نيويورك تايمز| الرئيس الأفغاني في «وضع يائس» مع تزعزع سلطته السياسية والعسكرية

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

يحضر الرئيس الأفغاني “أشرف غني” مؤتمرات دولية ويلتقي بدبلوماسيين، وافتتح مؤخرًا سدًّا ويلقي خطابات وطنية مُتعهدًا بالدفاع عن وطنه ضد طالبان. لكن هناك نقاش يجري الآن وسط سياسيين ومحليين ومواطنين بشأن مدى سيطرة الرئيس الأفغاني على مستقبله ومستقبل وطنه المعرّض للخطر.

تشير معظم الآراء إلى أن السيد “غني” أصبح معزولًا تمامًا، على الرغم من أنه مؤهّل تمامًا لوظيفته، فقد درس في جامعات جون هوبكينز وبيركلي وكولومبيا وعمل في البنك الدولي والأمم المتحدة. يقول أشخاص يعرفونه، إنه مؤلف جيد ويتمتع بذكاء من الدرجة الأولى، لكنه يعتمد على مشورة حفنة من الأشخاص، وغير راغب حتى في مشاهدة أخبار التلفاز، وأصبح يخسر حلفاءه بسرعة.

هذا وضع يتسبب في مشاكل لبلد يشهد تمردًا إسلاميًّا متفوقا عسكريًّا. ووفقا للأمم المتحدة، يواجه حوالي نصف سكان هذا البلد الجوع على مستويات خطيرة، وتأتي معظم أموال ميزانية الحكومة من الخارج، وتعاني الحكومة ضعفًا، ويستشري الفساد بشكل واسع. في غضون هذا، يستعد الأمريكيون لسحب ما تبقى من قواتهم، وهو احتمال من المتوقع أن يؤدي لانهيار القوات الأفغانية المدعومة أمريكيًّا على المدى المتوسط. يقول “رحمة الله نبيل” الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الأفغاني: “هو الآن في وضع يائس”. ويضيف “نحن نضعف شيئًا فشيئًا. الأمن ضعيف، وكل شيء يتدهور، وطالبان تستغل هذا الأمر”.

وتنأى الولايات المتحدة بنفسها تدريجيًّا عن السيد “غني”، البالغ 71 عامًا، وفي أحيان كثيرة سعت للالتفاف عليه بغية التعامل مع طالبان ومع وسطاء إقليميين. يوجّه أمراء حرب أفغان، والذين يمثلون مراكز سلطة بديلة قوية، إدانات للرئيس غاني ويستهزئون به علانية.

رفض برلمان البلاد مرتين ميزانيته، ولا يثق به. يرفض خصومه الرئيسيون (حركة طالبان) دراسة فكرة التعامل مع السيد “غني”، الذي كان تفويضه ضعيفًا منذ البداية ويبدو أنه تقلّص الآن، إذ كانت نسبة الإقبال 18.7 بالمائة في انتخابات 2019 التي حقق فيها انتصارًا متنازعًا عليه بقوة، وذلك وفقًا لمفوضية الانتخابات المستقلة.

فقد مسئولون أمريكيون صبرهم تجاهه. لقد سئم كثيرون مما يصفونه بتعنته في رفض تقديم تنازلات لخصومه، أو أسلوبه الاستعلائي. وأطلق عليه بعض أعضاء المجتمع المدني عبارة “رجل ميّت يمشي” لوصف وضعه السياسي.

وقد بعث وزير الخارجية الأمريكي “أنطوني بلينكن” مؤخرًا خطابًا قاسيًا له، لدرجة أنه حتى الأفغان المنتقدين للسيد “غاني” وجدوا أنه مهين. وبلغة يجري استخدامها على الأرجح مع تلميذ شقيّ وليس مع رئيس دولة، كرر الخطاب عبارة “أنا أحثك” ثلاث مرات. وواصل الوزير “بلينكن” كلامه في الخطاب قائلًا: “يجب أن أوضح لك سيادة الرئيس” مضيفًا: “في وقت تتواصل فيه عمليتنا السياسية في واشنطن، فإن الولايات المتحدة لا تستبعد أي خيار”. كان المعنى الضمني للرسالة واضحًا: نفوذك محدود.

يقول “حكمت خليل كرازاي”، رئيس مؤسسة بحثية أفغانية وأحد أقرباء الرئيس الأفغاني السابق “حامد كرزاي”: “بصفتي أفغانيًّا، اعتراني شعور بالمهانة”. ويضيف “لكنني أشعر أن (غني) يستحق هذا”، وتابع قائلًا: “هو يتلقى قبلة الموت من أقرب شركائه”. وتعوّل إدارة بايدن على المحادثات متعددة الأطراف، المقرر عقدها مبدأيًّا في وقت لاحق من هذا الشهر في إسطنبول، لوضع خطة للمضي قدمًا. ويكمن في صميم الاقتراح الأمريكي، إقامة حكومة مؤقتة تتمتع بالسلطة حتى عقد انتخابات في المستقبل.

ووفقًا لمسودّة مسرّبة، ستتقاسم طالبان في هذه الحكومة المؤقتة السلطة مع الحكومة الأفغانية الحالية. وبموجب هذا الترتيب، ربما يتعيّن على السيد “غني” الاستقالة، وهي خطوة رفض مرارًا التفكير فيها، كما قدّم السيد “غني” اقتراحًا مضادًا يخطط للكشف عنه قريبًا، يدعو فيه لوقف إطلاق النار، وإقامة “حكومة سلام” مؤقتة لم تتضح بعد تشكيلتها المحتملة، ثم إجراء انتخابات مبكرة تعهّد بعد الترشح فيها.

إن الخطة الأمريكية وخطة السيد “غني” ربما يكون مآلهما الفشل حتمًا، فطالبان لم تعلن مطلقًا موافقتها على عقد انتخابات، كما لم تشر إلى أنها ستوافق على المشاركة في أي نوع من خطة حكومية أو اقتسام السلطة.  يقول “حمد الله محب” مستشار الأمن القومي للرئيس الأفغاني في مقابلة: “وفقًا لما نراه، هم يريدون سلطة مطلقة، وهم ينتظرون للاستيلاء على السلطة بالقوة”.

وبينما يخسر السيد “غني” تدريجيًّا رأس ماله السياسي في كابول ومع شركائه الدوليين، يتدهور وضع البلاد العسكري. فكل يوم يحمل معه أخبارًا عن مقتل أعضاء في القوات الأمنية عبر إطلاق نار أو تفجيرات.  يقول دبلوماسي غربي رفيع في كابول، معلقًا على الاستنزاف المستمر الذي تواجهه حكومة أفغانستان: “لا يمكنهم الاستمرار في فعل هذا”، مضيفًا: “الخسائر التي تتكبدها الحكومة، وتدهور مصداقيتها وشرعيتها، هذا وضع غير مستدام”.

إن ذكريات ما حدث في سبتمبر عام 1996 لا تزال تخيّم على العاصمة، وذلك عندما اجتاحت طالبان العاصمة كابول من دون مقاومة تذكر وبدأت في تأسيس نظامها القاسي.

وداخل مجمّع القصر الرئاسي، الذي يشبه متنزها كبيرًا تبلغ مساحته 83 فدانًا والمحمي بسبع طبقات من الأمن، يعيش السيد “غني” وحلقته الضيقة من المعاونين المقربين الذين تتقلص أعدادهم بمرور الوقت. أقال “غني” وزير داخليته المحترم، وجنرالًا في الجيش، بعد إسقاط طائرة هليكوبتر الشهر الماضي بنيران إحدى المليشيات الكثيرة في البلاد. كما استقال المدعي العام، الذي كان يتمتع بسمعة نادرة فيما يتعلق بالنزاهة، كما أقال وزير ماليته الذي قضى وقتًا قصيرًا في منصبه يقول مسؤول رفيع سابق: إن “غني” منفصل عن الواقع وعما يحدث على الأرض.

لكن السيد “محب” يعترض على هذا التقييم قائلا: “يأتي هذا الانتقاد من نخبة سياسية تظن أنها تعرضت للتهميش”.

وصف بعض المسئولين السابقين السيد “غني” بأنه مُجبر على تولي الإدارة بشكل مفصّل، ويشمل هذا تدخله في تفاصيل الشئون العسكرية وقرارات الموظفين، حتى على مستوى رؤساء الشرطة المحلية. يقول السيد “كرزاي”: “هو يحب القيام بهذا؛ لأنه يشعر أنه هو الشخص الوحيد”. والمقصود هنا أنه يظن أنه الشخص الوحيد المؤهل لاتخاذ قرارات جادة.

وصف السيد “محب” اتهام “غني” بالتدخل في أدق التفاصيل بأنه “مبالغة كبيرة” قائلًا: إن الرئيس لم يحضر أيّ “اجتماع أمني” منذ أسابيع”، مضيفا: “هو واعٍ للمشهد الاستراتيجي”. ولم يوافق مكتب اتصالات السيد “غني” على طلب إجراء لقاء مع الرئيس، كما لم يردّ معاون رفيع للرئيس على طلب إجراء مقابلة.

يقول دبلوماسي غربي رفيع في كابول إنه يبدو أن تداعيات عُزلة السيد “غني” بدأت تتكشف فصولها لحظة بلحظة. يمتلك الرئيس رؤية قوية للبلاد، لكن الترويج لها وجعلها فاعلة سياسيًّا هو أمر صعب، ويتجلّى هذا في الانقسامات التي تسود البلاد. ويجادل الدبلوماسي الغربي أن هذا غير مفيد للوحدة الأفغانية. ويتردد صدى هذه الانقسامات من كابول إلى أقاليم البلاد المنقسمة، حيث عملت مليشيات مستقلة وأصحاب نفوذ قدماء على إعادة تسليح أنفسهم، أو الاستعداد لفعل هذا.

في وسط البلاد، هناك قتال منخفض المستوى مشتعل منذ أشهر بين قوات الحكومة ومليشيا تابعة لأمير حرب منحدر من أقلية شيعية. وقد تأجج هذا القتال بسبب إسقاط طائرة هليكوبتر حكومة أفغانية في مارس الماضي. تولى السيد “غني” ومعاونوه دورًا نشطًا في إدارة هذا الصراع؛ ما أثار استياء الجيش الأفغاني.

يقول مسئول أمني أفغاني رفيع: “هذا ما كنا نريد تجنبه. فقواتنا باتت منتشرة بأقصى طاقتها”. مضيفًا: “والآن تريد أن تشعل حربا أخرى؟”. إن المحادثات المقبلة في تركيا يمكن أن ينتهي بها الحال كنظيراتها الأخيرة في موسكو ودوشنبه عاصمة طاجيكستان – إذ خرجت هذه المحادثات ببيانات باهتة تدين العنف وتأمل في تحقيق السلام. إن الفكرة الأمريكية القاضية باستبدال المحادثات القديمة في قطر – التي لم تثمر عن نتائج – بمحادثات جديدة في مكان جديد، لن تكون بالضرورة رهانًا ناجحًا. في الواقع، فإن المؤشرات الأولية ليست واعدة، إذ رفض السيد “غني” مجددًا مقترحات أمريكية أوليّة، فضلًا عن عدم التزام طالبان الصارم بالأفكار المطروحة حاليًا على الطاولة.

يقول المسئول الأمني الأفغاني الرفيع: “في حال انسحبت الولايات المتحدة، ولم يتم التوصل لاتفاق سياسي، سنكون في مشكلة صعبة”، مضيفًا: “من الناحية العسكرية، ليس لدينا أمل كبير” وتابع “إن لم نتوصل لشيء، ستتحرك قوات طالبان. وسنشهد معركة شديدة”.       

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا