كارنيجي| كيف تعمل دبلوماسية نيوم السعودية؟

علي عبدالعزيز

ترجمة – بسام عباس

تقوم المملكة العربية السعودية بتشييد مدينة ضخمة جديدة لجذب الشركاء الدوليين، إلا أن خططها هذه قد تنافس الإمارات العربية المتحدة، جارتها وشريكتها الخليجية.

في 23 نوفمبر 2020، عُقد اجتماع بين وزير الخارجية الأمريكي السابق “بومبيو” وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان” في مدينة نيوم، المدينة المستقبلية المخطط لها في منطقة تبوك السعودية، وهي اختصار لـ “المستقبل الجديد”، ومدينة ضخمة مستقبلية مخطط لها بقيمة 500 مليار دولار، ومن المتوقع أن تشغل مساحة 10230 ميلًا مربعًا شمالي غرب السعودية بالقرب من خليج العقبة.

ويشير مكان الاجتماع إلى أهمية مدينة نيوم الاستراتيجية في سياسة “محمد بن سلمان” الخارجية، فالاجتماع هو جزء من دبلوماسية نيوم السعودية الجديدة، كما أنه أحد الاجتماعات العديدة المماثلة التي من المرجح أن تُعقد في المستقبل.

وقد أعلن “محمد بن سلمان” عن خطط مدينة نيوم الضخمة في أكتوبر 2017، بعد أربعة أشهر فقط من تعيينه كولي للعهد، ففي السنوات الأخيرة، استخدم بشكل متزايد مشروع نيوم عنصرًا أساسيًّا في جهوده الدبلوماسية.

ومن المخطط أن يكون للمدينة منطقة اقتصادية مستقلة ذات نظام قانوني وضريبي خاص بها، إذ تهدف الحكومة إلى تنويع الاقتصاد من خلال الترويج لمجالات اقتصادية جديدة ذات تقنية عالية، فالموقع الجغرافي للمدينة قريب من الأسواق الدولية، وسيتم تشغيلها بنسبة 100% باستخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وإضافة إلى ذلك، يكشف إطلاق مشروع “الخط”، وهو خط مواصلات بطول 170 كيلومترًا، أن نيوم ستمتلك قطارًا تحت الأرض وحركة مرور سيارات تديرها تقنيات الذكاء الاصطناعي.

ولكن ما يجعل نيوم فريدة من نوعها مقارنة بالمشاريع العملاقة الأخرى هو دورها في السياسة الخارجية السعودية كأداة للقوة الناعمة؛ إذ توسع نيوم فرص السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، ففي أول زيارة رسمية لعاهل سعودي إلى روسيا في أكتوبر 2017، والتي استمرت ثلاثة أيام، أعلن صندوق الاستثمار الروسي أنه سيستثمر مليارات الدولارات في نيوم، فضلًا عن المشاركة في تسهيل صفقات نيوم مع شركات التكنولوجيا الفائقة الروسية. ونظرًا للأفكار المستقبلية والنيوليبرالية في جوهر نيوم، تؤكد السعودية أيضًا على أنها مكان للتعاون والاستثمار بين الولايات المتحدة والسعودية.

أما بالنسبة للأمير محمد بن سلمان”، يعدّ مشروع نيوم بمثابة واجهة لجذب الشركاء الدبلوماسيين للمملكة، فعلى سبيل المثال، خططت السعودية لعرض مشروعها العملاق على الدول الاقتصادية الرائدة في قمة مجموعة العشرين في عام 2020 من خلال تنظيم زيارات لقادة الدول إلى نيوم. وخلال مؤتمر مجموعة العشرين، صرح رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” أنه يود زيارة نيوم، وأن نيوم تمثل مستقبلًا أكثر خضرة للجميع.

ويوفّر موقع نيوم موقعًا أفضل مناخيًّا وجغرافيًّا للشركات العالمية مقارنةً بصيف دبي شديد الرطوبة، حيث تحاول السعودية الترويج لصورة نيوم المستقبلية والسياحية كمنافس محتمل لدبي، وتكشف إعلانات نيوم في صحيفة “وول ستريت جورنال”، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، والقنوات التلفزيونية الأوروبية، أهمية نيوم لاستراتيجية العلاقات العامة التي تنتهجها السعودية، وتمثل زيارة بومبيو الأخيرة مثالًا على حالة نيوم الفريدة كمشروعٍ ضخم.

وفي يونيو 2017، سلمت مصر جزيرتي صنافير وتيران إلى السعودية، الواقعة قبالة سواحلها وشبه جزيرة سيناء، وقد أعطت مصر الجزر للمملكة على افتراض أن يستفيد الاقتصاد المصري من نيوم. وفي الواقع، لدى السعودية خطط لبناء جسر يعبر مضيق تيران ويربط مصر بمدينة نيوم. ومع ذلك، فإن توسيع الطريق السريع السعودي 392 وبناء جسر سعودي – مصري يتطلب مفاوضات مع إسرائيل، إذْ تتضمن معاهدة السلام لعام 1979 بين مصر وإسرائيل ضمان عبور السفن الإسرائيلية عبر مضيق تيران، وبالتالي، يعتمد المشروع على موافقة إسرائيل.

ولا يمكن لنيوم أن تزدهر إذا لم تعقد صفقة مع إسرائيل، رغم أن ما يصل إلى 90% من السكان العرب لا يزالون يعارضون الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل، وفقًا لاستطلاع للرأي أجراه معهد الدوحة. ولا تحتاج السعودية إلى مواصلة استراتيجيتها للعلاقات العامة الدولية فحسب؛ بل تحتاج أيضًا إلى حلفاء آخرين من العالم العربي لتوفير أرضية للاعتراف العربي الإسرائيلي المتبادل. ومع هذا تظل مسألة ما إذا كنا سنشهد زيادة في الاعتراف العربي بإسرائيل معلقة.

المشاريع الكبرى مثل مركز الملك عبد الله المالي، ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية، تخوض منافسة مع الإمارات المجاورة، إلا أن الشركات الدولية يمكن أن تعد المغتربين بنمط حياة غربي في دبي، وهو ما لم يحدث بعد في السعودية. وهذا عامل مهم للشركات الدولية التي تبحث عن تمثيل إقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد كافحت المشاريع التي تبلغ تكلفتها مليارات الدولارات (مركز الملك عبد الله المالي ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية) لإدخال الشركات في منشآتها، حتى أن الحكومة السعودية تخطط لتحويل مركز الملك عبد الله المالي إلى منطقة اقتصادية خاصة لجذب الشركات العالمية. وقد صرح وزير الاستثمار السعودي “خالد الفالح” في أكتوبر 2020، أنه سيتم إطلاق مناطق اقتصادية خاصة في عام 2021.

لا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تترك نيوم لتقع في نفس المصير في ظل النمو السكاني المرتفع في المملكة وارتفاع معدلات البطالة؛ حيث ستحاول الحكومة السعودية جذب الشركات بعيدًا عن دبي من خلال تقديم اتفاقيات ضريبية خاصة وعوامل جذب أخرى كي تنتقل إلى نيوم. ونظرًا لأن كلًا من الإمارات والسعودية يعملان على تقليل اعتماد اقتصاداتهما على النفط، فإنهما يخاطران بالمنافسة مع بعضهما البعض على الشركات والاستثمارات الدولية.

ويظل مدى استعداد الإماراتيين لمشاركة هيمنتهم على مركز الاستثمار والأعمال مفتوحًا، ويبقى أن نرى كيف ستعمل أغنى دولتين في الخليج على تسوية نزاع مستقبلي، إذ ستحتاج السعودية إلى التفاوض مع إسرائيل والإمارات من أجل مستقبل نيوم.

وترتبط سياسة “محمد بن سلمان” الخارجية ارتباطًا وثيقًا برؤيته الاقتصادية والاجتماعية. وتُعد نيوم بمثابة واجهة عرض للمشاريع العملاقة المختلفة في السعودية وهدية لجهودها الدبلوماسية، فالحكومة السعودية تهدف إلى تحسين الصورة العامة للمملكة وتعزيز الفرص التجارية فيها عبر نيوم، ومن المرجح أن يؤدي موقع “محمد بن سلمان” بصفته وريث العرش إلى زيادة استخدامات دبلوماسية نيوم.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا