كريستيان ساينس مونيتور| كيف قاومت المهندسات المعماريات في جنوب إفريقيا الفصل العنصري؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

عندما نشأت “فال نجيلان” في جامبيا، في غرب إفريقيا، كان من الواضح لها أن منزل عائلتها الاستعماري (البنجالو) لم يُصمِّمْه أشخاصٌ مثلهم أو أنه لم يُصمَّم من أجلهم.

كان المنزل يحتوي على مطبخ به موقد، ولكن بما أن الأسرة تفضّل إعداد معظم وجباتها على النار، كان عليهم فعل ذلك خارج المنزل. وفي هذه الأثناء، أصبحت غرف المنزل خانقة وشديدة الحرارة بسبب الشمس الاستوائية، ولذلك أمضت الأسرة معظم وقتها في الهواء الطلق، تحت ظلال الأشجار الوارفة.

وقالت فال: “أتذكر أنني كنت دائمة التفكير في أن كل ما كان يحدث في ذلك المنزل كان عكس تصميم المبنى نفسه.. كان ذلك عندما أدركت لأول مرة أن المساحات تؤثر بشكل أساسي على نوعية حياتنا”.

واليوم، وبعد أن أصبحت فال مهندسة معمارية ممارسة في جنوب إفريقيا، حيث الفجوة التي لاحظتها في طفولتها– بين مَنْ صمَّم المباني ومَنْ عاش فيها بالفعل– هي إحدى أوسع الفجوات في العالم. فمن بين كل 5 مهندسين معماريين في جنوب أفريقيا هناك 4 من البيض، رغم أن البيض الجنوب أفريقيين يشكّلون 9٪ فقط من السكان. وأقل من ثلث المهندسين من النساء، و4٪ فقط من النساء السوداوات، وذلك وفقًا لبيانات غير منشورة من مجلس الهندسة المعمارية في جنوب إفريقيا، حصلت عليها صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور”.

ومنذ نهاية نظام الفصل العنصري، أدى التشريع والضغط الاجتماعي وبرامج العمل الإيجابي إلى إحداث تغيير هائل في العديد من الصناعات في جنوب إفريقيا. فحاليًا، تتصدر الصحفيات السوداوات، على سبيل المثال، ثلث المنشورات الرئيسية في البلاد، بعد أن كانت نسبتهن 6٪ في عام 2006. وينظر الكثيرون إلى هذا النوع من التحول على أنه واجب أخلاقي، إذ يعتبرونه وسيلةً لإعادة بناء مجتمع مبني لاستبعاد السود.

ولكن بالنسبة للهندسة المعمارية والتصميم الحضري على وجه الخصوص، يعدّ التنوع أيضًا جزءًا من محادثة دولية أوسع حول من يمكنه تصميم المساحات التي نتحرك فيها كل يوم. فمن النمسا إلى الهند، تصارع مخططو المدن في السنوات الأخيرة حول كيفية بناء مساحات تستوعب بشكل أفضل النساء والأشخاص الآخرين الذين جرى استبعادهم تقليديًّا من عملية تصميم المنشآت والمدن. ويمكن أن يعني هذا أي شيء من الأرصفة الموسعة لاستيعاب عربات الأطفال بشكل أفضل كما فعلت فيينا، إلى عربات القطار المخصصة للنساء فقط في الهند، بهدف القضاء على التحرش، والتحركات التي اتخذتها دول العالم أجمع لإضافة المزيد من حمامات النساء إلى المباني والأماكن العامة.

وتعد المباني جزءًا مهمًا من المعادلة أيضًا، كما تقول ألثيا بيكوك، المؤسس المشارك لشركة ليمون بيبل المعمارية في جوهانسبرج، وهي إحدى شركات الهندسة المعمارية في جنوب إفريقيا التي تديرها بالكامل نساء سوداوات. فعلى سبيل المثال، تميل المعماريات إلى تصميم مبانٍ “أكثر تعاطفًا مع الطرق التي تكون بها النساء عرضة للخطر”، على حد قولها. ويمكن أن يعني ذلك زيادة أعمدة الإنارة لسلامة المارة، وتزويد الطرق بمزيد من الحمامات وأماكن الرضاعة الطبيعية أو تغيير الحفاضات. ففي دول مثل جنوب إفريقيا، يمكن أن يضيف التصميم المعماري أيضًا مساحة أكبر في الشوارع والأرصفة للباعة المتجولين – حيث إن كثيرًا منهم من النساء– لبيع البضائع. وأضافت بيكوك: “هناك العديد من الوسائل الصغيرة التي يمكنك بها تغيير التصميم لاستيعاب متطلبات النساء والطرق التي يتحركن بها في العالم بشكل مختلف عن الرجال”.

  • كيف شققن طريقهن؟

كانت السيدة بيكوك وشريكتها، “تنظيم رزاق”، جزءًا من الجيل الأول من المهندسات السوداوات في جنوب إفريقيا، اللائي تدربن وبدأن العمل أثناء انتقال البلاد إلى من نظام الفصل العنصري إلى النظام الديمقراطي في أوائل التسعينيات. فقد كن يحفرن في الصخر، إذ كانت الجامعات التي دربت المهندسين المعماريين أثناء حقبة الفصل العنصري مخصصة بشكل حصري تقريبًا للطلاب البيض، خاصة الرجال.

وتتذكر “كاروني نايدو”، التي تنحدر من الجالية الهندية في جنوب إفريقيا، كيف كان عليها الذهاب إلى وزارة الشئون الهندية في ديربان، المدينة الساحلية التي نشأت فيها، لطلب الإذن رسميًّا للتسجيل في برنامج الهندسة المعمارية في إحدى الجامعات البيضاء هناك في الثمانينيات.

وحاليًا تدير “كاروني نايدو”، لجنة التحول في معهد جنوب إفريقيا للمهندسين المعماريين، الذي يعمل على أسئلة التنوع، وشركة سي إن إن المعمارية، التي شاركت نايدو في تأسيسها في ديربان.

وبمجرد التحاقها، شعرت نايدو أنها تضع قدميها بين عالمين، ففي كل صباح كانت تستيقظ في بلدة هندية على أطراف المدينة؛ حيث كانت عائلتها محاصرة في تخطيط مدينة الفصل العنصري، وكانت معظم المباني العامة باهتة ورخيصة الثمن. ثم كان عليها استقلال حافلة عبر المدينة إلى الجزء الأبيض منها، بمبانيها المكتبية على طراز الآرت ديكو والمنازل الإدواردية المزخرفة، حيث أمضت ساعات في الاستماع إلى محاضرات حصرية حول أنماط العمارة الأوروبية، قبل أن تعود أدراجها مرة أخرى إلى منطقة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

  • الشكل والفاعلية

لكن في الوقت نفسه، كانت جنوب إفريقيا على أعتاب تغيير هائل. فقد رأى المهندسون المعماريون الشباب السود إمكانية استغلال تخصصهم لإعادة بناء البلاد بكل ما في الكلمة من معنى.

ومن جانبها، تقول السيدة “تنظيم رزاق”، المؤسس المشارك للسيدة بيكوك في شركة “ليمون بيبل”: “إحدى فلسفاتنا هي أن الأشخاص ذوي الموارد المنخفضة لا يزالون يطمحون إلى مساحات عملية جميلة”. لقد نشأنا في مساحات كانت رخيصة وغالبًا ما كان تصميمها قبيحًا، حيث لا يوجد سوى الأحجار والخرسانة.. أردنا أن نقول إن هذه الأماكن يمكن أن تكون جميلة أيضًا، لدينا الحق في ذلك”.

وأشارت إلى إحدى دور الحضانة التي صمّمتها شركتها في بلدة “فوسلوروس” بالقرب من جوهانسبرج، قائلةً إنها مليئة بالساحات المغطاة بالضوء والألوان الزاهية، مع خرائط للبلدة مرسومة على الجدران لتجعل الأطفال “فخورين ببلدتهم”.

أما “فال نجيلان”، المهندسة المعمارية الجامبيَّة، فقد عملت مؤخرًا في مكتب محاماة في جوهانسبرغ لصالح شركة “كيت أوتين” المعمارية، وهي أبرز شركة مملوكة للنساء في جنوب إفريقيا. حيث اعتمد المهندسون المعماريون جزئيًّا على نصيحة النساء العاملات في المجال الطبي لإنشاء مساحة مليئة “بأماكن الجلوس والوقوف والدردشة، كما شمل ذلك أيضًا مقعدًا بجوار النافذة مصممًا خصيصًا للنساء الحوامل للراحة فيه”.

في جنوب إفريقيا، تستفيد الشركات المملوكة لمهندسات معماريات من السوداوات من برنامج حكومي يسمى التمكين الاقتصادي للسود (أو BEE، كما هو معروف لدى معظم مواطني جنوب إفريقيا)، والذي يسجل الشركات على أساس التنوع، لا سيما عندما يتعلق الأمر بعرق قيادتها أو جنسهم. وتساعد تقييمات البرنامج العالية الشركات على الفوز بالعقود الحكومية.

ولكن داخل المهنة نفسها، يقول الكثيرون إنه لم يبذل ما يكفي من الجهد لتوظيف أو الإبقاء على المهندسات المعماريات السوداوات.

فمن جانبها، تقول “تشينيني تشوكوكا”، وهي خريجة حديثة من كلية الهندسة المعمارية بجامعة كيب تاون: “تجد نفسك جالسًا في فصول يخبرك فيها أساتذتك أنهم يقومون بتنقية المناهج الدراسية والمساحات المبنية من بقايا حقبة الفصل العنصري، ثم يقومون بتكليفنا بمشاريع ذات تكاليف باهظة الثمن، وإذا لم يكن لديك المال فلن تنجح.. وفي لحظة ما، كان عليّ أن أسأل نفسي، من هم الأشخاص الذين انتهى بهم المطاف في قمة مدرسة الهندسة المعمارية؟ هل الأشخاص الأكثر ذكاءً، والذين سيكونون مهندسين معماريين أفضل، أم أولئك الأشخاص ممن يملكون المزيد من الموارد؟ وهل هي مصادفة أن يكون الأشخاص ذوو الموارد الأقل من السود؟”.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا