فورين أفيرز |نيجيريا.. العملاق الأفريقي يفشل

آية سيد

ترجمة –  آية سيد

تقع نيجيريا في ورطة كبيرة. إذا كان أول التزام من الدولة تجاه من تحكمهم هو توفير الأمن لهم وتحجيم استخدام العنف، فقد فشلت نيجيريا، حتى لو كانت بعض الجوانب الأخرى من الدولة لا تزال تعمل. إن المجرمين والانفصاليين والمتمردين الإسلامويين يهددون قبضة الحكومة على السلطة، وكذلك يفعل الفساد المتفشي والضائقة الاقتصادية والفقر.

إن معظم الدول الفاشلة في أفريقيا – مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والصومال وجنوب السودان – صغيرة أو هامشية، لكن نيجيريا، على العكس، تتفاخر بعدد سكان يبلغ 214 مليون نسمة. ومن المتوقع أن تصبح ثالث أكثر دولة ازدحامًا بالسكان في العالم بحلول 2050. وقبل جائحة كوفيد-19، كانت تملك أكبر اقتصاد في أفريقيا أو ثاني أكبر اقتصاد بعد جنوب أفريقيا (بناءً على الطريقة التي يقيس بها الشخص)؛ لهذا السبب فشل الدولة له عواقب وخيمة على المنطقة بأكملها.

غير أنه يمكن عكس مسار انهيار نيجيريا. يدعو صُناع الرأي النيجيريون البارزون إلى بديل للإدارة الحالية، سواء من خلال مؤتمر وطني لإعادة بناء الدولة من الصفر، أو تقسيم نيجيريا إلى دول أصغر، أو الاستيلاء العسكري الداخلي من النوع الذي شهدته نيجيريا بصورة متكررة منذ الاستقلال عام 1960. يشجب الكثير من النيجيريين الآخرين عجز الحكومة عن إبقاء المواطنين آمنين، لكنهم يدعمون طلباتها للمساعدة الخارجية في صورة مساعدات اقتصادية وعسكرية.

يجب أن يعترف شركاء نيجيريا الدوليون، خاصة الولايات المتحدة، بأن الدولة الأفريقية أصبحت الآن دولة فاشلة. وأثناء الاعتراف بتلك الحقيقة، ينبغي أن يعمّقوا مشاركتهم في الدولة ويسعون لمساءلة الإدارة الحالية عن إخفاقاتها، بينما يعملون معها لتوفير الأمن وتصحيح الاقتصاد. وبالإضافة لذلك، ينبغي أن يُشركوا ويدعموا المجتمع المدني النيجيري، بينما يصيغون ما يجب أن يكون في النهاية جهدًا نيجيريًا لإعادة الإعمار.

فشل على كل الجبهات

لا تزال نيجيريا تحتفظ ببعض سمات الدولة القابلة للبقاء، خاصة فيما يتعلق بالشئون الدولية. إنها تحتفظ ببعثات دبلوماسية حول العالم، وأجهزة الأمن القومي لا تزال تعمل في بعض الأماكن وبعض الأوقات، على الرغم من أن قادتها يُعدون فاسدين. في الداخل، لا يزال مجلس النواب يجتمع، والسلطة القضائية لا تزال تعمل، على الرغم من عدم كسب ثقة الكثير من النيجيريين.

لكن الدولة النيجيرية فشلت في توفير الخدمات الاجتماعية لمواطنيها، والسياسة النيجيرية رياضة نخبة منفصلة عن الحكم. لا تستطيع الحكومة فرض ضرائب على الأثرياء الحقيقيين، وتظل معتمدة بشدة على عائدات النفط والغاز، وتترنح من أزمة مالية إلى أخرى.

تحت حكم إدارة الرئيس محمد بخاري، حوّلت الأزمات الأمنية المتداخلة والمتعددة نيجيريا من دولة ضعيفة إلى دولة فاشلة. لقد صارعت حكومة بخاري لإخماد عدة تمردات جهادية، مثل ذلك الذي شنته جماعة بوكو حرام. فشلت الحكومة أيضًا في إخماد حوالي ستة صراعات أو اشتباكات أهلية على الأرض والماء والتي اتخذت أبعادًا عرقية أو دينية. تصعد الانفصالية مجددًا في يوروبالاند وفي المناطق التي شكلت من قبل بيافرا، المنطقة التي خاضت حرب انفصال فاشلة ضد حكومة نيجيريا في الفترة بين 1967 و1970. والخطف منتشر في أنحاء البلاد، وكذلك القرصنة في خليج غينيا.

أثبتت حكومة بخاري أنها غير مستعدة لهذه التحديات. لقد واجهت مشاكل في استمرار العمليات العسكرية خارج أبوجا، العاصمة، ومناطق أخرى قليلة، حيث لا تتهدد سلطتها بشكل مباشر بالعصابات الإجرامية، أو الجهاديين، أو الانفصاليين. في تبادل إطلاق النار مع المجرمين والإسلامويين، غالبًا ما يتفوقون على الشرطة والأجهزة الأمنية.

تمارس القوات شبه الشرطية والميليشيات الإقليمية السلطة الفعلية في بعض المناطق. لكن في الكثير من المناطق الأخرى، تنازلت الحكومة الفيدرالية عن السيطرة لصالح الميليشيات والمجرمين. انهار النظام والقانون، واضطرت المدارس للإغلاق في الكثير من المناطق الريفية. لقد سرّعت جائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية المصاحبة – التي ضاعفها في نيجيريا التراجع في أسعار النفط العالمية – نزول الدولة في الفوضى، ما دفع الملايين إلى الفقر وأشعل الارتفاع في الخروج على القانون.

موجة من المعارضة

طلبت حكومة بخاري المساعدة الدولية لوقف موجة انعدام الأمن. في اجتماع في شهر أبريل مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، طلب بخاري نقل مقر القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا من ألمانيا إلى نيجيريا بحيث تصبح أقرب إلى القتال ضد الجماعات الجهادية في شمال البلاد. لكن في حين أن الرئيس النيجيري ربما يسعى لأن تتدخل الولايات المتحدة بنفسها أكثر في الحملة ضد بوكو حرام، توجد مؤشرات قليلة على أنه مستعد لمعالجة القضايا الأعمق مثل الحوكمة، والفساد، وسوء الإدارة الاقتصادية التي سرّعت من انحدار بلاده.

يجادل عدد متزايد من النيجيريين البارزين أن تصحيح مسار الدولة يفوق قدرة إدارة بخاري. دعا المثقفون إلى عقد مؤتمر وطني لإعادة بناء الدولة من الصفر، مستبدلين النظام المختلط الحالي بديمقراطية فيدرالية حقيقية.

يدعو بعض النشطاء والمثقفين النيجيريين إلى تقسيم نيجيريا إلى عدة دول مستقلة، كل واحدة منها تهيمن عليها جماعة عرقية محددة، وعلى الرغم من أن هذه المقترحات قد تبدو بعيدة الاحتمال، إلا أنها تكتسب شعبية، وتساعد في إحياء الحركات الانفصالية في منطقة بيافرا القديمة، بالتحديد.

ثم هناك أولئك الذين يدعون إلى العودة إلى الحكم العسكري. في الماضي، كان معظم النيجيريين يرون الجيش الضامن النهائي لوجود الدولة. لقد تدخل سبع مرات على مدار الـ60 عامًا الماضية، حيث أطاح بحكومات منتخبة وغير منتخبة على حد سواء عندما قرر الجنرالات أن العملية السياسية انهارت (أو هددت مصالحهم). في كل مرة، كان كبار الضباط يبررون تدخلهم بأن الشعب هو من طلبه، وكانت حشود من النيجيريين تحتفل بوصول حكومة عسكرية ورحيل الساسة الفاسدين.

رفضت إدارة بخاري دعوات التدخل العسكري، زاعمةً أن الساسة والحكام التقليديين والقادة الدينيين يحاولون التحريض على انقلاب، إلا أنه ليس من الواضح أن الرتب العليا في الجيش – أو حتى صغار الضباط – مستعدون لتحمل مسئوليات الحكم اليومية. في الوقت الحالي، على الأقل، يبدو أن النيجيريين سيتعين عليهم تحمل العنف المتصاعد دون الكثير من الأمل في الإغاثة من حكوماتهم الوطنية أو حكومات الولايات.

النجاح بالمصادفة؟

تشتهر نيجيريا بقدرتها على “النجاح بالمصادفة” في حالات الطوارئ، مثلما فعلت خلال الحرب الأهلية 1967-1970، وجيل الحكم العسكري من 1975 حتى 1990، وصعود وهبوط أسعار النفط الدولية والأزمات المالية المتكررة. ربما تنجح نيجيريا في تجاوز الأزمة الحالية، لكن هذا يبدو مستبعدًا على نحو متزايد نظرًا لمستوى انعدام الأمن وإمكانية أن تشعل الانتخابات العامة في 2023 المزيد من الخلاف والعنف.

يمكن أن يساعد الشركاء الدوليون لنيجيريا في تفادي تلك النتيجة. وفي النهاية، يساعدون في عكس مسار عملية فشل الدولة، وما دام بقي بخاري في المنصب، ينبغي أن تستمر الولايات المتحدة في الشجب العلني لانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إدارته ومواجهة القادة السياسيين الذين يسعون لتحقيق مصالح شخصية. وينبغي أيضًا أن تلغي التأشيرات للمسئولين ورجال الأعمال النيجيريين عند أول لمحة من الإجرام أو انتهاكات حقوق الإنسان.

بيد أن واشنطن ينبغي أن تلبي طلبات نيجيريا للمساعدات العسكرية بحذر. ينبغي أن تكون المساعدات العسكرية والشرطية مشروطة بإصلاح حقيقي وقابل للقياس لتلك الأجهزة، لكن هناك الكثير من الأمور التي يمكن للولايات المتحدة وأصدقاء نيجيريا فعلها للمساعدة في إرساء استقرار اقتصاد البلاد، الذي عصف به انخفاض أسعار النفط الدولية. ينبغي أن يحثوا المؤسسات المالية الدولية على دعم تحرير أسعار صرف عملة نيجيريا وعلى المساعدة في تعزيز استقلال بنكها المركزي، ربما تفكر واشنطن أيضًا في دعم جهود نيجيريا لمحاربة الفساد.

في الوقت نفسه، ينبغي أن تدعم الولايات المتحدة الحملة لجهد إعادة إعمار الدولة بقيادة نيجيرية. ومن خلال المبادلات، والمؤتمرات، والنصيحة الفنية، والأدوات الأخرى “للدبلوماسية الناعمة”، ينبغي أن تساعد الولايات المتحدة المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية النيجيرية في جهودها لتعزيز ديمقراطية الدولة.

غير أن الوقت ينفد من نيجيريا! حيث قد تصبح الدولة في صورة أسوأ عما قريب، حيث يوجد متمردون إسلامويون على الأبواب، إلى جانب تهديدات خطيرة أخرى على السلام والأمن الداخلي. ورغم أن النيجيريين يتسمون بالمرونة، إلا أن أفضل جهودهم لعكس مسار انهيار دولتهم تتطلب دعمًا فوريًّا.

للإطلاع على المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا