بلومبيرج | الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين سيكون لها أكثر من جانبين

آية سيد

ترجمة – آية سيد

لقد عادت الحرب الباردة – أو على الأقل خطابها. يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن تشكيل “تحالف للديمقراطيات” ضد “الأنظمة الاستبدادية” في العالم. إن نيويورك تايمز ليست الوحيدة التي تفكر في أن “العالم ينقسم على نحو متزايد إلى معسكرات أيديولوجية منفصلة، حيث تأمل كل من الصين والولايات المتحدة في استمالة المؤيدين”.

سيكون هذا تطورًا مزعجًا بشدة إذا كان صحيحًا، غير أن الخطر الحقيقي أمامنا ليس الحرب الباردة الجديدة بقدر ما هو أنماط التفكير الثنائية التي ترى الانقسامات الحادة والعداوات حيث لا وجود لها.

ربما يجد رجال السياسة والصحفيون أنه من المفيد تعريف العالم من خلال التعارضات؛ إن فعل هذا قد يساعد مجتمعًا مستقطبًا بشدة مثل الولايات المتحدة في التوحد ضد عدو متصور. لكن، مثلما في العداوة الأمريكية – السوفيتية، هذا التفكير القائم على “إما هذا أو ذاك” يمكن أن يتسبب في انفصال قاتل عن الواقع.

لقد تسارعت الحرب الباردة القديمة بمساعدة الهيستريا واسعة الانتشار في أواخر الأربعينيات من “خسارة” الصين أمام الشيوعية. بالطبع، لم تكن الصين ملكًا لأمريكا لكي تخسرها. مع هذا، الخوف من حدوث “تأثير الدومينو” قوّى العزم الأمريكي، ما كلّف في النهاية مئات الآلاف من الأرواح، لأنه لا ينبغي خسارة فيتنام بنفس الطريقة.

لقد كُتبت الكثير من الكتب حول كيف أن الأفضل والأذكى في واشنطن خُدعوا بهذا الشاغل القوي المستديم، كما نما حول ما أسماه الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور بـ”المجمع الصناعي العسكري” مجمع صناعي – فكري داعم، والذي تخصص في تقسيم العالم إلى “تكتلات” لا يمكن التوفيق بينها.

إن أولئك الذين يفترضون وجود تعارضات صارخة بين العالم الحر والعالم غير الحر فشلوا باستمرار في رؤية أن الصين وفيتنام كانتا جزءًا من حملة آسيوية وأفريقية أكبر ولا رجعة فيها باتجاه إنهاء الاستعمار، وتقرير المصير وبناء الأمة. في هذه العملية، التي تصبح مشحونة بشدة بتقلبات السياسة الداخلية والدولية، لا تستطيع أي دولة نامية تحمل أصدقاء أو أعداء دائمين.

أكدت الأحداث هذا بشكل متكرر. إن المواجهة العسكرية مع أصدقائه السوفيت وخيانة خليفته المختار جعلوا “ماو تسي تونج” يستضيف الرئيس ريتشارد نيكسون في بكين. وبعد بضعة أعوام، كانت الصين تغزو حليفتها الشيوعية السابقة فيتنام باستحسان أمريكي. ومؤخرًا، اتجهت فيتنام لتصبح شريكًا للولايات المتحدة.

كان من الممكن تجنب الكثير من الحروب الساخنة الكارثية للحرب الباردة لو أدركت القوة العظمى الرائدة حينها المصلحة الذاتية البراجماتية للدول الأصغر – ضروريات تقوية الذات التي جعلت “هو تشي منه” يتواصل مع دبلوماسيين أمريكيين في بداية مسيرته لبناء الأمة. لكن بدلًا من ذلك، جعل محاربو الحرب الباردة مثل وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس ومدير السي آي إيه ألن دالاس العالم مكانًا أكثر خطورة بتفكيرهم العنيد القائم على التكتلات.

وفي إجراء شهير ومصيري، ألغت الولايات المتحدة المساعدات الموعودة لسد أسوان المصري في آخر دقيقة، وهو ما أجبر الزعيم المصري جمال عبد الناصر (الذي كان مُضطهدًا للشيوعيين بالمناسبة) على الاتجاه إلى الاتحاد السوفيتي للحصول على المساعدة.

أقنع الأخوان دالاس أنفسهما أيضًا بأن الهند (المحايدة) كانت في المعسكر السوفيتي. لم يستطع الأخوان دالاس رؤية أن الهند، مثل كل البلدان النامية، كانت مركزة على السعي وراء مصالحها الضرورية.

كان هذا في كثير من الأحيان يعني قلب قوة عظمى على الأخرى. نجحت الهند في الحصول على المساعدة العسكرية السوفيتية والمساعدات التنموية الأمريكية في نفس الوقت، بينما ناصرت بلا كلل، بصفتها زعيم حركة عدم الانحياز، إنهاء الاستعمار في آسيا وأفريقيا.

وحقّقت باكستان الإنجاز الاستثنائي بالانضمام إلى معاهدات الأمن التي تقودها الولايات المتحدة ضد الشيوعية في الوقت الذي طورت فيه علاقات أخوية مع الصين الشيوعية.  

لا شك في أنه اليوم، عند الاضطرار إلى الاختيار بين التحالف مع نظام ديمقراطي أو استبدادي، سوف تختار معظم الدول الاثنين مرة أخرى. ليس بوسعها التصرف بطريقة أخرى.

إن دولًا مثل إندونيسيا وفيتنام ترحّب بالتأكيد بالتواجد الأمريكي في آسيا كثقل موازن للصين. لكن اقتصاداتها معتمدة بشدة على الأخيرة لدرجة لا تسمح لها بقطع علاقاتها مع بكين.

في الواقع، هناك مصدر ثراء حديث ينتظر الكثير من الدول الغنية بالسلع إذا شرعت الولايات المتحدة في برنامج ضخم لبناء البنية التحتية. سوف تسعى بيرو وأستراليا دون شك إلى بيع النحاس إلى كل من الصين والولايات المتحدة.

إن ما يمكن أن يعطل هذا التفاعل للمصالح المادية هو التفكير ووضع الاستراتيجيات القائمين على التكتلات. في الواقع، السؤال المُلح اليوم ليس ما إذا كانت ستندلع حرب باردة جديدة. وإنما ما إذا كانت أنماط التفكير التي تكونت أثناء الحرب السابقة، والتي لم تكن ملائمة للغرض حينها، ستهيمن مرة أخرى على الحياة السياسية والفكرية.

بكل تأكيد، تغير العالم تمامًا منذ الوقت عندما كانت المؤسسات الفكرية تردد نظريات حول “تأثير الدومينو”. تدعي الصين الشيوعية اليوم أنها داعية للتجارة الحرة، بينما تسعى الولايات المتحدة الصديقة للرسوم الجمركية إلى مضاهاة السياسات الصناعية للصين.

إن الانقسام الصريح بين الديمقراطية والاستبدادية لن يساعدنا في استيعاب هذا العالم المقلوب رأسًا على عقب. وعلى الرغم من بساطتها، فإن أيديولوجيات الحرب الباردة لا يمكنها أن تحل محل واقعنا الفوضوي.

للإطلاع على رابط المقال إضعط هنا

ربما يعجبك أيضا