معهد الدراسات الأمنية الأفريقي| كيف تتفادى السودان فشل عملياته الانتقالية السابقة؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

يصادف يوم الخميس الثالث من يونيو الذكرى الثانية للمجزرة التي ارتُكبت بحق محتجين أمام مقرّ الجيش السوداني. ضحى هؤلاء المحتجون بحياتهم لتحقيق ما كانوا يأملون أنه انتقال سياسي سيجلب سلامًا وحكمًا ديمقراطيًّا، وهما هدفان لم يتحققا في هذا البلد منذ استقلاله عام 1956.

بعد مرور عامين على الانتقال السياسي، لا يزال التقدم محدودًا ويواصل الجيش هيمنته على القادة المدنيين. هل كانت ثورة 2019 مجرد انتفاضة أخرى في السودان؟ منذ الاستقلال، شهد السودان أربعة انقلابات. لم تنجح إلا ثورة أكتوبر عام 1964 وانتفاضة إبريل عام 1985 في الإتيان بحكومات مدنية منتخبة ديمقراطيًّا.

يكشف تقرير لمعهد الدراسات الأمنية، أن العملية الانتقالية الراهنة تتبع مسارًا مشابهًا لعمليات نقل السلطة في الفترتين 1964-1965 و1985-1986. يمكن فهم الفرص والمشاكل الحاصلة في الفترة الحالية بشكل أفضل عبر النظر إلى دروس الماضي.

هناك أربعة أوجه تشابه ساهمت في نجاح الانتفاضات الشعبية في الأعوام 1964 و1985 و2019 في الإطاحة بحكومات سودانية: التعبئة المدنية الجماعية، والتفاوض الناجح وسط النخب السياسية الحاكمة بشأن طريقة الإطاحة بالحكومة، وقدرة القادة المدنيين على إجراء صفقات مع جماعات متمردة مسلحة، ونجاح الأطراف السياسية في إقناع الجيش بدعم تغيير النظام بمجرد اكتساب الاحتجاجات زخمًا.

بينما أدّت العمليتان الانتقاليتان السياسيتان في فترة 1964-1965 وفترة 1985-1986 إلى انتخاب حكومات مدنية ديمقراطية، إلا أنه أُطيح بهما بانقلابات عسكرية خلال أربع سنوات. كانت هناك أربع أخطاء أدّت لفشلهما في نهاية المطاف.

الخطأ الأول كان الردّ غير المناسب على أزمات اقتصادية اعتبرتها حشود المحتجين ملحّة؛ حيث تواجه العملية الانتقالية الحالية مشكلة مماثلة. منذ أغسطس 2019، يشهد الاقتصاد السوداني تدهورًا، ولا تزال البلاد تشهد تضخمًا مرتفعًا للغاية تشير تقديرات بوصوله إلى 61.5 بالمائة عام 2020. وبالرغم من إزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، ما يعني قدرته على الحصول على قروض وتخفيف أعباء الديون ووصول استثمارات أجنبية، إلا أن كل هذا كان مجرد وعود لم تُترجم حتى الآن إلى دعم مالي ملموس.

الفشل الثاني الرئيسي في العمليات الانتقالية الماضية، يتمثل في الإخفاق في تحقيق سلام دائم. لم تفِ الأحزاب السياسي والحكومات المدنية في مرحلة ما بعد الانتقال السياسي باتفاقيات السلام مع الجماعات المسلحة، وبعد مرور عامين على العملية الانتقالية الحالية، تم توقيع اتفاقيات مع عدد من الجماعات المسلحة، لكن لم يتم تطبيق بنود رئيسية فيها بعد. أحد أسباب هذا هو أن هناك جماعتين متمردتين رئيسيتين لديهما قوات كبيرة على الأرض لم توقعا بعد على الاتفاقيات.

هناك مفاوضات تجري مع إحدى هذه الجماعات- الحركة الشعبية لتحريري السودان (شمال). لكن المحادثات مع الجماعة الأخرى، حركة تحرير السودان، لم تبدأ رسميًّا بعد. سيكون من الصعب تطبيق عملية السلام الحالية في المناطق التي تنشط فيه هاتان الجماعتان.

كما اختُتمت مفاوضات في عمليات مختلفة، ولم تتفق جميع الأطراف السياسية على بنود اتفاقيات سلام “جوبا”. هناك حاجة لعقد مزيد من المحادثات لحل القضايا الرئيسية المرتبطة بتأسيس مجلس تشريعي، وتسريح الجماعات المتمردة وإعادة إدماجها، وإصلاح القطاع الأمني.

وما تزال هناك بنود أخرى في اتفاق سلام جوبا لم تُطبق بعد، من بينها عملية العدالة الانتقالية وإنشاء محكمة خاصة لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب في دارفور. كما أن هناك أشخاصًا صدرت بحقهم أوامر اعتقال قديمة لم يتم تسليمهم بعد للمحكمة الجنائية الدولية، كما لم تتم محاسبة الأشخاص المشاركين في مجزرة الثالث من يونيو.

هناك أسباب أخرى من بينها التأخيرات في قانون العقوبات السوداني، والذي لم يُراجع بعد للاعتراف بانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بوصفها جرائم يعاقب عليها القانون. ولا يزال تأسيس لجان مختلفة بهدف الإشراف على هذه العمليات قيد النظر.

السبب الثالث للفشل الذي لحق بعمليات الانتقال السياسي السابقة، هو عدم وجود رؤية مشتركة وسط النخب السياسية. كان هذا سببًا رئيسيًّا لعجز السودان عن تبنّي دستور دائم منذ الاستقلال.

تُظهر الانقسامات السياسية والأيديولوجية المتجذرة داخل تحالف قوى الحرية والتغيير، أن التاريخ يكرر نفسه. لا يستطيع هذا التحالف الاتفاق على إصلاح الوضع الاقتصادي للسودان وعلاقاته الخارجية والإصلاحات القانونية وصياغة دستور ومسائل رئيسية أخرى متعلقة بالانتقال السياسي. وضع هذا الأمر عراقيل أمام إحراز مزيد من التقدم في هذه العمليات، كما أضعف بشكل كبير من السلطة النسبية للأطراف المدنية.

الفشل الرابع يتمثل في التنازلات الكبيرة التي قُدمت للجيش وأدّت في النهاية لإضعاف الأطراف المدنية. إن السودان الآن تقوده حكومة مدنية انتقالية، ومع هذا، ما تزال هناك سلطات كبيرة في أيدي الجيش، الذي يرأس “مجلس السيادة” في النصف الأول من المرحلة الانتقالية.

وبوصفه رئيسًا للمجلس، قاد الجيش عمليات مهمة يمتلك فيها مصالح خاصة، ويشمل هذا مفاوضات السلام مع جماعات متمردة مسلحة، وبنود العدالة الانتقالية التي تُلزم أعضاء المجلس العسكريين بمعاقبة أفراد من الجيش، بالإضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية. يقود الجيش أيضًا عملية تفكيك النظام القديم ونظام المحسوبية التابع له، وإصلاح القطاع الأمني.

أعادت اتفاقية سلام جوبا ضبط الإطار الزمني للانتقال السياسي، ومن غير الواضح متى سيتولى المدنيون قيادة مجلس السيادة، وميعاد تنظيم انتخابات ديمقراطية.

تعكس العملية الانتقالية الراهنة الأخطاء الأربعة المهمة التي عرقلت الجهود الماضية لتأسيس حكومات مدنية. ولكي تنجح العملية الانتقالية في السودان، يجب معالجة هذه المشاكل. يجب على الفاعلين السياسيين موازنة سلطة الجيش وتجاوز الخلافات في تحالف قوى الحرية والتغيير، وتمكين الحكومة الانتقالية من تطبيق أهدافها.

يجب الالتزام ببنود الوثيقة الدستورية الخاصة بشروط المرحلة الانتقالية، وبالرغم من أن اتفاقية سلام جوبا راجعت بعض هذه البنود، إلا أنها لم تضع أُطرًا زمنية واضحة للعملية الانتقالية والعمليات المرتبطة بها.

إن مستقبل السودان الديمقراطي، يتطلب دستورًا قائمًا على حوار وطني جامع. ولكي يتحقق هذا الهدف، يجب على الأطراف السياسية في تحالف قوى الحرية والتغيير والجماعات المسلحة وأطراف أخرى تجاوز انقساماتها السياسية وإيجاد أرضية مشتركة؛ حينئذ فقط ستنجح العملية الانتقالية في السودان هذه المرة. 

للاطلاع على الرابط السابق اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا