ناشيونال إنترست| هل تعمل استراتيجية بايدن في الشرق الأوسط على إبعاد الحلفاء وتشجيع الأعداء؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

تحاول إدارة بايدن عزل المفاوضات النووية مع إيران من تصعيد التوترات بين إيران وحلفاء الولايات المتحدة. ولهذه الغاية، تتعامل واشنطن مع المخاوف الأمنية لحلفائها – إسرائيل والإمارات والسعودية – كمجال موازٍ منفصل عن طموحات إيران النووية ورعايتها الإرهابية. وقد أدى ذلك إلى قيام إدارة بايدن بحذف إيران من التقرير السنوي لحقوق الإنسان لوزارة الخارجية في مارس والذي أدرج قائمة منتهكي حقوق الإنسان في العالم. وبالمثل، امتنعت إدارة بايدن عن ذكر تورط إيران في الصراع الأخير بين إسرائيل وحماس. وبالتالي، فإن إدارة بايدن تكرر نهج إدارة أوباما تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة التي سعت إلى فصل البرنامج النووي الإيراني عن دعمها لزعزعة الاستقرار الإقليمي. ويعمل هذا الاسترضاء الأمريكي لإيران على تعزيز استراتيجيتها لزعزعة الاستقرار الإقليمي مع تقويض أمن الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة.

يؤكد مكتب مدير الاستخبارات الوطنية في تقريره السنوي “تقييم التهديد”، الذي نُشر في 9 أبريل 2021، أن المسؤولين الحكوميين “يتوقعون أن تؤدي رهانات إيران الخطيرة إلى تصعيد التوترات وتهديد مصالح الولايات المتحدة والحلفاء في العام المقبل”. وتهدف استراتيجية إيران المتطرفة لزعزعة الاستقرار الإقليمي إلى الاستفادة من الولايات المتحدة لرفع العقوبات الإيرانية في محادثات فيينا النووية كشرط مسبق لطهران لاستئناف الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015.

وقد شجعت هذه الاستراتيجية النظام الإيراني على مواجهة الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة كما شوهد في الصراع الأخير بين إسرائيل وحماس.

وتمد إيران حماس بالعتاد والقدرة التقنية لتصنيع الصواريخ. كما أشاد قادة عسكريون إيرانيون مؤخرًا بضربات حماس على إسرائيل وتعهدوا بمواصلة تسليح وتمويل حماس في محاولتها لتدمير الدولة اليهودية. ولهذه الغاية، تنقل إيران الأموال والخبرة التقنية لإنتاج الأسلحة إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي. ففي 15 مايو 2021، اتصل قائد الحرس الثوري الإسلامي اللواء “إسماعيل قآني” بزعيم حماس في قطر “إسماعيل هنية” وزعيم الجهاد الإسلامي “زياد النخالة”. وعبّر قاني عن دعم إيران لـ “المقاومة” الفلسطينية. وبالمثل، أبدى “ناصر الشمري”، نائب زعيم حزب النجباء في العراق، استعداده لنقل الأسلحة إلى حماس والمشاركة في القتال ضد إسرائيل. كما لوحظ استخدام كل من كتائب القسام التابعة لحماس والجهاد الإسلامي للذخائر الإيرانية، بما في ذلك صواريخ كورنيت وصواريخ سجيل وبدر 3، في قصفها للبلدات الإسرائيلية. وقال زعيم الجهاد الإسلامي “زياد النخالة” لقناة الميادين الموالية لإيران في الأول من ديسمبر 2020، إن جميع الأسلحة التقليدية وصلت غزة عن طريق الحاج قاسم سليماني وحزب الله وسوريا، ولعب محور المقاومة دورًا في نقلها… هناك معسكرات تدريب في سوريا حيث تلقى إخواننا في حماس تدريبات خاصة على صناعة الصواريخ”.

وقال وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي إن دعم إيران لترسانة حماس الصاروخية خلق “كابوسًا للصهاينة”. وهكذا، في أعقاب توقف الصراع الأخير بين حماس وإسرائيل، أعلن “فتحي حماد”، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، أنه “بانتهاء عدوان النظام الإسرائيلي الأخير، استأنفت المقاومة الفلسطينية عملية إنتاج الصواريخ”.

وبينما أطلقت حماس أكثر من أربعة آلاف صاروخ على إسرائيل، بقي الآلاف في ترسانتها. على الرغم من الضربات الإسرائيلية المتعددة على البنية التحتية لحماس، تحتفظ إيران بالقدرة على إعادة تنشيط هجمات حماس كما تشاء كجزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع للاستفادة من المحادثات النووية لفك العقوبات. فيما ستمنح صفقة إيران الجديدة تخفيفًا للعقوبات بمليارات الدولارات مما يصب في مصلحة تمويل وكلاء إيران في المنطقة مثل حماس وحزب الله.

ويرافق التغاضي عن أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار تجاه حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين فشل إدارة بايدن في تحديد أهدافها الاستراتيجية في المنطقة. ففي أثناء حملته الانتخابية، دعا بايدن إلى نبذ السعودية بسبب مقتل خاشقجي، فيما فرض مؤخرًا عقوبات وقيود على التأشيرات الممنوحة للمسؤولين السعوديين. وعلاوة على ذلك، قامت إدارة بايدن في فبراير 2021 بشطب الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، رغم الاتجاه المتزايد للحوثيين بشن هجمات عبر الحدود.

ومن جهته، صرح المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، “تيم ليندركينغ”، بأن دعم إيران للحوثيين في اليمن وإمدادهم بالأسلحة “مهم للغاية وقاتل”. ومؤخرًا هاجم الحوثيون مدينة جازان جنوب السعودية مهددين شركة أرامكو بالصواريخ والطائرات المسيرة.

إن عدم التدخل الأمريكي تجاه إيران بشكل مباشر يساهم في اعتقاد النظام الإيراني بأنه لن يواجه أي ردع لانتهاكه العقوبات الأمريكية وتعزيز استراتيجيته الإقليمية المزعزعة للاستقرار. ونتيجة لذلك، تقوم إيران بتوسيع نطاق هجماتها مما يزيد التوترات الإقليمية. ففي ديسمبر 2020، انتهكت إيران العقوبات بشحن النفط إلى فنزويلا مقابل الذهب. كما احتجزت إيران في أبريل 2021 ناقلة نفط ترفع علم كوريا الجنوبية كرهينة لتلقي المليارات من أموال النفط المجمدة.

وعدم التدخل هذا يجعل السعودية تسعى للتغلب على شعورها بالضعف من خلال استكشاف علاقات دفاعية وأمنية أوثق مع إسرائيل. وبدأ البلدان بتنفيذ عمليات إقليمية مستقلة دون تنسيق مع الولايات المتحدة.

وهذه نتيجة مباشرة لعدم رغبة الولايات المتحدة في ممارسة قيادتها في الشرق الأوسط؛ ما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات الإقليمية. وهكذا، كما أكد “بنيامين نتنياهو”، رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته، “إذا كان علينا الاختيار، آمل ألا يحدث ذلك، بين الاحتكاك مع صديقنا العظيم الولايات المتحدة والقضاء على التهديد الوجودي (النووي الإيراني)، فإن القضاء على التهديد الوجودي يربح”.

وفي ظل غياب استعداد الولايات المتحدة لمحاسبة إيران، هاجمت إسرائيل في أبريل 2021، سفينة “سافاز” الإيرانية التي يستخدمها الحرس الثوري الإيراني للتجسس. وفي نفس الشهر ردت إيران بمهاجمة سفينة إسرائيلية قبالة الساحل الإماراتي. ويقال إن إسرائيل هاجمت 12 سفينة تنقل النفط الإيراني بشكل غير قانوني إلى سوريا منذ عام 2019 في محاولة إيرانية لتمويل حزب الله. وفيما بين عامي 2017 و2020، نفذت إسرائيل أيضًا حملة جوية بألف غارة جوية على أصول إيرانية في مناطق تشمل العراق والسودان وسوريا ولبنان.

ولا يمكن التعامل مع المخاوف الأمنية لحلفاء الولايات المتحدة بشكل منفصل عن الخطر الإيراني. فقد دفع الهجوم الإلكتروني الإسرائيلي على “ناتانز”، منشأة التخصيب الرئيسية الإيرانية في أبريل 2021، إدارة بايدن للتعبير عن إحراجها بينما تسعى الولايات المتحدة لبدء محادثات مع إيران. وردًّا على ذلك، تم إطلاق صاروخ سوري باتجاه مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي في أبريل 2021، وأعلنت إيران أنها سترفع تخصيب اليورانيوم إلى 60%.

إن استعداد حلفاء الولايات المتحدة للعمل بشكل مستقل ناتج عن تصور أن محاولة الولايات المتحدة تقديم تنازلات لإيران ترجع إلى تحول اهتمامها إلى التحديات الجيوسياسية التي تفرضها الصين وروسيا، والتي كانت تقود الولايات المتحدة للحفاظ على بصمة خفيفة. في الشرق الأوسط. ومن هذا المنظور تعتقد إيران أن محاولة الولايات المتحدة سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر 2021، ستؤدي إلى تهميش السعودية ورفض مخاوف إسرائيل بشأن المفاوضات مع إيران.

إن نجاح المفاوضات النووية مع إيران مشروط بتأكيد الولايات المتحدة لحلفائها أنها ستظل ملتزمة بالاستقرار الإقليمي ووقف التهديد الإيراني في جميع مساراته. وهذا يستلزم تقديم الولايات المتحدة الدعم للسعودية والإمارات وإسرائيل، الأمر الذي سيقود السعودية والإمارات وإسرائيل لتنسيق استراتيجيتها الإقليمية مع الولايات المتحدة. وفي المقابل، قد يساهم ذلك في خلق سياق إقليمي أكثر ملاءمة للمفاوضات مع إيران. إذ إن التمدد في اتجاهات معاكسة بين منطقة آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط يجب ألا يمنع الولايات المتحدة من صياغة استراتيجية متماسكة للشرق الأوسط؛ لأن هذا يشكّل تهديدًا بإبعاد الحلفاء وتشجيع الخصوم.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا