فورين بوليسي| النساء اللاتي ساعدن في هزيمة خلافة داعش

شهاب ممدوح

ترجمة – شاب ممدوح

ينظر الكثيرون خارج العراق وشمال سوريا الآن إلى تنظيم داعش باعتباره فكرة مجردة. لكن بالنسبة لقادة “وحدات حماية الشعب الكردية”، وهي واحدة من أشجع القوات المقاتلة على الأرض، فإن خطر هذه الجماعة الإرهابية لم ينتهِ بعد. شاهدت نساء “وحدات حماية الشعب الكردية” بأمّ العين وحشية مقاتلي تنظيم داعش الذين اغتصبوا وقتلوا، وفي بعض الحالات، قطعوا رؤوس نساء، من بينهن بعض أصدقائهن. إن قتال هؤلاء النسوة الوجودي ضد تنظيم داعش كان أيضًا معركة للدفاع عن التزامهن القوي تجاه فكرة مساواة النساء والحكم الذاتي الديمقراطي.

المؤلفة “غايل تزيماخ ليمون” هي من الكتّاب القلائل الذين تفوقوا في سرد قصة هؤلاء النساء المقاتلات، إذ يسرد كتابها “بنات كوباني” بالتفصيل قصة المقاتلات الكرديات اللاتي حققن مكانة أسطورية بوصفهن عنصرًا مهمًا في القوة المدعومة أمريكيًّا التي نجحت في نهاية المطاف في هزيمة تنظيم داعش، وهذه المؤلفة عضوة في “مجلس العلاقات الخارجية” صدر لها كتابان سابقان يسردان حول نساء باسلات، وهي تؤرّخ في كتابها للمعارك القاسية التي خاضتها نساء “وحدات حماية الشعب الكردية” مع تنظيم داعش في ساحة المعركة – بدايةً من إعادة السيطرة على مدينة منبج الاستراتيجية شمالي سوريا عام 2016، وصولًا في النهاية لتحرير مدينة الرقة، معقل تنظيم داعش عام 2017. بإمكان القارئ أن يشعر بالتوتر الذي كانت تعانيه إحدى القنّاصات وهي تجثو على ركبتيها في وضعية القرفصاء لإصابة هدفها، وهي تسمع أصوات مقاتلي تنظيم داعش وهم يتهكمون على هؤلاء القادة النساء عبر جهاز الاتصال اللاسلكي.

كانت هؤلاء النساء شرسات وثابتات، ويحمين القوات الخاضعة لقيادتهن، من بينهم العديد من الرجال، كما كُنّ أيضًا ملتزمات بشدة بقضيتهن. لم تكن تلك مجرد معركة عسكرية، ولكن كانت أيضًا كفاحًا سياسيًّا ومسؤولية لتشكيل مستقبل الجيل المقبل. وكما تسرد “ليمون” في كتابها، فإن هؤلاء المقاتلات هنّ من بين قلة من النساء اللاتي شعرن بارتياح تجاه قوتهن ولا تخجلن من امتلاك هذه القوة. وعندما حان الوقت لعبور نهر الفرات لتحرير “منبج”، على سبيل المثال، تقدمت نساء “وحدات حماية الشعب” الصفوف تحت جنح الليل لتأمين ضفة النهر. ومع تحقيقهن لانتصارات تلو الأخرى ضد داعش، ارتفعت مكانتهن الإقليمية، إذ جاءت نساء من العراق وإيران وتركيا للانضمام لصفوفهن.

تهدي “ليمون” الكتاب لوالدها العراقي، الذي طالما خاضت معه حوارات بشأن معاملة النساء في المجتمع. وتمضي المؤلفة قائلة إنها عندما كانت شابة، كان والدها يؤمن بأن النساء غير متساويات مع الرجال. وفي الفترة الأخيرة قبل موته، غيّر والدها رأيه بعد نشر ابنته مؤلفات تبرز كفاح المرأة.

لقد عززت بطلات كتبها التي ألّفتها من قناعات والدها الجديدة. يتبع العديد من الأكراد تعاليم الزعيم الكردي – التركي “عبد الله أوجلان”، مؤسس “حزب العمال الكردستاني”، وهو مليشيا كردية تُصنّف إرهابية من طرف تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لكن بالرغم من أن حزب العمال الكردستاني الموجود في تركيا يقاتل أنقرة لإقامة دولة كردية مستقلة، إلا أن أكراد سوريا ينجذبون أكثر لأيديولوجية أوجلان اليسارية المبنية على أساس الديمقراطية الشعبية الممزوجة بفكرة العدالة البيئية، كما يؤمن أوجلان أيضًا بأن مساوة المرأة بالرجل تخلق مجتمعًا حرًا بحق.

لكن، وكما تلفت “ليمون”، فإن قناعات الأكراد الأيديولوجية خلقت أيضًا صداعًا لانخراط واشنطن المحفوف بالمصاعب في الحرب. وبعد تفاجئها بمكاسب تنظيم داعش في سوريا في عام 2014، بدأت الولايات المتحدة في البحث عن قوة برية راغبة وقادرة على استعادة الأراضي التي استولى عليها تنظيم داعش، وظهرت وحدات حماية الشعب الكردية كشريك طبيعيّ، كما كانت القوات الكردية – التي تقودها نساء – منخرطة بالفعل في معركة غير متكافئة ضد تنظيم داعش وبحاجة إلى دعم دولي. بالإضافة إلى هذا، وخلافًا للمعارضة السورية – الملتزمة بقتال نظام بشار الأسد – ركز الأكراد على مسألة الدفاع عن مناطقهم، ما قلل من احتمال وقوع مواجهة مع روسيا. لكن تركيا، التي تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، اعترضت على تقديم أي دعم أمريكي للقوات الكردية المسلحة، حتى بالرغم من أن هذه القوات كانت تشكّل غالبية القوات البرية التي نجحت في النهاية في هزيمة داعش.

وقد اجتمعت جميع خيوط كتاب “ليمون” في مدينة كوباني الواقعة في شمال سوريا، والتي ينحدر منها العديد من القادة، كما كانت تلك المدينة أيضًا المكان الذي تلقى فيه تنظيم داعش أول هزائمه على أيدي وحدات حماية الشعب الكردية. في عام 2016، بينما كانت كوباني على شفا السقوط في أيدي داعش، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحرمان التحالف الدولي الذي يقاتل التنظيم من استخدام قاعدة “إنجرليك” الجوية في حال أقدمت الولايات المتحدة على تسليح المقاتلين الأكراد على الأرض. وفي ذلك الوقت، نقلت إدارة أوباما مسئولية اتخاذ هذا القرار إلى الفريق الانتقالي التابع للرئيس المنتخب حينها “دونالد ترامب”، والذر قرر عدم تسليح الأكراد.

لكن ترامب غيّر موقفه لاحقًا، وسلّح وحدات حماية الشعب الكردية في النهاية ضمن قوّة عسكرية موسّعة شملت أكرادًا وعربًا سُميت بـ “قوات سوريا الديمقراطية”، والتي كانت بمثابة القوة البرية الأكثر قدرة على الاستيلاء على مدينة الرقة، العاصمة الفعلية لتنظيم داعش، وتدمير ما تبقى من الخلافة التي أنشأها التنظيم. وقد نجحت “قوات سوريا الديمقراطية” بالفعل في ذلك، بعد تكبدها خسائر بشرية وصلت إلى 10 آلاف قتيل و20 ألف جريح.

تقول “ليمون” في كتابها: إن القوات الخاصة الأمريكية العاملة مع القائدات الكرديات الإناث، انتابتهم مشاعر ممزوجة بالإعجاب والفخر وحتى الغيرة بفضل عزيمة هؤلاء القائدات وشجاعتهن. كما كان هناك شعور بالذنب أيضًا: حتى قبل سقوط الرقة، كانوا يعرفون أنه لم تكن هناك إرادة سياسية في واشنطن بشأن ما سيحدث بعد نهاية تنظيم داعش. كان من المقدّر للولايات المتحدة أن تكرر الأخطاء التي ارتكبتها في العراق وأفغانستان وليبيا، حيث كسبت هناك الحرب لكنها خسرت السلام بسبب فشلها في تقديم دعم سياسي. في كل حالة من الحالات السابقة، تركت الولايات المتحدة الأرض لحكومات ضعيفة ومؤسسات هشة، تاركةً فراغًا للإرهابيين. كان تنظيم داعش مجرد عَرَض لحكومة سوريا الضعيفة، وتنبأ مسؤولون بأن داعش سيعاود الظهور في حال لم تتم معالجة الأسباب الأساسية لعدم الاستقرار.

لكن كان هناك أيضًا خطر آخر. فبعد هزيمة داعش هدد أردوغان بغزو شمال سوريا لإبعاد القوات الكردية عن الحدود، متوجسًا من السماح بوجود كردي دائم بالقرب من تركيا. وفي مكالمة هاتفية تمت في أواخر عام 2019 مع أردوغان، أعطى ترامب موافقة ضمنية للغزو التركي، وأمر القوات الأمريكية بالابتعاد عن الحدود لتجنب الوقوع في مرمى النيران المتبادلة. ونشر ترامب تغريدة على تويتر قال فيها: “ربما يرغب آخرون في الإتيان والقتال لحساب طرف أو طرف آخر. فليأتوا!”. وبعد مكالمة ترامب الهاتفية مع أردوغان، بدأت القوت التركية في مهاجمة “كوباني”، ما تسبب في مقتل 200 مدني وتشريد ما يزيد على 100 ألف شخص. 

يعيش الأكراد اليوم في الوقت الضائع! إن قلبي ينفطر وأنا أقرأ حديث “ليمون” عن اضطرار المقاتلات الكرديات مجددًا للدفاع عن موطنهن – المكان ذاته الذي حرّرنه من تنظيم داعش – في مواجهة قوات مدعومة من تركيا، كما شعرتُ بصدمة من وقوف واشنطن موقف المتفرج. تذكر “ليمون” في كتابها أن “بعد صدمتهن الأولى من السرعة التي انسحبت بها واشنطن، ذهبت كل مقاتلة منهن إلى بلدتها للدفاع عنها”. وتضيف المؤلفة: “لقد عادت جميع المقاتلات إلى الحرب مجددًا”، ولم تتعهد الولايات المتحدة مطلقًا بحماية أكراد سوريا من تركيا، حتى بالرغم من ضغطها عليهم للسيطرة على مزيد من الأراضي. لكن طلب واشنطن من الأكراد بتحمل عبء قتال تنظيم داعش، جعل منهم هدفًا بعد تزايد قدراتهم ونفوذهم وحضورهم. وفي مذكرة داخلية، وصف أهم دبلوماسي أمريكي يعمل على الأرض مع الأكراد، الهجوم التركي بأنه “جهد مقصود لارتكاب تطهير عِرقي”؛ ما ألحق الضرر بمصداقية الولايات المتحدة، وتسبب في إضعاف القتال ضد بقايا تنظيم داعش.

ومع ورود تقارير بشأن إعادة داعش تنظيم صفوفه، سيواجه الرئيس بايدن قريبًا قرارًا بشأن ما إذا كان سيُبقي على القوات الأمريكية القليلة المتبقية في سوريا أو يسحبها من هناك. وسيتعين عليه أيضًا أن يقرر ما إذا كان سيدخل مجددًا في شركة مع “قوات سوريا الديمقراطية” مع صعود تنظيم داعش مجددًا. لكن الأكراد يعيشون في الوقت الضائع. فهم لا يمكنهم إعطاء الأولوية لقتال تنظيم داعش وإعادة بناء مدنهم وحماية مواطنيهم، في الوقت الذي يُجبرون فيه على قتال تركيا، وهنا يمكن للدبلوماسية الأمريكية أن تصنع فرقًا هائلًا، في حال وقف بايدن في وجه أردوغان وجعل حماية الأكراد شرطًا لبقاء العلاقات الأمريكية – التركية.

وتضيف “ليمون” أنه حتى قبل الغزو التركي “لم يرغب الأكراد في قتال تركيا، فهم يعرفون حجم اختلال التوازن العسكري، وكانوا يسعون على أية حال لتجنب الحرب. في الواقع، دمّرت قوات سوريا الديمقراطية، بطلب أمريكي، جميع مواقعها العسكرية المبنية للتصدّي لأي توغل تركي”.

ونقلت “ليمون” عن قائدة عسكرية كردية اسمها “روجدا” قولها: “في نهاية المطاف، لم يكن الأمر بأيدينا.. من المؤلم حقًّا أن نضطر لقتال تركيا في الأماكن ذاتها التي حررناها من داعش”.       

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا