الجارديان | نتنياهو «محارب الظل» يدخل في مقامرة خطيرة ضد إيران

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

إن هجوم الأسبوع الماضي الغامض في منشأة نطنز النووية، والذي دمّر معدات مهمة، كان أبرز هجوم منذ هجوم “ستوكسنيت” السيبراني عام 2010. لكن هذا الهجوم لا يمكن اعتباره غامضًا. فقد أقرّت “مصادر استخباراتية” مجهولة بتورّط إسرائيل في الهجوم. يرغب نتنياهو، المحرّض المخضرم، أن تعلم إيران والعالم مَن الجهة التي نفذت الهجوم. كان الأمر أشبه بالتلويح براية حمراء أمام ثور.

الأمر المذهل بشأن هذا التصرف الخطير للغاية، هو أن نتنياهو يقود إسرائيل بالرغم من عدم رغبة العديد من الإسرائيليين بوجوده في منصبه. لقد فشل نتنياهو لأربع مرات في العامين الماضيين في الحصول على تفويض انتخابي داعم لسياساته القومية والعنصرية واليمينية الشعبوية. كما خسر دونالد ترمب، الذي كان حليفا يشاطره أفكاره.

لو كانت غالبية الناخبين الإسرائيليين، الذين يعتبرونه في أفضل الأحوال شخصية مثيرة للإحراج لدولتهم، بيدهم أن يقرروا نتيجة المحادثات المتواصلة بشأن تشكيل حكومة إسرائيل الائتلافية المقبلة، لكان حُكم نتنياهو الطويل قد انتهي فورًا. ربما توفر المحاكم عليهم هذا العناء. فالرجل يُحاكم الآن بتهم فساد مزعومة، لكنه ينفي ارتكاب أي مخالفة.

يشير معلقون أمريكيون وإسرائيليون إلى أن هذه الورطة ربما تكون المفتاح لفهم جهود نتنياهو لعرقلة المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة لإعادة إحياء اتفاق 2015 النووي. يقول “فريد كابلان” المحلل في موقع “سليت”: “زرع الخوف والأزمة هو أفضل أماله للتمسك بالسلطة”.

يقول “ألون بينكاس” كاتب العمود في صحيفة “هآرتس” إن “الرواية السائدة في إسرائيل.. هي أن نتنياهو يصعّد بشكل مقصود وخطير من وتيرة المواجهة منخفضة المستوى مع إيران، لتحقيق هدفين متشابكين”. ويضيف “أولًا، إن أي أزمة أمنية وطنية، يمكن أن تغيّر البيئة السياسية المعادية التي يواجهها”. ويتابع “بينكاس” بالقول، ثانيًا، يأمل نتنياهو في أن تؤدي مبالغته في هوسه بشأن إيران المسلحة نوويًّا من الناحية النظرية، إلى “تعطيل وتعقيد” المحادثات بين إيران وأمريكا. ويستكمل المحلل قائلا إن تقويض نتنياهو للولايات المتحدة التي تعدّ أقرب حليف لإسرائيل، يخدم مصلحته الشخصية. “أولًا، يجب عليك أن تخلق مواجهة مع الولايات المتحدة، ثم تسوّق نفسك بوصفك الطرف الوحيد القادر على نزع فتيلها”.

يتفق الرئيس الأمريكي “جو بايدن” مع بريطانيا والاتحاد الأوروبي، على أن اتفاق 2015 النووي الذي تعرض لضربات كبيرة، لا يزال أفضل وسيلة لضمان تنفيذ إيران، التي تصرّ على عدم رغبتها في امتلاك سلاح نووي، لتعهداتها.

إن انسحاب ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي، وفرضه عقوبات أمريكية مشددة، أدّى كما هو متوقع لعدم التزام إيراني تصعيدي وانتقامي بالاتفاق. المفارقة أن هذا الهدف الذاتي السخيف الذي جرى تسجيله، دفع طهران أكثر نحو امتلاك قدرات تصنيع قنبلة نووية. وبموازاة ذلك، زادت حدّة عدم الاستقرار الإقليمي، وارتفعت وتيرة الهجمات الانتقامية المتبادلة.

إن هذا النمط الذي أتى بنتائج عكسية، تكرر في الأسبوع الماضي، عندما وقع انفجار في منشأة نطنز. بعد شعورها بأنها مجبرة على الردّ على استفزاز نتنياهو العلني، أعلنت إيران أنها ستركّب المزيد من أجهزة الطرد المركزي المتطورة في منشأة نطنز، وستجري عمليات تخصيب يورانيوم. كما أفادت تقارير أنها أطلقت صاروخًا نحو سفينة إسرائيلية في الخليج.  كان من الممكن أن يتدهور الوضع أكثر من هذا، عسكريًّا وسياسيًّا. لكن المرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي” لجم المتشددين، وأمر المفاوضين بعدم الانسحاب من محادثات فيينا. حتى خامنئي الذي يعادي أمريكا معاداة عمياء، رأى الفخ الذي نصبه نتنياهو.

إن أمن إسرائيل يعتمد الآن، فعليًّا، على ضبط النفس الإيراني. بسماحه للمسئولين للمرة الأولى بتأكيد عمليات تخريب وهجمات، كان يتم إنكارها أو التغطية عليها في الماضي، يكون نتنياهو بذلك يدفع عمدًا ما يسمى بـ “حرب الظل” الإسرائيلية مع إيران إلى العلن؛ ما قد يخلق وضعًا مضطربًا لا يمكن احتواؤه. إن هذا الأمر يمكن أن يؤثر سلبيًّا على لبنان وسوريا وغزه، حيث تغلي هناك صراعات بالوكالة، وقد يضرّ بجهود إسرائيل التطبيعية في الخليج، كما يمكن أن يؤدي هذا لتقوية القوى الرجعية في انتخابات إيران الرئاسية في يونيو المقبل، ويحطم آمال الإصلاحيين. كما أن التأثير الاستقطابي لأفعاله يهدد جميع الإسرائيليين.

وكما يعلم نتنياهو بالتأكيد، فإن المواجهة العلنية ربما تجبر الأوروبيين أيضًا على الانحياز لإسرائيل علنًا؛ ما سيعدّ انتكاسة للموازنة الدبلوماسية الدقيقة التي يقومون بها، وهذا ما يحدث بالفعل، ففي الأسبوع الماضي، أدانت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في بيان مشترك خطة إيران لتخصيب اليورانيوم، دون ذكر عملية التخريب في نطنز.

يقول الكاتب “بينكاس”: إن الانزلاق نحو العنف آخذ في التسارع منذ تدمير ترامب ونتنياهو للاتفاق النووي قبل ثلاث سنوات. ويضيف “أثناء تلك الفترة، توسّعت الحملة الحربية ضد إهداف إيرانية، والتي كانت جوية بصورة رئيسية، وبرية وسيبرانية في بعض الأحيان، لتتحول إلى عمليات بحرية.. واغتيالات مستهدفة على الأراضي الإيرانية. أما العمليات في الأيام الماضية فلم تكن تصعيدًا نوعيًّا، بقدر ما كانت مجاهرة بسرّ كان مخفيًّا. هذه لم تعد حرب ظل.. هذه حرب حقيقية”.

إن مكائد نتنياهو هي بمثابة تحدٍّ شخصي لبايدن. ليست هناك علاقة وديّة بين الرجلين. هما يختلفان بشدة بشأن فلسطين. لا يثق بايدن في معاوني نتنياهو السعوديين. ولم ينس أيضًا الإهانات في سنوات أوباما، وعلاقته الدافئة مع ترامب والجمهوريين، كما لن يسمح بايدن بجرّه إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط.

يكتب المحلل “كابلان”: إن “بايدن في وضع يؤهله للضغط على نتنياهو، والتزامه تجاه إسرائيل قديم وراسخ”، مضيًفا: “هذا وقت مناسب لأي رئيس أمريكي لأن يوضح بأن المصالح الأمريكية لا يمكن إخضاعها للاستراتيجيات السياسية المحلية لرئيس وزراء، حتى لو كان رئيس وزراء إسرائيليًّا”.

وتمثل هذه المواقف تحذيرًا. يقول نتنياهو إن بلاده ليست ملتزمة بأي اتفاقيات يتوصل إليها آخرون، حتى لو كانوا “أفضل أصدقائنا”. غير أن إسرائيل لا يمكنها أن تأخذ نوايا أمريكا الطيبة كأمر مفروغ منه. فآخر تقييم استخباراتي أمريكي يتناقض تمامًا مع ما يقوله نتنياهو: لم يجد التقرير دليلًا على محاولة إيران تصنيع قنبلة.

وبالرغم من كونها بلدًا ضعيفا ومجروحًا وغير منظم بطريقة فجّة ومنقسمًا ومتضررًا بشدة من فيروس كورونا وفاسدًا بالإضافة إلى قيادتها السيئة، لا تزال إيران تمثل تهديدًا. لكن من الناحية السياسية، يُعد نتنياهو تهديدًا أكبر في الوقت الراهن، وينبغي للإسرائيليين إقالته من منصبه قبل أن يخلق مزيدًا من الأذى ببلادهم.  

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا