ناشيونال إنترست| هل تتفوق الهند على الصين في «دبلوماسية اللقاحات»؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

لأسباب واضحة، أصبح التوزيع العالمي للقاحات سمة رئيسية للسياسة الخارجية، لا سيما بالنسبة إلى اثنين من أكبر الاقتصاديات في العالم: الصين والهند. وبينما حققت الصين نجاحًا أوليًّا في تطوير اللقاح وتوزيعه، غير أنها بالتأكيد لم “تنتصر” بعد في هذا السباق، كما أن الهند في وضع مناسب لأخذ مكان جارتها.

إن أكبر مصدر للقلق بالنسبة لاستراتيجية الصين هو جودة لقاحها “ساينوفارم”، والذي وصلت نسبة فاعليته، وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض البرازيلي، إلى نحو 50 بالمائة، مقارنةً مع نسبة 78 بالمائة التي زعمها مطوّروه في البداية. أثناء مؤتمر صحفي يوم السبت، أقرّ “غاو فو” مدير “مركز السيطرة على الأمراض ومكافحتها” بأن اللقاحات لها فاعلية متدنية. إن هذه الحقيقة المخيّبة للآمال، ناهيك عن رفض الصين المتكرر لنشر بيانات المرحلة الثالثة للتجارب، لا تمثل صدمة كبيرة بالنظر إلى المشاكل الداخلية التي لطالما عانت منها صناعة الأدوية الصينية، والتي تعاني من انحراف شديد، مثلها مثل جميع المجالات الخاضعة لرقابة الحزب الشيوعي الصيني؛ بسبب تكليفات الدولة والفساد والرشوة، ما يكون له تداعيات سلبية على المنتجات المعنية.

وفي الفترة بين عامي 2018 و2020، كانت هناك 59 دعوى قضائية خاصة بالفساد متورطة فيها شركات لقاح صينية، و54 دعوى متعلقة برشوة مسئولين محليين. وقد كشف تقرير أخير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، أن شركة “شنزين كانغاتي بيولوجيكال برودكتس”، وهي واحدة من أكبر مصنّعي اللقاحات، متورطة الآن في فضيحة رشوة، بعد أن تمت المواقفة على لقاحاتها وتوزيعها للاستخدام التجاري بوتيرة سريعة مثيرة للشبهات. سُجن مسئول حكومي لكن رئيس الشركة “دو وي مين” – وثروته البالغة 3 مليارات دولار – بقي دون المساس به، ناهيك عن تكريم وسائل الإعلام الحكومية عبر منحه لقب “ملك اللقاحات”.

إن السلطات الصينية ليست معدومة الكفاءة في التعامل مع هذا المستوى من الفساد فحسب – مع ما يسببه هذا من تداعيات خطيرة على سمعة بكين الدولية – لكنها أيضًا متورّطة بشدة فيه، وهذا بالتأكيد يعدّ خبرًا سيئًا لاندفاعاتها المتحمسة لتعزيز مكاسب قوتها الناعمة المتمثلة في المكانة والنوايا الطيبة عبر إهداء لقاحاتها حول العالم.

الأمر غير المفاجئ، هو أن ثقة الشعب الصيني نفسه في برنامج التلقيح لا تزال متدنية، لدرجة أنه بحلول منتصف مارس، أخذ 4.5 شخص فقط من كل 100 شخص اللقاح، من بينهم موظفو القطاع الصحي. وفي محاولة يائسة لزيادة التلقيح، خصصت السلطات في مقاطعة “داكسينغ” 200 مليون يوان في صورة خصومات تسوّق للأشخاص الذي يثبتون تلقيهم للقاح. هناك أيضًا تقارير متزايدة من وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، تفيد بأن شركات وجامعات وإدارات حكومية محلية تشارك في برامج تلقيح إجبارية، حتى للنساء الحوامل؛ ما يتناقض مع التوجيهات الوطنية التي تزعم أن جميع اللقاحات طوعية، وهذا ربما هو السبب وراء الزيادة في نسب التلقيح الواردة في بيانات أخيرة.

إن نهج العصا والجزرة هذا، يتجلّى بوضوح أيضًا في عمليات توزيع اللقاح الصينية في الخارج، ففي بوروندي والفلبين على سبيل المثال، جرى الربط بين شحنات اللقاح وتقديم الصين لقروض ومنح جديدة من أجل مشاريع “الحزام والطريق” المتعثرة في الماضي. لكن الدول الخاضعة لرحمة تحكّم الصين في توزيع اللقاحات، والتي يُصنف أكثر من نصفها على أنها متدنية الدخل، هي بالطبع أكثر من سعيدة للمخاطرة بتلقي لقاحات غير فعالة، لو كان هذا يعني أنها ستكون قادرة على دفع عجلة اقتصادياتها للأمام من جديد. لكن الصين ليست اللاعب الوحيد في هذه اللعبة.

وبالرغم من أن منظمة الصحة العالمية أعطت موافقة مسبقة لتصدير خمسة لقاحات صينية فقط، طوّرت الهند 47 لقاحًا استوفت متطلبات منظمة الصحة العالمية. وبالرغم من أن الهند تساهم بنسبة 20 بالمائة من الإنتاج العالمي للأدوية المكافئة في فترة ما قبل الجائحة، إلا أن مساهمتها الحالية البالغة 60 بالمائة من قدرات الإنتاج العالمي للقاحات (وهي النسبة الأكبر في العالم) هي أمر مذهل للغاية، وبالنظر إلى ميزة الصين النسبية الظاهرية في القطاع الصحي عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية والتمويل. بينما يتفاخر الرئيس الصيني “تشي جين بينغ” بـ “طريق الحرير الصحي”، بات واضحًا أنه منذ منتصف مارس تزيد نيودلهي من سرعة مواكبتها لجارتها الشمالية. في العشرين من يناير الماضي، أعلن رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” مبادرة “صداقة اللقاح” بعد أيام فقط من بدء الهند حملتها للتلقيح في عموم البلاد. قدمت الهند بالفعل نحو 60 مليون جرعة لقاح إلى 72 دولة. من المتوقع أن تلقّح “بوتان”، تلك الدولة الصغيرة لكن الاستراتيجية الواقعة ضمن منطقة النزاع الحدودي بين الهند والصين، جميع مواطنيها بفضل “هدية” الهند المكوّنة من 150 ألف جرعة لقاح من نوع “كوفي شيلد” التي صنعها “معهد الأمصال” في الهند، وقد أعقب هذا شحنة ثانية مكوّنة من 400 ألف لقاح في مارس.

لكن بينما كان دور الصين في سباق اللقاحات مدفوعًا برغبتها في توفير “بديل” للتعاون الغربي، حتى لو انطوى هذا على خطر تصدير لقاح غير فعّال، إلا أن نجاح الهند ناتج عن تعاون مشترك مع حلفاء غربيين وفي المحيط الهادئ. أثناء قمتها الافتتاحية الرقمية في الثاني عشر من مارس، التقت الهند بشركائها فيما يسمى بمبادرة “كواد” – وهي تجمّع غير رسمي يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند – لتسريع قدرات الأخيرة. لقد جرى الاتفاق على أن “كواد” ستوفر مليار جرعة لقاح على الأقل لدول منطقة المحيط الهندي – الهادئ بنهاية عام 2022، كما تعهّدت الولايات المتحدة واليابان وأستراليا بتمويل تصنيع ونقل اللقاحات التي ستنتجها شركة هندية اسمها “بيولوجيكال إي”. بينما تواجه بعض مناطق الهند الآن نقصًا في اللقاحات مع ارتفاع أعداد الإصابات، يتواصل التعاون مع دول مبادرة “كواد” وحلفاء غربيين آخرين لمنح الهند قدرًا من الشرعية والشفافية في مجال الصحة العالمية، وهو ما تفتقد إليه الصين حاليًا.

وبالتالي، ربما لم تحقق الهند بعد نجاحًا في إثبات نفسها بأنها شريك قوي وموثوق فيه في مجال الصحة العالمية، مقارنةً مع الصين التي نجحت في ترسيخ نفسها كـ”بديل” للغرب. وبالرغم من أن انخفاض دخل الفرد في الهند وضعف منشآت الرعاية الصحية كانا عائقًا، إلا أن إنجازها في التحكم في تفشي كوفيد19 نال إشادات من العديد من خبراء الصحة العامة. علاوة على هذا، فإن انفتاح إدارتها النسبي واستعداها العام للتعاون مع صناعة الدواء “الغربية” التي تتسم بالشفافية والصراحة، كل هذا يجعلها شريكًا أكثر جذبًا وأطول مدى من الصين، التي تبدو شحنات لقاحاها العالمية مجرد محاولة متسرعة ويائسة لكسب الشرعية في أعقاب فشلها في وقف انتشار جائحة كوفيد19 العالمية، فضلًا عن أن توزيع هذه اللقاحات يتم مقابل الكثير من الشروط المزعجة.                      

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا