فورين بوليسي| إدارة بايدن لا تعرف أهمية سوريا

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

بعد أيام قليلة من إعلان “دونالد ترامب”، رئيس الولايات المتحدة، في أكتوبر 2019، أنه سيسحب القوات الأمريكية من سوريا، وكنت أنتظر قطارًا في الصباح الباكر إلى مدينة نيويورك. بينما كنت أحوم بالقرب من البوابة، تظاهرتُ بتصفح حسابي على تويتر، بينما كنت أستمع إلى محادثة بين ضابطي شرطة من إدارة “أمتراك”. لم يناقشا الجريمة التي وقعت في محطة “يونيون” أو آخر المستجدات داخل إدارتهم، بل كانا يناقشان السياسة الخارجية الأمريكية. لقد أيّدا تحرك الرئيس في سوريا، واتفقا على أن ذلك الصراع على بعد عدة آلاف من الأميال لا علاقة لهما أو للولايات المتحدة به. ولذا ينبغي إعادة القوات إلى الوطن؛ وإنهاء الحروب التي لا تنتهي.

بالنسبة لي، عززت تلك اللحظة شيئًا كان يتردد في رأسي في الجزء الأكبر من السنوات السبع الماضية، ألا وهو: الفشل التام لمجتمع السياسة الخارجية في التقييم الصحيح لما كان يحدث في سوريا، وإدراك مدى تأثير ذلك على المصالح الأمريكية (من عدمه)، والتوصية بأنسب السبل للمضي قدمًا. ويبدو أن ترامب – على الرغم من رئاسته البغيضة – طرح سؤالًا جيدًا حول سوريا كان وثيق الصلة أيضًا بالشرق الأوسط بشكل عام: “لماذا نفعل ما نفعله؟” يبدو أنه لم يحصل على إجابة كافية، وبالتالي أعلن الانسحاب (والذي انتهى به الأمر إلى إعادة انتشار).

والآن، مع الذكرى العاشرة لغرق سوريا في الظلام، لا يزال الجدل – وإن لم يكن بالحدة التي كان عليها قبل عشر سنوات – حول ما يجب أن تقوم به الولايات المتحدة حيال صراع أودى بحياة الكثيرين، وشرد نصف السكان من ديارهم، وزعزع استقرار منطقتين من العالم، متذبذبًا كما كان دائمًا: هل ينبغي لإدارة بايدن أن تتصالح مع الرئيس السوري بشار الأسد؟ آمل أن يتحول العالم بطريقة تكشف الانفتاح الدبلوماسي عن نفسها؟ وأن يؤمن بأن الأزمة الاقتصادية التي أحاطت بلبنان تقوض الدعم للنظام؟

لا أحد تقريبًا يريد القيام بمزيد من الجهود مع سوريا، مما يترك صانعي السياسة دون خيارات جيدة ولا إجابة واضحة.

ربما يرجع ذلك، على الأقل في النقاش العام على مدار العشر سنوات الماضية، إلى عدم وجود تحليل صحيح لما هو في الواقع على المحك بالنسبة للولايات المتحدة في سوريا. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اتبعت الولايات المتحدة سياسات في الشرق الأوسط تهدف إلى ثلاثة أهداف أساسية: ضمان التدفق الحر لموارد الطاقة من المنطقة، وضمان أمن إسرائيل، والحفاظ على القوة الأمريكية في الشرق الأوسط، بحيث لا يمكن لأي دولة أو تحالف دول أن يتحدى تلك المصالح. وإضافة إلى ذلك، فغالبًا ما يضيف المحللون منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب. وبافتراض أن تظل هذه أسس السياسة الأمريكية، فما الذي يخبر به هذا المحللين وصُناع القرار حول كيفية تعامل واشنطن مع سوريا؟

إن النهج الحالي الذي يتسم بعدم التدخل في الصراع السوري ربما يكون مزعجًا من الناحية الأخلاقية، ولكن يمكن الدفاع عن هذا استراتيجيًّا؟ وغالبًا ما يكون هذا هو الرابط غير المريح للسياسة الخارجية الأمريكية، إذ إنه يمثل عبء عدم القدرة على التوفيق بين القيم والمصالح.

وعندما اتضح أن ترامب لم يكن يسحب القوات الأمريكية تمامًا من سوريا، أعلن أنها ستبقى هناك لحماية “للنفط”. كان هذا ضربة موجعة على الرأس. لم تكن سوريا مطلقًا مُصدِّرًا رئيسيًّا للنفط، ومع ذلك فإن الاحتياطيات الموجودة لديها استخدمها نظام الأسد والمهربون الأتراك وداعش لجني الأموال. ومع ذلك، فإن الإعلان عن إبقاء الأمريكيين في مرمى الخطر من أجل حماية النفط ربما يكون مبررًا ملائمًا للتغلب على الحقيقة المحرجة المتمثلة في أنه بينما أكد الرئيس سابقًا على هزيمة تنظيم داعش، فإن قوات سوريا الديمقراطية – وبشكل أساسي وحدات حماية الشعب الكردية – لا تزال تحارب أتباع أبو بكر البغدادي بمساعدة الجنود الأمريكيين. كل هذا يعني أنه لا يوجد شيء حول ما حدث في سوريا طوال السنوات العشر الماضية يهدد تدفق موارد الطاقة من المنطقة بحرية.

وفيما يتعلق بأمن إسرائيل، كان هناك وقت اعتقد فيه المحللون أن سوريا تشكّل تهديدًا محتملاً لأمنها. وقد أدى الأداء الضعيف للجيش السوري خلال العشر سنوات الماضية إلى إذابة هذا القلق، فالتهديد الحقيقي– على الأقل من وجهة نظر إسرائيل– هو إيران، التي يبدو أنها تريد البقاء في سوريا لفترة طويلة، مما يمنح الإيرانيين القدرة على إمداد حزب الله بالأسلحة، بسهولة أكبر، وتهديد إسرائيل بشكل مباشر. الإسرائيليون لا يملكون شيئًا من ذلك، وقد شنوا حملة جوية ضارية ضد الإيرانيين ووكلائهم في كل من سوريا والعراق. وقد أثبتت طهران أنها غير قادرة على الرد بفاعلية، تاركةً الأمر للخروج بنتيجة واضحة وهي أن الإسرائيليين قادرون على الاعتناء بأنفسهم في الصراع السوري.

أما فيما يتعلق بالحفاظ على القوة الأمريكية، فإن سوريا عبارة عن “غسيل”. حيث أعجب قادة المنطقة باستعداد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” للتدخل وإنقاذ حليفه من شبه هزيمة على عكس ما اعتبروه عجزًا للولايات المتحدة عندما تعلق الأمر بالرئيس المصري السابق “حسني مبارك”. وهذا أعطى دفعة للروس على حساب الولايات المتحدة، إلا أنهم الآن أصبحوا مثقلين بالأسد وصراع لا يبدو أن له نهاية في الأفق. والأهم من ذلك، لا يوجد شيء في الصراع في سوريا قد أضر بالولايات المتحدة وقدرتها على الدفاع عن مصالحها.

وفيما يتعلق بمنع انتشار الأسلحة النووية، قام الإسرائيليون بالمهمة الصعبة في عام 2007 عندما دمروا سرًا المنشأة النووية السورية. ومع ذلك، لا تزال مشكلة الأسلحة الكيماوية السورية تلوح بين الفينة والأخرى؛ إذ كان من المفترض أن يتخلى السوريون عنها في اتفاق توسط فيه بوتين في عام 2013، إلا أن الأسد لم يكن متعاونًا بشكل كامل. ومع هذا، فإن هذه قضية لا تحظى بالاهتمام المرجو؛ لأن المواد الكيماوية التي كان من المفترض أن يتخلى عنها الأسد كانت ستُستخدم على الأرجح ضد السوريين أكثر من غيرهم. ورغم أن ترامب رد على هجوم كيماوي شنه النظام السوري ضد المدنيين بعد فترة وجيزة من تنصيبه، ومع ذلك، لم يُحدث فرقًا في مسار الصراع.

وأخيرًا، يمكن إيجاد مبررٍ للولايات المتحدة لمواصلة متابعة مهمة مكافحة التطرف في سوريا؛ حيث إن البلاد قد أصبحت دوامةً من الميليشيات المتنافسة، بما في ذلك المتطرفين. ورغم أن بعضها بدأ ينزوي، إلا أنها مع ذلك لا تزال باقية. وبالتالي، تحافظ الولايات المتحدة على علاقتها بوحدات حماية الشعب الكردية رغم اعتراض تركيا حليفة الناتو، التي تُصر على أن الجماعة لا تختلف عن حزب العمال الكردستاني – المنظمة الإرهابية التي تشن حربًا على الأتراك والمصالح التركية.

وهذه هي طبيعة الصراع في سوريا، وعلى الرغم من غضبهم تجاه الولايات المتحدة، ينسق المسئولون الأتراك مع المنتسبين للقاعدة لتعزيز أجندتهم المعادية للأكراد. ونظرًا لطبيعة الصراع السوري والعدد الكبير من المتطرفين الذين ينجذبون إلى الصراع، فمن البديهي أن يظل صانعو السياسات متيقظين إزاء أي تهديد يبرز هناك.

أما بالنسبة للرئيس الأمريكي “جو بايدن”، فإن مأساة سوريا تتفاقم بالتزامه العلني بوضع القيم في مقدمة سياسته الخارجية. وإذا ما سعى إلى نبذ ولي العهد السعودي، فعليه أن يدرك أن حقوق الإنسان ستكون مركزية في العلاقات الأمريكية المصرية، وأن يتجاهل الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بسبب جرائمه، ومن ثَمَّ فإلى أين يقود ذلك الولايات المتحدة فيما يتعلق سوريا؟ من المحتمل ألا تكون الإجابة في أي مكان حتى لو ظلت إدارة بايدن تركز على القيم. وهذا لأنه على الرغم من كل القسوة التي مارسها النظام السوري على شعبه، فمن المرجح أن يتوصل بايدن إلى نفس النتيجة التي توصل إليها ضابطا الشرطة اللذان سمعتهما من قبل: إذا أصبحت المصالح الأمريكية على المحك فإن على الولايات المتحدة أن تقوم بما هو أكثر بكثير من مجرد فرض عقوبات، وضرب الإرهابيين، والاحتجاج على تجاوزات الأسد العديدة ضد شعبه على أمل أن يتغير شيء ما ليضع نهايةً لكابوس سوريا.

إن الحجة الواضحة للتقاعس عن العمل في سوريا تفوق الحجة الواضحة للعمل. وهذا أمر مشكوك فيه أخلاقيًّا بالطبع، ولكن هذه هي مأساة سوريا التي يجب على الولايات المتحدة قبولها في النهاية.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا