية والتي يمكن أن تعزّز قوة حزب العمال الكردستاني وتشجع على النزعات الانفصالية لدى بعض الأكراد في تركيا.

تغيير ديموغرافي

يقول كريستيان براكيل، من مؤسسة هاينريش بول في إسطنبول: إن تركيا تريد أن تعزل الأكراد وتُشتّت وحدات حماية الشعب الكردية، لذلك فقد فرّ العديد من الأكراد السوريين من مناطق مثل عفرين عندما اقتربت الدبابات التركية، وحتى يومنا هذا تفيد التقارير بقيام القوات التركية أو القوات الموالية لها بهجمات وحشية وقاتلة في بعض الأحيان على الأكراد، ومن ثمّ فإن وجود الأتراك مثّل لهؤلاء تهديدًا وجوديًّا، حيث فر الكثير من الأكراد وتم استيطان هذه الأماكن من قِبل السوريين العرب، وفي عام 2019 أعلن أردوغان بعد ذلك عن خطة لإنشاء منطقة عازلة يمكن من خلالها أن يواجه مشكلتين في آنٍ واحد: محاصرة الأكراد، وترحيل اللاجئين السوريين من تركيا. ومع ذلك، لم يتمكن أردوغان حتى الآن من تنفيذ خطته لإعادة التوطين إلا بشكل أولي.

موقف الخارجية الألمانية

وقد صرحت وزارة الخارجية الألمانية مرارًا وتكرارًا وبشكل قاطع رفضها تدخُّل الحكومة التركية عسكريًّا في سوريا، وتابعت بأنه يجب على أنقرة أن تتبنى الخيار الدبلوماسي والتفاوضي لتحقيق مصالحها الأمنية هناك، كما أشارت إلى أنها طالبت تركيا بإنهاء وجودها العسكري في عفرين “في أقرب وقت ممكن”.

كنوز الصحراء في المملكة العربية السعودية

نشر موقع “شبيجل” تقريرًا للكاتب “ستفن أورث” تحدث عن الكنوز المخفية في صحراء المملكة العربية السعودية، والتي تحوي سجلًا تاريخيًّا عظيمًا يمثّل شاهدًا على عراقة هذه الأرض وغناها بالتراث الإنساني الفريد؛ ومن ثمّ يخطّط ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” لتحويل المملكة من قِبلة للسياحة الدينية إلى قبلة عالمية للسياحة الأثرية والترفيهية في العالم.

ويلجأ السعوديون إلى الصحراء للخروج من روتين حياتهم اليومي إلى وديان وباحات الصحراء الشاسعة التي يكسوها الثلوج أحيانًا، رغم أنه نادرًا ما يحدث ذلك في المملكة وخاصة في الشمال، لكن هذه المناظر الخلابة تُشبه تمامًا المنزلقات الجليدية في المدن الألمانية الكبرى، لكن ربما يكون الفارق في أن الصحراء السعودية تخلو من النساء وأنها تتزين بالجلباب السعودي الذي يشتهر به العرب، لكن في النهاية يجب أن يرى العالم مثل هذه المشاهد الخلابة والمناظر الجذابة التي تتمتع بها وديان الصحراء في المملكة.

ويقود كل من “تركي” و”عبد الله” و”أبو منصور”، الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و72 عامًا، سياراتهم ذات الدفع الرباعي ويقفزون على الأسفلت وهم يحملون هواتفهم الجوالة في طريقهم للصحراء للقيام برحلة ذات رونق خاص؛ حيث لم يكن ذلك متاحًا قبل خريف 2019 للسائحين الأجانب، ولم يكن يُسمح لأحد سوى لحجاج مكة والعمال الأجانب وضيوف العائلة المالكة بدخول المملكة.

بيد أن الرؤية الجديدة (2030) لولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، التي تهدف لتحويل المملكة لدولة سياحية عالمية تضم منتجعات ذات فئة الخمس نجوم ومدن سياحية كاملة على شواطئ البحر الأحمر، وكذلك تحويل المناطق الشاسعة من الصحراء – التي تمثل 95% من مساحة المملكة – إلى قرى ومدن سياحية عالمية، ستلعب دورًا بارزًا في الاقتصاد مستقبلًا، وذلك خلافًا لما كان معهودًا عن السعوديين، حيث يعتقد الغرب أن السعوديين لا يحبون الصحراء.

وقد رافقت خلال رحلتي كلًا من السيد “تركي” و”عبد الله” وآخرين من المملكة، ووجدتهم شغوفين تمامًا بالصحراء، ورأيت ذلك بنفسي في الرحلة التي استغرقت ستة أيام بين مدينتي العلا وتبوك، قضينا فيها ليالي بين الخيم نعايش فيها حياة مختلفة ونستمتع فيها بالمناظر الطبيعية التي لا يمكن أن تراها في غير الصحراء، والتي تبرهن أن صحراء المملكة تحوي الكثير من الكنوز الصخرية التي تشبه الإسفنج ومنحوتات من الحجر الرملي على شكل عيش الغراب والتي تبدو وكأنها قناديل عملاقة لا تخضع لقوانين الجاذبية الأرضية، كما شهدنا لوحة فنية طبيعية رسمتها الطبيعة تضم مشهدًا بركانيًّا مصنوعًا من صخور الحمم البركانية السوداء، لم يكن لأحد أن يتوقع رؤية مثلها في شبه الجزيرة العربية.

انطلاقة في الصحراء

وبينما نحن نواصل السير سألت “تركي” عن إمكانية اصطحاب النساء في مثل هذه الرحلات الصحراوية، فأجاب بأن ظروف الصحراء لا تناسب النساء، حيث لا توجد مرافق صحية، بالإضافة إلى صعوبة مثل هذه الرحلات التي تستغرق أيامًا طويلة وسفرًا بالسيارة. وفي النهاية استغرقت رحلتي إلى المملكة تسعة أسابيع إجمالًا عايشت فيها أحداثًا لا تُنسى، لا سيّما تناول العشاء بجوار نيران الفحم الحجري أو السير على الكثبان الرملية شديدة الانحدار وغيرها من المشاهد الجميلة.

معابد على ضفاف الطريق

وبينما نحن نشاهد قوافل الإبل تسير في الصحراء ونحن نسير بالسيارة اللاند كروزر، طلبت من تركي التوقف كي أتمكن من التقاط الصور؛ فهذا هي الأهم بالنسبة لي، بينما يهتم صديقي أكثر باللوحات الحجرية القديمة التي يتخطى عمرها الـ 6000 عام والمنتشرة عبر صحراء المملكة في معالمها الأثرية الفريدة.

ربما يعجبك أيضا