فاينانشيال تايمز | كانت فوضى عارمة.. القصة الحقيقية للهدف من دوري السوبر الأوروبي

مترجمو رؤية

ترجمة – فريق رؤية

تلقى “ناصر الخليفي” مجموعة من المكالمات الهاتفية المحمومة نهاية الأسبوع الماضي. كان رئيس نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم يتعرض للضغط ليشترك في دوري السوبر الأوروبي، وهي بطولة منفصلة، والتي هددت بتحطيم ديناميكيات القوة الخاصة بالرياضة المفضلة عالميًّا.

يقول شخص على اطّلاع بالمكالمات: “لقد كانت فوضى عارمة؛ حيث تحول الضغط من (بحقكم يا رفاق، إنه يحدث) إلى إكراه وتهديدات: (إذا لم تشترك، ستكون بمفردك)”.

كان هذا المشروع المتطرف بقيادة “فلورنتينو بيريز”، الملياردير الإسباني ورئيس نادي ريال مدريد، النادي الأكثر نجاحًا في أوروبا. لقد سعى هو ومؤيدوه إلى الحصول على موافقة طاقم دولي من مالكي الأندية، من ضمنهم نجل قطب صيني في مجال بيع التجزئة، وفرد من النخبة الروسية، وأمير عربي وثلاثة أقطاب أمريكيين في مجال الرياضة. كانت عشرات الأندية ستوقع، مثل مانشستر يونايتد الإنجليزي، وبرشلونة الإسباني ويوفنتوس الإيطالي.

لكن الخليفي، الذي يدير نادي باريس سان جيرمان نيابة عن الدولة القطرية، كان من الممانعين، إلى جانب ناديي بايرن ميونيخ وبوروسيا دورتموند الألمانيين. لقد أخبر فاينانشيال تايمز: “ينبغي أن تُبنى كرة القدم على المشاركة، وليس على التمرد”.

إن الفشل في الانتباه لذلك الشعور سيؤدي إلى انهيار المشروع في غضون 48 ساعة فقط، والذي تفكك وسط احتجاجات جماهيرية ضخمة، وكوارث في الاتصالات وغضب سياسي.

وبالفعل، كشفت الضجة عن تناقض في قلب كرة القدم الحديثة. إن اللعبة الأوروبية هي تجارة عالمية بمليارات الدولارات، وهي تجذب أفضل اللاعبين من أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية ويشاهدها بشوق مشاهدون من آسيا إلى أمريكا الشمالية، غير أن الأندية في صميم المشروع مربوطة بالمدن والمجتمعات التي نشأت فيها.

دوري السوبر، الذي ضمنت فرق النخبة مكانها فيه، سعى لتدمير النظام “الهرمي” للرياضة. هذا الهيكل يعني أن أي فريق، من خلال الأداء القوي على أرض الملعب، يستطيع أن يصل إلى أعلى الجوائز. لقد بُشّر ملايين المشجعين الشغوفين بتحقيق المجد في كرة القدم.

تعرض مالكو أندية دوري السوبر للضغط، ووقّعوا على عقود للانضمام إلى بطولة كانت ترتكز على صفقة ديون بقيمة 3.25 مليار يورو بضمان جيه بي مورجان. وجرى إطلاق موقع إلكتروني خاطف للبصر. ووصلت البيانات الصحفية إلى وسائل الإعلام العالمية يوم الأحد في الساعة 11.10 مساءً بتوقيت المملكة المتحدة.

يقول مستشار أحد الأندية: “لقد تحمسوا بشدة للأموال وفكرة أن يصبحوا مبدلّين للعبة. لم يفكروا في التوقف”. لو كانوا توقفوا لاستطلاع الآراء، ربما كان سيقيّم مالكو الأندية الأثرياء معارضيهم بطريقة أفضل: المشجعين، واللاعبين، والمدربين والمعلقين الذين يعتقدون أن اللعبة تنتمي إليهم.

تضامن أم انفصال؟

إن دوري السوبر الأوروبي فكرة قديمة. في التسعينيات، تمادت مجموعة من الأندية بقيادة سيلفيو بيرلسكوني، رئيس الوزراء الإيطالي السابق ومالك نادي إيه سي ميلان، لدرجة تعيين مستشارين – من ضمنهم جيه بي مورجان – لتطوير الفكرة. في ذلك الحين، اعتقدت أندية النخبة أنها يمكن أن تكسب ما يصل إلى 20 مليون دولار في الموسم عن طريق اللعب في مسابقة قارية يضمنون أماكنهم بها.

وأعاد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، الهيئة الحاكمة لكرة القدم الأوروبية، تسمية كأس أوروبا، البطولة التي يلعب فيها بطل الدوري لكل دولة بنظام خروج المغلوب، إلى دوري أبطال أوروبا، وهي بطولة أوسع تشمل المزيد من أفضل فرق القارة. مع هذا كان لا يزال على الأندية أن تتأهل عن طريق تقديم أداء جيد في الدوريات المحلية.

نما جمهور التليفزيون للبطولة الأوروبية بعد تجديدها حول العالم. وجرى توقيع صفقات بث بقيمة مليارات اليوروهات، وأصبح أفضل اللاعبين، مثل كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي، نجومًا عالميين. حقق أغنى 20 ناديًا في الرياضة عائدات بقيمة 8.2 مليار يورو في الموسم الماضي، مرتفعة من 3.9 مليار يورو منذ عقد، بحسب ديلويت.

إلا أن بيريز، الذي قاد ريال مدريد إلى خمسة انتصارات بدوري الأبطال، أراد نموًّا أكبر للعائدات. لقد بدأ في طرح خطة دوري السوبر للمستثمرين المحتملين، مثل شركة الأسهم الخاصة سي في سي كابيتال بارتنرز، منذ عامين. 

وبحسب وثائق مسرّبة تأكدت منها صحيفة فاينانشال تايمز، صاغ مسئولون من شركتين دوليتين للمحاماة هما “كليفارد تشانس” و”لاثام أند ويتكين” ورقة شروط مفصّلة، وجرى تداولها في مطلع نوفمبر من العام الماضي. يهدف دوري السوبر أن يحل محل دوري الأبطال، حيث تقاسم 32 فريقًا مليارَيْ جنيه إسترليني في الموسم الماضي، وسيتلقى خمسة عشر عضوًا مؤسسًا في هذا الدوري المكوّن من 20 فريقًا مكافأة انضمام تتراوح قيمتها بين 200 إلى 300 مليون جنيه إسترليني لكل واحد منهم، بالإضافة إلى جزء من 4 مليارات جنيه ستأتي في شكل عوائد متوقعة من حقوق البث والرعاية.

انضمت بعض الأندية لتعويض العجز الهائل في عوائدها، والبالغ مجموعه 800 مليون جنيه إسترليني لدى أندية دوري السوبر، والناتج عن فقدان هذه الأندية لتذاكر الجماهير بسبب الجائحة. سيؤدي هذا الربح المفاجئ لتعزيز استقرار أندية مثقلة بالديون، مثل ريال مدريد وبرشلونة وإنتر ميلانو، والتي أنفقت في السنوات الماضية أموالًا طائلة على لاعبين للحصول على الكأس الفضي.

وقال بيريز في مقابلة مع تلفزيون إسبانيا: “هذا ليس دوريًّا للأندية الغنية، هو دوري لإنقاذ كرة القدم”. وألمح “بيريز” إلى أن الأموال ستصل في النهاية وذلك عبر تقديم رسوم تضامن إلى الفرق الأصغر في مسابقات أخرى.

لكن دوري السوبر ذهب إلى ما هو أبعد من الاعتبارات قصيرة الأمد. فهم يناقشون بالتفصيل اتفاقيات دقيقة لتقاسم الأرباح وقيود الإنفاق على اللاعبين للسنوات الثلاثة والعشرين المقبلة، وهي إجراءات تضمن تحقيق أرباح منتظمة بصرف النظر عن أداء الفرق على الملعب.

إن هذا المخطّط يشبه كثيرًا الدوريات الرياضية الأمريكية “المغلقة”، مثل دوري كرة القدم الوطني الأمريكي أو الاتحاد الوطني لكرة السلة الأمريكي. في الولايات المتحدة، تعقد شركات لها حقوق امتياز اتفاقيات تجارية، وتستخدم اتفاقيات المفاوضة الجماعية مع اللاعبين، إلى جانب إجراءات أخرى، بهدف إتاحة فرص متساوية. لقد أثبت هذا النموذج أنه مربح بالنسبة للمليارديرات الأمريكيين المالكين لأندية ليفربول ومانشستر يونايتد وأرسنال، كما يمتلك هؤلاء المليارديرات أيضًا أندية رياضية أمريكية.        

إن كانت خطة دوري السوبر قد جرى تشكيلها بدقة شديدة لسنوات، فقد أصبحت الحاجة للانضمام متسرعة بصورة مفاجئة. في يوم الاثنين، كان من المقرر أن يتفق “الاتحاد الأوروبي لكرة القدم” (يويفا) على صيغة جديدة وجذرية لدوري الأبطال بداية من العام 2024، تضم 100 مباراة إضافية.

يقول مسئول تنفيذي شارك في المحادثات: “الموقف الصعب حدث في نهاية الأسبوع الماضي.. كان ذلك مشروع خوف”، وأضاف: “لقد قيل لنا: إن لم تشاركوا، ستُتركون وحدكم على جزيرة تغرق”.

لقد تعرضت خطة دوري السوبر لهجوم كبير حتى قبل إعلانها رسميًّا؛ حيث قال “جاري نيفيل” اللاعب السابق في مانشستر يونايتد والذي يعمل الآن معلقًا رياضيًّا في محطة “سكاي” بعد تسرّب أخبار بشأن الدوري الموازي مساء يوم الأحد: “هذا أمر مشين تمامًا”. وأضاف: “مالكو الأندية ليس لهم علاقة بكرة القدم في هذه البلاد. هناك تاريخ من مئات السنين في هذا البلد لمشجعين أحبوا هذه الأندية، وهم في حاجة للحماية”.

يقول مسئول تنفيذي مشارك في محادثات دوري السوبر: إن تصريحات “نيفيل” النارية على الهواء، انتشرت انتشارًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت بمثابة “نقطة تحول”. اتحدت روابط المشجعين واللاعبين والمدربين والنوادي المنافسة في انتقادها لدوري السوبر الموازي. وصدرت إدانات رسمية من حكومات من بينها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان.

جاء الهجوم الأقوى من “إليكساندر سيفرين”، رئيس الاتحاد الأوربي لكرة القدم؛ إذ صرّح يوم الاثنين قائلًا: “إن هذه الاقتراحات التي رأيناها في الساعات الأربعة والعشرين الماضية مشينة وأنانية”.

لقد ظن مسؤولو دوري السوبر أن هناك طرقًا قانونية قليلة متاحة لمنع المشروع. كانت الفرق المتمردة تأمل في التفاوض للوصول لتسوية مع كيانات مثل “الفيفا”، الاتحاد الدولي لكرة القدم، الذي يملك سلطة فرض عقوبات مثل منع اللاعبين المشاركين في دوري السوبر من مسابقات تخوضها فرق بلادهم، مثل كأس العالم.

وبحسب وثائق مسربة، تعهّد دوري السوبر بإرسال 12 فريقًا إلى “كأس العالم للأندية” الموسّع، وهو مشروع مفضل لرئيس الفيفا “جياني إنفانتينو”. وقال شخص مشارك في المحادثات إن “ذلك كان بمثابة رشوة للفيفا للحصول على موافقتها”. لكن في يوم الاثنين، قال “إنفانتينو” إنه “يعارض بقوة” ما وصفة بـ “المتجر المغلق”.  

كان رئيس وزراء المملكة المتحدة “بوريس جونسون” هو الورقة الرابحة الحقيقية، وسرعان ما عقد اجتماعات مع جماعات تأييد بريطانية ثم هدد بإلقاء “قنبلة تشريعية” على الأندية الإنجليزية التي انضمت، حيث أخبر مسئول في داونينج ستريت أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في كرة القدم الأوروبية أن القضية كانت “هبة من السماء”، حيث يبدو أنه لا يوجد جانب سلبي سياسي من معارضة ذلك.

وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان تهديد جونسون صحيحًا. ففي حين أوضحت المفوضية الأوروبية بسرعة أنها لن تتدخل، بدأ مسئولو النادي الإنجليزي في القلق بشأن ما إذا كانت حكومة المملكة المتحدة ستتحرك لتطبيق قيود تأشيرة أكثر صرامة على التعاقد مع اللاعبين الأجانب أو استهدافهم بضرائب عقابية.

وتجمّع المئات من مشجعي تشيلسي خارج ملعبهم في ستامفورد بريدج مساء الثلاثاء قبل المباراة احتجاجًا على هذا الموقف. وكُتب على إحدى اللافتات: “نريد ليالينا الباردة في ستوك”، في إشارة إلى ما يُنظر إليه على أنها إحدى المباريات الأقل بريقًا في الرياضة الإنجليزية. يقول أحد أعضاء نادي الدوري الإنجليزي الممتاز: “احتج المشجعون على حقهم في الخسارة”.

وفي غضون ساعات، انطلقت الهتافات لأنها ساعدت في تحقيق نصر ثمين، إذ أعلن تشيلسي، إلى جانب أندية الدوري الإنجليزي الخمسة الأخرى، أنهم سيتخلون عن المشروع، وأصدر كل منهم اعتذارات قاسية. وفي اليوم التالي، قالت أندية “أتلتيكو مدريد” و”إنترميلان” و”ميلان “إنها ستنسحب أيضًا. فيما أعلن يوفنتوس أن الدوري الممتاز لا يمكن أن يستمر.

 من جانبه، قال بيريز، للإذاعة الإسبانية: “[انسحبت الفرق] لأنها رأت الأجواء غائمة.. الاتحاد الأوروبي لكرة القدم حوّل السوبر إلى عرض..  كان الأمر كما لو أن قنبلة ذرية قد أسقطت”.

منطقة جديدة

في التداعيات، تناقلت قائمتا المرمى بين سماسرة نفوذ كرة القدم. ومن ضمن الأشخاص الذين يفقدون نفوذهم يأتي “أندريا أنيلي”، سليل أسرة الملياردير الإيطالي التي تمتلك يوفنتوس، نادي كرة القدم الأكثر هيمنة في إيطاليا. والذي شغل أيضًا منصبًا قويًّا كرئيس لاتحاد الأندية الأوروبية الذي يمثل مصالح أكثر من مائتي نادٍ.

وخلال العام الماضي، قاد أنيلي المفاوضات بشأن مشروع مشترك لتقاسم السيطرة على دوري أبطال أوروبا بين رابطة الأندية الأوروبية والاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وهي الاتفاقية التي ستمنح أندية النخبة حق النقض على عقود حقوق وسائل الإعلام وإمكانية بيع حصة في المنافسة لشركات الأسهم الخاصة، وهذه الإجراءات تمثل الكثير مما تريده أندية النخبة، غير أنها لا تضمن مكانها في المنافسة.

كرة المال

32هو عدد الفرق في الشكل الحالي لدوري أبطال أوروبا
2 مليار يوروالإيرادات التي تتقاسمها الفرق فيما بينها
20عدد الفرق المقترح في الدوري الممتاز: 15 ناديًا مؤسسًا وخمسة من التصفيات السنوية
4 مليارات يورويتم تقسيم الإيرادات المقترحة بينها، بالإضافة إلى هدية “ترحيب ذهبي” تصل إلى 300 مليون يورو للمؤسسين.

وبدلاً من متابعة المشروع المشترك، استقال أنيلي من منصبه في رابطة الأندية الأوروبية والاتحاد الأوروبي لكرة القدم للانضمام إلى الدوري الممتاز. وقال تشيفرين: “لم أر أبدًا شخصًا ما يُصرُّ على الكذب مرات عديدة هكذا [كما فعل أنيلي]”. فيما رفض ممثل عن الأخير التعليق!

وحلَّ الخليفي، من باريس سان جيرمان، مكان الإيطالي أنيلي رئيسًا لرابطة الأندية الأوروبية، وهو صعود غير متوقع لرجل كان يحتقر في السابق لأنه ممثل لأثرياء كرة القدم الجدد، والآن يُشاد به كمدافع عن المثل العليا لكرة القدم الأوروبية. وفي غضون ذلك، أعلن “إد وودوارد”، نائب الرئيس التنفيذي لنادي مانشستر يونايتد، وهو أحد مهندسي الدوري الممتاز، استقالته وأنه سيغادر في نهاية العام.

إن مجرد العودة إلى الوضع الراهن سيكون صعبًا، فقد وقّعت أندية الدوري الممتاز اتفاقيات ملزمة، على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح ما الالتزامات التي تواجهها للانسحاب. تدرس إدارات المنافسات الوطنية مثل الدوري الإنجليزي الممتاز قواعد جديدة لضمان عدم حدوث أي انفصال في المستقبل؛ فيما أطلقت حكومة المملكة المتحدة مراجعة لحوكمة كرة القدم، ولم يستبعد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم فرض عقوبات على المتمردين. ومع ذلك لا تزال الأزمة المالية تستعر في جميع الأندية الأوربية.

وقال بيريز: “إننا نبحث عن طرق لإنجاز لحل الأزمة”، ولكن يبدو أن زملاءه اللاعبين أطلقوا صافرة نهاية الدوري الممتاز.

لمطالعة رابط المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا