فورين أفيرز | الدفع نحو الهاوية.. كيف تقوم إسرائيل وإيران بتوريط الولايات المتحدة في صراع جديد؟

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

لم تصل إسرائيل وإيران بعد إلى شفا تصعيد كبير أو حرب، والتقدم المستمر في المحادثات النووية الإيرانية في فيينا سيَحول على الأرجح دون وقوع أي منهما، إذا حسبت إسرائيل أن محاولة تقويض الاتفاق سوف تنتزع ثمنًا باهظًا في علاقاتها مع واشنطن. لكن العوامل التي قد تؤدي إلى انفجار كبير تصطف الآن بطريقة مخيفة.

كان انفجار 11 أبريل في منشأة نطنز النووية – الذي يُفترض أنه من تنفيذ إسرائيل – تطورًا هائلًا في حرب الظلال على برنامج إيران النووي. وردًا على الهجوم، رفعت إيران قدرة التخصيب، حيث سقط صاروخ سوري شارد بالقرب من ديمونة في إسرائيل يوم 22 أبريل، وردت إسرائيل بضرب موقع الإطلاق في سوريا، وتخاطر سلسلة الأحداث هذه بالتصعيد إلى صراع مفتوح، حتى دون قصد.

وقد أعربت إدارة بايدن، المنشغلة بسياسة التعافي الداخلي، عن نيتها لإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 لكنها تبدو وأنها ليست في عجلة من أمرها لفعل ذلك. إلا أنه من دون الدبلوماسية الأمريكية المكثفة التي تهدف لكبح كل من إسرائيل وإيران، قد تجد الإدارة نفسها مسحوبة إلى صراع لا تريده ولا تحتاجه وهذا يقوّض أولوياتها الحقيقية في الداخل.

إحباط إيراني

في إحاطة للكونجرس يوم 14 أبريل، حددت مديرة المخابرات الوطنية أفريل هاينز إيران كواحدة من أبرز أربعة تهديدات تواجه الولايات المتحدة. وذكرت: “نحن نتوقع أن تقوم إيران بمجازفات قد تصعّد التوترات وتهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في السنوات المقبلة”. ينشأ هذا التقييم جزئيًّا من إحباط إيران في الداخل والخارج. لقد دمرت العقوبات الاقتصاد الإيراني؛ وحالات كوفيد-19 ترتفع؛ ومواقف إيران المتطرفة – مثل المطالبة بإلغاء كل العقوبات الأمريكية، حتى تلك المتسقة مع الاتفاق النووي، بينما ترفض التعامل بشكل مباشر مع واشنطن – جعلت رفع العقوبات بعيد المنال في الوقت الراهن.

وحتى اليوم، كانت طهران متجنبة للمخاطر في ردها على الضربات الأمريكية والإسرائيلية، مثل اغتيال عالم إيراني بارز وتخريب المواقع النووية الإيرانية. لكن ذلك الموقف قد يتغير. وبدافع الإحباط من عدم رفع العقوبات والارتباك من السهولة التي اخترقت بها إسرائيل أمنها الداخلي، ربما تصبح إيران أكثر استعدادًا للمخاطرة – مثلما كانت في 1996، عندما هاجمت منشأة عسكرية أمريكية في السعودية، وفي خريف 2019، عندما ضربت منشآت نفط سعودية.

إن قرار إيران بالبدء في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% دليل واضح على أن الدولة تمتلك القدرة على الوصول إلى نسبة 90%، الصالحة لصنع الأسلحة، بسرعة نسبيًّا، ولا شك أن حقيقة وجود هذه القدرة تشير إلى أن طهران تستطيع بناء قنبلة على الفور أو حتى اتخذت القرار لفعل هذا. لكن إذا فشلت المفاوضات، سوف تستمر إيران في المضي قدمًا في الطاردات المركزية المتقدمة لتكوين ما يكفي من المواد الانشطارية اللازمة لصناعة سلاح نووي، فيما أصدرت الحكومة الإسرائيلية تحذيرات قوية من أن العودة إلى الاتفاق النووي دون تغييرات لن تكون مقبولة. وإذا عادت الولايات المتحدة وإيران إلى الامتثال في ظل هذه الظروف، ربما تزيد احتمالية التصعيد. عاجلًا أم آجلًا، من المرجح أن تستخدم إسرائيل القوة العسكرية لمحاولة منع إيران من تسليح اليورانيوم المخصب – وستُجر الولايات المتحدة إلى الصراع.

حسابات بائسة

تعكس أعمال إسرائيل المتصاعدة ضد إيران المخاوف الأمنية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدم الثقة المتزايد في الولايات المتحدة. لا يعتقد نتنياهو أن الولايات المتحدة مسئولة بشكل كامل عن التهديدات التي يفرضها برنامج إيران النووي، وقدراتها الصاروخية، ودعمها للإرهاب على إسرائيل. من وجهة نظره، ينبغي أن تُمنح العقوبات الصارمة التي فرضتها إدارة ترامب على إيران عند انسحابها من الاتفاقية المزيد من الوقت لكي تشكل اقتصاد إيران وقراراتها السياسية. لكن إذا انضمت الولايات المتحدة مجددًا إلى الاتفاقية النووية دون تعديلها لكي تخاطب برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني أو أنشطة إيران في المنطقة، سوف تجد إسرائيل نفسها في موقف لا يمكن تحمله.

نتنياهو لديه أسباب ليكون واثقًا في قدرة بلاده على التعامل مع الأمور. على عكس الحال منذ عدة سنوات، يحظى رئيس الوزراء الآن بدعم رئيس هيئة أركان الجيش المتشدد، الفريق أفيف كوخافي. إن القدرات العسكرية لإسرائيل مقابل إيران متطورة أكثر بكثير مما كانت عليه منذ بضع سنوات، فقد أمّنت إسرائيل مسارات طيران فوق السعودية ودول خليجية أخرى وطلبت ناقلات نفط محسنة من الولايات المتحدة، وهذا يحسن قدرة القوات الجوية الإسرائيلية على القيام بطلعات جوية متكررة ضد أهداف داخل إيران. وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك إسرائيل الآن إمكانية الوصول إلى قواعد في الإمارات العربية المتحدة والتي تستطيع من خلالها إجراء استطلاع أو غارات ضد إيران، عبر الخليج العربي.

وعلاوة على هذا، ربما يكون التصعيد مع إيران جذابًا لنتنياهو في الوقت الذي يواجه فيه مشكلات داخلية، مثل إتهامات الفساد والمأزق السياسي. إن رئيس الوزراء الإسرائيلي مسئول أكثر من أن يقود بلاده إلى حرب فقط لكي يهرب من مشاكله القانونية. لكنه سيستفيد، حيث إن الشعب الإسرائيلي لن يرغب في أن يثقل على رئيس وزراء فترة الحرب بمحاكمة، والتي من المرجح أن تتأجل، وحيث إن الخصوم السياسيين سيُجبرون على الاحتشاد حوله في ائتلاف وحدة وطنية.

أمريكا تتدخل

لا توجد خيارات سهلة أمام الولايات المتحدة لكي تصرف نتنياهو عن مسار التصعيد الذي يسلكه. يعتقد نتنياهو أنه يعرف كيف يتعامل مع واشنطن. إنه يحظى بقدر كبير من الدعم داخل الحزب الجمهوري وبين الكثير من الديمقراطيين؛ ولقد حسب أيضًا أن إدارة بايدن لن تريد المخاطرة بأجندتها التشريعية الداخلية عبر الدخول في نزاع علني مع إسرائيل.

في الواقع، السياسة الأمريكية الوحيدة التي قد تردع نتنياهو عن المسار المؤدي إلى الحرب هي الرفض الحازم والدبلوماسية القوية. سيتعين على واشنطن أن تجعل نتنياهو يفهم أن المزيد من التصعيد مع إيران سيضر بالعلاقات الأمريكية – الإسرائيلية وأن الإدارة لن تتراجع في وجه الضغط السياسي الداخلي. وفي الوقت نفسه، ستحتاج الإدارة للضغط على الموقعين الآخرين على الاتفاق النووي لكي يخبروا إيران أن أفعالها استفزازية، وأن بعض مواقفها في محادثات فيينا غير منطقية، وأن الوقت ينفد للعودة إلى الامتثال الكامل.

الشراكة في مفترق طرق

استقرت إسرائيل وإيران مؤقتًا على صراع منخفض المستوى ومحسوب بعناية. في ظل هذه الظروف، يتخذ البرنامج النووي الإيراني خطوتين للأمام ويدفعه الإسرائيليون خطوة للوراء. ومن دون كبح لسياستها، من المرجح أن تواصل إسرائيل الاغتيالات، والهجمات السيبرانية، والتفجيرات لكي تقيّد البرنامج الإيراني، وتحبط الجهود الأمريكية لإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي، وتثني السلطات الإيرانية عن العودة إلى الامتثال. وسوف تواصل إسرائيل أيضًا رفع قدرتها العسكرية.

بطريقة أو بأخرى، التصعيد سيسحب الولايات المتحدة إلى حرب لم تسعَ إليها، في مكان وزمان لم تختارهما. يجب أن تتخذ إدارة بايدن القرار، ويمكنها المراهنة على أن الاستقرار الهش سيستمر حتى تكتمل أجندتها التشريعية، وفي هذه الحالة لن تحتاج للتدخل. أو يمكنها التدخل الآن، على فرض أن العواقب قريبة المدى للمواجهة السياسية مع إسرائيل ودبلوماسية استعراض العضلات مع إيران يمكن إدارتها أكثر من عواقب الحرب خلال العامين المقبلين.

هذا الأسبوع، سيزور بعض المسئولين الأمنيين الإسرائيليين رفيعي المستوى – مستشار الأمن القومي ومدير المخابرات العسكرية، إلى جانب رئيس الموساد – سيزورون واشنطن لعقد محادثات مكثفة حول إيران على خلفية المخاوف الإسرائيلية من أن واشنطن لا تُظهر الاهتمام الكافي بوجهات النظر الإسرائيلية. إلا أنه، وفقًا لتقارير صحفية إسرائيلية، تلقى المسئولون الإسرائيليون توجيهات بعدم التحدث عن تفاصيل المفاوضات الحالية في فيينا حول الاتفاق النووي.

تعمل الحكومة الإسرائيلية، باتباع استراتيجيتها الخاصة، على مصالح متضاربة مع الإدارة الأمريكية التي ترى أهدافها ضرورية للترابط الداخلي والاستقرار الشرق أوسطي. إن حملة نتنياهو الحالية تطيل أمد معارك رئيس الوزراء الإسرائيلي مع الرؤساء الديمقراطيين وتقوض التعاون الذي يميز تحالف الدولتين القائم منذ زمن طويل، ولعل المصالح الأمريكية والإسرائيلية غير متوافقة.

من المؤكد أن رئيس وزراء إسرائيل لديه واجب الحفاظ على أمن بلاده؛ لكن كذلك أيضًا الرئيس الأمريكي. في مد وجزر العلاقات الدولية، اللحظات المحورية ليست واضحة دائمًا – لكن الأزمة التي يُعجّل بها تحدي الحكومة الإسرائيلية المفتوح للولايات المتحدة تبدو واحدة من تلك اللحظات.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا