مركز تحليل السياسات الأوروبية | دور أوروبا في إعادة بناء الاتفاق النووي الإيراني

آية سيد

رؤية

ترجمة -آية سيد

في ظل استئناف المحادثات الآن بين الولايات المتحدة وإيران، تمتلك أوروبا المفتاح للتوصل إلى نتيجة ناجحة.

خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، أعلن المرشح (آنذاك) جوزيف بايدن أنه “إذا عادت إيران إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي، ستنضم الولايات المتحدة مجددًا إلى الاتفاقية كنقطة بداية لمتابعة المفاوضات”.

لقد كان بالطبع يشير إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 بين إيران ومجموعة 5+1 (الخمسة أعضاء الدائمين في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وفرنسا وبريطانيا زائد الدولة غير العضو، ألمانيا) التي انسحب منها الرئيس دونالد ترامب كجزء من استراتيجية “الضغط الأقصى” على إيران.

الآن، بما أن بايدن هو الرئيس، يجب أن تجد إدارته سبيلًا لإعادة تجميع الاتفاق الذي انطوى على قيود يمكن التحقق منها على برنامج إيران النووي مقابل تخفيف العقوبات. وفي الوقت الحالي، لم يتم التفاوض على العودة المشتركة حيث تطالب الولايات المتحدة وإيران أن يمتثل الطرف الآخر بشكل كامل أولًا، غير أنه في وقت مبكر من هذا الشهر، اجتمعت وفود من كل الدول الموّقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا لبدء محادثات غير مباشرة بين البلدين. وبصفتها صاحبة مصلحة رئيسية في هذه العملية، يجب أن تفكر أوروبا في أفضل طريقة لتعزيز مصلحتها بينما تخدم كجسر بين الولايات المتحدة وإيران.

منذ نهاية الحرب الباردة، كانت علاقة أوروبا بإيران وبرنامجها النووي مزيجًا من التعاون والعداء. في التسعينيات، أسس الاتحاد الأوروبي علاقات مع إيران عن طريق الاستثمار في بنيتها التحتية العتيقة، وفتح الأسواق، والتفاوض على صفقات غاز ونفط كبديل لروسيا. تمتلك أوروبا سببًا وجيهًا للقلق من برنامج إيران النووي، حيث إنه سيضع القارة في متناول صواريخ إيران بعيدة المدى. وبالإضافة إلى هذا، يأمل الأوروبيون في منع حدوث سباق تسلح في الشرق الأوسط (على سبيل المثال، ربما ترد السعودية ببرنامجها الخاص) وفي تجنب ضربة استباقية إسرائيلية على المنشآت الإيرانية والتي قد تتصاعد بسهولة إلى صراع مزعزع للاستقرار. أشار بعض المراقبين أيضًا إلى أن قادة أوروبا الكارهين للصراع ربما يخافون من العمل العسكري الأمريكي أكثر مما يخافون من طموحات إيران النووية.

بدأت القوى الأوروبية في لعب دور نشط في المفاوضات النووية مع إيران في الفترة بين 2003-2006، والتي أدت إلى اتفاقية باريس في 2004 بين الثلاثي الأوروبي (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا). إلا أن هذا الاتفاق لم يؤدِّ إلى اتفاقية شاملة يمكنها أن تضم الولايات المتحدة، وانهارت فيما بعد. واصل الثلاثي الأوروبي الضغط على نظرائهم الإيرانيين فيما يخص برنامج الصواريخ والبرنامج النووي في الوقت الذي اشتد فيه المأزق على جميع الجوانب.

ومع تقدم البرنامج النووي الإيراني، انضمت أوروبا إلى الدول القلقة الأخرى في اتخاذ موقف أكثر تشددًا. وفي 2006، بعد أن أعاد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تشغيل منشآت تحويل اليورانيوم الإيرانية، توسع الثلاثي الأوروبي إلى مجموعة 5+1. ومررت هذه المجموعة من الدول وطبقت عقوبات مدعومة من الأمم المتحدة، وأكمل الاتحاد الأوروبي هذا الجهد بمقاطعة الغاز والنفط الإيراني في 2012. وأشار انتخاب حسن روحاني في 2013 إلى حدوث نقلة في موقف إيران الخارجي والذي تزامن مع قبول إدارة أوباما لمستويات منخفضة من تخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية كجزء من معايير الإدارة لتسوية متفاوض عليها نهائية. وبحلول نوفمبر 2013، كانت مجموعة 5+1 وإيران قد وضعوا معًا خطة عمل مشتركة. هذا الاتفاق فرض قيودًا صارمة على برنامج إيران النووي لتخصيب اليورانيوم بالماء الثقيل وسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتحقق من امتثال إيران مقابل تخفيف العقوبات من الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة. لعب الثلاثي الأوروبي، وكذلك أيضًا المفوض السامي للاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، دورًا حاسمًا في صياغة المبادئ الرئيسية للاتفاق وأصبحوا المدافعين الأكثر حماسًا عنه عندما أصبح مصيره موضع شك في السنوات المقبلة.

في 8 مايو 2018، أعلن الرئيس ترامب أن خطة العمل الشاملة المشتركة لم تعد في مصلحة الولايات المتحدة وأن إدارته ستعيد فرض العقوبات. لقد وصف الاتفاقية بـ”الكارثة” وأنها “أسوأ اتفاق جرى التفاوض عليه على الإطلاق” خلال حملته في 2016، وسعى لفرض ضغط من جانب واحد على أمل دمج برنامج إيران الصاروخي وسلوكها المثير للتهديدات داخل منطقتها في تسوية أكبر. وقوبلت هذه الاستراتيجية بانتقاد حاد من حلفاء أمريكا الأوروبيين (وكذلك أيضًا أعضاء مجموعة 5+1 الآخرين). وافقت الأطراف المتبقية مبدئيًّا على البقاء في خطة العمل الشاملة المشتركة والوفاء بالتزاماتها بدون الولايات المتحدة.

وأصدر الاتحاد الأوروبي “إجراءات عملية” للتطبيق المتواصل لخطة العمل الشاملة المشتركة من أجل تهدئة المخاوف الإيرانية حول الوضع المستقبلي للاتفاقية. وبالرغم من هذا، بدأت إيران تجاوز حدود خطة العمل الشاملة المشتركة منذ مايو 2019. وفي الوقت الحالي، وصلت الولايات المتحدة وإيران إلى طريق مسدود؛ حيث طلب وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بشكل رسمي أن يتوسط الاتحاد الأوروبي في عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق. لكن السؤال الآن ماذا يمكن أن يفعل الثلاثي الأوروبي والاتحاد الأوروبي لمساعدة الطرفين على حفظ ماء وجههما وإيجاد مسار عملي للعودة إلى الاتفاقية؟

سيتعين على القادة الأوروبيين استخدام وضعهم الاستراتيجي لتسهيل الظروف السياسية اللازمة للمصالحة. يجب أن يعيد جهد الوساطة الأوروبي ترسيخ الثقة بين الولايات المتحدة وإيران على وجه السرعة، على الأقل لأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أوردت في تقرير لها مؤخرًا أن إيران كانت تنتج كميات صغيرة من معادن اليورانيوم، وهو عنصر حيوي لتصنيع الرؤوس الحربية. يُقدَّر الآن أن وقت الاختراق أمام إيران لإنتاج قنبلة انخفض إلى أربعة أشهر (على الرغم من أن الانفجار الغامض في محطة نطنز النووية يوم 11 أبريل، الذي جرى تحميل إسرائيل مسئوليته، ربما يؤخر خطط النظام عدة أشهر.)

وهكذا، فإن الضرورة الأولى للثلاثي الأوروبي/الاتحاد الأوروبي هي جعل تركيز كل الأطراف منصب على إعادة تأهيل خطة العمل الشاملة المشتركة. وعلى الرغم من أن الكثيرين يودون رؤية الاتفاقية الحالية تتوسع لتشمل السلوك الإيراني الشائن الآخر، ينبغي أن يكون التركيز الحالي على الحفاظ على الشكل الحالي واستعادة الاتفاق. لقد فتحت أوروبا بالفعل “حوارًا منظمًا” مع إيران في 2018 لمعالجة المخاوف خارج إطار خطة العمل الشاملة المشتركة، وتمتلك هذه الآلية الإمكانية لكي تتوسع وتشمل الولايات المتحدة في المستقبل القريب. وبالإضافة إلى هذا، تسعى إيران لتعويض عن المعاناة الاقتصادية الناتجة عن إعادة فرض أمريكا للعقوبات. وفي حين أن هذا المطلب لا ينبغي أن يعيق الجهود الحالية، تستطيع القوى الأوروبية تعجيل وإضافة إغاثة إنسانية إضافية لطلب إيران لقرض من صندوق النقد الدولي والذي تمت الموافقة عليه مؤخرًا كإجراء لبناء الثقة.

والآن، يستطيع الثلاثي الأوروبي/الاتحاد الأوروبي القيام باستثمارات كبيرة في آلية دعم التبادل التجاري (إينستكس) لتعزيز التجارة مع إيران. إنها في مصلحة أوروبا المباشرة أن تمتلك تجارة مفتوحة مع إيران وسوف تُظهر لإيران أنه لا يهم ما تفعله الولايات المتحدة، إذا التزمت إيران بالاتفاقية، سيكون لديها شراكة اقتصادية مع الثلاثي الأوروبي/الاتحاد الأوروبي. في الأسابيع والشهور المقبلة، سيكون مصير خطة العمل الشاملة المشتركة في يد أوروبا بشكل كبير؛ حيث إنها تسعى لإعادة إحياء علاقة هشة والحفاظ عليها بين الولايات المتحدة وإيران.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا