فورين بوليسي| لماذا فشلت حرب أمريكا على الإرهاب في هزيمة جماعة بوكو حرام؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

في أبريل عام 2014، كان إمبراطور الهيب هوب “روسيل سيمنز” على متن يخت يبحر في منطقة الكاريبي عندما نشر تغريدة عن الفتيات البالغ عددهن 276 اللاتي تعرّضن للاختطاف على أيدي جماعة بوكو حرام الإرهابية من مدرسة ثانوية في بلدة “تشيبوك” في شمال شرق نيجيريا. أشعل هذا الهاشتاغ الذي نسخه “روسيل” حملة اجتاحت العالم بأكمله. حذا سياسيون ومشاهير حذوه وشاركوا في هذه الحملة سريعة الانتشار تحت عنوان: “أرجعوا إلينا بناتنا”.

كانت هذه ربما المرة الأولى التي يحرّك فيها هاشتاغ واحد تدخلًا عسكريًّا. لكن القدرات العسكرية المجتمعة للدول السبع القوية – الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا وفرنسا واليابان وإسرائيل – فشلت في إنقاذ أي من فتيات المدارس المختطفات، أو هزيمة الجماعة الإرهابية المختبئة في الغابات.

يزعم “جو باركينسون” و”درو هينشو”، المراسلان في صحيفة “وول ستريت جرنال”، في كتابيهما الجديد بعنوان “أرجعوا لنا بنتنا”، أن فشل هذا التدخل العالمي أدّى لحدوث عدد من الأخطاء الفادحة في التقدير. علاوة على هذا، فإن الشهرة التي حققتها حملة وسائل التواصل الاجتماعي أبقت الفتيات في الأسْر لمدة أطول، كما أن انعدام الثقة بين حكومتي الولايات المتحدة ونيجيريا، أجّلت العمل على تقاسم معلومات مهمة.

على سبيل المثال، وجد المؤلفان أن ضربات الجيش النيجيري الجوية بمساعدة طائرات مسيّرة أمريكية، قصفت بالخطأ بعض الفتيات المختطفات؛ ما أدى لمقتل عشرة منهن على الأقل. لم يتم إبلاغ مسؤولين كبار في واشنطن بهذا الحادث، بالرغم من مقطع مصوّر كئيب نشرته “بوكو حرام” على الإنترنت يُظهر الجثث الميتة.

استمع ضباط استخبارات أمريكيون إلى مكالمات جرى اعتراضها كانت بلغة لم يستطيعوا ترجمتها، لكنهم لم يشاركوا هذه المعلومات التي اكتشفوها، بسبب عدم ثقتهم بحكومة “جود لاك جوناثون” النيجيرية. عوضًا عن هذا، نشرت وكالة الأمن القومي إعلانًا غير معتاد للغاية، تبحث فيه عن أمريكيين يتحدثون “الكانوري” وهي لهجة يتم التحدث بها في نيجيريا والمنطقة.

يقول المؤلفان، إنه في مرحلة ما، عندما استطاعت فتاتان الهرب، لم يتمكنا لأن “الشهرة التي كان من المفترض أن تحررهما صعّبت عليهما عملية الهرب”. فالمتعاطفون مع بوكو حرام في القرية الأولى التي مرّت بها الفتاتان، تعرفوا على التلميذتين وسلموهما بسرعة إلى مختطفيهم، ويُعزى هذا في جزء كبير منه إلى شعورهم بالولاء نحو الإرهابيين الذين يوفرون حاجات أساسية للقرويين فشلت السلطات الحكومية في توفيرها لهم عبر التاريخ.

وعندما اقتحم جنود نيجيريون غابة “سامبيسا” الشاسعة، في شمال شرق نيجيريا، كانت فتيات “تشيبوك” تعشن بالفعل بشكل علني في بلدات تسيطر عليها بوكو حرام. وبحلول عام 2017، وجدت واشنطن نفسها منغمسة في حرب فاشلة ضد الإرهاب في المنطقة. زادت وتيرة عمليات التمرد بقيادة بوكو حرام؛ ما تسبب في مشاهد مفزعة لتفجير الكنائس والمساجد، واستخدام الأطفال كمفجرين انتحاريين ضد مجتمعهم، كل هذا بتغطية من وسائل الإعلام العالمية.

إذًا ما الخطأ الذي ارتكبته الحكومات الأجنبية في جهودها الرامية لهزيمة بوكو حرام وإرجاع تلاميذ المدارس إلى أهلهم؟ تبدأ رواية المؤلفان “باركنسون” و”هينشو” للأحداث من البيت الأبيض، مع نشر التغريدة الشهيرة للسيدة الأولى “ميشيل أوباما” بعنوان” “أرجعوا لنا بناتنا”، وما تلا ذلك من تفسيرات فارغة للتطرف وشعور الضحية في أفريقيا.

وكما يخبرنا المؤلفان، فإن العديد من الأشخاص الذين شاركوا في حملة “أرجعوا لنا بناتنا” على وسائل التواصل الاجتماعي، كانوا يعلمون بانتشار 800 جندي أمريكي في النيجر، فضلًا عن جود 300 جندي آخرين في الكاميرون لتدريب عملاء أمنيين محليين، وتوفير مراقبة، وجمع معلومات استخباراتية في المنطقة. لكن العديد منهم كانوا لا يعلمون أن الحكومة النيجيرية تركت خطر بوكو حرام يتفاقم منذ عام 2009.

أدّت البطالة المرتفعة وسط الشباب والفقر وقمع الشرطة الغليظ، لدخول الكثير من الرجال إلى سجون نيجيريا القاسية، أما الذين تمكنوا من تفادي الموت، فتم لفظهم كمجرمين عُتاة عبر دائرة من التعذيب وإساءة المعاملة على أيدي القضاء والشرطة ومسئولي السجن. وعندما شرعت إدارة أوباما في إرسال قوات إلى بلدان محيطة بنيجيريا عام 2014 لجمع معلومات استخباراتية، كانت بوكو حرام تسيطر بالفعل على شبكات بنية تحتية مهمة.

ويوضّح المؤلفان “باركينسون” و”هينشو” جليًّا كيف أن جهود واشنطن الفاشلة، بالإضافة إلى الشهرة الواسعة لعملية الاختطاف، عززت من جرأة بوكو حرام. وبينما كان النيجيريون يحتجون في الشوارع داعين الحكومة لفعل شيء لإنقاذ الفتيات، نشر زعيم بوكو حرام “أبو بكر شيكاو” مقاطع فيديو يهدّد فيها بتزويج الفتيات. وكتب المؤلفان أن “هذا الأمر أجّج الغضب على تويتر”. ويلفت المؤلفان أن وسائل التواصل الاجتماعي روّجت لسردية شهيرة ولكن ضارة عن أطفال أفارقة يطالبون بمُنقذ في هيئة شخص مشهور. وهذا الرأي شبيه برأي الكاتبة النيجيرية “تشيمامندا ناغوزي أديشي” الذي يحذر من تبني “قصة واحدة بشأن إفريقيا” بحيث تصبح روايات إعلامية مكررة بشأن قصة واحدة غير مكتملة عن المنطقة، هي الرواية الوحيدة.

وبينما كان العالم يغرّد بشأن فتيات “تشيبوك”، استولت بوكو حرام على ست قرى إضافية دون أي تغطية خارج نطاق الصحافة النيجيرية. في الواقع، فإن التغطية الإعلامية المبسّطة، كما يزعم المؤلفان، أمدّت بوكو حرام بالمواد اللازمة لبناء سمعتها الإرهابية. فالمقاطع المصوَّرة التي نشرتها الجماعة للفتيات المختطفات، كان يجري بثها والتحدث بشأنها على محطات التلفاز عالميًّا. أصبحت بوكو حرام مشهورة، وأصبح من المفيد أكثر للجماعة الاحتفاظ بالفتيات في الأسر.

وقبل أسابيع من اختطاف فتيات “تشيبوك”، دفعت الحكومة الفرنسية 3 ملايين يورو (3.6 مليون دولار) لتحرير عائلة من سبعة سائحين اختطفتهم بوكو حرام. وبسبب شهرة فتيات “تشيبوك”، طلب المسلحون المزيد من المال. وبحسب المؤلفين، فقد استنتج الإرهابيون “ألا تساوى قيمة هؤلاء النساء نفس قيمة الأمريكيين أو الأوروبيين؟ هذه هي القيمة التي أعطاها الإنترنت لهن”.

إن ما ساهم في النهاية في تحرير الـ 103 فتيات، في مرحلتين في سبتمبر 2016 ومايو 2017، كانت دبلوماسية دقيقة أجراها دبلوماسيون سويسريون وأبطال نيجيريون مجهولون يُطلق عليها “رُسل السلام”. تفاوض هؤلاء على إجراء تبادل للسجناء ودفع فدية مالية قدرها 3 ملايين يورو، بحسب وزراء لم يُذكر اسمهم. لكن الرواية الرسمية للحكومة النيجيرية تنفي دفع أي فدية. هربت أربع فتيات لاحقًا بمفردهن، فيما هربت 57 فتاة خلال ساعات من عملية الخطف، لكن بقت 112 فتاة في الأسر حتى هذا اليوم، ويقدّر المؤلفان أن 40 فتاة على الأقل ماتت – اثنتان توفيتا بسبب الولادة بعد تزويجهما إجباريًّا.

يقول المؤلفان في كتابهما: “كان هناك أيضًا افتراض مزعج منافٍ للواقع يقول إن المزيد من الفتيات ربما كنّ ستتمكّن من الهرب، كما فعل آلاف من ضحايا بوكو حرام، وذلك في حال لم تحوّل وسائل التواصل الاجتماعي هؤلاء الفتيات إلى ورقة مساومة لا تقدّر بثمن”. على الجانب الآخر، من المشكوك فيه أن المسئولين النيجيريين كانوا سيبذلون مجهودًا حقيقيًّا أو يحشدون هذه الموارد دون وجود هذا الضغط الشعبي الذي ولّده الهاشتاغ على تويتر.

وبالرغم من أن عنوان حملة: “أرجعوا إلينا بناتنا” جذاب، إلا أنه يأتي على حساب سياق أعمق. فهناك محاولة للربط بين أحداث مهمة في العراق وأفغانستان بقصة فتيات “تشيبوك”، في حين أن الاعتماد على تاريخ شمال نيجيريا وحروبه المقدسة، كان سيكون أكثر منطقية، لكن هذه القصة لم تكتب بعد.

وبالرغم من أن المؤلفين نفسيهما يقرّان بأن هذا “ليس كتاب تاريخ أو رواية كاملة لصراع بوكو حرام”، إلا أنه هناك أجزاء في الكتاب، وإن كانت قليلة ووجيزة، كان فيها المؤلفان عرضة للسقوط في نسختهما الخاصة فيما أسمته الكاتبة النيجيرية “أديشي” بـ “الرواية الواحدة” بشأن الأصولية الإسلامية في نيجيريا، عبر إظهارهما قصة فتيات “تشيبوك” والطائفية الدينية كتفسير لجميع مشاكل المنطقة. لكن شمال نيجيريا يخضع رسميًّا للشريعة الإسلامية، وهناك رئيس مسلم في السلطة، بالتالي فإن الانقسام الديني لا يمكن أن يكون المحرّك الوحيد للصراع في نيجيريا. في الواقع، فإن التطرف والعنف السياسيين أصبحا شيئًا فشيئا وضعًا عاديًّا في عموم البلاد.

إن أكثر الروايات إثارة للاهتمام تأتي من فتيات “تشيبوك” أنفسهن، ربما لأن هذا من بين الأعمال القليلة المنشورة التي نفهم فيها تمامًا محنتهن. تحدث المؤلف إلى 20 من الفتيات المحررات، ويتضمن الكتاب مقتطفات من يوميات كتبتها أثناء فترة الأسر “نعومي أدامو” إحدى الفتيات المختطفات، إذ احتفظت هذه الفتاة باليوميات مخفيّة لمدة ثلاث سنوات، وتعيد هذه اليوميات تأطير قصة فتيات “تشيبوك”، وتحوّلها من الشعور بالضحية إلى قصة تحدٍ شجاعة. لقد تعاطفتُ مع محاولاتهن العديدة للهرب، بالرغم من معرفتهن بالنتائج المأساوية لتلك المحاولة.

إن نشاط التضامن على وسائل التواصل كان حسن النية، لكنه قاد إلى نتائج غير مقصودة: تدخل عسكري تحت ستار ما يسمى الحرب على الإرهاب، وظهور تجارة الخطف مقابل الفدية الذي تقوم به عصابات إجرامية تكرر عملية الخطف الأشهر لبوكو حرام. لقد اختُطف ما يزيد عن 800 طالب في شمال غرب نيجيريا منذ ديسمبر 2020 وجرى الاحتفاظ بهم كرهائن مرتفعي القيمة. يطرح الكتاب حجة مقنعة مفادها أن الحوار أكثر فاعلية من الحشد العسكري في الصراعات التي تنخرط فيها جماعات أصولية – لا سيما أن التطرف واصل انتشاره في منطقة الساحل بالرغم من مبيعات الأسلحة الأمريكية والانخراط العسكري في المنطقة.

إن التدخلات العسكرية وجمع المعلومات الاستخباراتية لم تنجح بشكل أساسي في معالجة المشاكل المعقدة التي ولّدت التطرف. ويذكر الكاتبان أن “الطائرات المسيّرة كانت وسيلة رخيصة لاستمرار الحرب ولكن ليس لإنهائها”، ويضيف المؤلفان: “لم تستطع واشنطن أو الإمبراطوريات الأوروبية السابقة من الحصول على النتائج المرجوّة”.

ويزعم المؤلفان أنه عوضًا عن ذلك، كان تحرير الفتيات يتطلب أن يعمل النيجيريون بصبر في الخفاء بعد وقت طويل من تراجع الاهتمام الشعبي بقضية الفتيات. بعد مرور أكثر من عقد من الزمن، تسببت حرب بوكو حرام في مقتل 40 ألف شخص وتشريد ما يزيد عن مليونَي إنسان في شمال شرق نيجيريا. إن التحدي أمامنا جميعا هو أن نستطيع فهم القصة بعيدًا عن التغريدات الفارغة.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا