ناشيونال انترست| بقيت الولايات المتحدة أم رحلت.. طالبان ستسيطر على أفغانستان

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

عندما أعلنت إدارة ترامب عام 2020 أنها ستبدأ الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان، سارع الكثيرون إلى استنتاج أنه بعد ما يقرب من عقدين من الزمن، كانت الولايات المتحدة، في الواقع، قد اعترفت بالهزيمة في أطول حرب لها، واستسلمت لجماعة متمردة، وأكد عدد من المؤشرات هذا الاتجاه.

ولم يكن توقيع الاتفاقية مع طالبان بمثابة اعتراف رصين بأنه على الرغم من سنوات القتال، فإن طالبان ظلت غير مهزومة. والأهم من ذلك، فإن إلزام الولايات المتحدة للحكومة الأفغانية بالتفاوض مع طالبان، هو اعتراف من واشنطن بشكل فعال أن طالبان لا يمكن استبعادها من تشكيل مستقبل البلاد.

كما أن إدراك أن الطريق نحو الاستقرار يكون من خلال تقاسم السلطة مع عدو ربما يكون شيئًا مستنيرًا ينبغي القيام به، بيد أن التكاليف البشرية والمالية لحملة العشرين عامًا تكفي لجعلها سببًا للاحتفال في واشنطن أو كابول.

ولكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن طالبان، فقد أشار “هنري كيسنجر” إلى أن المتمرد يفوز “إذا لم يخسر”. وهذا يعني أن كل ما يجب على المتمرد القيام به هو البقاء في مكانه والمقاومة والانتظار حتى يفقد خصمه عزيمته وقدرته على الاستمرار. ومع رحيل الولايات المتحدة، فليس من غير المناسب القول إن طالبان خرجت من الحرب الأهلية التي طال أمدها ولها اليد العليا. في الواقع، يذهب البعض إلى القول بأن الجماعة قد حققت ما تريده بالضبط، ففي اللحظة التي يغادر فيها آخر جندي أمريكي البلاد، لن يكون هناك ما يمنع طالبان في نهاية المطاف من استعادة سيطرتها، وهو الهدف الذي ناضلت من أجله منذ الإطاحة بها في عام 2001.

من الواضح أن مثل هذه المخاوف لم تغب عن إدارة بايدن، فهي تراجع الاتفاق حاليًا؛ ما يزيد الآمال في الأوساط الأمنية بأن يتأخر الانسحاب إذا كان هناك احتمال حقيقي بأنه قد يؤدي إلى انتصار حركة طالبان. وفي ظاهر الأمر، فهذه أخبار جيدة، لأنها قد تهدئ المخاوف من أن الاتفاق ربما تسرع به ترامب لضمان فوز السياسة الخارجية في عام الانتخابات.

غير أن تعليق كثير من الآمال على فكرة أن الوجود الأمريكي وحده سيكون كافيًا للحيلولة دون استيلاء طالبان المخيف على السلطة هو طمأنة كاذبة ومضللة بشكل خطير. ففي الواقع، وعلى الرغم من أن الخروج المتسرع لهو بالكاد أمر مستحسن، فلك أن تتخيل الآن أن طالبان ربما تحقق انتصارها حتى لو بقيت الولايات المتحدة.

ويستدعي فهم سبب ذلك تجاوز تأكيد كيسنجر على عدم الخسارة. إذ من المؤكد أن الفكرة لها مزاياها وتوارد ظهورها كثيرًا في المقالات العلمية يؤكد استمرار أهميتها. ومع ذلك، فهذه الفكرة تعطي فقط فهمًا ضيقًا جدًا لكيفية تحقيق التمرد للنصر، ومع أن الصمود في مواجهة العدو هو، بلا شك، شرط مسبق حاسم، إلا أنه يكفي بالكاد لتحقيق النصر.

ولهذا من المفيد أن نتذكر أن الهدف النهائي لأي تمرد هو استبدال نظام قائم، وأن يصبح القوة الحاكمة في منطقة معينة متسلطًا على شعب معين. والاعتقاد بإمكانية تحقيق ذلك ببساطة عن طريق الانتظار سيكون ضارًّا بقضية المتمردين بقدر الاعتقاد بأنه يمكن تفاديه بمجرد البقاء. ولذلك فهناك حاجة إلى أكثر من ذلك بكثير، كما يذكرنا “جيمس كيراس”، لتحقيق هدفه، يجب ألا يصمد التمرد في وجه خصمه فحسب، بل يجب أيضًا أن يوسع نطاق سيطرته على الأرض، ويسعى للحصول على مزيد من الدعم للاستمرار، وأن يقدم نفسه بنجاح بديلاً شرعيًّا للنظام القائم. وكذلك فمن أجل هزيمة التمرد، يجب محاربته على هذه الجبهات الثلاثة أيضًا.

ومع ذلك، يبدو أن حركة طالبان كانت تخطو خطوات كبيرة هناك وبثبات. خذ مثلًا التوسع الإقليمي، من المعروف أن حركة طالبان استخدمت تضاريس أفغانستان الجبلية لمنع تدميرها بينما تنهك خصومها. كما أنها كانت بارعة بنفس القدر في زيادة مساحة المنطقة التي تسيطر عليها بالفعل. وعلى الرغم من أنه من المستحيل تحديد ذلك على وجه الدقة، يقدر أن الحركة تسيطر الآن على مساحة أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2001.

وفي عام 2018، أفاد تحليل لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بأن طالبان استحوذت على ما مجموعه أربعة عشر مقاطعة من أصل 421 مقاطعة في البلاد، أي ما لا يزيد عن 4% من البلاد. ومع ذلك، وبعد عام، كشف تقرير للمفتش العام الخاص لأفغانستان أن الحركة وسَّعت سيطرتها إلى 59% مقاطعة، أي ما يقرب من 15% من أفغانستان. وفي الآونة الأخيرة، قدرت مجلة “لونج وور” التابعة لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية أنه اعتبارًا من عام 2020، كانت طالبان تسيطر بشكل كامل على 75 مقاطعة، وتسيطر فعليًا على خمس الدولة بأكملها.

هذا تطور مثير للقلق، لا سيما عندما يدرك المرء أن الحكومة الأفغانية في الآونة الأخيرة تسيطر بالكامل على حوالي 30% فقط من أفغانستان (حيث تراجعت من 50% في عام 2018)، مع بقاء باقي مساحة البلاد موضع نزاع.  ومن الواضح أن الاتجاه الحالي لا يحدد تلقائيًّا ما سيحدث بعد ذلك. ومع ذلك، يشير هذا الاتجاه إلى أنه مع فقدان الحكومة الأفغانية سيطرتها على البلاد، نجحت طالبان بشكل متزايد في السيطرة عليها. ومن المنطقي أن أي سيطرة لأي جماعة متمردة على الأرض تكون قصيرة الأجل إذا لم تمتلك الوسائل والموارد لدعم وجودها في المناطق التي تسيطر عليها.

وبشكل عام، هناك طريقتان للحصول على الدعم:

الأول: الإكراه، وهو القدرة على ترهيب السكان المستهدفين وإجبارهم على الطاعة، وهذا بالنسبة لطالبان، كان أداةً أساسية، فكثيرًا ما تلجأ الحركة إلى إظهار العنف، مثل قطع الرؤوس في الأماكن العامة، لتعزيز موطئ قدمها. ونتيجة لذلك، يميل الأفغان في الأراضي التي تسيطر عليها الحركة إلى دعمها فقط لتحسين فرصهم في البقاء على قيد الحياة. ومع ذلك، يمكن للإكراه فقط أن يؤدي إلى حدوث تمرد عليها.

بالأحرى، فإن المطلوب – لكل من الدعم والنجاح بشكل عام – هو درجة من الشرعية. ويأتي ذلك عندما يكشف التمرد أن بإمكانه أداء عمل الحكومة بشكل أفضل. وبدرجة مدهشة، قامت طالبان بذلك فعليًّاـ إذ إنها تدير الآن هيكل دولة الظل، رغم كونه وحشيًا، إلا أنه شديد الفاعلية في الأراضي التي تسيطر عليها، ويرجع الكثير من هذا إلى قدرة الحركة على تثبيت نظام فعال للعدالة وإنفاذ القانون.

ووفقًا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، فإن المظلمة الرئيسية المستمرة بين معظم الأفغان العاديين هي الفساد، الذي، على الرغم من الجهود المبذولة، لا يزال منتشرًا.  وقد تمكنت طالبان من الاستفادة من ذلك، وربما تكون الحياة في ظل حكمها القاسي، وهو ما يذهب إلى حد ما نحو تفسير سبب تنامي وجود طالبان في السنوات الأخيرة، إذ إنها مع التوسع الناجح وإيجاد الدعم، ومع إضافة الشرعية إلى هذا المزيج، سيكون أمامها عقبات قليلة تعترض طرق النصر.

لذا، وفي ضوء انتصارات طالبان التي حققتها، فما الذي يجب أن تقوم به في ظل احتمال رحيلها؟

بالتأكيد، فإن أحد الاستنتاجات المنطقية هو أن الوجود الأمريكي يشكل الآن الملاذ الأخير في مواجهة سيطرة طالبان المحتملة، وبالتالي يجب أن يظل كما هو، ولكن يمكن القول أيضًا أن الوجود وحده ليس له تأثير يذكر على استيلائها على البلاد بشكل ما. وبالتأكيد أيضًا، ربما يؤدي الانسحاب المتسرع إلى تسريع هذا الاتجاه، وقد يؤدي اتباع نهج أمريكي جديد ومتجدد إلى تراجع بعض التطورات.

وأصبح من الواضح بشدة أنه لا يوجد فرق كبير إذا خرجت الولايات المتحدة الآن أو بقيت لفترة أطول، لا سيما بالنظر إلى أن استيلاء طالبان على السلطة قد يكون أكثر دقة مما هو متصور عادة. وكما ذكرنا، يدعو الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان إلى تقاسم السلطة بين الحكومة الأفغانية والحركة، وإذا حدث هذا – بأي شكل من الأشكال – فستجد طالبان نفسها في موقع قوة حتى دون سيطرة علنية على كابول، وإذا استمرت في إظهار فاعليتها مع إجهاض مساعي الحكومة الوطنية، فإنها ستعزز سيطرتها على البلاد. 

ولكن.. كم سيمضي من الوقت قبل أن تزيح الحركة خصومها من السلطة؟

بالتأكيد، ليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أن مثل هذا السيناريو هو ما يخبئه المستقبل لأفغانستان، لكنه احتمال، وعلى هذا النحو، ينبغي مناقشته. إن مناقشة الانسحاب إلى ما لا نهاية يخدم فقط إلقاء الضوء على هذه القضية وغيرها من القضايا التي قد يكون لها تأثير فعلي على تطور الوضع. وربما تكون رحيل الولايات المتحدة جيدًا، إلا أن الكفاح من أجل أفغانستان ينبغي أن يمضي قدمًا.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا