واشنطن بوست| كيف تحاول روسيا والصين إعادة صياغة نظام الإنترنت العالمي؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

كان لدى كبير الدبلوماسيين الصينيين ردٌّ مثير للاهتمام على دعوة وزير الخارجية “أنطوني بلينكين” في المحادثات التي جرت بمدينة أنكوريج بولاية ألاسكا الأمريكية هذا الشهر لـ “تعزيز النظام الدولي القائم على القواعد”. فقد أجاب “يانغ جيتشي”، عضو المكتب السياسي الصيني، بأن مثل هذا الأمر موجودٌ بالفعل؛ حيث يوجد ما يسمى “الأمم المتحدة”.

اعتاد كثير من الناس على التفكير في الأمم المتحدة في العقود الأخيرة على أنها مجرد مكان مزعج لتبادل الحديث، وأنها قد أُنشئت بنوايا نبيلة، بيد أنها تحولت بشكل متزايد إلى مستنقع من البيروقراطية والاتهامات المتبادلة. ولكن بالنسبة للصين وروسيا، فهما يعتبران الأمم المتحدة مكانًا للعب ألعاب القوة الخفية – التي غالبًا ما تتجاهلها الولايات المتحدة – والتي يمكن أن تشكّل النظام العالمي الجديد الناشئ.

ويستحق رد “يانغ” في 18 مارس في أنكوريج الدراسة، لأنه يكشف عن تصميم استراتيجي أوسع: “ما تتبعه الصين والمجتمع الدولي أو يدعمانه هو النظام القائم على الأمم المتحدة والنظام الدولي المدعوم بالقانون الدولي، وليس ما يدعو إليه عدد قليل من الدول فيما يسمى بالنظام الدولي القائم على القواعد”.

يمكن أن تكون الأمم المتحدة مؤسسة تبعث على الألم، مثل أحد تلك الاجتماعات المجتمعية التي يهيمن عليها المتشددون الذين يرغبون في البقاء في وقت لاحق والتحدث بصوت أعلى من جيرانهم. لكنها لعبة يتعين على الولايات المتحدة أن تلعبها بمهارة لئلا يخطف أعداؤنا المؤسسات العالمية التي تحتفظ ببعض الشرعية.

ويعد الفضاء الإلكتروني أفضل مثال على مجال تستخدم فيه الدول المستبدة، بقيادة الصين وروسيا، الأمم المتحدة لصياغة قواعد جديدة يمكن أن تقوض المعايير الغربية للانفتاح والديمقراطية. ولنوضح ها هنا كيف تسير العملية:

في ديسمبر 2019، بينما كان عالم “دونالد ترامب” المشتت ينظر إلى الاتجاه الآخر، حصلت روسيا على موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة لبدء صياغة معاهدة عالمية لمكافحة الجرائم الإلكترونية. قالت الولايات المتحدة حينها إن لديها “مخاوف خطيرة للغاية” من أن مثل هذه المعاهدة “ستقف ضد الحريات الأمريكية الأساسية”، إلا أنها خسرت التصويت، 79 مقابل 60.

ولم يبدأ العمل بمعاهدة الأمم المتحدة الجديدة حتى الآن بسبب جائحة فيروس كورونا. ومن المقرر عقد اجتماع الصياغة الأول في مايو. وفي حالة استكمال المعاهدة والتصديق عليها، ستحل محل اتفاقية بودابست لعام 2001 بشأن جرائم الإنترنت، التي صاغها المجلس الأوروبي وصادقت عليها 65 دولة، بما في ذلك جميع الدول الديمقراطية الرائدة، فيما لم توافق عليها روسيا أو الصين لأنهما اعتبرتا أحكامها تتدخل في شئونها الداخلية بشدة.

ومثال آخر على التلاعب بمنظومة الأمم المتحدة هو قيام روسيا (بدعم صيني) بإنشاء هيئة مناقشة إلكترونية تابعة للأمم المتحدة تسمى مجموعة العمل المفتوحة العضوية (OEWG)، مع جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193، والتي تهدف إلى العمل بالتوازي مع المجموعة الأصغر، التي تضم 25 عضوًا من الخبراء الحكوميين الذين كانوا يصدرون تقارير حول مشكلات تقنية معقدة.

 في اجتماع مجموعة العمل المفتوحة الشهر الماضي، صاح “أندريه كروتسكيخ”، أحد كبار المستشارين السيبرانيين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن المجموعة تمثل “نجاحًا باهرًا للدبلوماسية الروسية”، وفقًا لتقرير نشرته وكالة الأخبار الروسية “تاس” في 13  مارس. واتهم دولًا لم يذكر اسمها بـ “إثارة الوضع الدولي في مجال المعلومات” في إشارة إلى مزاعم أمريكية بشأن القرصنة الروسية في الانتخابات الأمريكية 2016 و2018 و2020 ودور موسكو في الاختراق المدمر للنظام الانتخابي الأمريكي.

وربما تأمل روسيا في أن تحل مجموعة العمل المفتوحة العضوية في النهاية محل مجموعة الخبراء الأصغر، والتي يمكن أن تحول ما ينبغي أن يكون مناقشات تقنية حول أمن الإنترنت والاتصالات السلكية واللاسلكية إلى مأزق سياسي.

فمن جهتهم، حاول الروس (مرة أخرى بمساعدة صينية) تولي إدارة الإنترنت من خلال الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) في يناير، ويهدف هذا الانقلاب إلى عزل الاتحاد الخاص للخبراء المعروف باسم مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة، أو ICANN، وكان هذا الانقلاب مدعومًا من الرئيس الروسي السابق “دميتري ميدفيديف”، الذي زعم في بيان له في 12 أغسطس 2020، أن “الولايات المتحدة تسيطر تمامًا على نظام أسماء النطاقات”. ولحسن الحظ تجاهل الاتحاد الدولي للاتصالات الاقتراح الروسي.

ففي مثل هذه البيئة من ساحات معارك الأمم المتحدة الغامضة يكمن العمل الكئيب، إلا أنه أساسي لحماية “النظام القائم على القواعد” لتعزيز شبكة إنترنت مفتوحة وآمنة. وفي المقابل يسارع الانتهازيون لحشد قواهم، ففي بيان لم يحظ باهتمام يذكر في 26 مارس، أعلن بوتين نية روسيا السيطرة على الرقابة على الفضاء الإلكتروني.

وفي بيان لمجلس الأمن الروسي، تباهى بوتين قائلًا: “بفضل جهودنا الكبيرة، أصبح أمن المعلومات بندًا على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة”. وأضاف: “نعتقد أنه من الضروري إبرام اتفاقيات قانونية دولية عالمية مُصمَّمة لمنع النزاعات وبناء شراكة متبادلة المنفعة في الفضاء السيبراني العالمي”. وندرك هنا أن هذه اللغة تقشعر لها الأبدان، خاصة عندما تعرف أنه يتحدث عن قواعد قد صاغتها الصين وروسيا.

إن من المذهل حقًا أن الدول التي قامت بتخريب الإنترنت بأكبر قدر من القوة تريد الآن أن تراقبها، وتضع معاييرها الخاصة. ولذلك يتطلب القتال في هذه المرحلة الصبر والمثابرة والاستعداد للجلوس في اجتماعات لا نهاية لها حيث يتعرض النظام الذي أنشأته الولايات المتحدة وشركاؤها العالميون منذ جيل مضى لهجوم بطيء لا هوادة فيه.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا