معهد الكانو | هدية ترامب.. أزمة بين المغرب وإسبانيا

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

أظهر المغرب منذ أسابيع بوادر انزعاج وغضب تجاه إسبانيا لاستقبالها زعيم جبهة البوليساريو “إبراهيم غالي” المصاب بفيروس كورونا في مستشفى “سان بيدرو دي لوجرونيو”. وقد اختارت الرباط طريقة غير بارعة لترجمة انزعاجها إلى أفعال. فقد صدرت الأوامر بفتح البوابات المغربية على الحدود مع مدينة سبتة الإسبانية في شمال إفريقيا؛ ما يسمح بمغادرة آلاف المدنيين المغاربة وجنوب الصحراء الكبرى. لقد كان قرارًا متعمدًا يهدف إلى تحقيق أهداف محددة، واستجابةً للسياق المتغير على المستوى الدولي والداخلي في المغرب نفسه.

ففي 10 ديسمبر 2020، أعلن “دونالد ترامب”، الذي خسر آنذاك جولة إعادة انتخابه كرئيس للولايات المتحدة، عبر تغريدة، أدت إلى زعزعة الاستقرار شمال إفريقيا وغرب البحر الأبيض المتوسط، أقر فيها بسيادة المغرب على الأراضي المتنازع عليها في الصحراء الغربية. لقد كان يفعل ذلك كصفقة مقابل قيام المغرب بإقامة علاقات كاملة مع دولة إسرائيل، حتى في غياب احتمالات السلام مع الفلسطينيين. واحتفلت السلطات المغربية بهذا القرار الأحادي الجانب الذي اتخذه ترامب، ودفعها إلى تبني موقف أكثر حزمًا في علاقاتها الخارجية.

كان تمادي الدبلوماسية المغربية واضحًا عندما أشعلت المغرب أزمة مع ألمانيا في مارس الماضي، كانت تتعلق – على الأرجح – بقضية الصحراء. حيث أرادت الرباط إرسال إشارة، خاصة إلى دول الاتحاد الأوروبي، بأنها مستعدة للتعامل معهم بحزم إذا ما اعترضوا على قرار ترامب. وعلاوة على ذلك، سيتعين على محكمة العدل الأوروبية في الأشهر المقبلة إصدار حكم جديد بشأن شرعية صادرات المغرب من الصحراء الغربية إلى الاتحاد الأوروبي. هناك احتمال أن يكون هذا الحكم غير محبب للمملكة المغربية؛ ما قد يزعزع العلاقات مع جيرانها.

إن “هدية” ترامب، قبيل مغادرته البيت الأبيض، لا تخلو من مخاطر على المغرب نفسها. فقد يؤدي النجاح الدبلوماسي– المهم ولكنه غير كافٍ لادعاء النصر– إلى القيام بحسابات خاطئة مع دول مهمة للغاية فيما يتعلق بضمان مصالحها الخاصة. كما أن المغرب، مثل العديد من الدول الأخرى، يواجه أزمة اقتصادية واجتماعية حادة تفاقمت بسبب القيود الناجمة عن جائحة كورونا. وستعود إثارة الأزمات مع الدول التي تعد شريكة رئيسية في مجالات مثل الاقتصاد والأمن والدعم في المحافل الدولية على المغرب بأضرار بالغة؛ ففي الوقت الحالي، اندلعت بالفعل أزمتان مع دولتين أوروبيتين (ألمانيا وإسبانيا) في غضون شهرين فقط.

جاء فتح البوابات المغربية المؤدية إلى سبتة في إطار تزايد الضغوط الداخلية في المغرب. فمن ناحية، يتسبب الاختناق الاقتصادي الذي تفرضه الرباط على مدينتي مليلية وسبتة الإسبانيتين، المتمتعتين بالحكم الذاتي، أيضًا في إلحاق أضرار كثيرة على السكان المغاربة على الحدود. ومع اختفاء الدخل الناتج من التجارة عبر جمرك بني أنصار مع مدينة مليلية، وكذلك من “التجارة غير التقليدية” الدائرة مع المدينتين الإسبانيتين، يحرم عشرات الآلاف من الأسر المغربية من الدخل الحيوي لها. وهذا ما يفسر جزئيًّا سبب سعي السلطات المغربية للتنفيس عن الضغط والاضطرابات الاجتماعية التي تسببت فيها.

ومن ناحية أخرى، تصاعد الضغط الداخلي أيضًا في الأيام الأخيرة نتيجة جولة العنف الجديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، خاصة بسبب المشهد الدموي القادم من غزة، حيث تعرب شرائح الرأي العام المغربي، إسلامي وغير إسلامي، عن عدم ارتياحها لأن بلادهم تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، الدولة التي يُنظر إليها على أنها سبب المعاناة الإنسانية التي يعاني منها السكان المدنيون الفلسطينيون. وإذا طال أمد العنف، أو ارتكبت إسرائيل مذبحة أخرى ذات تأثير عاطفي قوي، سيتزايد ضغط الشارع المغربي على الأسرة العلوية الحاكمة بشكل كبير. وقد يفسر هذا، جزئيًّا، بحث المغرب عن “عدو خارجي” لصرف الانتباه إليه. ومرة أخرى، تتأثر إسبانيا “بهدية” ترامب.

والسؤال المطروح الآن هو: ما الذي يمكن توقعه من الإدارة الأمريكية الجديدة في السياق الحالي؟ صحيح أن المغرب شريك مهم لواشنطن، ولا يبدو أن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” سينقض الإعلان الرئاسي لسلفه فيما يتعلق بالصحراء الغربية. ومع ذلك، لا يبدو أن فتح الحدود للسماح بدخول آلاف المهاجرين غير الشرعيين هو أحسن صورة يقدمها المغرب إلى إدارة لديها أيضًا مشاكل الهجرة والحدود مع جيرانها الجنوبيين. كما لا ينبغي الترحيب بتجميد المغرب للتعاون الأمني ​​مع إسبانيا في واشنطن أو في العواصم الأوروبية، حيث يمكن الشعور بآثاره خارج مضيق جبل طارق، وهو ما ينبغي على إسبانيا توضيحه لحلفائها وكذلك للمغرب.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا