غانم نسيبة يكتب لنيوز ويك | الأراضي المقدسة بحاجة إلى مصالحة حقيقية لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني

شهاب ممدوح

رؤية

بقلم – غانم نسيبة مدير مؤسسة كورنرستون

المصدر – نيوز ويك

ترجمة – شهاب ممدوح

لم تشهد الأراضي المقدسة منذ تأسيس دولة إسرائيل هذا النوع من العنف بين المجتمعات، والذي تسبب في الإيام الأخيرة في إرهاب السكان العرب واليهود داخل حدود إسرائيل. في الصراعات الماضية، زُهقت العديد من الأرواح-معظمهم عرب وبعض اليهود- في صراعات مع أجهزة أمنية. لكن ما نشهده اليوم شيء مختلف تمامًا: يهود يهاجمون عشوائيًا مواطنيهم العرب، وعرب يهاجمون مواطنيهم اليهود، بينما تقف الأجهزة الأمنية عاجزة أو غير راغبة في التدخل. وبالرغم من أن جولة القتال الراهنة ستنتهي، إلا أن التداعيات ستبقى لزمن طويل للأسف.

هذا تطور مأساوي للأحداث. حيث أنه أثناء العقود الثمانية الماضية للحروب العربية-الإسرائيلية، وعلى الرغم من المآسي الإنسانية الشنيعة التي خلفتها، إلا أن العلاقات بين العرب واليهود ظلت وديّة إلى حد بعيد. لم يندمج هذان المجتمعان مطلقا مع بعضها تمامًا، لكن كل مجتمع عاش بمفرده مع وجود اختلاط كبير بينهما في أماكن العمل، وإلى حد أقل على المستوى الاجتماعي.

حتى عندما اشتعلت أكثر الصراعات دموية، لم يشعر العرب واليهود سواء داخل حدود إسرائيل وفي القدس الشرقية بالتهديد شخصيًا من بعضهما الآخر. كانت هناك بالطبع أحداث إرهابية مأساوية أصابت الطرفين، لكنها كانت قليلة، لا سيما عند مقارنتها مع صراعات عالمية أخرى.

أنا لا أحاول التقليل من المآسي السابقة. كيف يمكنني هذا؟ لقد أُحرق منزل عائلتي في حي الشيخ جراح بالكامل أثناء حرب 1967. وفقد أحد أعمامي رجله عام 1948، كما خسر أقارب لي حياتهم وأرزاقهم أثناء صراعات سابقة. لكن تلك كانت جيوش تقاتل بعضها. ربما كانت معجزة أنه لم يحدث قتال بين المجتمعين اليهودي والعربي بعد عام 1948 داخل إسرائيل، أو في القدس الشرقية بعد عام 1967.

ما شاهدناه هذا الأسبوع كان صدمة حقيقية، تضاعف حجمها لأن هذه الأحداث لم تعقب صراعًا دمويًا للغاية. ما من سبب مباشر لتفسير ما يحدث. لكن ما يُظهره هذا هو أن الوضع القائم فيما بين المجتمعين العربي واليهودي داخل إسرائيل ليس مستدامًا، تماما كما هو الوضع السياسي في الأراضي المقدسة بأكملها.

لهذا فمن المهم أن تدفع الأحداث المؤسفة والمأساوية في الأيام القليلة الماضية لإجراء تفكير عميق في حل لهذا الوضع الخطير وغير المستدام بين المجتمعين في كامل الأراضي المقدسة، داخل إسرائيل وبين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية وغزه.

تحتاج الأراضي المقدسة للجنة حقيقة ومصالحة بقيادة دولية. إن المبدأ الأساسي الذي يحتاج العرب لقبوله هو أن اليهود باقون هنا في الأراضي المقدسة لأن ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليهم، كما يجب أن يقبل اليهود بحقيقة أن العرب هم الآخرون باقون هنا، وأن لهم حقوقا متساوية في الأراضي المقدسة.

لكن يتعيّن على الناس ان تقرّ وتقبل بحقيقة أن الشعبين هم أصحاب هذه الأرض، وأن الشيء الغريب الوحيد هنا هو المحاولات الرامية لحرمان الطرف الآخر من حقوقه في العيش بحرية وبأمن.

إن الحقيقة المؤسفة هي أن العديد من العرب واليهود على حد سواء، ينظرون إلى الطرف الآخر باعتباره مصدر إزعاج يجب أن يقبل بالتعايش معه، بدلا من كون الطرف الآخر أخا مواطنا ينبغي أن يكون مسرورًا بالعيش معه. إن المظالم التي تراكمت عبر قرن تقريبا من القتال ماتزال كامنة في ذكريات الشعبين. يجب الحديث بشأن هذه المظالم والتعامل معها، لأنه لو لم يحدث هذا، فإن الأحداث التي وقعت في الأيام القليلة الماضية ربما تتكرر. وستكون حتى أكثر دموية، مع تداعيات مروّعة تمامًا.

يجب أن يتعلم الإسرائيليون اليهود بشأن النكبة وفظائع دير ياسين ومآسٍ أخرى. ويجب أن يتعلم عرب إسرائيل لماذا كان استقلال إسرائيل نقطة تحول مُنقذة للحياة بالنسبة لليهود، كما ينبغي ان يتعلموا بشأن المجازر التي عانى منها اليهود في إسرائيل بعد ذلك. يجب أن يستمع العرب العاديون لروايات مباشرة يرويها يهود كانوا ضحايا أفعال بعض العرب- تماما مثلما يجب أن يستمع اليهود لروايات مباشرة يرويها ضحايا عرب.

ينبغي أن تبدأ هذه العملية داخل إسرائيل، إذ يجب أن يحتفل جميع الإسرائيليون باستقلال إسرائيل ويُحيوا ذكرى النكبة. إن مثل هذا الجهد يجب ان يمتد للضفة الغربية وغزه ويشمل الفلسطينيين والمستوطنين اليهود.

الأمر المهم هو أنه يجب أن يكون هناك تحول في الطريقة التي ينظر بها كل مجتمع إلى رواية المجتمع الآخر. ينصبّ تركيز كل طرف الآن على إيصال رسالته إلى العالم الخارجي. يجب ان يتحول هذا التركيز إلى الداخل. بمجرد أن نرتّب بيتنا من الداخل، حينها يمكننا إيجاد حل سياسي. ليس هناك جدوى من الطلب من العالم الخارجي فرض حلّ غير ناضج لن يسهم إلا في تأجيل الانفجار المحتوم، الذي رأينا لمحة منه هذا الأسبوع.

ما يمكن للعالم الخارجي فعله هو تسهيل إقامة لجنة حقيقة ومصالحة. من دون النظر إلى الداخل، فأن ما من حل سياسي سيمنع خطر سقوط المزيد من الدماء في الأجيال المقبلة.

لن يحلّ السلام والاستقرار في الأراضي المقدسة إلا بعد إيجاد حل قائم على الحقيقة والمصالحة، وليس على حلول تعسفيّة مفروضة من الخارج. لقد حان وقت القيام بهذا.  

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا