دي فيلت | عالم المساجد في ألمانيا.. نظرة من الداخل

مترجمو رؤية

رؤية

ترجمة – عماد شرارة

المصدر – «دي فيلت الألماني»

قام الصحفي قسطنطين شرايبر، بتشييد مشروع عبر الإنترنت يسمى “موسوعة المساجد” في ألمانيا، والذي يخدم رغبة الاتحاد السياسي الألماني في إظهار المزيد من الشفافية فيما يتعلق بتمويل المساجد، وفي هذا السياق قام شرايبر بزيارة عدد كبير من المساجد في السنوات الأخيرة لكشف اللثام عما يدور داخل المساجد والمسؤولين عنها وكيف يتقاضى أئمة هذه المساجد رواتبهم؟ وما هو اتجاه المسجد(انتمائه للطيف الديني أو الأيديولوجي)؟ وتابع شرايبر بأن الجمعيات الإسلامية والمحتوى العلمي الديني في الجماعات كذلك هو محور من محاور المشروع.

في الغالب لا توجد إحصاءات رسمية ألمانية تتعلق بعدد المؤسسات الدينية في ألمانيا باستثناء إعلان بعض المؤسسات الدينية، مثل الكنيسة الإنجيلية في ألمانيا ومؤتمر الأساقفة الألمان الذين أعلنوا عن وجود حوالي 21000 كنيسة ومصلى بروتستانتي وحوالي 24200 كنيسة كاثوليكية، وكذلك إعلان المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين عن دور العبادة الإسلامية في ألمانيا في عام 2012 والذي ذكر أن عدد الجمعيات الإسلامية بلغ 2342 جمعية ويقدر المجلس المركزي للمسلمين أن عدد المساجد في ألمانيا بلغ نحو 2500 مسجد، وذكرت اللجنة الدينية في البرلمان الألماني (البوندستاج) عام 2018 أن هناك ما بين 2600 و2700 مسجد للمسلمين.

ضمن هذه المساجد يمكن فقط معرفة حوالي 200 مسجد من خلال الشكل التقليدي للمساجد ذات القبة والمئذنة لكن الغالبية العظمى من هذه المساجد هي عبار عن أفنية وزاويا داخل المباني التجارية أو المصانع أو المنازل ومن أجل رسم خريطة لدور العبادة وتسهيل الوصول إليها أطلق شرايبر مشروع “موسوعة المساجد” الذي يهدف إلى توفير المزيد من المعلومات حول المئات من المساجد بما في ذلك صور وخطب مترجمة وغيرها من المعلومات.

شارك مع شرابير في هذه المشروع اثنان من زملائه الصحفيين الذين لا يريدون الكشف عن هويتهم، والذين شاركوا في تمشيط المدن الألمانية للبحث عن المساجد وتصويرها وتسجيلها في الموقع بعد تسجيل حوارات مع المسؤولين والمصلين وقد قام الفريق بجمع معلومات عن550 مسجدًا؛ منها 130 مسجدا متاحين حاليًا على الموقع “moscheepedia.org” بالإضافة إلى مساجد متفرقة من بلدان أخرى مثل كندا والعراق أيضًا، والتي جُمعت معلومات عنها عن طريق مشاركين متطوعين مسجلين بالموقع، لكن مع ذلك فإن أغلب المساجد التي جمع عنها معلومات تم معاينتها من قبل الفريق الأساسي وحضر أعضاء الفريق خطب الجمعة في هذه المساجد وهذه المعلومات شفافة وعلانية، وفي نفس الوقت يدعو الموقع الجميع من المسلمين وغير المسلمين للمشاركة في تزويده بالمعلومات والبيانات رغم تسجيل حوالي 50 شخصًا ممن يرغبون في العمل على المنصة وإنشاء حسابات لهم على الموقع، ويعمل المشروع -كما يقول شرايبر- في المقام الأول على سد الفجوة المعرفية ثم المساهمة في مكافحة التطرف؛ فمعرفة أماكن دور العبادة من شأنه أن يمكننا من إلقاء نظرة على المساجد التي تم إخفاؤها عن الأنظار بشكل متعمد.

الشعور بالتضيق والتجسس

يخطط الفريق لمواصلة العمل واستكمال جمع البيانات عن المزيد من المساجد وسيتم توثيق حوالي 1000 مسجد على المنصة بحلول نهاية العام.

وتابع شرايبر بأن الموقع يمثل منصة للقاءات والمناقشات حول بعض الإشكاليات التي تتعلق بالمساجد والجمعيات مثل جمعية “ديتيب”، على سبيل المثال، والتي دائما ما تُتهم بأنها تحيد في خطبها عن المسار الديني إلى السياسي، ومن ثمّ فكان من الضروري أن نقف على الحقيقة من خلال هذا المشروع الذي لا يفرق بين المساجد الليبرالية أو المحافظة أو الشيعية أو السنية.

وليست قضية تسجيل المساجد في ألمانيا وليدة اللحظة ولكنها قضية قديمة أثيرت عدة مرات من قبل سياسيين ألمان؛ ففي عام  2017 طالب الوزيران الفيدراليان جوليا كلوكنر وجينس سبان(كلاهما من الاتحاد الديمقراطي المسيحي) بتسجيل المساجد، لكن هذا لم يحدث، وفي يناير من هذا العام 2021 قُدمت خطة من قبل الاتحاد السياسي الألماني(CDU / CSU) لتسجيل المساجد والجمعيات الإسلامية، في خطوة انتقدها الحزب الديمقراطي الحر الألماني واعتبارها مشكوكًا فيها دستوريًا، ووصفها بأنها “خطأ سياسي”.

من جانبها قالت السيدة “مريم كامل عبد السلام” المحامية التي تقوم حاليا بعمل بحث في جامعة بون حول قضايا الأمن والقانون الدستوري، وهي في نفس الوقت عضو بمجلس إدارة تحالف المرأة المسلمة، بأن تسجيل المساجد يشكل تدخلاً قوياً في حرية المرء لممارسة دينه ولا يمكن تبريره، حيث سيشعر رواد المساجد بأنهم مراقبون، مما قد يؤدي بهم، إما إلى عدم القدوم إلى المسجد على الإطلاق أو الشعور بعدم الارتياح وأنه بهذه الطريقة لا يمكن ممارسة الدين بحرية.

وتواصل السيدة مريم أنها تتفهم قضية الحفاظ على الأمن ومتطلبات هذا الحفاظ لكنها في الوقت نفسه تؤكد أن الجهات الألمانية لديها من الوسائل الحالية المتاحة ما يكفي لتحقيق هذا الأمن ومتطلباته، ومن ثم فلا حاجة لضرورة تسجيل المساجد أو المطالبة بالشفافية في أمر يتعلق بالعبادة والممارسة الدينية التي ينبغي أن لا تتدخل فيها الدولة من الأساس.

كما طالبت أيضا السيدة أوديت يلماز رئيسة الاتحاد الإسلامي الليبرالي، الذي يضم سبع جمعيات ومساجد في ألمانيا بعدم الإقدام على هذه الخطوة التي من شأنها أن تؤدي إلى تهميش المسلمين وتجعلهم دائما مصدر للخوف والريبة، وأنها لا شك  سيكون لها نتائج عكسية في جميع المجالات.

مراقبة الهياكل المتطرفة

وتتابع يلماز أنه بدلا من ذلك يجب توجيه التركيز نحو العالم الافتراضي والمجتمعات الموازية التي باتت تمثل أمكان بديلة للتجمعات والهياكل المتطرفة وتعزيز الوقاية من خلال التثقيف السياسي واتخاذ مواقف واضحة ضد الجماعات التي تناهض التعددية والديمقراطية وتمارس العنصرية والتميز.

ووفقًا لموقع فيلت فإن قضية مطالبة المساجد بالتسجيل لم تعد مطروحة للنقاش من قبل السياسيين الداخليين للاتحاد(CDU/CSU) بل تم الاستعاضة عنها بحزمة من الإجراءات المتعلقة بموضوع الإسلام السياسي وإنشاء أقسام للدراسات الإسلامية بالجامعات، وإنشاء مركز لتوثيق الإسلام السياسي وتوفير خبراء في وزارة الداخلية، بالإضافة لضرورة التعاون مع الجمعيات الإسلامية، ومن المقرر مناقشة هذه الإجراءات خلال الفترة القادمة.

ويقول السيد “كريستوف دي فريس (CDU)”، مقرر الطوائف الدينية في المجموعة البرلمانية للاتحاد أنه من الصعب قانونًا اشتراط تسجيل المساجد والجمعيات، كما أن عملية صحة البيانات خلال عملية التسجيل سيكون مشكوك فيها، لهذا الأسباب يجب التركيز على مراقبة الهياكل المتطرفة بدلا من الدخول في جدال حول تسجيل المجتمعات والمساجد في ألمانيا والتي يتم بالفعل تسجيل معظمها في سجل الجمعيات المدنية وتسجيل مجالس إدارتها أيضًا، لكن في نفس الوقت يجب منح سلطات وكالة الاستخبارات الداخلية(مكتب حماية الدستور) مزيدًا من الصلاحيات وتوسيع قدرتها بحيث يمكنها التحقيق وفحص التعاملات المالية للجمعيات والمساجد والتأكد من عدم استغلالها في قضايا مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى الالتزام بتقديم الوثائق المتعلقة بتحويل الأموال للجمعيات التي تتلقى تبرعات، خاصة من مصادر أجنبية خارج الاتحاد الأوروبي.

من جانبها تعارض السيدة مريم عبد السلام هذه الإجراءات، وخاصة فيما يتعلق بضرورة تقديم الجمعيات الإسلامية مستندات التحويلات المالية ومجالات صرفها خوفًا من تكوين مجتمعات موازية، وقالت أنه بدلًا من ذلك فإن الجهات المختصة يمكنها التدخل حال وجود شبهات أو اتهامات تتعلق بأنشطة غير مشروعة، لكن طالما أن الأموال التي تتدفق من الخارج تتدفق بطرقة مشروعة وتصرف في أنشطة قانونية، فلا ينبغي للدولة أن تتدخل للحفاظ على المجتمعات الدينية النشطة وحماية الحقوق الأساسية.

ويرد السيد “دي فريس”، السياسي المحلي في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بأنه حتى الآن لا توجد شفافية كاملة فيما يتعلق بشأن التدفقات المالية للمساجد المتطرفة، ومن ثم يجب أن نمنع عملية تمويل وبناء هياكل راديكالية في ألمانيا عن طريق مراقبة التحويلات المالية لضرورة حماية الأمن القومي الألماني وعدم التدخل في الشؤون الداخلية عن طريق الأذرع الدينية المتمثلة في بعض الجمعيات الإسلامية التي تتلقى تمويلها بالكامل من الخارج.

للاطلاع على الرابط الأضلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا