فورين بوليسي | حان الوقت لإنهاء «العلاقة الخاصة» مع إسرائيل

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

بقلم: ستيفن والت – أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد

انتهت الجولة الأخيرة من القتال بين الإسرائيليين والفلسطينيين بالطريقة المعتادة، بوقف إطلاق النار خرج الفلسطينيون منه أسوأ حالًا دون معالجة القضايا الأساسية، غير أن هذه الجولة قدّمت المزيد من الأدلة على أن الولايات المتحدة يجب أن تتوقف عن الدعم غير المشروط لإسرائيل اقتصاديًّا وعسكريًّا ودبلوماسيًّا، فإن فوائد هذه السياسة صفرية، وتكاليفها مرتفعة وآخذة في الارتفاع. وبدلًا من العلاقة الخاصة، تحتاج الولايات المتحدة وإسرائيل إلى علاقة طبيعية.

فيما مضى، كان يمكن تبرير العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل على أسس أخلاقية. فقد كان إنشاء دولة يهودية يعدُّ ردًّا مناسبًا لقرون من معاداة السامية العنيفة في الغرب المسيحي، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر الهولوكوست.

ومع ذلك، كانت هذه المبررات الأخلاقية مقنعة، إذا ما تجاهل المرء تداعيات ذلك على العرب الذين عاشوا في فلسطين لقرون عديدة، وإذا ما اعتقد المرء أن إسرائيل دولة تشترك في القيم الأمريكية الأساسية، وهنا أيضًا تعقدت الصورة بشدة؛ فإذا كانت إسرائيل هي فعلا “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، ولكنها لم تكن ديمقراطية ليبرالية مثل الولايات المتحدة، حيث من المفترض أن تحظى جميع الأديان والأعراق بحقوق متساوية (على الرغم من عدم تحقق هذا الهدف على أرض الواقع). وتماشيًا مع الأهداف الأساسية للصهيونية، فضلت إسرائيل اليهود على حساب الآخرين عن عمد وقصد.

ولكن اليوم، دمرت عقود من الاحتلال الإسرائيلي الوحشي جميع المبررات الأخلاقية للدعم الأمريكي غير المشروط؛ إذْ أقدمت الحكومات الإسرائيلية من جميع المشارب السياسية المختلفة على توسيع المستوطنات، وحرمت الفلسطينيين من الحقوق السياسية المشروعة، وعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية داخل إسرائيل ذاتها، واستخدمت القوة العسكرية الإسرائيلية المتفوقة لقتل وترهيب سكان غزة والضفة الغربية ولبنان دون مخافة المساءلة أو العقاب.

ونظرًا لكل هذه الجرائم، فليس غريبًا أن تُصدر منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” مؤخرًا تقارير موثقة جيدًا وبالأدلة لتصف هذه السياسات المختلفة بأنها “نظام فصل عنصري”. وقد أدى الانجراف نحو اليمين في السياسة الداخلية الإسرائيلية والدور المتنامي للأحزاب المتطرفة في السياسة الإسرائيلية إلى إلحاق المزيد من الضرر بصورة إسرائيل، بما في ذلك أوساط الكثير من اليهود الأمريكيين.

في الماضي، كان من الممكن القول بأن إسرائيل كانت مكسبًا استراتيجيًّا قيِّمًا للولايات المتحدة، رغم المبالغة في قيمتها في كثير من الأحيان. ففي أثناء الحرب الباردة، على سبيل المثال، كان دعم إسرائيل وسيلة فعالة لكبح النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط؛ لأن الجيش الإسرائيلي كان قوة قتالية أعلى بكثير من القوات المسلحة للعملاء السوفييت مثل مصر أو سوريا، كما قدمت إسرائيل معلومات استخبارية مفيدة في بعض الأحيان.

لقد انتهت الحرب الباردة منذ 30 عامًا، ومع ذلك، فإن الدعم غير المشروط لإسرائيل اليوم يسبب الكثير من المشاكل لواشنطن لا يمكنها حلها. ولا يمكن لإسرائيل أن تفعل شيئًا لمساعدة الولايات المتحدة في حربيها ضد العراق؛ بل اضطرت الولايات المتحدة إلى إرسال صواريخ باتريوت إلى إسرائيل خلال حرب الخليج الأولى لحمايتها من هجمات سكود العراقية.

وحتى لو كانت إسرائيل تستحق الثناء على تدمير مفاعل نووي سوري في عام 2007 كان تحت الإنشاء، أو المساعدة في تطوير فيروس ستاكسنيت الذي أضر مؤقتًا ببعض أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، فإن قيمتها الاستراتيجية باتت أقل بكثير مما كانت عليه خلال الحرب الباردة، كما أن الولايات المتحدة غير مجبرة على تقدم دعم غير مشروط لإسرائيل لجني مثل هذه الفوائد.

وفي غضون ذلك، تتزايد تكاليف هذه العلاقة الخاصة سنويًّا، وغالبًا ما يشير منتقدو الدعم الأمريكي لإسرائيل إلى أكثر من 3 مليارات دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تقدمها واشنطن لإسرائيل كل عام، وعلى الرغم من أن إسرائيل الآن دولة غنية يحتل دخل الفرد فيها المرتبة التاسعة عشرة في العالم، فهناك بلا شك طرق أفضل لإنفاق هذه الأموال، ولكنها تمثل قطرة في بحر الولايات المتحدة، الدولة التي يبلغ اقتصادها 21 تريليون دولار؛ لذا فإن التكاليف الحقيقية للعلاقة الخاصة هي سياسية بامتياز.

 وكما رأينا الأسبوع الماضي، فإن الدعم غير المشروط لإسرائيل يجعل من الصعب على الولايات المتحدة الادعاء بالتفوق الأخلاقي على المسرح العالمي، في وقت تحاول فيه إدارة بايدن استعادة سمعة وصورة الولايات المتحدة بعد أربع سنوات من إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، كما أنها تحاول التمييز بشكل واضح بين سلوك الولايات المتحدة وقيمها، وتلك التي تصدر عن خصومها مثل الصين وروسيا، وفي إطار هذه العملية، تسعى لترسيخ نفسها كمحور أساسي لنظام عالمي قائم على القواعد.

لهذا السبب، أخبر وزير الخارجية الأمريكية “أنتوني بلينكين” مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن الإدارة ستضع “الديمقراطية وحقوق الإنسان في قلب سياستنا الخارجية”. ولكن عندما تقف الولايات المتحدة بمفردها وتستخدم حق النقض ضد ثلاثة قرارات منفصلة لمجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار، تعيد التأكيد مرارًا وتكرارًا على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وتقرر تزويد إسرائيل بأسلحة إضافية بقيمة 735 مليون دولار، وفي المقابل تقدم للفلسطينيين خطابًا فارغًا فقط حول حقهم في العيش بحرية وأمان مع دعم حل الدولتين (رغم أن هذا الأخير لم يعد يأخذه أحد على محمل الجد)؛ لذا فإن الادعاء الأمريكي بالتفوق الأخلاقي أصبح مكشوفًا أجوف ونفاقًا مفضوحًا.

ومما لا يثير الدهشة، سارعت الصين في انتقاد الموقف الأمريكي، وسلط وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” الضوء على عجز الولايات المتحدة عن العمل كوسيط عادل من خلال عرض استضافة محادثات سلام إسرائيلية فلسطينية بدلاً من ذلك. ربما لم يكن عرضًا جادًا، لكن بكين بالكاد تستطيع أن تفعل ما هو أسوأ مما فعلت واشنطن في العقود الأخيرة.

أما الثمن الدائم الآخر لهذه “العلاقة الخاصة” هو الاستهلاك غير المتناسب للنطاق الترددي للسياسة الخارجية مع إسرائيل، إذ يواجه بايدن وبلينكين ومستشار الأمن القومي “جيك سوليفان” مشاكل أكبر مما يدعو للقلق من تصرفات دولة صغيرة في الشرق الأوسط. ومع ذلك، تتورط الولايات المتحدة مرة أخرى في أزمة تعد – إلى حد كبير – من صُنعها، وتتطلب اهتمامها وتستغرق وقتًا ثمينًا كان الأجدر أن تكرسه في التعامل مع قضايا مثل تغير المناخ، والصين، وجائحة كورونا، والانسحاب من أفغانستان، والتعافي الاقتصادي، وحزمة من القضايا الأخرى الأكثر خطورة. وإذا كانت للولايات المتحدة علاقة طبيعية مع إسرائيل، فإنها ستحظى بالاهتمام الذي تستحقه ليس أكثر.

ثالثًا: يؤدي الدعم غير المشروط لإسرائيل إلى تعقيد جوانب أخرى من الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط. سيكون التفاوض على اتفاقية جديدة للحد من قدرة إيران على إنتاج الأسلحة النووية أسهل بكثير إذا لم تواجه الإدارة معارضة مستمرة من حكومة نتنياهو، ناهيك عن المعارضة الشديدة للعناصر المتشددة في اللوبي الإسرائيلي هنا في الولايات المتحدة. ومرة أخرى، فمن شأن علاقة طبيعية أكثر مع إسرائيل – الدولة الوحيدة التي تمتلك بالفعل أسلحة نووية في الشرق الأوسط – أن تساعد جهود واشنطن طويلة المدى للحد من انتشار تلك الأسلحة في أماكن أخرى.

رابعًا: ساعدت عقود من الدعم غير المشروط لإسرائيل في زيادة الأخطار التي واجهتها الولايات المتحدة من الإرهاب. وكان “أسامة بن لادن” وشخصيات بارزة أخرى في القاعدة واضحة وضوح الشمس في هذه النقطة، حيث كان مزيج الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل والمعاملة الإسرائيلية القاسية للفلسطينيين أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتهم إلى مهاجمة “العدو البعيد”. ولم يكن هذا هو السبب الوحيد، لكنه لم يكن مصدر قلق تافهًا، كما ورد في تقرير لجنة التحقيق الرسمية في أحداث 11 سبتمبر بخصوص “خالد شيخ محمد”، الذي وصفته بأنه “العقل المدبر للهجمات” وباعترافه شخصيًّا، فإن عداوة خالد شيخ تجاه الولايات المتحدة لم تنبع من تجاربه هناك باعتباره طالبًا، بل بسبب خلافه العنيف مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة المنحازة لإسرائيل”. ولن تختفي مخاطر الإرهاب إذا كانت للولايات المتحدة علاقة طبيعية مع إسرائيل، ولكن الموقف الأكثر عدالة والذي يمكن الدفاع عنه أخلاقيًّا سيساعد في تقليل المواقف العدائية ضد الولايات المتحدة والتي ساهمت في التطرف العنيف في العقود الأخيرة.

وترتبط العلاقة الخاصة أيضًا بالمغامرات الأمريكية الفاشلة الكبرى في الشرق الأوسط، بما في ذلك قرار غزو العراق في عام 2003. ولم تكن إسرائيل هي التي ابتكرت هذه الفكرة السخيفة، وإنما المحافظون الجدد المؤيدون لإسرائيل في الولايات المتحدة هم من يستحقون هذا العار! وقد عارض بعض القادة الإسرائيليين الفكرة في البداية وأرادوا من إدارة “جورج دبليو بوش” التركيز على إيران بدلًا من ذلك. ولكن بمجرد أن قرر الرئيس الأمريكي “جورج دبليو بوش” أن الإطاحة بالزعيم العراقي آنذاك “صدام حسين” ستكون الخطوة الأولى في برنامج أوسع لـ “التحول الإقليمي”، فإن كبار المسؤولين الإسرائيليين – بمن فيهم نتنياهو ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق “إيهود باراك” و”شمعون بيريز” – ساعدوا في ترويج فكرة الحرب لدى الشعب الأمريكي.

فقد كتب كل من باراك وبيريز مبررات وحججًا دعمًا لذلك، كما ظهرا في وسائل الإعلام الأمريكية لحشد الدعم للحرب، وذهب نتنياهو إلى الكونجرس الأمريكي لتوجيه رسائل مماثلة لأعضائه. وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي أظهرت أن اليهود الأمريكيين كانوا أقل دعمًا للحرب من عامة الجمهور الأمريكي، إلا أن لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية وغيرها من منظمات اللوبي الإسرائيلي ألقت بثقلها وراء معسكر الحرب أيضًا. ولذلك لم تتسبب العلاقة الخاصة في اندلاع الحرب، ولكن العلاقات الوثيقة بين البلدين ساعدت في تمهيد الطريق.

وقد جعل شعار العلاقة الخاصة المألوف بأن التزام الولايات المتحدة بإسرائيل “لا يتزعزع” أيضًا من تأييد إسرائيل اختبارًا أساسيًّا لابد من اجتيازه حتى يتمكن المرء من العمل في الحكومة؛ ما منع عددًا كبيرًا من الأمريكيين القادرين على المساهمة بمواهبهم وتفانيهم في الحياة العامة. وفي المقابل تزول جميع العراقيل لكونك داعمًا بقوة لإسرائيل وتصل إلى أرفع المناصب الحكومية، وحتى الموظف إذا انتقد إسرائيل بشكل طفيف سيواجه على الفور وابلًا من المشاكل. فإذا ما تشكل انطباع عن أحدهم بأن تأييده لإسرائيل غير كافٍ فقد يتم قطع الطريق على تعيينه، كما حدث عندما اختير الدبلوماسي المخضرم ومساعد وزير الدفاع الأسبق “تشاز دبليو فريمان” في البداية ليشغل منصب رئيس مجلس الاستخبارات الوطنية في عام 2009، أو يمكن إجبار المرشحين على القيام بتصرفات مهينة مثل الإعراب عن الندم أو التذلل. ولا بد من التأكيد على أن مصدر القلق ليس اعتبار هؤلاء الأشخاص دون المستوى من حيث الاستعداد لخدمة الولايات المتحدة، وإنما الخشية نابعة من أنهم قد لا يكونون ملتزمين بشكل لا لبس فيه بمساعدة دولة أجنبية

ويمنع هذا الوضع غير الصحي كلاً من الإدارات الديمقراطية والجمهورية من السعي وراء الاستفادة من أفضل المواهب، إضافة إلى زيادة تضليل الخطاب العام الأمريكي. ويتعلم أصحاب السياسة الجيدون بسرعة عدم قول ما يفكرون به حقًّا بشأن القضايا المتعلقة بإسرائيل، وبدلًا من ذلك، يتكلمون بالتفاهات المألوفة حتى ولو كانت متناقضة مع الحقيقة. وعندما يندلع صراع مثل أعمال العنف الأخيرة في غزة، تجد المسؤولين العموميين والناطقين الإعلاميين مترددين على منصاتهم، في محاولة عدم قول أي شيء قد يوقع بهم أو برؤسائهم في المشاكل. والخطر لا يكمن في الوقوع في كذبة؛ لكن الخطر الحقيقي هو أنهم قد يقولون الحقيقة عن غير قصد.

كيف يمكن للمرء إجراء حوار صادق حول الإخفاقات المتكررة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عندما تكون العواقب المهنية لتحدي وجهة النظر التقليدية قاتمة؟

من المؤكد أن التصدعات في العلاقة الخاصة بدأت تظهر، فقد أصبح من الأسهل الآن الحديث عن هذا الموضوع أكثر مما كان عليه من قبل (بافتراض أنك لا تأمل في الحصول على وظيفة في وزارة الخارجية أو وزارة الدفاع)، وقد ساعد أفراد شجعان مثل “بيتر بينارت” و”ناثان ثرال” في اختراق حجاب الجهل الذي طال أمده محيطًا بهذه القضايا. لقد غير بعض مؤيدي إسرائيل مواقفهم بطرق يستحقون الثناء عليها. ففي الأسبوع الماضي فقط، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالًا يشرح بالتفصيل حقائق الصراع بطريقة لم تكن تحدث من قبل.

وبدأت الشعارات المبتذلة القديمة مثل “حل الدولتين” و”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” تفقد مفعولها السحري، وحتى بعض أعضاء مجلس الشيوخ والممثلين قد خففوا من دعمهم لإسرائيل مؤخرًا، بشكل خطابي على الأقل. ولكن السؤال الأهم هو ما إذا كان هذا التغيير في الخطاب سيؤدي إلى تغيير حقيقي في سياسة الولايات المتحدة؟ ومتى سيحدث هذا؟

إن المطالبة بإنهاء العلاقة الخاصة لا تعني الدعوة إلى المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات أو إنهاء كل أنواع الدعم الأمريكي؛ بل هي دعوة للولايات المتحدة أن تكون لها علاقة طبيعية مع إسرائيل على غرار علاقات واشنطن مع معظم الدول الأخرى. فمع وجود علاقة طبيعية، ستدعم الولايات المتحدة إسرائيل عندما تفعل أشياء تتفق مع مصالح واشنطن وقيمها، فيما تنأى بنفسها عندما تتصرف إسرائيل بطريقة مخالفة. وحينها ستتوقف الولايات المتحدة عن حماية إسرائيل من إدانة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلا عندما تستحق إسرائيل هذه الحماية بشكل لا لبس فيه.

ولم يعد المسؤولون الأمريكيون يمتنعون عن الانتقاد المباشر والصريح لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وسيكون السياسيون والمحللون وصُناع القرار الأمريكيون أحرارًا في مدح تصرفات إسرائيل أو انتقادها – كما يفعلون بشكل روتيني مع الدول الأخرى – دون خوف من فقدان وظائفهم أو أن يتعرضوا لموجه من التشهير والتشويه بدوافع سياسية.

إن العلاقة الطبيعية ليست طلاقًا، فسوف تستمر الولايات المتحدة في التجارة مع إسرائيل، وستظل الشركات الأمريكية تتعاون مع نظيراتها الإسرائيلية في أي عدد من المشاريع. كما سيستمر الأمريكيون في زيارة الأراضي المقدسة، وسيواصل الطلاب والأكاديميون من البلدين الدراسة والعمل في جامعات كلا البلدين، كما يمكن أن تستمر الحكومتان في تبادل المعلومات الاستخباراتية حول بعض القضايا والتشاور بشكل متكرر حول حزمة من القضايا السياسة الخارجية، ولا يزال بإمكان الولايات المتحدة أن تقف على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدة لإسرائيل إذا كان بقاؤها في خطر، كما هو الحال بالنسبة لدول أخرى، وستظل واشنطن أيضًا تعارض بشدة معاداة السامية الحقيقية في العالم العربي وفي دول أجنبية أخرى وخاصة في ساحتها الخلفية.

ويمكن لعلاقة أكثر طبيعية أن تعود على إسرائيل بالنفع أيضًا. فمنذ فترة طويلة، سمح الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل باتباع سياسات تركت آثارًا سلبية وعرّضت مستقبلها للخطر، وعلى رأسها المشروع الاستيطاني نفسه والرغبة غير الخفية في إنشاء “إسرائيل الكبرى” التي تضم الضفة الغربية ومحاصرة الفلسطينيين في أرخبيل من الجيوب المعزولة.  

ويمكن للمرء أيضًا أن يضيف إلى القائمة غزو لبنان عام 1982 الذي أنتج حزب الله، والجهود الإسرائيلية السابقة لدعم حماس لإضعاف فتح، والهجوم المميت على سفينة “مافي مرمرة” التي كانت تحمل مواد إغاثة إلى غزة في مايو 2010، والحرب الجوية الوحشية ضد لبنان في عام 2006 والتي جعلت حزب الله أكثر شعبية، فضلًا عن الاعتداءات السابقة على غزة في أعوام 2008 و2009 و2012 و2014.

كما أن عدم رغبة الولايات المتحدة في ربط مساعداتها لإسرائيل بمنح إسرائيل للفلسطينيين دولة قابلة للحياة كان سببًا في تدمير عملية أوسلو للسلام؛ ما أدى إلى تبديد أفضل فرصة حقيقية لحل الدولتين.

إن وجود هذه العلاقة الطبيعية – القائمة على الدعم الأمريكي المشروط وليس التلقائي – سيجبر الإسرائيليين على إعادة النظر في مسارهم الحالي، وبذل مزيد من الجهود والمساعي لتحقيق سلام حقيقي ودائم. وعلى وجه الخصوص، سيتعين عليهم إعادة التفكير في الاعتقاد بأن الفلسطينيين سوف يختفون ببساطة والبدء في التفكير في الحلول التي من شأنها ضمان الحقوق السياسية لليهود والعرب على حد سواء.

إن النهج القائم على الحقوق ليس هو الدواء الشافي، وسيواجه العديد من العقبات، إلا أنه سيكون متسقًا مع القيم المعلنة للولايات المتحدة ويوفر المزيد من الأمل للمستقبل أكثر مما تفعله إسرائيل والولايات المتحدة اليوم. والأهم من ذلك كله، سيتعين على إسرائيل أن تبدأ في تفكيك نظام الفصل العنصري الذي أنشأته على مدى العقود العديدة الماضية؛ لأنه حتى الولايات المتحدة ستجد صعوبة متزايدة في الحفاظ على علاقة طبيعية إذا ظل هذا النظام قائمًا.  

والآن: هل أتوقع تغييرًا في الموقف الأمريكية تجاه إسرائيل قريبًا؟ لا، على الرغم من أن العلاقة الطبيعية مع إسرائيل – على غرار العلاقات التي تربط الولايات المتحدة مع جميع دول العالم تقريبًا – لا ينبغي أن تكون فكرة مثيرة للجدل بشكل خاص، حيث لا تزال هناك مجموعات مصالح قوية تدافع عن العلاقة الخاصة والكثير من السياسيين عالقون مع وجهة نظر عفا عليها الزمن للقضية. ومع ذلك، قد يكون التغيير أكثر احتمالًا ووشيكًا مما قد يعتقده المرء، وهذا هو السبب في أن المدافعين عن الوضع الراهن يسارعون في تشويه وتهميش أي شخص يقترح بدائل. ولكن بمجرد أن تصبح المناقشة العامة لموضوع ما أكثر انفتاحًا وصدقًا، يمكن أن تتغير المواقف التي عفا عليها الزمن بسرعة مدهشة، وما كان يومًا مستحيلًا يمكن أن يصبح ممكنًا؛ بل حتى أمرًا طبيعيًّا.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا