معهد كاتو |واشنطن دعمت مجرمي الحرب الإسلامويين في سوريا

آية سيد

ترجمة: آية سيد

عندما اندلعت المظاهرات واسعة النطاق ضد نظام بشار الأسد في بداية 2011، استغلت إدارة باراك أوباما الموقف على الفور وبدأت في دعم الفصائل المناهضة للنظام. ومع تطور تلك المظاهرات إلى تمرد مسلح في وقت لاحق ذلك العام، تعاونت واشنطن عن كثب مع رعاة خارجيين للتمرد، لا سيما السعودية وتركيا، لتوصيل المساعدات المالية واللوجيستية إلى المتمردين. وبحلول سبتمبر 2013، كانت واشنطن ترسل علنًا السلاح والأموال إلى المتمردين.

وبالإضافة إلى التدخل في الشئون الداخلية لسوريا عن طريق مساعدة التمرد، ضلل القادة الأمريكيون بشكل متكرر الشعب الأمريكي حول طبيعة الفصائل التي تدعمها واشنطن. صرّح وزير الخارجية جون كيري، في سبتمبر 2013، أن المعارضة المسلحة للأسد “أصبحت مُعرّفة على نحو متزايد باعتدالها، وحجم التزامها بـ … العملية الديمقراطية وبدستور شامل يحمي الأقليات”. لكن مراسلي رويترز “مارك هوسينبول” و”فيل ستيوارت” ذكرا أن تقييم كيري المتفائل للتكوين السياسي “المعتدل” لقوات المتمردين تعارض بشكل مباشر حتى مع استنتاجات وكالات الاستخبارات الأمريكية. اعترض أيضًا الباحث كريستوفر فيليبس من معهد تشاثام هاوس وجامعة كوين ماري بلندن على فكرة أن الإسلامويين لم يكونوا لاعبين أساسيين خلال السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية. لقد استنتج أنه “كان هناك تواجد إسلاموي منذ البداية.” وعلاوة على هذا، نفوذ وقوة ذلك التواجد “شهدا نموًّا بشكل كبير مع تقدم الصراع”.

مع هذا، قدمت واشنطن الدعم المادي لعدة جماعات ممن تُعد موضع شك كبير. وغازلت الإدارة فكرة دعم جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا. وكما هو مذكور بالأسفل، بعض الفصائل التي ساعدتها واشنطن تعاونت عن كثب مع النصرة وانخرطت في سلوك بغيض مشابه. كان بعض أصحاب الثقل في السياسة الخارجية الأمريكية مستعدين لتبني الجهاديين على غرار جبهة النصرة. بعد وقت قصير من مغادرة منصبه كمدير للسي آي إيه في عهد أوباما، جادل ديفيد بيترايوس بأن بعض الجهاديين على الأقل يمكن “انتزاعهم” وجعلهم حلفاء نافعين لمحاربة كل من داعش ونظام الأسد. إلا أن داعش والنصرة اختلفا حول أي تنظيم هو الممثل الشرعي للقضية الإسلاموية؛ لم تكن لديهما خلافات كبيرة حول طبيعة تلك القضية أو نوع النظام المستقبلي الذي يريدونه أن يحكم سوريا.

أخفى كيري وغيره من المسئولين الأمريكيين عن الشعب الأمريكي معلومات سلبية عن المتمردين متى أمكن، كما حوّل القادة الأمريكيون وعناصرهم التمكينية في وسائل الإعلام الإخبارية الأمريكية صراع السلطة السوري المعقد بشدة (حيث تلعب الخصومة الدينية بين السُنة والشيعة دورًا رئيسيًّا) إلى ميلودراما تقليدية وضعت نظام الأسد الشرير ضد المتمردين الشرفاء الباحثين عن الحرية. لقد تجاهلت الإدارة وحلفاؤها في الإعلام، أو قللت من قيمه، أو حرّفت جرائم حرب متعددة ارتكبها المتمردون. 

وثّقت هيومان رايتس ووتش حلقة من الأعمال الوحشية التي ارتكبها المتمردون في خريف 2013، كما شن تحالف للقوى الإسلاموية، يضم جبهة النصرة، وأحرار الشام، وداعش، هجومًا على منطقة بالقرب من ساحل البحر المتوسط مأهولة بالطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد. أوردت هيومان رايتس ووتش أن حوالي 190 مدنيًا قُتلوا، من ضمنهم 67 على الأقل جرى إعدامهم بلا محاكمة، وعلى الرغم من أن كل الجماعات المسلحة نفت مسئوليتها عن الهجوم، أكدت أدلة دامغة أنهم الجناة. لقد تآكلت مصداقية نفيهم الروتيني بشدة عندما أعدمت جبهة النصرة علنًا شيخًا علويًّا بارزًا كان قد اعتقله فصيل إسلاموي آخر، وهو حركة شام الإسلام.

الجماعات المتمردة الأخرى التي زُعم أنها معتدلة والتي دعمتها واشنطن علنًا اتضح أيضًا أنها شريرة بشكل مرعب. إحدى هذه الميليشيات، وهي حركة نور الدين الزنكي، حصلت على سلاح أمريكي ومساعدات أخرى قبل أن يستنتج المسئولون الأمريكيون أن الجماعة ربما تكون متطرفة بشدة. وبالتأكيد ثبت أن هذا هو الحال. في يوليو 2016، انتشر مقطع فيديو يُظهر أعضاء الجماعة يعدمون خصمًا. من الواضح أن الفجوة بين “المعتدلين” السوريين وداعش لم تكن كبيرة إلى هذا الحد.

شوّه القادة الأمريكيون وحلفاؤهم في الإعلام أيضًا ما كان يحدث فيما يتعلق بحصار الحكومة السورية لمدينة حلب. وصوّر مسئولو إدارة أوباما حلب كمنطقة محررة على مدار ثلاث سنوات قبل أن تستعيد قوات الأسد (إلى جانب حلفائهم الروس) السيطرة على المدينة في أواخر 2016. لكن ستيفن كينزر من صحيفة بوسطن جلوب ذكر أنه “لثلاث سنوات، أدارت الميليشيات العنيفة حلب. بدأ حكمهم بموجة من القمع. لقد نشروا تنويهات تحذر السكان: “لا ترسلوا أولادكم إلى المدرسة. إذا فعلتم ذلك، سوف نأخذ حقيبة الظهر وتأخذون الكفن”. لقد فشل المسئولون الأمريكيون بصورة ملحوظة في ذكر مثل هذه الحوادث عند تصوير المتمردين في حلب كأبطال معتدلين يقاومون نظام الأسد الوحشي.

لقد أصبحت خرافة واشنطن حول “المعتدلين” السوريين مشكلة كبرى في منتصف وأواخر 2016 عندما قصفت الطائرات الروسية أهدافًا للمتمردين. ادعى الروس أنهم يقصفون الإرهابيين، لكن الولايات المتحدة أكدت أن الكثير من الأهداف كانت في الواقع لمتمردين معتدلين موالين للغرب، أو كما وصفهم الوزير كيري: “جماعات معارضة شرعية”. إلا أن تعريفه الضمني لكلمة شرعية أو معتدلة كان مبهمًا كالعادة. وبالإضافة إلى هذا، ادعاء كيري بأن هذه الجماعات كانت منفصلة عن داعش وجبهة النصرة، على المستوى التنظيمي والمادي، لم يكن له أدلة تؤيده. كتب الصحفي الاستقصائي جاريث بورتر أن الحقيقة في محافظتين على الأقل “هي أنه لا يوجد هذا الانفصال”. في الواقع: “المعلومات الواردة من مجموعة واسعة من المصادر، من ضمنها بعض الجماعات التي كانت الولايات المتحدة تدعمها علانية، توضح أن كل تنظيم مسلح مناهض للأسد في تلك المحافظات منخرط في نظام عسكري تسيطر عليه النصرة. جميعهم يقاتلون إلى جانب جبهة النصرة وينسقون أنشطتهم العسكرية معها.”

في أواخر يوليو 2017، أعلنت إدارة ترامب أنها بصدد إنهاء برنامج السي آي إيه السري لدعم قوات المتمردين السوريين “المعتدلة”، لكن لم تكن هناك أدلة كبيرة على حدوث تغيير جوهري وهادف. وواصلت فصائل المتمردين الحصول على السلاح الأمريكي، إن لم يكن بشكل مباشر من الولايات المتحدة، فمن خلال حلفاء واشنطن السعوديين والأتراك، واستمرت الحرب الأهلية السورية، على الرغم من أن قوات الحكومة حققت تقدمًا بطيئًا في طرد المتمردين من المناطق التي سيطروا عليها. ومع هذا، أوضحت إدارة ترامب أنه لن يُسمح لنظام الأسد بتحقيق النصر الحاسم. استمرت واشنطن في دعم وإمداد القوات الانفصالية الكردية في شمال شرق سوريا، وبقيت وحدة صغيرة من القوات الأمريكية لحراسة حقول النفط هناك. حذر ترامب بصورة متكررة دمشق ألا تشن هجومًا نهائيًّا على إدلب، آخر معقل رئيسي تسيطر عليه قوات المتمردين غير الأكراد – الذين يشملون الكثير من الجهاديين السُنة المذكورين بالأعلى.

لا توجد مؤشرات على أن السياسة الأمريكية ستتغير للأفضل تحت إدارة بايدن. في الواقع، بعد أسابيع من توليه المنصب، أمر بايدن بشن ضربات جوية على الميليشيات الإيرانية في سوريا، الحلفاء الرئيسيين لنظام الأسد. وأشارت تلك الخطوة إلى استعداد لتصعيد وليس تقليص التدخل الأمريكي في سوريا. وما ينذر بالسوء بنفس القدر، العديد من المعينين رفيعي المستوى في إدارة بايدن كانوا مدافعين شرسين عن حرب تغيير النظام التي شنتها واشنطن على الأسد منذ البداية؛ ومن بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وفي النهاية؛ من المستبعد بشدة أن يتبرأ هؤلاء الأفراد من عملائهم السوريين، كما يبدو أن علاقة الحب التي تجمع بين واشنطن ومجرمي الحرب سوف تستمر.

للاطلاع على الرابط الاصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا