أوراسيا ريفيو | لماذا يخشى النظام الإيراني التفاوض مع الولايات المتحدة؟

آية سيد

ترجمة: آية سيد

بعد ثلاثة أشهر، بدأ الرئيس بايدن، في جهد لكبح توسع البرنامج النووي الإيراني داخل إطار خطة العمل الشاملة المشتركة، ومن خلال شركائه الأوروبيين بشكل غير مباشر، بدأ مفاوضات مع ممثلين إيرانيين في فيينا، النمسا. وعلى الرغم من أن ممثلي إيران صرّحوا ظاهريًّا بأنهم لن يتفاوضوا بشكل مباشر أو غير مباشر مع الولايات المتحدة حتى تُرفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، من الواضح للمراقبين أن الاجتماع في فيينا كان نوعًا من المفاوضات بين البلدين.

أثار الاجتماع بعض ردود الأفعال من معارضي التفاوض مع الولايات المتحدة في إيران، والعديد من ممثلي ما يُعرف بالفصيل المتشدد، وكذلك أيضًا احتج رئيس السلطة القضائية للنظام الإيراني، إبراهيم رئيسي، على مشاركة ممثلي وزارة الخارجية الإيرانية في هذا الاجتماع.

هذا دليل على الاختلاف داخل النظام الإيراني حول المفاوضات مع الولايات المتحدة. من ناحية، حسن روحاني، الذي يمر بآخر أيام ولايته الثانية ولا توجد احتمالية لإعادة انتخابه، يبحث باستماتة عن اتفاقية مع الولايات المتحدة للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة قبل نهاية ولايته في يونيو، ورفع العقوبات التي فرضها ترامب ليوفر للنظام متسعًا للتنفس.

ولأن هذه العقوبات، إلى جانب الفساد واسع الانتشار للنظام الحاكم، دفعت الاقتصاد الإيراني إلى حافة الانهيار، حيث انكمش الآن حوالي 8.2% بالنسبة للعام الماضي وبلغ التضخم أكثر من 65%، وحيث أصبح أكثر من 60% من الشعب يعيشون تحت خط الفقر، وحوالي 35 مليون شخص يعيشون في ظروف يرثى لها في مدن الصفيح بسبب عجزهم عن شراء سكن في المدن.

يمكن رؤية كراهية الشعب لهذا الوضع يوميًّا في تجمعات واحتجاجات القطاعات المختلفة من السكان بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة، وعدم دفع الرواتب، والأسعار المرتفعة ونقص الكثير من السلع الأساسية مثل زيت الطعام، والبيض والدجاج … في جميع أنحاء إيران.

لكن من الناحية الأخرى، نرى أن خامنئي أكد أن إيران لن تعود إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 قبل أن تلغي الولايات المتحدة كل العقوبات ويتحقق من ذلك، وأن إيران لن تنشر طاردات مركزية أحدث وحسب (خطة العمل الشاملة المشتركة تمنع إيران من تنصيبها) بل ستواصل تخصيب اليورانيوم إلى 20%. السؤال هو لماذا خامنئي، الذي شهد قبل عامين عند زيادة سعر البنزين ثلاثة أضعاف نزول الإيرانيين إلى الشوارع في 200 مدينة تقريبًا للاحتجاج، وإضرامهم النيران في كل البنوك ومحطات البنزين تقريبًا للدرجة التي اضطرته إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد المحتجين وإصدار أمر لقواته الأمنية بإطلاق النار وقتل 1500 شخص والقبض على أكثر من 12 ألف من أجل إخماد الانتفاضة، لماذا هو عنيد جدًّا في التفاوض وليس مستعدًا لتقديم أية تنازلات؟

الحقيقة هي أن خامنئي في موقف ضعيف جدًّا وهو خائف من المفاوضات لأنه يعلم أنه يجب عليه الآن تقديم الكثير من التنازلات وأن 2021 مختلفة تمامًا عن 2015 والتوازن الجديد للقوى لم يترك مساحة لخامنئي، الذي يدرك تمامًا لاستياء الشعب، لكن أكثر ما يخافه هي الانتفاضة الوشيكة وهو يعلم أنه إذا حدثت انتفاضة مثل تلك التي حدثت في نوفمبر 2019، هذه المرة لن يستطيع السيطرة عليها بسهولة وربما تطيح بنظامه.

منذ البداية، كان بقاء نظام خامنئي قائمًا على القمع الداخلي وتصدير الأزمات إلى دول المنطقة عبر قواته الوكيلة، والإرهاب. سعى خامنئي لاحقًا لضمان بقائه عن طريق الحصول على سلاح نووي، والذي أُجبر على التخلي عنه، مؤقتًا على الأقل، عندما فضحت المقاومة الإيرانية برنامجه النووي السري. وهكذا، يعتمد خامنئي على وسيلتي القمع الداخلي والتدخل في دول المنطقة.

لكن خامنئي يواجه الآن موقفًا يضعه في عزلة كاملة في المنطقة. من جهة، خسر معظم قوته المالية السابقة لدعم قواته الوكيلة في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ومن جهة أخرى، باغتيال قاسم سليماني، تضاءل نفوذه في المنطقة بشكل كبير ويُحمّل الناس في سوريا، والعراق، ولبنان النظام الإيراني المسئولية عن كل مصائبهم ويطالبون بعدم تدخل إيران في بلادهم. يعلم خامنئي أن التفاوض مع الولايات المتحدة سيؤدي إلى مطالب أخرى، مثل التحكم في برامج الصواريخ وعدم تدخل النظام في دول المنطقة.

إن خسارة أي من هذه الوسائل ستكون ضربة قاضية وسيخسر النظام توازنه وجنبًا إلى جنب مع الشعب الساخط داخل إيران سيصبح نظامه المهتز أكثر اضطرابًا وعرضة للإطاحة به.

ولمزيد من المساومة، وافق أن يمنح الصينيين الكثير من الامتيازات مع اتفاق الـ25 عامًا معهم لتعزيز موقفه في مواجهة الغرب. هذا، بالطبع، شهد احتجاجات واسعة داخل إيران، ويعتبره معظم الناس اتفاقًا خائنًا وبيعًا ونقلًا لإيران إلى الصين.

الآن الأمر متروك لإدارة بايدن لتدرك الحالة الضعيفة للنظام وتؤكد على الحاجة لسياسة حاسمة وعدم تقديم تنازلات لخامنئي. إن استعراض خامنئي للقوة خدعة، وعاجلًا أو آجلًا، تحت الضغط الداخلي، سيُجبَر على قبول الشروط الغربية لرفع العقوبات. وعلى أية حال، لا يهم أي مسار سيسلكه النظام الإيراني، حيث يمكن توقع تغيير للنظام في إيران في المستقبل القريب.

للاطلاع على الرابط الاصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا