ذا استراتجيست| ما حجم التغيير الذي سيحدث في مرحلة ما بعد نتنياهو؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

بعد 12 عامًا قضاها رئيسًا لوزراء إسرائيل، يبدو أن بنيامين نتنياهو ستتم الإطاحة به الأسبوع المقبل، وذلك عندما تتشكل حكومة جديدة برئاسة “نفتالي بينيت” رئيس حزب “يمينا” اليميني. أُعلنت الحكومة الائتلافية مساء يوم الأربعاء الماضي، قبل دقائق فقط من انتهاء المهلة الدستورية التي تقضي بإجراء انتخابات جديدة في حال عدم التوصل لاتفاق لتشكيل الحكومة بحلول ذلك الوقت، وسيتعيّن على الحكومة الآن الحصول على تصويت بالثقة من الكنيست في غضون أسبوع.

إن عجرفة نتنياهو ونهجه السياسي التشكيكي، اللذين يحركهما بصورة رئيسية هوسه بخدمة مصالحه الشخصية، عملًا على تنفير سياسيين داخل الطيف السياسي الإسرائيلي، بداية من حزب العمل في معسكر اليسار، وصولًا إلى الأحزاب الصهيونية المتطرفة في معسكر اليمين المتشدد، كان هذا السبب الرئيسي لاتحاد مجموعة متنافرة من الأحزاب مع بعضها للإطاحة به بالرغم من الخلافات الهائلة في أيديولوجياتها وفلسفاتها الاقتصادية، وتضارب الطموحات السياسية لقياداتها. للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل، سيضمّ التحالف الحاكم حزبًا عربيًّا، القائمة العربية الموحّدة، والتي كانت آخر حزب يوقع على التحالف.

إن الطبيعة المتشرذمة للوضع السياسي الإسرائيلي، تتجلى بوضوح في حقيقة أنه كان يتعيّن تنظيم أربعة انتخابات في مدة عامين للوصول إلى هذه النتيجة. إن نتنياهو متمرس في المناورة السياسية، وبعد كل انتخابات من الانتخابات الثلاثة السابقة، استطاع الاحتفاظ بمنصب رئيس الوزراء عبر تقديم وعود لمنافسين سياسيين حنث بها لاحقًا، ما تسبب في ألم عظيم لدى شركائه في الائتلاف.

ولكن هناك سؤالان مهمان يبرزان مع انتقال إسرائيل إلى عهد ما بعد نتنياهو: السؤال الأول يتعلق باستقرار الائتلاف المتنوع الذي سيتولى مقاليد السلطة: كم من الوقت سيصمد بعد رحيل نتنياهو من المشهد؟ والسؤال الثاني يتعلق بمستقبل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وهل سيحوّل هذا التغيير الحكومي من مسار العلاقات الإسرائيلية -الفلسطينية ويُحيي حل الدولتين الذي بات يلفظ أنفاسه الأخيرة؟

وبالرغم من صعوبة التنبؤ بمدّة صمود التحالف، غير أنه من الواضح أنه بمجرد تراجع شبح نتنياهو، ستبرز بقوة قضايا تعمل على تقسيم شركاء التحالف. سيبدأ مختلف القادة السياسيين في هذا التحالف بكل تأكيد على إعادة ترسيخ طموحاتهم الهائلة. وافق “يائير لابيد”، زعيم حزب “هناك مستقبل” الوسطي، والحاصل على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية وسط شركائه في الائتلاف، على تولي “بينيت” منصب رئيس الوزراء في أول عامين من فترة الكنيست الحالي، بالرغم من حقيقة أن حزبه “يمينا” حصل على سبعة مقاعد مقارنة مع 17 مقعدًا لحزب “هناك مستقبل”.

بيد أنّ التصادم المحتوم بين طموحات وشخصيات هذا الائتلاف، لا يقتصر على “لابيد” و”بينيت”؛ إذ إنه لا بد أن “أفيغدور ليبرمان”، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” العلماني اليميني القومي المتطرف، و”بيني غانتس”، رئيس حزب “أزرق أبيض” الوسطي، غاضبان أيضًا من تسيُّد “نفتالي بينيت” الذي حصل حزبه على عددٍ من المقاعد يساوي عدد مقاعد حزبيهما.

هناك مصدر آخر للتوتر من المحتمل أن يؤثر على عمل الائتلاف الحكومي، وهو الشراكة بين “القائمة العربية الموحدة” من جهة، التي تركز مطالبها على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، وإلغاء المعاملة التمييزية التي يتعرضون لها، وبين الأحزاب الصهيونية القومية المتشددة من جهة أخرى. بالنسبة لمعظم أعضاء هذا الائتلاف، فإن هذا الاتفاق هو عبارة عن زواج مصلحة كان من الضروري عقده، وبحسب “بينيت”، فإنه “إما أن يكون هناك اتحاد أو انتخابات خامسة”، وهذا يجعلنا نتساءل: كم من الوقت ستدوم هذه الوحدة؟

ومن غير المتوقع القيام بتحركات فيما يخص الجبهة الإسرائيلية – الفلسطينية، لأنه ما من طرف في شركاء هذا التحالف الكبار مهتم للغاية بإيجاد حل للصراع. ونظرًا لوجود أحزاب صهيونية قومية متطرفة في التحالف، بالإضافة إلى استحواذ المستوطنين اليهود على نفوذ هائل في المشهد السياسي الإسرائيلي، فلن ترغب الحكومة الائتلافية في التورط في مسائل جدلية بشأن “عملية سلام” وهمية ربما لن تسهم إلا في تسريع تفكيك هذه الحكومة.

إن الخط الأخضر الذي يفصل بين إسرائيل والأراضي المحتلة، بات الآن جزءًا من رواية خيالية جرى نسجها للإبقاء على خرافة حل الدولتين حيّة. لقد انتهت هذه الرواية منذ زمن بعيد بسبب تواصل بناء مستوطنات يهودية على نطاق واسع في الضفة الغربية، وضمّ إسرائيل للقدس الشرقية، وبناء طرق مخصصة لإسرائيليين فقط في الأراضي المحتلة، ما أدّى لتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى أجزاء منفصلة لا يمكن العيش بها.

فقدت السلطة الفلسطينية، التي يعتبرها المجتمع الدولي المحاور الشرعي على الجانب الفلسطيني، كل مصداقيتها، وبات معظم الفلسطينيين ينظرون إليها باعتبارها مجرد مُنفذة لأوامر إسرائيل في الأراضي المحتلة. إن فكرة إقامة كيان موحّد من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، والذي سيوفر حقوقًا سياسية ومدنية متساوية للفلسطينيين، تزداد جاذبيتها وسط الفلسطينيين، وذلك بعد تراجع فكرة إقامة سلام عادل قائم على حل الدولتين.

بالتالي، لن تشعر الحكومة في عهد ما بعد نتنياهو بأنها مضطرة لمعالجة القضية الفلسطينية، إلا في حال اندلعت انتفاضة أخرى لا تشمل الضفة والقطاع فقط، بل تمتد لتشمل المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل. إن هذا الاحتمال لا يمكن استبعاده في ضوء أحداث الشهر الماضي التي أظهرت أن تصورات الفلسطينيين تجاه المِحَن التي يواجهونها في غزة والضفة الغربية وداخل إسرائيل، بالرغم من اختلاف التفاصيل، هي متشابهة في جوهرها بسبب الحرمان والتمييز الناجمين عن عدم المساواة الهائلة في السلطة بين الدولة الإسرائيلية والشعب الفلسطيني.

مع هذا، وفي الوقت الراهن، يمكن للمرء الاعتقاد أن حكومة بينيت – لابيد ستظهر حالة اللامبالاة ذاتها تجاه معاناة الفلسطينيين، كما كان الحال تحت حكم نتنياهو، لاسيما أن “بينيت” يعارض بشدة فكرة إقامة دولة فلسطينية، ويفضّل ضمّ جزء كبير من الضفة الغربية إلى إسرائيل. وكما يقول المثل الفرنسي “كلما تغيّرت الأمور، بقيت على حالها”.    

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا