فورين بوليسي | لماذا يتجاهل خبراء السياسة الخارجية قضية الإرهاب في إفريقيا؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

لا تلقى حركات التمرّد السلفية الجهادية في البلدان الإفريقية سوى اهتمامًا قليلًا في دوائر السياسات الغربية. وهذا نتاج مجموعة من العوامل مثل الإرهاق السياسي والأولويات المتنافسة والعراقيل السياسية، والتي تمنع صنّاع السياسات من رؤية هذا التهديد بوضوح أو التفكير بشكل قوي بشأن طريقة التعامل معه.

وخير مثال على ذلك الأخبار المشؤومة القادمة من موزمبيق، حيث سيطر مهاجمون من تنظيم الدولة على بلدة “بالما”؛ ما تسبب في مقتل العشرات، ربما يكون من بينهم 12 أجنبيًّا وُجدوا مقطوعي الرأس. تجاهلت أوروبا والولايات المتحدة بشكل كبير هذه المجزرة، لكن ما كان ينبغي لهما تجاهلها. إن ما حدث في موزمبيق هو آخر حلقة من سلسلة حروب في الدول الإفريقية أدّت لتدمير الحياة والمعيشة في عموم القارة.

لقد كتب مجتمع السياسة الخارجية عددًا لا حصر له من المقالات، محاولًا إقناع نفسه وآخرين بأن مخاوفه بشأن إفريقيا حقيقية. وقد دفعت هذه القضية لحدوث تعاون نادر بين الحزبين في الولايات، إذ اتحد الجمهوريون والديمقراطيون على سلسلة من مبادرات الصحة العامة والتنمية الاقتصادية في السنوات الأخيرة. إذًا لماذا كان الردّ على أزمة موزمبيق وهجمات مماثلة أخرى محدودًا للغاية؟ لأن جميع الجهات الرئيسية التي تركز على القارة تُغمض أعينها عندما يتعلق الأمر بالمتمردين المتطرفين العنيفين الذين يفترسون ملايين الأفارقة.

حققت الحركة الجهادية السلفية، التي تضمّ تنظيمَي القاعدة وداعش، نجاحًا بعد الآخر في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية في السنوات الأخيرة. تنشط المجموعات السلفية الجهادية الآن في 22 دولة إفريقية، ولا زال العدد يتزايد. توسّعت عمليات التمرد المستمرة منذ زمن طويل، فعلى سبيل المثال، انتقل متطرفون موجودون في مالي في عام 2016 إلى دولة بوركينافاسو التي كانت مستقرة في الماضي، وصعّدوا عملياتهم منذ ذلك الوقت، ما أدّى لتشريد ما يزيد على مليون شخص، وتحويل البلاد لمنصة لإطلاق هجمات على بلدان مجاورة. إن العنف الجهادي المتواصل، مهّد الطريق مؤخرًا لتنفيذ مجموعة من عمليات الاختطاف التي استهدفت تلاميذ مدارس في نيجيريا، أكبر بلد في إفريقيا من حيث عدد السكان وحجم الاقتصاد. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، سيتسبب تنظيم داعش في موزمبيق في تشريد مليون شخص بحلول يونيو، وقد أدّى هذا لعرقلة مشروع غاز طبيعي بمليارات الدولارات، كان من المفترض أن يكون تذكرة عبور موزمبيق إلى الرخاء.

في الوقت ذاته، دفعت التحذيرات بشأن التورّط في “حرب لا منتهية” لعزوف العديد من الأشخاص الذين يتعاملون مع إفريقيا عن التركيز على المشاكل التي تتطلب حلولًا عسكرية. تسببت إخفاقات سابقة في مكافحة الإرهاب، من بينها تجربتا أفغانستان والعراق، في حدوث تحوّل نحو التشديد على أهمية الظروف المحلية والردود غير العسكرية. لكن القوة الناعمة وحدها لا يمكن أن تهزم متطرفين مسلحين يمتلكون بالفعل النفوذ، لا سيما بالنظر إلى أن هذه ليست مجرد تهديدات إقليمية ولكن عالمية. تخطط مجموعات سلفية جهادية إفريقية بالفعل أو تدعم تنفيذ هجمات خارجية. هم يطوّرون قدرات هجوم يمكن نقلها للخارج – من بينها تصنيع القنابل ومناورات تكتيكية يقوم بها فريق صغير – ويحصلون على قدرة الوصول إلى شبكات ساحلية وعابرة للقارات، تزيد من قدراتهم على التواصل وجذب مجندين ومساعدتهم في نهاية المطاف على نقل أشخاص إلى خارج القارة.

إن التفسير الحالم لطبيعة التهديد يمتد ليشمل أفكارًا بشأن طريقة مكافحته، ولا ترغب الولايات المتحدة في إرسال قواتها في مهام طويلة الأمد في إفريقيا. كما اتخذت فرنسا، التي تقود مهمة مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، خطوات لتخفيض وجودها هناك. لكن الاعتماد على شركاء محليين لتولي القتال بشكل كامل هو مجرد أضغاث أحلام!

إن المشاكل التي سمحت للتمرد السلفي الجهادي بالتشكُّل لا تزال موجودة: الجيوش المحلية غائبة بشكل كبير، وعاجزة عن ممارسة مهامها، أو أنها جزء من المشكلة. في بوركينا فاسو، أشعلت انتهاكات قوات الأمن هناك التمرد الحالي. وفي نيجيريا، تُرك المدنيون عُرضة للخطر مع انسحاب الجيش إلى معسكرات أكثر أمانًا. وفي موزمبيق، يفتقر الجيش للقوة البشرية والقدرة التي تمكنه من دخول المناطق التي يسيطر عليها جهاديون، ناهيك عن قدرته على شن عمليات مكافحة تمرد حقيقية.

إن ظهور كلمات رائجة جديدة – منافسة القوى العظمى – سمحت لمجتمع السياسة الخارجية لتفادي الدخول في نقاشات صعبة بشأن هزيمة التمرد السلفي الجهادي. إن الإطارات الاستراتيجية الجديدة، تعني عدم إعطاء الولايات المتحدة أولوية لمكافحة الإرهاب؛ لأن هذا يصرف الاهتمام عن روسيا والصين، اللتين تمثلان التهديد الحقيقي. لكن هذه القضايا مرتبطة ببعضها. يستغل خصوم الولايات المتحدة حضور المجموعات السلفية الجهادية لأغراضهم الخاصة، كما رأينا في التدخل الروسي في سوريا وليبيا، ما خلق نماذج يسعى الكرملين لتكرارها في أماكن أخرى. إن أفعال دول مُعرقلة مثل روسيا، يمكن أيضًا أن تؤجّج الخطر السلفي الجهادي، سواء عبر إطالة الصراعات، كما فعلت روسيا في ليبيا، أو عبر تشجيع قادة مستبدين يفاقمون من المظالم الشعبية ويوفرون فرصة يمكن استغلالها من جانب جماعات سلفية جهادية.

إن صعود إفريقيا نحو الرخاء قد يكون الحدث الأبرز في العقود المقبلة. لكن هذا لن يحدث في حال بقي مئات آلاف الأفارقة تحت الهيمنة السلفية الجهادية، وتشرّد الملايين بسبب العنف، وتحوّلت مناطق شاسعة إلى ملاذات دائمة للإرهابيين. وحتى لو ترك المجتمع الدولي دولًا مزقتها الحرب، مثل ليبيا ومالي والصومال، لتواجه مصيرها، فإن الولايات المتحدة لن يمكنها تجاهل آثار البلاء السلفي الجهادي على دول رئيسية في القارة، مثل الجزائر ومصر وإثيوبيا وكينيا والمغرب، ومؤخرًا تنزانيا وجنوب إفريقيا، والتي تواجه جميعها تهديدات سلفية جهادية متواصلة أو ناشئة، فضلًا عن تحديات محلية لاستقرارها الحالي والمستقبلي، كما أن نيجيريا التي يبلغ تعدادها 200 مليون نسمة، ستتعثر بالتأكيد في حال فشلها في استئصال الخلافة الجديدة التي ينمو نفوذها داخل حدودها.

إن تجاهل المشكلة الجهادية في إفريقيا موجود لأن صُنّاع السياسات يخشون من مواجهة القضايا المستعصية وإيجاد حلول صعبة لمكافحة عمليات التمرد. وبالنسبة للدول المعنية، فإن وجود حل دائم يتطلب أموالًا وتغييرات على هياكل سلطتها لا يمكن للنخب الحاكمة القيام بها أو لا ترغب في القيام بها، كما أن المجتمع الدولي مسئول بالقدر نفسه.

وفي النهاية لقد حان الوقت لأن يتدخل الذين يزعمون اهتمامهم بالقارة؛ لأن هناك حربًا دائرة الآن.    

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا