نيويورك بوست | مثلما فعل توني بلير في بريطانيا.. هل يؤدي إنفاق بايدن المفرط لإفلاس الولايات المتحدة؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

يرغب الرئيس بايدن في تحفيز الاقتصاد الأمريكي عبر برنامج كلفته تريليونات الدولارات. لكن ما الخطأ الذي يمكن أن يحدث جراء هذا؟

للإجابة الأبعد أمدًا، يتعين علينا الاطلاع على التواريخ الاقتصادية لزيمبابوي والأرجنتين وجمهورية “فايمر” في ألمانيا. وللإجابة على المدى المتوسط، يكفي أن ننظر إلى تجربة بلدي “بريطانيا” تحت حكم رئيس الوزراء “توني بلير”.

لا يزال “بلير” يتلقى انتقادات لاذعة بغير وجه حق في أمريكا وبريطانيا؛ بسبب وقوفه إلى جانب الرئيس السابق “بوش الابن” في “الحرب على الإرهاب”. لكن، في واقع الأمر، وتمامًا مثل رئيسكم الحالي، فإن “بلير” هو مثل شخص خطير تعلو وجهه ابتسامة عريضة، يروّج لأخطر أنواع البضائع. إن الإنفاق المسرف لـ “بلير” والذي تسبب في حدوث عجز، كان كارثة على بريطانيا. بايدن هو الآخر سيلحق الضرر بالولايات المتحدة.

إن عبقرية “بلير” السوداء كانت تتمثل في إخفائه لهيمنة الدولة، والتظاهر بأنه شخصية معتدلة تمثل “طريقا ثالثا”. تميزت فترته الأولى في الحكم-تم انتخابه عام 1997- بالانضباط المالي النسبي والكفاءة الظاهرة. كان “بلير” ينعم باقتصاد مزدهر ورثه من أسلافه المحافظين، لهذا كان قادرًا على تضليل منتقديه ومنحهم إحساسًا مزيفا بالأمان.

ومع إعلانه رفض إدمان حزب العمال التابع له على “فرض الضرائب والإنفاق”، وتعهده بوضع نهاية لـ “الازدهار ثم الكساد”، طمأن بلير الناخبين المتأرجحين أن بإمكانهم الحصول على كل شيء: اقتصاد مزدهر وتفوق أخلاقي عبر التصويت لليسار.

كان ذلك خداعًا بارعًا، عزّزته المبادرة الملفتة للنظر لوزير الخزانة “غوردون براون” والقاضية بمنح “استقلال عملياتي” لبنك إنجلترا. لكن نُذُر السوء بدت بوضوح لمن كان مستعدًا لرؤيتها. إن قرار “براون” الغريب ببيع نصف مخزونات بريطانيا من الذهب بأقل الأسعار في السوق، لم يكن يبشّر بالخير بالنسبة لإدارة من المفترض أنها ملتزمة بنهج مالي مستقيم. وقد حصل “بلير” على غالبية أكبر عند إعادة انتخابه عام 2001، ثم سقط القناع وبدأت فورة الإنفاق.

بحلول عام 2010، عندما عاد المحافظون أخيرًا إلى السلطة، ترك الوزير الأول للخزانة في حزب العمال رسالة على مكتب خليفته يقول فيها نصًّا: “أخشى أن أقول لك إنه ليس هناك أيّ أموال متبقية”. في تلك الفترة، تضاعفت نسبة الدين الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي لتصل 71.3 بالمائة تقريبًا، بعد أن كانت النسبة 39.9 بالمائة.

كانت بريطانيا عمليًّا مفلسة.

لكن الأمر لم يبدُ كذلك أثناء سنوات الازدهار التي حكم فيها بلير. بالنسبة لمعظم البريطانيين، وكما قال رئيس وزراء سابق، بدا الأمر وكأنهم “لم ينعموا قط بمثل هذه الوفرة”. امتلك البريطانيون مزيدًا من الأموال ضمن اقتصادهم المُحفّز بشكل مفرط، لإنفاقها على أجهزة إلكترونية استهلاكية والذهاب في رحلات رخيصة، كما كان ضميرهم الاجتماعي مرتاحًا بفضل الإنفاق الحكومي الهائل على التعليم والبنية التحتية للنقل، وفوق كل شيء، الرعاية الصحية.

كانت تلك بداية تمجيد جهاز “خدمة الرعاية الصحية” واعتباره الدِين الرسمي لبريطانيا. جرى إهدار المليارات على رفع أجور الأطباء وتعيين موظفين (كان معظمهم إداريين وليس عمال صفوف أمامية) وعلى نظام تكنولوجيا معلومات جديد هزيل (كلّف ثمانية أضعاف قيمته) إذ فشل ذلك النظام في تحقيق تحسّن واضح في أوقات الانتظار أو نتائج البقاء على قيد الحياة لمصابي السرطان.

عندما تولى “بلير” السلطة، بلغت ميزانية الرعاية الصحية 34 مليار جنيه إسترليني، وبحلول عام 2012، كان من المتوقع أن تبلغ 127 مليار جنيه استرليني. وقد زادت ميزانية الرعاية الصحية منذ ذلك الوقت. فبمجرد أن تضخّ أموالًا في الوكالات، سيكون من الصعب تقليل حجمها المتضخم.

وما كان لـ”بلير” ورفيقه “براون” أن يفلتا مطلقًا من إسرافهما المتهور هذا، لو كانا أكثر صدقًا. لكنهما استمرا في خداعهما للنهاية، وأخفيا الحجم الحقيقي لإسرافهما عبر اتباع حيل مخادعة: جرى إخفاء جزء كبير من الإنفاق “خارج الميزانية العمومية” عبر ما سُمي بـ “مبادرات التمويل الخاص”، والتي تلقت بمقتضاها شركات خاصة أموالًا لبناء وإدارة بنى تحتية عامة. لكن المشكلة أن دافعي الضرائب تحمّلوا تكاليف تبلغ ثلاثة أضعاف ما كان يجب دفعه.

هناك شيء جيد واحد يمكن قوله بشأن ذلك العهد الاقتصادي الانتحاري: لو كان بلير يعلم بشأن “التيسير الكمّي” – المقصود هنا طبع الأموال – لكن إنفاقه أكثر بكثير. لكن بايدن يعلم حقيقة طبع الأموال، وهو يؤمن دون شك بأن النظرية النقدية الحديثة تمنح شرعية اقتصادية لفكرة إنفاق أموال لا تمتلكها على مشاريع لا يحتاج الجمهور إليها في أغلب الاحيان. لكن ماذا يحدث عندما تكون شجرة الأموال السحرية ليس لديها ما يكفي من الأوراق لقطفها؟! تحت حكم بايدن، يبدو مرجحًا أن الاقتصاد الأمريكي سيجد إجابة على هذا التساؤل عاجلًا وليس آجلاً. لكن الإجابة قد لا تكون لطيفة!     

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا