ناشيونال إنترست | لماذا تأتي استراتيجية السلطة الفلسطينية بنتائج عكسية؟

آية سيد

ترجمة: آية سيد

قال وينستون تشرشل: “يحمل القدر خسائر رهيبة لمن يراهنون على الثوابت”. وباختيار إقامة انتخابات وطنية للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، تجازف السلطة الفلسطينية، لكن قرارها – الذي يُعدّ جزءًا من استراتيجية مجددة لنيل استحسان الإدارة الجديدة في واشنطن – يأتي بنتائج عكسية بالفعل.

في 15 يناير 2021، أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن السلطة ستعقد انتخابات برلمانية ورئاسية. ستحدث الأولى في مايو والأخيرة في يوليو، لم تعقد السلطة الفلسطينية، التي تحكم أغلبية الفلسطينيين، انتخابات منذ خمسة عشر عامًا.

في آخر مرة عقدت السلطة انتخابات انتهت بكارثة. حماس، الجماعة التي تدعو لتدمير إسرائيل وأدرجتها الولايات المتحدة كجماعة إرهابية، ربحت الانتخابات البرلمانية التي عُقدت في يناير 2006. وفتح، الحركة التي تهيمن على السلطة الفلسطينية ويقودها عباس، رفضت الاعتراف بالنتائج، ما أشعل حربًا أهلية قصيرة ودموية، والتي أدت إلى سيطرة حماس على قطاع غزة. شهدت السنوات منذ ذلك الحين عدة “حروب صغيرة” بين حماس وإسرائيل، والتي أثارها إطلاق الصواريخ العشوائي وعمليات الاختطاف التي ينفذها التنظيم الإرهابي.

أدت الانتخابات وما أعقبها أيضًا إلى تقسيم الحركة الوطنية الفلسطينية، حيث تحكم السلطة الفلسطينية بقيادة فتح الضفة الغربية وتهيمن حماس على قطاع غزة. وفي حين أنهما خصمان لدودان، فإن فتح العلمانية وحماس الإسلاموية لديهما الكثير من القواسم المشتركة. لقد رفضت كلتاهما، سواء ضمنيًّا أو صراحةً، الاعتراف بدولة إسرائيل اليهودية، وكلتاهما دعم، بطريقة أو بأخرى، الهجمات الإرهابية، وأقامتا دولة بوليسية قمعية، حيث تؤدي المعارضة إلى السجن أو ما هو أسوأ من ذلك.

في الواقع، بعد الانتخابات والحرب الأهلية اللاحقة، حل عباس الحكومة وأعلن حالة الطوارئ، وحمّل حماس مسئولية وضع “خطة لفصل غزة عن الضفة الغربية ولإقامة إمارة، أو دولة صغيرة من المتطرفين والمتعصبين الدينيين”.

لكن كارثة 2006 كانت، إلى حد كبير، خطأ عباس. مثلما لاحظ كاتبا سيرته الذاتية “أمير تيبون” و”جرانت رملي”، فشل عباس في تقدير أن “فتح كانت منقسمة بالكامل على المستوى المحلي … بينما ترشح مرشحو حماس تحت راية واحدة، أظهرت فتح تفككًا كارثيًّا عبر وجود قوائم منشقة في عدة مخيمات ومدن وقرى”. هذا، إلى جانب سُمعة فتح المعروفة بالفساد، أدى إلى خسارتها، بالإضافة إلى هذا، انسحاب إسرائيل من جانب واحد في 2005 من غزة “عزّز رواية حماس بأن مسار “المقاومة” العنيفة أثمر عن نتائج ملموسة أكثر من مسار فتح الموالي للمفاوضات”.

كان عدة مسئولين إسرائيليين قد حذروا نظراءهم الأمريكيين من أنه لا ينبغي السماح لحماس بالمشاركة في الانتخابات، وذكروا أن اتفاقية أوسلو الثانية تحظر المشاركة السياسية للجماعات التي “تؤيد العنصرية” و”تسعى لتطبيق أهدافها بطرق غير قانونية أو غير ديمقراطية”. وفي ظل ظهور مخاوف من زيادة قوة حماس، اقترحت بعض الأصوات تأجيل الانتخابات.

لكن مثلما سرد إليوت أبرامز، الذي كان يخدم حينها نائبًا لمستشار الأمن القومي لشئون الشرق الأوسط، في كتابه Tested by Zion عام 2013، بعض المسئولين الأمريكيين رفضوا، مجادلين بأن منع مشاركة حماس “سيثبت أن كل الكلام الأمريكي المعسول” عن دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط “كان كاذبًا”. وفتح نفسها جادلت بأن إقصاء حماس سينزع الشرعية عن النصر الانتخابي الذي كانت متأكدة أنه من نصيبها.

لم تشهد السنوات اللاحقة عدة حروب بين إسرائيل وحماس فحسب؛ بل شهدت أيضًا نسخة من عباس أكثر استبداديةً وتمردًا؛ حيث تعامل عباس، البالغ من العمر خمسة وثمانين عامًا، والذي يزداد استبدادية، مع الخسارة بسجن وتعذيب الخصوم والنقاد السياسيين. لم يجتمع المجلس التشريعي لفتح منذ أكثر من عِقد، ونفى عباس المنافسين المحتملين، مثل محمد دحلان.

ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه!

كان إعلان السلطة الفلسطينية عن أنها ستعقد انتخابات “من شبه المؤكد” ناجمًا عن فوز جو بايدن وكون عباس “في أمسِّ الحاجة لإيجاد طريقة للوصول إلى نِعم البيت الأبيض الجديد”، مثلما لاحظ عمر عبد الرحمن، المحلل في معهد بروكنجز. شهدت سنوات ترامب تدهورًا في العلاقات، مدفوعًا جزئيًّا بتطبيق الولايات المتحدة لقانون سفارة القدس لعام 1995 وقطع المساعدات لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (أونروا)، وهي منظمة تدعي مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، لكن وُجد أن موظفيها يمدحون أدولف هتلر ويشجعون العنف ضد اليهود.

انتقدت أيضًا إدارة ترامب بشدة قيادة فتح ورفض السلطة الفلسطينية المشاركة في مفاوضات ثنائية مع إسرائيل. وردًّا على هذا، استدعت السلطة الفلسطينية بعثتها في الولايات المتحدة في ديسمبر 2017. ورفض عباس لاحقًّا الرد على مكالمات هاتفية من وزير الخارجية حينها “مايك بومبيو” وهدد بتمزيق الاتفاقيات الأمنية مع كلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة، وهي ليست أول مرة يهدد بذلك.

لكن الاستراتيجية الجديدة للسلطة الفلسطينية تنهار بالفعل.

ومثلما وثّق الصحفي خالد أبو طعمة، كان عباس منخرطًا في حملة قمعية ضخمة قبيل الانتخابات. على سبيل المثال، في 19 أبريل 2021، أخبر فادي السلامين، المعلق الفلسطيني – الأمريكي وناقد عباس، أخبر جيروزاليم بوست أن كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح أرسلت له تهديدات بالقتل. وفي فبراير، ورد أن السلطة الفلسطينية احتجزت واعتدت على محمود الكعبي، أحد مؤيدي مروان البرغوثي، خصم عباس، وورد أيضًا أن بعض مؤيدي حماس في الضفة الغربية تعرضوا للتعذيب.

لم ترد تقارير كافية عن هذه الانتهاكات في المنافذ الصحفية الغربية، والكثير من جماعات حقوق الإنسان، على الرغم من الكشف الأخير عن أن عملاء مخابرات تابعين للسلطة الفلسطينية كانوا يتجسسون على “صحفيين ونشطاء حقوقيين وخصوم سياسيين”، مثلما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير بتاريخ 22 أبريل.

غير أن إجراءات السلطة الفلسطينية تبدو وأنها تضيع هباءً! حيث يبدو بصورة متزايدة أنه إذا عُقدت الانتخابات، سوف تخسر قوى عباس الذي لا يحظى بشعبية. لقد حذر الخصوم، مثل دحلان وحماس، رئيس السلطة الفلسطينية من الخوف وإلغاء الانتخابات. وفي محاولة لإخراج نفسه من الموقف الذي صنعه، اتجه عباس إلى تكتيك مفضل: إلقاء اللوم على إسرائيل.

قالت السلطة الفلسطينية إنها ربما تؤجل أو تلغي انتخابات 22 مايو إذا لم تسمح إسرائيل بصناديق الاقتراع في القدس الشرقية. لكن كما ذكرت الصحفية لاهاف هاركوف، لقد كانت “السلطة الفلسطينية، وليست إسرائيل، هي من منعت سكان القدس من التصويت الغيابي. هذا شيء كانوا يستطيعون فعله من دون توريط إسرائيل على الإطلاق”.

وفي الأخير؛ وسواء عُقدت الانتخابات أم لا، يبدو من المؤكد أن رهان عباس قد فشل بالفعل، ومرة أخرى، سيقع اللوم عليه بشكل كبير.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا