ناشيونال إنترست | انعدام النظام والقانون يدمّر أمريكا

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

لسوء الحظ، فإن التاريخ يكرر نفسه. في الصيف الماضي، شاهد كثيرون منا بهلع أعمال شغب ونهب تحدث في مدن في عموم البلاد. رأينا كيف تركت الشرطة في “سياتل” أحد مراكزها ليستولي عليها حشد غوغائي. ورأينا الناهبون يطلقون النار ويقتلون ضابط شرطة متقاعدًا كان يحاول حماية متجر صديقه، كما رأينا هجمات ليلية على مبانٍ فيدرالية في مدينة “بورتلاند” في ولاية أوريغون، بالإضافة إلى مشاهد مزعجة أخرى.

وللأسف، رأينا مشاهد مماثلة تحدث مجددًا مؤخرًا، إذ باتت أعمال العنف تحدث بشكل متكرر لدرجة أنه بات من الصعب علينا متابعتها جميعها.

في بورتلاند، شاركت حركة “أنتيفا” (المناهضة للفاشية) في أعمال شغب كل ليلة تقريبًا لمدة عام، أشعلت الحركة النار في مبنى إدارة الهجرة والجمارك في ليل يوم الأحد أثناء وجود موظفين بداخله. لماذا يُسمح باستمرار هذه الفوضى منذ عام تقريبا؟

هذا سؤال بلاغي عمومًا، لأن إجاباته واضحة. إن مشاغبي حركة “أنتيفا” سُمح لهم بشنّ هجمات متكررة على مبانٍ فيدرالية، وتدمير أعمال تجارية محلية، ومهاجمة ضباط إنفاذ القانون منذ العام الماضي، لأن السياسيين يتعاطفون مع “أنتيفا” ويدعمون قضيتها.

لهذا لم يُحاكم العديد من أعضاء هذه الحشود الغوغائية “خدمة للعدالة”. عوضًا عن هذا، تم الإفراج عن المشاغبين لمواصلة الشغب ليلة بعد الأخرى. ما النتائج الأخرى التي قد يُسفر عنها هذا الأمر؟ إن هذا التسامح سيولّد المزيد من الفوضى مع انتشار العنف وتصاعده.

في اليوم ذاته الذي حُرق فيه مبنى إدارة الهجرة والجمارك في مدينة “بورتلاند”، اندلعت أعمال شغب ونهب في مركز مدينة “بروكلين سنتر” في ولاية مينسوتا، بعد أن أطلق ضابط شرطة النار وتسبب في مقتل الشاب “دونت رايت”. أوقفت الشرطة “رايت” بسبب انتهاء صلاحية لوحة ترخيص سيارته، كما اكتشفت الشرطة أثناء عملية التوقيف، حسبما أفادت وكالة أسوشيتيد برس، أنه كان صدر بحقه أمر اعتقال بعد فشله في الظهور أمام محكمة بعد “فراره من ضباط شرطة وامتلاكه بندقية من دون ترخيص أثناء مواجهة مع شرطة مينابولس في يونيو الماضي”.

وبسبب أمر الاعتقال هذا، بدأ ضباط شرطة في وضعه رهن الاعتقال، حينها قاوم “رايت” الضباط وحاول الهروب. وفي تطور مأساوي للأحداث، يبدو أن ضابطة الشرطة التي كان من المفترض أن تصعقه بجهاز الصعق الكهربائي، سحبت بدلًا من هذا سلاحها الناري وأطلقت عليه النار وأردته قتيلا. استقالت الضابطة منذ ذلك الوقت ووُجهت لها تهم جنائية.

لكن يبدو أن هذا لم يكن كافيًا. حتى مع تصريح الرئيس بايدن أنه لا يوجد هناك مبرر للنهب والعنف، إلا أن المجموعات المصممة على العنف لم تستمع له، مع إعلانهم تنظيم المزيد من الاحتجاجات وأعمال الشغب في عشرات المدن؛ ما تسبب في حدوث المزيد من العنف.

في “مينسوتا”، كان التوتر يتزايد بالفعل على بُعد أميال قليلة من مكان محاكمة ضابط شرطة مينابولس السابق “ديريك تشوفين” بسبب وفاة “جورج فلويد”. كانت مينابولس تستعد لأعمال الشغب بغض النظر عن نتائج محاكمة “تشوفين”، والآن يبدو أن حدوث المزيد من الشعب بات أمرًا مفروغًا منه. لقد أصبح الشغب والنهب ردودًا معتادة على حوادث الشرطة أو من دون أي سبب أصلًا، كما هو الحال في بورتلاند. لا يمكن أن يتحوّل هذا إلى “وضع عادي جديد”. وإنْ كان الرئيس بايدن جادًّا بشأن رغبته في إنهاء العنف المدمّر، فسيحتاج لفعل أكثر من مجرد إطلاق تصريحات مناوئة له.

يتعيّن على بايدن ونائبته هاريس أن يعطيا توجيهات واضحة وعلنية ومتكررة للقادة والمدعين وأعضاء الكونغرس على المستوى المحلي ومستوى الولايات، فضلًا عن وسائل الأعلام، يدينان فيها جميع أنواع العنف، بغض النظر عن مرتكبيها. كما يتعين عليهما التأكيد للأشخاص المدانين والذين ثبتت إدانتهم بجريمة، أن هناك عواقب وخيمة بمقتضى القانون سيتم فرضها، وإلا فلن يتغير شيء على الإطلاق. في غضون هذا، يستمر ضباط إنفاذ القانون في أداء مهام قاسية وخطيرة، في وقت يواصل فيه مجرمون ومشاغبون استهدافهم بغرض إصابتهم أو قتلهم.

قبل أسبوعين من الآن، قاد عضو في جماعة “أمة الإسلام” سيارته بسرعة وصدم حاجزًا أمام مبنى الكونغرس، واستخدم سكينا لقتل أحد ضباط شرطة مبنى الكونغرس وإصابة شرطي آخر. إن صور أرملة الضابط “بيلي إيفنز” وأطفاله أثناء حضورهم مراسم تأبينه في بهو الكونغرس، ينبغي أن تذكرنا جميعا بالصعوبات والمخاطر التي يضطر ضباط إنفاذ القانون – وعائلاتهم – لمواجهتها بشكل يومي.

هل تريدون مزيدًا من الأدلة؟ أظهرت صور كاميرا مثبتة على مقدمة سيارة، عملية إطلاق نار على ضابط شرطة في ولاية “نيو مكسيكو” ومن ثم إعدامه ميدانيًّا على أيدي مجرم عنيف أثناء توقيفه بسبب مخالفة مرورية.

إن بعض السياسات التي يتم تطبيقها الآن، مثل “قانون عدالة جورج فلويد في عمل الشرطة”، أثارت مخاوف بعض الأشخاص في مدن في عموم البلاد باتت تعاني بشكل كبير من “تأثير فيرغسون” (أي ارتفاع مستوى العنف بسبب إحجام الشرطة عن أداء مهامها كما حصل في مدينة فيرغسون). لهذا أصبح مفهومًا أن يتقاعد ضباط الشرطة ويستقيلون بأعداد كبيرة. وقد تفاقم هذا الوضع بسبب الدعوات المتواصلة لمنع تمويل الشرطة، والردود المتسرعة على أي مشكلة تندلع بين المدنيين والشرطة، من دون التثبت أولا من الحقائق بشأن ما حدث. وبالتأكيد، فان تصريحات بعض الأشخاص المحسوبين على اليسار لا تساعد في تحسين الوضع، مثل تصريح عضوة مجلس النواب “رشيدة طُليب” التي تتهم أفراد الشرطة بأنهم عنصريون.

إن تعامل اليسار مع أعمال الشغب والهجمات المتواصلة، يتناقض تمامًا مع تعاملهم مع أعمال الشغب التي حصلت في مبنى الكونغرس في السادس من يناير. ولنكن صريحين، يجب محاسبة الذين انتهكوا القانون في ذلك الهجوم ومحاكمتهم، تمامًا مثلما يجب محاسبة الذين ينتهكون القانون الآن ومحاكمتهم.

إن النظام والقانون مفيدان لجميع شرائح المجتمع، كما أن الأمن النابع من القانون والنظام هو أساس الفرص الاقتصادية، وإن كان الرئيس بايدن ونائبته “هاريس” يرغبان حقًّا في وجود مجتمعات مسالمة ومزدهرة، فإنه يتعين عليهما الوقوف في وجه المشاغبين اليساريين، والعودة إلى دعم إنفاذ القانون، وإدانة جميع أنواع العنف علانية، وتشجيع المدعين على معاقبة هذا العنف بغض النظر عن هوية مرتكبيه.

وفي النهاية، لا شك أن استمرار انتقائية اليسار فيما يتعلق بالغضب والعقاب والانقسام بناءً على العِرق والأجندة السياسية، لن يسهم إلا في تقسيم البلاد أكثر، ولو كان بايدن وهاريس يرغبان فعليًّا في تعزيز وحدة هذه الأمة، فقد حان الوقت لأن يحولا أقوالهما إلى أفعال.     

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا