جهاديكا| هل مات أيمن الظواهري؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

في نوفمبر 2020، ظهرت تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الصحافة الباكستانية تفيد بأن زعيم تنظيم القاعدة “أيمن الظواهري” توفي مؤخرًا لأسباب طبيعية، ربما في أفغانستان. وقد ولد الظواهري في مصر عام 1951، وتزعَّم تنظيم القاعدة عقب مقتل “أسامة بن لادن” في الغارة الأمريكية على “أبوت آباد”، في باكستان في مايو 2011. وخلال هذه الفترة كان كثير الظهور كواجهة للتنظيم، حيث قدم العديد من الرسائل الصوتية والمرئية بالإضافة إلى التوجيهات المكتوبة لأعضائه التنظيم وفروعه. بينما مرت عليه فترات كان فيها بمعزل عن العالم الخارجي وكان مصيره غير مؤكد، ومع ذلك لم تنتشر شائعات وفاته من قبل بمثل هذه الكثافة، وأدى إصدار مقطع فيديو جديد الأسبوع الماضي حول الظواهري إلى تعزيز تلك الشائعات؛ ما أثار تساؤلات حول مستقبل قيادة القاعدة ومستقبله كتنظيم.

IMG 1062 1024x575 1

* جرح الروهينجا

الإصدار الجديد الذي نشر في 12 مارس 2021 بعنوان “الروهينجا جرح الأمة كلها” كان غريبًا من عدة نواحٍ:  

أولاً: على الرغم من الإعلان عنه كإصدار فيديو للظواهري، إلا أنه في الواقع لم يكن المتحدث الرئيسي، حيث يلعب هذا الدور راوٍ مجهول، ويدور موضوع المقطع حول الإبادة الجماعية للروهينجا في ميانمار وفشل العالم في فعل شيء حيال ذلك، ويتكون في غالبيته العظمى من تعليقات. ويظهر الظواهري بصوته، حيث لم يظهر فعليًّا في الفيديو، في ست مناسبات فقط، وفي مقتطفات تتراوح من إحدى عشرة ثانية إلى دقيقة ونصف. وقد تحدث في المجموع لنحو ثلاث دقائق وخمس وأربعين ثانية فقط في مقطع فيديو مدته 22 دقيقة تقريبًا. في حين أن مقاطع التغطية الإخبارية تستغرق معظم زمن المقطع، وهذا أمر طبيعي في هذه الأنواع من مقاطع الفيديو، فليس من الطبيعي أن يلعب الظواهري دور الرجل الثاني لمتحدث آخر. ويبدو أن الظواهري قد سجل في وقت سابق خطابًا حول موضوع الإبادة الجماعية للروهينجا، إلا أن الفيديو يعطي انطباعًا بأنه سُجِّلَ منذ فترة طويلة لدرجة أنه احتاج إلى الاجتزاء والقص وإعادة الترتيب حتى لا يبدو قديمًا وباليًا.

وفي أحد المقتطفات الست، يتحدث الظواهري عن “حكومة ميانمار الديمقراطية”؛ ما يشير إلى أن كلمته المسجلة ليست حديثة. وعلى النقيض من ذلك، يشير الراوي إلى “الانقلاب العسكري في ميانمار”، في إشارةٍ إلى أنه مطلع على الشئون الجارية. وكانت كلمات الظواهري عامة جدًا في مجملها لدرجة توحي بأنها سُجِّلَت منذ فترة طويلة، وربما تعود مثل عام 2017. ولا شيء في مقاطعه التي تبلغ ثلاث دقائق وخمس وأربعين ثانية، يقترب من كونه دليلًا على حياته.

وفي الفيديو الأخير له، لم يشر الظواهري إلى الأحداث الأخيرة، وكان تنظيم القاعدة قد أصدر هذا الفيديو في 11 سبتمبر 2020، وكان هو الفيديو الأكثر غرابة الذي ينشره تنظيم القاعدة في ذكرى 11 سبتمبر؛ إذ وُصِفَ بأنه الجزء الأول من سلسلة بعنوان: “صفقة القرن أم قرون من الحملات؟” وكان موضوعه العام سياسات إدارة ترامب تجاه إسرائيل. وفي بداية الفيديو، يصف الظواهري بعض التحركات الأخيرة لإدارة ترامب، مثل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، كجزء من “الصراع طويل الأمد بين المسلمين والصليبيين”. ومع ذلك، فإن الجزء الأكبر من خطابه يتخذ شكل تفنيد موسع لفيلم وثائقي لقناة الجزيرة صدر في يوليو 2019 أكد وجود روابط بين القاعدة والمخابرات البحرينية. ولم يشر الظواهري إلى أي قضية أحدث من ذلك.

وهناك إشارة أخرى في فيديو الروهينجا، كما أوضح “وسيم نصر”، وهي حذف عبارة “حفظه الله” من مكانها المعتاد بعد اسم الظواهري، سواء في الإعلان عن الفيديو أو في الفيديو نفسه. ففي الإصدارات الإعلامية التي تبثها المؤسسات الإعلامية للتنظيم، عادة ما تتبع عبارة “حفظه الله” اسم المتحدث للإشارة إلى أنه على قيد الحياة، في حين أن عبارة “رحمه الله” عادة ما تتبع اسم المتحدث في حالة كونه ميتًا. وغياب أي من هذين التعبيرين هنا لافت للنظر، لا سيما في ظل انتشار شائعات حول وفاة الظواهري. كذلك لم تكن هذه العبارات موجودة أيضًا في فيديو الظواهري “صفقة القرن”. وعلى النقيض من ذلك، فإن عبارة “حفظه الله” تبعت اسم الظواهري في مقطع الفيديو الصادر في مايو 2020، كما حدث في جميع مقاطع الفيديو الخاصة به تقريبًا من عام 2019. ورغم أن تنظيم القاعدة كان يهمل في بعض الأحيان تضمين العبارة في مقاطع فيديو الظواهري في الماضي، إلا أن إهمالها مرتين على التوالي في ظل الظروف الحالية يعطي انطباعًا بأنه ربما يكون ميتًا.

IMG 1063 1024x419 1

* تفاعلات المنظمات الجهادية

وبعد نشر الفيديو، قام أنصار تنظيم داعش بالهجوم على مؤيدي القاعدة على منصة تليجرام، مستخدمين أحيانًا هاشتاج (# أين_الظواهري). فيما حث حساب “صوت الزرقاوي” المتواجدين في معسكر تنظيم داعش على استخدام الهاشتاج والثأر من محبي القاعدة “المرتدين” انتقامًا من ردهم على مقتل “أبو بكر البغدادي” في أكتوبر 2019.

وكتب: “اجرحوهم وتشمتوا بهم كما كان يفعل هؤلاء الملاعين عندما فرحوا وتشمتوا باستشهاد الشيخ أبو بكر البغدادي تقبله الله … واليوم الكرّة لكم”.

ووصف مؤيد آخر لتنظيم داعش، يعرف باسم “بهاء”، الفيديو بأنه محاولة فاشلة “لإثبات أن الظواهري على قيد الحياة”. بينما نشر مقطع الفيديو على أنه إصدار جديد للظواهري، إلا أنه لم يكن كذلك، وأضاف “حتى أنصار القاعدة أدركوا هذه المرة أنه إنتاج قديم”. وتابع أن الأمر الأكثر إحباطًا بالنسبة لهم هو عدم وجود عبارة “حفظه الله”، وهو ما “يدعو إلى التكهن”. وفي منشور آخر، كتب “بهاء” أن الفيديو، بدلًا من طمأنة أنصار القاعدة وأنه “سيشفي صدورهم إذ به يزيد شكوكهم حول مصير الظواهري والقاعدة ككل”.

إن وجهة نظر “بهاء” هي أن الظواهري مات منذ زمن طويل، وأن القاعدة، لأي سبب كان، يحاول التستر علة هذه الحقيقة: “كل هذه المراوغة.. تؤكد المؤكد وهو أن الظواهري فطس من فترة بعيدة وتصرفات القاعدة السفهاء حاليًا ما هي إلا كمن يحاول تغطية الشمس بالغربال”. لكنه أضاف أن القاعدة قد لا تكون مستعدة لإعلان وفاة زعيمها. في إشارة إلى الفترة من 2014 إلى 2015 عندما حث تنظيم القاعدة أعضاءه على إعطاء البيعة لزعيم طالبان “الملا عمر” زعيمًا لهم على الرغم من وفاته منذ عام 2013، قال بهاء ساخرًا: “خصوصًا أن بيعة الأموات ماركة مسجلة على القاعدة حصرًا”.

لم يبذل أنصار تنظيم القاعدة على الإنترنت، كما أشار بهاء بحق، أي جهد لإقناع أنفسهم بأن فيديو الظواهري جديد وأنه قدم دليلًا على حياته. بل على العكس من ذلك، بدأ بعضهم يفكر في احتمال وفاة الظواهري، ففي منشور صدر في اليوم التالي للفيديو، أشاد “جلاد المرجئة”، أحد مؤيدي تنظيم القاعدة الأكثر صراحةً على التليجرام، بالظواهري باعتباره أحد عمالقة الحركة الجهادية مع التقليل من أهمية وجوده، فالموت محتمل والجهاد لا يتعلق بأي زعيم أو تنظيم بعينه، كما ذكّر قراءه بأن الجميع، بما فيهم الظواهري، سيموت في يوم من الأيام، حيث كتب جلاد المرجئة: “فأما الشيخ أيمن شيبة الجهاد والوقار فسيأتي يوم ويموت فيه، سواء كان اليوم أو غدًا، فالموت علينا حق”. وفي هذه الحالة، “قد يمر تنظيم القاعدة بمراحل ضعف، عند فقدان أحد قادته ولكنه لا ينتهي بإذن الله”. هذا لأن القاعدة “فهي ليست مجرد جماعة تحمل السلاح، وإنما هي فكرة ومنهج وعقيدة لا تموت بموت أصحابها”. وقال: “لا أقول هذا الكلام من باب الإقرار بصحة الشائعات من عدمها، ولكن فقط للتذكير بأن موته سيأتي في النهاية وأن الجهاد فهو باق إلى يوم القيامة”.

وقد عبر مؤيد آخر للقاعدة، وهو “وريث القسام”، عن نفس المشاعر، حيث أبلغ خصوم القاعدة من “مجاميع الكفر في كل مكان” في أحد منشوراته بأن التنظيم لا يقاتل نيابة عن أي فرد بعينه. وكتب: “إذا صدقنا جدلًا مزاعمكم أن الجهاد سينتهي بعد موت شيخنا، لكان الجهاد قد انتهى قبل أكثر من عشرة أعوام عندما قتل الإمام أبو عبد الله” [أي أسامة بن لادن].

هذه التصريحات وغيرها لا تشكل اعترافًا بوفاة الظواهري، لكنها تظهر أن أنصار القاعدة بدأوا على الأقل يأخذون على محمل الجد فكرة أن زعيمهم قد مات.

IMG 1064 1024x419 1

* مشكلة خلافته

احتمال وفاة الظواهري يثير التساؤل عمن سيخلفه، وربما تكون عملية اختيار خلفه أكثر صعوبة. فقبل عدة سنوات، وضعت القاعدة خطة خلافة تنص على انتقال منظم، ولكن ربما لن تكون مفيدة كثيرًا حاليًا. وتم تفصيل الخطة في مجموعة من الوثائق التي سربها الجهادي “الزبير الغزي” المتمركز في سوريا في سياق الخلاف بين هيئة تحرير الشام وجماعة الموالين للقاعدة في سوريا، وهذه الوثائق، الصادرة في عام 2014، هي بيانات مكتوبة بخط اليد لستة أعضاء رفيعي المستوى في القاعدة تعهدوا بالالتزام بخطة الخلافة. وقد ذكرت خط خلافة الظواهري على النحو التالي: أولاً: “أبو الخير المصري”، ثم “أبو محمد المصري”، ثم “سيف العدل”، ثم “ناصر الوحيشي”، ثم شخص آخر يختاره مجلس شورى القاعدة.

ولكن من بين الرجال الأربعة المذكورين هنا، لقي ثلاثة حتفهم الآن: قُتل “ناصر الوحيشي” في غارة بطائرة بدون طيار في اليمن عام 2015، وقُتل “أبو الخير المصري” بالطريقة نفسها في سوريا عام 2017، وقُتل “أبو محمد المصري” في إيران (على يد عملاء إسرائيليين على الأرجح) في عام 2020. وهو ما يترك “سيف العدل” باعتباره المرشح الوحيد الباقي على قيد الحياة، ولكن ربما تتعقد توليته كونه يعيش في إيران.

وتنص الوثائق الست، التي توضح بالتفصيل خطة الخلافة، على أنه لكي يُمنح المرشح البيعة كأمير، يجب أن يكون موجودًا في خراسان (أي منطقة أفغانستان وباكستان) أو في أحد فروع القاعدة. ويبدو أن هذا يستبعد أي شخص يعيش في إيران، بما في ذلك “سيف العدل”، الذي يُمنع من مغادرة البلاد وفقًا لشروط صفقة تبادل الأسرى لعام 2015. ومع ذلك، فقد تم التوصل إلى الاتفاق مع إيران بعد كتابة وثائق الخلافة هذه؛ ما يترك الباب مفتوحًا أمام احتمال عدم تطبيق القيود على ترشيحه.

وفي حين أن صفقة تبادل الأسرى منعت “سيف العدل” من مغادرة إيران، فقد مكّنته أيضًا من أن يعيش حياة طبيعية وأن يعمل بحرية أكبر. وبالتالي قد يشعر براحة تامة في توليه عباءة القيادة العالمية للقاعدة، ومع ذلك، سيكون من الصعب على سيف العدل أن يتولى الإمارة بينما لا يزال يعيش في إيران، البلد الذي يصفه الظواهري بشكل روتيني بأنه دولة معادية، كما أن الغالبية العظمى من أنصار القاعدة ينظرون إليه على هذا النحو. ومن شبه المؤكد أن مثل هذا الوضع سيعزل القاعدة الداعمة للقاعدة من السلفيين الجهاديين المتشددين وربما بعض قادتها. لذا، فإذا كان سيف العدل سيخلف الظواهري بالفعل، فسيكون من الحكمة أن يفعل ذلك بتكتم، وأن يحاول مغادرة إيران إلى مكان آمن آخر في أقرب وقت ممكن.

أما إذا كان “سيف العدل” غير مؤهل بناءً على موقعه هذا، فربما يعود القرار بشأن من يخلفه إلى مجلس شورى القاعدة. وفي هذه الحالة تصبح الصورة أكثر غموضًا، إذ إن أحد المرشحين المحتملين في هذا السيناريو هو “عبد الرحمن المغربي”، صهر الظواهري، المغربي المولد والمسؤول عن “مؤسسة السحاب” المنصة الإعلامية الرئيسية للقاعدة، ولكنه أيضًا، وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، موجود في إيران. وبالمناسبة، فإن المغربي هو أحد كُتَّاب الوثائق الست التي تحدد خطة الخلافة لعام 2014. أما الاثنان الآخران، وهما أبو زياد العراقي وأبو دجانة الباشا، فلم يعودا على قيد الحياة. وربما يكون أحد الثلاثة الآخرين (أبو همام السعيدي، وصالح بن سعيد الغامدي، وأبو عمرو المصري) مرشحًا محتملًا، ولكن يبدو أنه لا توجد معلومات متاحة للجمهور حول هويتهم أو مقرهم.

وقد ظهر عامل آخر معقد في عملية الخلافة، وهو مفاوضات طالبان المستمرة مع الحكومة الأفغانية وآمالها في انسحاب أمريكي كامل من أفغانستان. ولطالما تمتع تنظيم القاعدة – كما هو معروف – بعلاقة وثيقة مع طالبان، بل إنه يقدم نفسه في النهاية على أنه تابع لزعيم طالبان. ومع ذلك، ففي سعيها لجعل الولايات المتحدة توافق على الانسحاب العسكري من أفغانستان، سعت حركة طالبان للابتعاد عن القاعدة، بل ذهبت إلى حد إنكار وجود أي من أعضاء القاعدة في أفغانستان. وهذا بالطبع غير صحيح (ففي صيف 2020، قام “كينيث ماكنزي”، قائد القيادة المركزية الأمريكية، بتحديد موقع الظواهري في شرق أفغانستان، وفي خريف العام الماضي قامت القوات الأفغانية الخاصة بالقضاء على رئيس الدائرة الإعلامية للقاعدة في مقاطعة غزنة)، ولكن مصلحة طالبان في التقليل من أهمية القاعدة يمكن أن يكون له تأثير على خلافة الظواهري.

ويبدو أن طالبان طلبت من القيادة المركزية للقاعدة أن تظل بعيدة عن الأضواء أثناء تفاوضها على خروج الولايات المتحدة. ونادرًا ما تُنشر أي مقاطع فيديو للقاعدة منذ توقيع اتفاق الدوحة في فبراير 2020. ولذلك فإذا كان الظواهري قد مات، وخاصة أثناء إقامته في أفغانستان، فربما تطلب طالبان من القاعدة عدم إعلان ذلك؛ وبالتالي تأخير إعلان خليفة. وربما يتطور هذا التأخير إلى فترة طويلة، حيث قد لا توافق إدارة بايدن أبدًا على الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية.

* ثلاثة احتمالات أمام القاعدة

بينما لم يتم تأكيد وفاة الظواهري، يبدو أن كل المؤشرات تشير إلى هذا الاتجاه، فحتى تنظيم القاعدة نفسه، من خلال حذف عبارة “حفظه الله” من مقطع الفيديو الأخير، يبدو أنه يشير إلى أنه قد يكون ميتًا:

والاحتمال الأول والأرجح إذن هو أن الظواهري قد مات ولكن تنظيم القاعدة لا يرغب في تأكيد ذلك، إما لأنه يلعب بورقة الوقت حتى يستقر على من سيخلف الظواهري، أو لأن طالبان طلبت منه عدم القيام بذلك، أو لكلا السببين أو ربما لسبب آخر. ومع ذلك، فإذا كان هذا هو الحال، يبقى السؤال هو: لماذا تقوم القاعدة بإخراج فيديو الروهينجا في المقام الأول؟ ما الفائدة المحتملة من تأجيج التكهنات بوفاة الظواهري؟ هل الغرض منه إرسال رسالة إلى أعضاء تنظيم القاعدة العالمي مفادها أن عملية انتقال ربما تكون جارية؟ ربما يكون الأمر كذلك، ولكن هناك تفسير آخر ممكن أيضًا.

الاحتمال الثاني: وهو أن الظواهري لم يمت، لكن القاعدة تريدنا أن نعتقد أنه قد يكون كذلك، بعبارة أخرى، تعمل القاعدة عن عمد على تعزيز الغموض لأهداف استراتيجية، ربما لأن القاعدة (بالتعاون مع طالبان) تريد أن تبث إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أن تنظيم القاعدة أصبح ضعيفًا وهشًّا، وبالتالي لا يستحق عناء البقاء في أفغانستان. ومع ذلك، قد يكون هذا نوعًا من التآمر إلى حد ما. كما يقول المثل، لا تنسب أبدًا إلى الحقد ما يفسر بشكل كاف بالغباء أو عدم الكفاءة.

وهذا يقود إلى الاحتمال الثالث: وهو أن مسؤولي الإنتاج الإعلامي للتنظيم – بكل بساطة – لا يعرفون ما إذا كان الظواهري قد مات أم لا، وأنهم سمعوا شائعات وفاته ولكنهم لا يعلمون ذلك يقينًا. وإذا كان هذا صحيحًا، فسيكونون مسؤولين عن حذف عبارة “حفظه الله” أو “رحمه الله” التي تتبع اسم الظواهري، ولكن هذا لا يفسر قرار إطلاق الفيديو في المقام الأول.

ومهما كان الوضع، لا يمكن أن يشعر أنصار القاعدة بالرضا عن تنظيمهم في الوقت الحالي. ما يحدث في قمة القاعدة ليس واضحًا تمامًا، لكن يبدو أنه أحد أعراض اختلال وظيفي أعمق وأزمة وجودية يعاني منها التنظيم. ولكن بصفته تنظيمًا مركزيًّا، فإن القاعدة يبدو وكأنه يعيش حالة من الفوضى، فعلى مدى العقد الماضي، فقد السيطرة على فروعه في العراق وسوريا، كما فقد العديد من القادة في ضربات قطع الرأس أو الاغتيالات، ويبدو أن من نجا منهم يظل عاجزًا ومقيدًا. فها هو “سيف العدل”، الخليفة المفترض للظواهري، يعيش في بلد يزعم تنظيم القاعدة أنه في حالة حرب معه. فيما يعيش قادة آخرون من القاعدة تحت سلطة حركة طالبان. وفي غضون ذلك، يظل الهدف الرئيسي المعلن للقاعدة هو مهاجمة الولايات المتحدة، على الرغم من أنها لم تنجح في القيام بذلك على نطاق واسع منذ 11 سبتمبر. وبينما يُعتقد عمومًا أنها جماعة سلفية جهادية، تقدم القاعدة أحيانًا مبادرات للتقارب مع الإخوان المسلمين، كما فعلت في مقطع الفيديو الأخير هذا.

باختصار، هناك الكثير من التناقض هنا، وسواء كان الظواهري حيًّا أو ميتًا، فإن القاعدة لديها الكثير من المشاكل بحاجة إلى حلها، وأن أي زعيم قادم سيجد أن التحدي لا يمكن التغلب عليه.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا