معهد واشنطن | الانتخابات الفلسطينية والحاجة إلى التغيير السياسي

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

في 15 يناير 2021، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” مرسومًا رئاسيًّا بإجراء ثلاث جولات متتالية من الانتخابات الوطنية الفلسطينية للسلطة التشريعية ورئاسة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وكانت الانتخابات الفلسطينية – التي يجب عقدها كل أربع سنوات وفقًا للقانون الأساسي الفلسطيني – قد تأخرت لفترة طويلة، حيث أجريت آخر انتخابات تشريعية في يناير 2006.

وقد حقق مرشحو حركة حماس في تلك الانتخابات فوزًا ساحقًا مكّنها من الهيمنة على الحكومة على حساب منافستها حركة فتح، وأدت حكومة حماس اليمين بعد رفض فتح وعدد من الفصائل الأخرى تشكيل حكومة وحدة وطنية. ومع ذلك، واجهت هذه الحكومة التي تقودها حماس مبادئ الرباعية الثلاثة والمتمثلة في: الاعتراف بإسرائيل، ونبذ الإرهاب، وقبول الاتفاقيات السابقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وأدى رفضها إلى مقاطعة دولية لحكومتها وعزلها.

بعد ذلك، تصاعدت التوترات بين فتح وحماس لتصبح حربًا أهلية في عام 2007؛ ما أدى إلى صراع دموي للسيطرة على قطاع غزة. وخسرت فتح وطُردت من الجيب الساحلي إلى الضفة الغربية، حيث استأنفت قيادة السلطة الفلسطينية، وسمح هذا الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة لحركة حماس بحكم القطاع الفقير، الذي يقطنه أكثر من مليوني فلسطيني.

ومنذ ذلك الحين، حاولت العديد من القوى الإقليمية – دون جدوى – التوسط في صفقات بين الغريمين، حيث فشلت جميع هذه الصفقات في اختبار التنفيذ. ومع ذلك، فقد شجع مرسوم عباس الانتخابي القاهرة على رعاية جولة جديدة من الحوار الفلسطيني، والتي عقدت في 8 و9 فبراير 2021، وأعلنت الفصائل الفلسطينية الـ14 التي حضرت القمة أنها توصّلت إلى اتفاق جديد من شأنه أن يضع الخطوط العريضة لأول انتخابات وطنية فلسطينية منذ ما يقرب من خمسة عشر عامًا.

وخلافًا للاتفاقات السابقة، يركز هذا الاتفاق الأخيرة على الأدوات الفنية لتأمين انتخابات حرة وديمقراطية في خضم الانقسام الداخلي وغياب الثقة المتبادلة، واستخدمت مصر نفوذها لإبرام اتفاقية خارطة طريق جديدة لتحقيق هذه الغاية. وينص الاتفاق على تشكيل محكمة انتخابية تكون مسئولة وحدها عن متابعة العملية الانتخابية ونتائجها، كما يدعو إلى الحريات السياسية الشاملة والحق في المشاركة بحرية في هذه الانتخابات. كما دعا أيضًا المراقبين الدوليين والإقليميين لمراقبة هذه الانتخابات، وعُزّز الاتفاق بمرسوم رئاسي جديد صدر في 20 فبراير ينص على إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين في الضفة الغربية وغزة. ومع ذلك، فإن النجاح النهائي للاتفاق يعتمد على الإرادة السياسية لفتح وحماس لإتمام هذه العملية بنجاح.

وينص الاتفاق الجديد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهي طريقة غير مباشرة لإعادة تأكيد التزامات المنظمة بالاتفاقيات السابقة مع إسرائيل. وبما أن حماس ليست عضوًا في منظمة التحرير الفلسطينية، فإنها ستنضم في ختام جولات الانتخابات الثلاث المتتالية بموجب هذه الاتفاقية الجديدة.

وفي غضون ذلك، يتشكك العديد من الفلسطينيين في إجراء الانتخابات من الأساس، حيث تراجعت الوعود الانتخابية في الماضي. وتعهّد عباس بإجراء انتخابات عدة مرات منذ انتهاء فترة ولايته التي استمرت أربع سنوات في عام 2009. ومع ذلك، انهارت المحاولات المتكررة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وهو ما يرجع في معظمه إلى انعدام الثقة بين فتح وحماس.

* النتائج الرئاسية

لا يحظى “محمود عباس”، رئيس السلطة الفلسطينية البالغ من العمر 85 عامًا، بشعبية كبيرة، وهو ما يمكّنه من قيادة فتح في الانتخابات التشريعية المقبلة والانتخابات الرئاسية اللاحقة، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ثلثي الجمهور الفلسطيني يرغب في استقالته. وبحسب استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في ديسمبر الماضي، سيخسر عباس أمام زعيم حماس “إسماعيل هنية” في الانتخابات الرئاسية؛ ما يثير مسألة شعبية فتح في الانتخابات التشريعية أيضًا.

ومع ذلك، تحاول كل من فتح وحماس تنظيم الانتخابات التشريعية المقبلة بحيث لا تكون هناك مفاجآت كبيرة كما كانت في عام 2006. وقد أعرب “جبريل الرجوب” ونائب رئيس حركة حماس “صالح العاروري” عن اهتمامهما بوضع قائمة مشتركة للانتخابات التشريعية التي يزعمان أنها ستسمح لهم بتشكيل حكومة جديدة يقبلها المجتمع الدولي والمنطقة فيما تتجاوز شروط الرباعية الثلاثة.

فيما سيقوم النظام الانتخابي على أساس التمثيل النسبي فقط، على عكس النموذج الهجين للنسب والدائرة لعام 2006، والذي سيحرم أي فصيل فلسطيني واحد من الفوز بأغلبية المقاعد في المجلس التشريعي وتشكيل الحكومة المقبلة بشكل فردي.

ومع ذلك، فإن حركة فتح غير مستعدة للانتخابات التشريعية. فالحزب غير منظم ويواجه تهمًا بالفساد في الضفة الغربية، واستطلاعات الرأي العام أشارت إلى أن دحلان وفصيله إذا شكلا قائمة انتخابية خاصة بهما، فإن ذلك سيضر بفرص فصيل محمود عباس.

ولكن هذا ليس التهديد الوحيد الذي تواجهه فتح في الانتخابات التشريعية؛ فـ “مروان البرغوثي”، الذي يقضي خمسة أحكام بالسجن مدى الحياة في إسرائيل، هدد أيضًا بتشكيل قائمته الانتخابية الخاصة ما لم يتم منحه حق النقض (الفيتو) على المرشحين في قائمة فتح الرسمية. وفي محاولة لثنيه عن خوض الانتخابات ضد عباس في الانتخابات الرئاسية اللاحقة المقرر إجراؤها في 31 يوليو، زار “حسين شيخ” – وزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية وحليف الرئيس عباس – البرغوثي في ​​أحد السجون الإسرائيلية في 11 فبراير. وستعتمد نتائج الانتخابات – إلى حد كبير – على وحدة فتح وقدرة الأحزاب الثالثة على إقناع الناخبين بأنها تستطيع توفير مستقبل أفضل لهم من حماس أو فتح.

وفي المقابل، وعلى الرغم من بعض الخلافات الفئوية والشخصية، فإن حماس هي جماعة أفضل تنظيمًا وأكثر انضباطًا، ولن تتسامح مع الانقسامات الداخلية في سياق انتخابي، غير أنها سيتعين عليها مواجهة جمهور شديد الاستياء في قطاع غزة، يمثل 42% من إجمالي الناخبين المؤهلين، والذين عانوا بشكل كبير من الفقر والبطالة والحصار وغياب الخدمات الأساسية على مدى السنوات الأربع عشرة الماضية. وقد أشارت استطلاعات الرأي العام إلى أن شعبية حماس تراجعت إلى نحو 20-25٪ في غزة مقابل 44٪ عام 2006.

* إمكانية تأثير أوسع

ظهرت الاتفاقية الجديدة جزئيًّا بسبب ظهور إدارة بايدن في الولايات المتحدة، إلا أن الإدارة الجديدة – الحريصة على الديمقراطية والانتخابات الحرة – قدمت نفسها على أنها ملتزمة بإعادة العلاقات مع السلطة الفلسطينية ومساعدة الشعب الفلسطيني، فيما لم تتحدث إسرائيل بعد عن الانتخابات الفلسطينية، رغم أنها تراقب بوضوح الحوارات الجارية، أما الفلسطينيون فيشعرون بالقلق من أن تعيق إسرائيل التصويت في القدس الشرقية، التي اعترف بها الرئيس السابق “دونالد ترامب” العاصمة الأبدية لإسرائيل.

وفي ظل هذه الملابسات، تتعرض القيادة الفلسطينية لضغوط شديدة بالنظر إلى التطورات الإقليمية الأوسع نطاقًا التي تشير إلى أن الدول العربية والإسلامية لن تنتظر القيادة الفلسطينية كما فعلت في الماضي، فمع قيام الإمارات والبحرين والسودان والمغرب بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل بالفعل، فمن المحتمل أن تكون الدول الأخرى في طريقها إلى ذلك؛ ما يغير معادلة أي مفاوضات بين إسرائيل وفلسطين.

ولن تحدد الانتخابات الفلسطينية القادمة مستقبل السياسة الفلسطينية فقط، بل مستقبل المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية أيضًا. ومن ناحية أخرى، فإن المفاوضات من أجل سلام كامل ليست وشيكة ولا تبدو أولوية فورية لإدارة بايدن الجديدة، التي تواجه بالفعل ضغوطًا محلية هائلة. ومع ذلك، فإن البرلمان الفلسطيني المنتخب حديثًا يمكن أن يضخ حياة جديدة في مفاوضات السلام المتوقفة.

ولا شك أن الانتخابات الناجحة ستستطيع إعادة توحيد الفلسطينيين مرة أخرى في ظل حكومة واحدة، وإذا التزمت حركة حماس باتفاقيات السلام، فإنها بذلك ستحرم إسرائيل من اتهامها بأنه لا يوجد شريك سلام موثوق به بين الفلسطينيين، ولهذا الهدف، أرسلت السلطة الفلسطينية مؤخرًا رسالة إلى إدارة بايدن تؤكد أن جميع الفصائل الفلسطينية – بما في ذلك حماس – ملتزمة بحل الدولتين وبالمقاومة السلمية غير العنيفة، إلا أن هذه الرسالة لم تتلقَ حتى الآن أي رد رسمي من حماس.

كذلك يمكن للقيادة الفلسطينية اغتنام فرصة الإدارة الأمريكية الصديقة والتطورات السياسية لدى حركة حماس للتحرك نحو مفاوضات السلام مع إسرائيل، غير أن تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس من المرجح أن يكون أمرًا مستحيلًا إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في مارس، ولكن مثل هذه الخطوة ستمهد الطريق لوقف إطلاق النار المستقر في بيئة سياسية متقلبة حاليًا. وإضافة إلى ذلك، لا يزال الفلسطينيون قلقين بشأن تحركات إسرائيل السابقة لضم أجزاء من الضفة الغربية ويبحثون عن ضمانات دولية بألا تجدد إسرائيل هذه السياسة.

ولكن مثل هذه التطورات تعتمد على نتائج الانتخابات في كل من إسرائيل وفلسطين، وكذلك على قدرة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على إحضار الطرفين إلى طاولة المفاوضات، إذ تواجه إسرائيل تحدياتها الانتخابية، حيث يواجه رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” تهمًا بالفساد في خضم حملة انتخابية رابعة في غضون عامين.

وأخيرًا، يمكن أن تؤدي الانتخابات الفلسطينية بالمثل إلى مجموعة متنوعة من النتائج، ربما تكون لحظة حساب للاستراتيجية الفلسطينية، أو أن تمثل ببساطة تحولًا طائفيًّا يحافظ على الوضع الراهن الأوسع، كما أن ملفات كثيرة ستتحدد من خلال المفاوضات المستقبلية، وتأمل الفصائل الـ14 العائدة إلى القاهرة في مارس أن يكون هذا الاتفاق فصلًا جديدًا في العلاقات الداخلية الفلسطينية. ومع ذلك، فإن هذه الالتزامات تتحقق من خلال الأفعال وليس الأقوال.

لقراءة النص الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا