ناشيونال إنترست | يجب على غزة الاستعداد لحرب إسرائيل المقبلة

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

لقد شاهدنا مواجهةً أخرى غير متكافئة دامت لأحد عشر يومًا بين فلسطين وإسرائيل؛ حيث خلّفت أكثر التقنيات الأمريكية تطورًا وراءها آثارًا من الدمار، شملت مقتل ما يزيد عن ستين طفلًا، وجيلا وُلِدَ تحت سنوات من الحصار الإسرائيلي دون أي أمل في المستقبل. في غزة، تُعدّ الأمهات اللاتي قُتلن تحت الأنقاض بأنهن محظوظات؛ فهنّ لن يعشن كي يشعرن بالحزن على فقدان ذويهن.

كانت سياسة “الصدمة والرعب” الإسرائيلية تهدف إلى إلحاق الألم الأشد عبر استهداف أبراج سكنية في مدينة غزة، التي تعجّ بمخيمات اللاجئين وعيادات اختبارات فيروس كورونا، ما تسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل معامل معالجة المياه. ولإخفاء حجم الفظائع التي ارتكبوها، دمّر الإسرائيليون عبر طائراتهم المبنى الذي يضمّ المركز الإعلامي المستقل الوحيد الذي يربط قطاع غزة المحاصر بالعالم الخارجي.

على الجانب الإسرائيلي، وبحسب بيانات رسمية، أطلقت المقاومة الفلسطينية ما يقارب 4300 صاروخ. اعترضت القبة الحديدة، التي يموّلها دافعو الضرائب الأمريكيون، 90 بالمائة من الصواريخ، وسمح الجيش الإسرائيلي بسقوط بعض الصواريخ في أماكن مفتوحة.

لقد اشتعل الصراع الأخير عقب هجمات إسرائيلية على مصلين في المسجد الأقصى، وتهديدات بطرد فلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية. إن عدوان إسرائيل الأخير كان تتويجًا لسنوات من احتقار القانون الدولي من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأربع سنوات من حُكم مُعاونه في البيت الأبيض “دونالد ترمب”.

وبحسب منظمتي “السلام الآن” و”بيت سيلم” الإسرائيليتين، فإنه منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993، تنامى عدد السكان اليهود في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، بنسبة 250 بالمائة، من 250 ألف يهودي تقريبًا إلى 620 ألف. إن نقل اليهود إلى أراضٍ فلسطينية ينتهك اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995، حيث يدعو البند الثامن في المادة الحادية والثلاثين “الطرفين للنظر إلى الضفة الغربية وغزة باعتبارهما أرضًا واحدة، يتم الحافظ على سلامتها ووضعها أثناء الفترة الانتقالية”.

في عام 2001، تفاخر نتنياهو في مقطع مصور بنيّته باتباع نهج مختلف بشأن التفاهم الفلسطيني – الإسرائيلي، مشددًا على أنه “سيفسر الاتفاقيات بطريقة تمكنه من منع الانسحاب من حدود عام 1967”. عندما سُئل حول طريقة معالجته لمخاوف أمريكا، الراعي المفترض لاتفاق السلام، تفاخر نتنياهو، بقدراته قائلا: إن “أمريكا هي طرف يمكن تحريكه بسهولة”.

اتخذ نتنياهو وقادة إسرائيليون آخرون حتى الآن إجراءات محسوبة للتخلص من الالتزامات الإسرائيلية الأساسية في اتفاقيات أوسلو. إن احتقار الإسرائيليين للاتفاقيات الموقعة – مستغلين عدم استعداد الإدارات الأمريكية للوفاء بدورها “المحايد” وصمت قوى العالم – لم يؤد إلا لتعزيز القمع الإسرائيلي للفلسطينيين.

وبعد أكثر من ربع قرن، دمّرت الحكومات الإسرائيلية اليمينية المتعاقبة “سلامة ووضع” الأراضي الفلسطينية وقسمتها إلى جزر منعزلة، تربطها نقاط تفتيش إسرائيلية مخصصة لـ”فلسطينيين فقط”، وأحاطتها بمراكز استيطانية يقطنها “يهود فقط”، وعزلت القدس الشرقية عن الضفة الغربية بواسطة جدار من مستوطنات غير شرعية مترامية الأطراف. وبانتهاكهم بنود اتفاق أوسلو، يكون قادة إسرائيل بذلك قد استباحوا أراضي الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، عبر توطين أشخاص متطرفين في مستوطنات مخصصة “ليهود فقط” للتأثير على نتائج مفاوضات “المرحلة المؤقتة”.

أما في قطاع غزة، فقد فرضت إسرائيل حصارًا مشددًا بحجة منع دخول السلاح للقطاع. وصف مستشار الحكومة الإسرائيلية “دوف ويسغلاس” هذه الإجراءات عام 2006، بأنها تهدف “لوضع الفلسطينيين على نظام غذائي، دون جعلهم يموتون من الجوع”.

أظهرت الصدامات الاخيرة أنه بالرغم من أن أربعة عشر عامًا من “النظام الغذائي” الإسرائيلي زادت من معاناة السكان المدنيين، إلا أن الحصار لم ينجح في تأمين إسرائيل أو إضعاف إبداع شعب يقاوم العدوان. وبعد وعده بإعادة إعمار غزة؛ بات الرئيس جو بايدن يسير مجددًا على طريق مليء بالعقبات؛ ما يجعل التوصل لهدنة دائمة أمرًا غير مرجح، وذلك في حال واصلت الولايات المتحدة التستّر على السبب الرئيسي للصراع.

ولكي يدوم أي اتفاق لوقف إطلاق النار، يجب الإجابة على هذه التساؤلات الرئيسية: هل ستنصاع الحكومات الإسرائيلية لاتفاقيات السلام الموقعة؟ هل سيُنهي وقف إطلاق النار الحصار على 2 مليون فلسطيني في غزة؟ هل سيوقف الاتفاق البناء غير الشرعي للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ هي سيُنهي الإذلال اليومي الذي يتعرض له السكان الأصليون الفلسطينيون على نقاط التفتيش الإسرائيلية المخصصة “لفلسطينيين فقط”؟ هل سيسمح الاتفاق للعائلات الفلسطينية بالعودة إلى منازلها في حي الشيخ جراح؟

وفي حال عدم معالجة هذه المسألة المتفجرة، سيكون اندلاع حرب أخرى أوسع نطاقًا مسألة وقت فقط. إن الاكتفاء بإعادة إعمار غزة لن يؤدي إلا لتوفير أهداف جديدة في حرب إسرائيل الجديدة. لا يمكن لإدارة بايدن مواصلة التماس العذر فيما يتعلق بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فيما يشنّ نظامها للفصل العنصري حربًا عدوانية صامتة لا تتوقف على أكثر من خمسة ملايين إنسان.

إن مقاومة الطرف الخاضع للاحتلال، وليس الطرف المُحتل، هي التي يمكن اعتبارها شكلًا من أشكال الدفاع عن النفس؛ وبالتالي هي مبررة، وهذا ليس رأيًا لكنه حقٌّ قانونيٌّ بموجب القانون الدولي. 

للإطلاع على المقال الإصلي أضغط هنا

ربما يعجبك أيضا