مجلس العلاقات الخارجية| ما أسباب وتداعيات الصراع في إقليم تيغراي في إثيوبيا؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

تسببت الحملة العسكرية في تيغراي في أزمة إنسانية ومخاوف من حالة عدم استقرار إقليمي. إن تحديد طريق للمستقبل سيتطلب تعاونًا دوليًّا ودبلوماسية دقيقة وعملية سياسية شاملة تعيد الثقة وسط السكان المتنوعين في إثيوبيا.

ما وضع الصراع بين قيادة إقليم تيغراي والحكومة الفيدرالية؟

في نوفمبر، انفجرت التوترات المتصاعدة منذ زمن طويل بين الحكومة الفيدرالية وقيادة إقليم تيغراي الشمالي، وتحوّلت إلى مواجهة عسكرية. أطلق رئيس الوزراء “آبي أحمد” ما أسماها “عملية الأمن والنظام” لاستهداف إرهابيين محليين، لكن جرى نشر أعداد كبيرة من قوات الدفاع الوطني الإثيوبية وتنفيذ قصف جوي كثيف وهذا بعيد كل البعد عن كونه مجرد عملية محلية لإنفاذ القانون. وبحلول الثامن والعشرين من نوفمبر، سيطرت القوات الفيدرالية على عاصمة الإقليم وأعلنت النصر، لكن الوضع الأمني غير مستقر في بعض أجزاء تيغراي، ويخشى كثير من المحللين من احتمال اندلاع تمرّد طويل الأمد.

في غضون هذا، فرّ ما يزيد على 60 ألف لاجئ من البلاد، كما تشرّد نحو نصف مليون شخص وهم في حاجة ماسة للمساعدة، كما تدمرت البنية التحتية المهمة، وتتسرب من داخل الإقليم تقارير موثوقة عن ارتكاب فظاعات وجرائم حرب. تدخلت قوات إريترية في تيغراي إلى جانب القوات الفيدرالية، ويبدو أنها ما تزال موجودة في الأراضي الإثيوبية.

ما الذي يتقاتلون عليه؟

لعقود طويلة، كانت جبهة تحرير شعب تيغراي هي الحزب المهيمن في التحالف الحاكم في إثيوبيا، لكن صعود “آبي” للسلطة في 2018 أنذر بإعادة تقويم السلطة في البلاد. كان ذلك التغيير محاولة لمعالجة السخط المحلي نحو القمع السياسي والمخاوف بشأن الوصول للموارد والفرص، والتصور بأن هناك أقلية عرقية تهيمن على نفوذ وسلطة هائلين (يُشكّل سكان تيغراي 6 بالمائة تقريبًا من سكان إثيوبيا).

لكن جبهة تحرير تيغراي شعرت بتهديد من أفراد الحكومة الجديدة وخياراتها السياسية، ورفضت الانضمام للحزب الجديد الذي ورث التحالف الحاكم القديم. في سبتمبر، قررت جبهة تحرير تيغراي المضي قدمًا في إجراء انتخاباتها الإقليمية مُتحديةً قرارًا فيدراليًّا بتأجيل الانتخابات والذي يعود في جزء منه إلى أزمة جائحة كوفيد19. أشعل هجوم زعم أن جبهة تحرير تيغراي شنته على قوات فيدرالية متمركزة في الإقليم، شرارة بداية الصراع، لكن كان واضحًا أن الطرفين يستعدان للمواجهة منذ بعض الوقت.

حذر تقرير للأمم المتحدة حول منع الإبادة الجماعية في الأسبوع الماضي، من أنه من دون اتخاذ إجراء عاجل، فإن خطر ارتكاب فظاعات في تيغراي سيتزايد. ما الوضع الآن بالنسبة لسكان تيغراي وكيف يمكن له أن يتفاقم؟

أولًا، من المهم فهم أن العالم ليس لديه صورة كاملة عن الوضع في تيغراي. ما يزال هناك انقطاع في الاتصالات في بعض أجزاء الإقليم، كما لا يمكن للصحفيين والمنظمات الإنسانية الوصول للعديد من المناطق نتيجة للعراقيل الأمنية والبيروقراطية. مع هذا، توصل برنامج الغذاء العالمي مؤخرًا لاتفاق مع الحكومة الإثيوبية ينبغي أن يسّهل الوصول للإقليم في حال التزمت به الحكومة.

إن التقارير المتداولة بشأن ما حدث مزعجة للغاية. قال لاجئون وأشخاص آخرون إن قوات على الأرض – جيش إثيوبي وقوات إيريترية ومليشيات عرقية – مسئولة عن ارتكاب عنف جنسي وهجمات بدوافع عرقية، وعمليات نهب واسعة النطاق. تقدّر الأمم المتحدة أن نحو ثلاثة ملايين من سكان تيغراي يحتاجون بصورة ماسة إلى المساعدة. ربما لا يستطيع هؤلاء الوصول إلى الماء والطعام والرعاية الصحية. إذا لم يتم حل هذه المسائل، فهناك احتمال حقيقي بحدوث مجاعة، وهو أمر مفزع له صدى تاريخي ومشحون سياسيًّا في إثيوبيا.   

ما تداعيات الصراع على القرن الإفريقي؟

إن دخول إثيوبيا في حرب مع نفسها سيشتت انتباهها ويجعلها طرفًا غير موثوق به، والمخربون في هذه المنطقة المضطربة سيسارعون لاستغلال أي فراغ أمني.

ولطالما وفرت إثيوبيا الأمن للمنطقة، وساعدت في دعم استقرار الصومال وجنوب السودان، مُقدمة دعمًا دبلوماسيًّا مهمًا أثناء العملية الانتقالية في السودان. في الوقت الراهن، اشتعل نزاع حدودي بين إثيوبيا والسودان، وهناك خطر بتصاعده، بينما يواصل السودان التأرجح في حيرة بين العناصر العسكرية والمدنية في حكومته الانتقالية. في غضون هذا، تمرّ الصومال بأزمة دستورية يمكن أن تدمر مكاسب حصلت عليها بصعوبة. إن مستقبل هذين البلدين سيتأثر باستقرار إثيوبيا وبالنموذج الذي تقدمه إيريتريا المتمثل في قدرتها على الاستخفاف بالقانون الدولي من دون عقاب.

إن الأسوأ ربما لم يأت بعد. لو فشلت إثيوبيا في تعزيز نظامها السياسي الجديد واستيعاب مجتمعها المتنوع البالغ تعداده 110 ملايين نسمة، وضمان اتخاذ إجراءات اساسية فيما يخص الأمن والعدالة، فإنها قد تتعرض لصراعات أخرى قد تؤدي لاندلاع أزمة لاجئين هائلة ومزعزعة للاستقرار. وسيتم خسارة صوت مهم مدافع عن المصالح الإفريقية على الساحة العالمية، كما سيتم تمكين الجهات الخارجية التي تنظر إلى هذه المنطقة المهمة استراتيجيًّا باعتبارها ساحة للصراع بالوكالة.

ما الخطوات التي ينبغي القيام بها من جانب الأطراف المتورطة في الصراع والأطراف الدولية؟

ينبغي للحكومة الإثيوبية فورًا إفساح المجال لوصول وكالات إنسانية إلى الإقليم. ينبغي أن تغادر القوات الإيريترية الأراضي الإثيوبية، لأن وجودها المزعزع للاستقرار يقوّض المعايير الدولية والإقليمية. ينبغي أخذ اللاجئين الإيريتريين في إثيوبيا في الاعتبار وحمايتهم. وينبغي للحكومة الإثيوبية وقف قطع الاتصالات للمساعدة في الحد من التضليل الإعلامي، وينبغي لها أيضًا دعم إجراء تحقيق موثوق فيه ومستقل في مزاعم ارتكاب فظاعات.

علاوة على هذا، نظرًا لأن جذور هذه الأزمة سياسية، فإنه ينبغي للحكومة الإثيوبية السعي لإجراء حوار جامع بشأن سبل المضي قدمًا للعديد من الشرائح السكانية المضطربة في البلاد. ومع انعقاد الانتخابات الوطنية في يونيو، فإنه من المهم للغاية التوصل لتوافق بشأن حماية الأقلية والوصول للسلطة والموارد والقواعد الحاكمة للتنافس السياسي. ولكي يكون هذا الحوار مفيدًا وذا مصداقية، فإنه لا يمكن أن يقتصر على حلفاء الحكومة الحالية في أديس أبابا.

في الوقت ذاته، ينبغي للمجتمع الدولي أن يضاعف جهوده الدولية للمساعدة في حل النزاع الحدودي مع السودان عبر مفاوضات تحكمها قواعد. كما ينبغي له أيضًا تشجيع التوصل لاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان فيما يتعلق بمياه النيل وسدّ النهضة الإثيوبي الكبير.      

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا