مركز كارنيغي للشرق الأوسط | توسع النفوذ التركي في منطقة المغرب العربي

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

أفادت بعض وسائل الإعلام الجزائرية مؤخرًا بوجود توتر بين الجزائر وتركيا بشأن دعم تركي مزعوم لجماعة إسلامية جزائرية. تتكون حركة “رشاد” من أعضاء سابقين من حزب إسلامي محظور وهو “الجبهة الإسلامية للإنقاذ”، ونشرت السفارة التركية بيانًا تشرح فيه أن هذه “مزاعم” و”شائعات زائفة”، وبينما لم تصدر السلطات الجزائرية أي بيان رسمي بشأن الأمر حتى الآن؛ سعت مصادر دبلوماسية غير رسمية في الجزائر وأنقرة لدحض هذه التقارير.

وأيًّا كانت الحقيقة، فإنه من غير المرجح حدوث مواجهة بين الطرفين لأنه في العقد ونصف الماضي، اكتسبت تركيا نفوذًا كبيرًا في شمال أفريقيا عمومًا، لا سيما في الجزائر. نظرًا لوقوعها على مفترق طرق منطقة أفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط وجنوب أوروبا والبحر المتوسط، بالتدريج تتحول دول المغرب العربي لتكون جزءًا من منطقة نفوذ تركيا التي ركّزت على توسيع نفوذها لدعم أهدافها الاقتصادية والعسكرية وفي مجال الطاقة، كجزء أساسي من دور أكبر في أفريقيا والبحر المتوسط.

عندما يتعلق الأمر بأجندتها الاقتصادية، تنظر تركيا للمغرب العربي كنقطة دخول لأسواق أفريقية جديدة، بداية من بلدان الساحل. في حين ارتفعت الاستثمارات التركية بشكل كبير في أفريقيا حيث قُدرت تجاره تركيا مع القارة بـ 25.3 مليار دولار عام 2020. ساعد المنتدى الاقتصادي والتجاري بين تركيا وأفريقيا، في تعزيز مثل هذه الروابط. أثبتت المنتجات التركية نجاحها في بلدان المغرب العربي، بعد مرور عقد ونصف من تحسُّن العلاقات الاقتصادية. في عام 2005، وقّعت تركيا اتفاق شراكة مع تونس، وبعد عام من ذلك وقّعت اتفاقًا تجاريًّا مع المغرب واتفاق تعاون وصداقة مع الجزائر.

إن التجارة مع الجزائر كانت من أهم تعاملات تركيا التجارية مع بلدان المغرب العربي الثلاث، كما أن الجزائر هي ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا في أفريقيا بعد مصر، إذ بلغ التبادل التجاري 4.2 مليار دولار عام 2020. يرغب الطرفان في توسيع التجارة لتبلغ 5 مليارات دولار عام 2021، متجاوزة مصر. كما أصبحت تركيا، التي استثمرت 3.5 مليار دولار في الجزائر، أكبر مستثمر أجنبي خارج قطاع المواد الهيدروكربونية، متفوقة بذلك على فرنسا. كما أن تركيا حاضرة في قطاعات البناء والمنسوجات والصلب والغذاء والطاقة. تعمل أكثر من 1200 شركة تركية في الجزائر، موفرة بذلك أكثر من 10 آلاف وظيفة. في يناير الماضي، مثلا، فازت ثلاث شركات بناء تركية-أطلس جروب وأوزغور سان ودوروك كونستركشن- بعقد قيمته 1.2 مليار دولار لبناء 4400 آلاف وحدة إسكان اجتماعي في ولايات مختلفة في الجزائر، ومن المتوقع أن يستمر موقع تركيا المتميز في الجزائر مع تعزيز العلاقات بفضل توقيع سبع اتفاقيات تعاون في مجالات الطاقة والزراعة والسياحة.

عندما يتعلق الأمر بقطاع الطاقة، تمتلك تركيا أيضًا مصالح مهمة في الجزائر، التي تُعد رابع أكبر مزوّد للغاز إلى أنقرة. وقد مدّدت شركة سونطراك الحكومية الجزائرية وشركة أنابيب نقل البترول التركية اتفاقًا للغاز الطبيعي حتى العام 2024، تزوّد الجزائر بموجبه تركيا بـ 5.4 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًّا. تعمل شركة سونطراك أيضًا مع شركة “رونيسانس هولدينغ” لبناء مجمّع بتروكيماويات في منطقة “جيهان” الواقعة في ولاية أضنة جنوب تركيا، ويبلغ حجم هذا الاستثمار 1.2 مليار دولار.

وفي ليبيا المجاورة، التي تمتلك أكبر مخزون نفطي في أفريقيا، تناقش تركيا وحكومة الوفاق الوطني التي يقع مقرّها في طرابلس، إجراء أعمال تنقيب في مربعات طاقة بحرية وساحلية. في سبتمبر الماضي، عقد مسئولون أتراك محادثات مع شركة النفط الوطنية الليبية بشأن توليد الطاقة وعمليات تشغيل خطوط أنابيب. ومؤخرًا، في الثاني عشر من أبريل، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء الليبي “عبد الحميد الدبيبة”، وتعهّد الطرفان بتعزيز تعاونهما في قطاعي النفط والغاز، لا سيما بعد توقيع تركيا وحكومة الوفاق الوطني اتفاقية بحرية لترسيم حدودهما البحرية. تسمح هذه الاتفاقية، نظريًّا، للبلدين بتأسيس ممر من جنوب غرب تركيا إلى شمال شرق ليبيا، وتمنحهما أيضًا حقوق التنقيب في منطقة اقتصادية خالصة. مع هذا، أثار ذلك توترات مع اليونان وقبرص بسبب انتهاك الاتفاقية لمناطقهما الاقتصادية الخالصة المعترف بها دوليًّا.

هناك أولوية ثالثة لتركيا تتمثل في تعزيز نفوذها العسكري في عموم منطقة شمال أفريقيا. في يناير عام 2020، نشرت تركيا أفرادًا عسكريين واستخدمت طائراتها المسيّرة المسلحة من طراز “تي بي2” لوقف زحف الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر نحو مناطق سيطرة حكومة الوفاق الوطني، قبل إجبار قوات حفتر على التراجع. تسعى تركيا لحماية مصالحها الجيوستراتيجية، من بينها الاتفاقية البحرية مع حكومة الوفاق الليبية، فضلًا عن مصالحها الاقتصادية. ولا تزال الجزائر، التي يبلغ طول حدودها مع ليبيا نحو 1000 كيلومتر، حذرة بشأن نهج تركيا تجاه ليبيا، لكنها لا تعارضه علانية. ترغب السلطات الجزائرية في المحافظة على مظهر الطرف المحايد في الصراع، حتى لو كانت هي الأخرى تفضل حكومة الوفاق الوطني. وهذا جعل الجزائر فعليًّا حليفًا لتركيا في ليبيا. لا يمكن للجزائر أن تتصرف في ليبيا من دون تركيا، وإلا سيتم تهميشها في الصراع. لكن لا يمكن لتركيا أيضًا التحرك في ليبيا من دون الجزائر وتونس، اللتين لديهما حدود مع ليبيا، ما يمنح أنقرة نقطة عبور برية إلى البلاد لو تطلب الأمر هذا. في غضون هذا، تواصل الجزائر العمل على الجبهة الدبلوماسية لإيجاد تسوية سياسية للصراع الليبي تؤدي لإشراك جميع الأطراف وتفادي التدخل الأجنبي.

وبعيدًا عن الجزائر وليبيا، تظهر التطورات في مناطق أخرى من المنطقة المغاربية كيف أن سياسة أنقرة العسكرية مرتبطة بهدفها الأوسع نطاقًا لتوسيع نفوذها الإقليمي. إن استراتيجية تركيا طويلة الأمد تتمثل في الهيمنة على سوق السلاح الأفريقي. في ديسمبر 2020، على سبيل المثال، وقعت تركيا وتونس اتفاقًا عسكريًا تقدم بموجبه تركيا لتونس قروضًا من دون فوائد بقيمة 150 مليون دولار لشراء معدات عسكرية تركية. يتضمن الاتفاق أيضًا التعاون في القطاع العسكري الصناعي، ما يسمح بإنشاء منصات مشتركة للبحث والتطوير وإنتاج قطع غيار والتصدير المشترك لمواد عسكرية.

نأمل أن يسمح هذا التعاون لأنقرة بتأسيس قاعدة صناعية صلبة في تونس لتصدير مواد عسكرية لجميع أنحاء المنطقة المغاربية وأفريقيا. في الواقع، وبعد فتحها 37 مكتبًا عسكريًّا في أفريقيا، باتت تركيا صاحبة أكبر عدد من هذه المكاتب في القارة. في السنوات الثلاث الماضية، دخلت تركيا أيضًا في اتفاقيات عسكرية مع تشاد (2019) والنيجر (2020) والصومال (2021) وتهدف الآن لدخول أسواق أفريقية أخرى لزيادة التعاون العسكري.

وتسعى تركيا لبناء دعم سياسي في القارة الأفريقية؛ نظرًا لخيبة أمل أردوغان تجاه تردد الاتحاد الأوروبي في إدماج تركيا في صفوفه، وقد أعاد أردوغان توجيه دبلوماسية البلاد نحو المنطقة المغاربية وأفريقيا لتوسيع نفوذ تركيا في البحر المتوسط. وبالتالي، سيتواصل توسّع التأثير التركي. وبالرغم من أن الدول الأوروبية، لاسيما فرنسا، ربما لن تكون سعيدة بهذا الحضور التركي في منطقة تخضع تقليديا للنفوذ الفرنسي، إلا أنه سيتعين عليهم التأقلم مع هذا الواقع.

إن رغبة أنقرة في تقديم نفسها كبديل عن فرنسا، ومواجهة الأوروبيين وتصوير نفسها كمدافع عن العالم الإسلامي، هو أمر مُرحب به في منطقة سئمت من العلاقة طويلة الأمد مع قوة استعمارية سابقة.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا