نيويورك تايمز| إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الخليج قد يكون حلًا لمشروع إيران

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

يبدو أن التوصل لاتفاق لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران بات ممكنًا، إذ من المقرر أن تجتمع الولايات المتحدة وشركاؤها الأسبوع المقبل في فيينا ضمن سادس جولة محادثات مع دبلوماسيين إيرانيين منذ شهر إبريل الماضي. هذه أخبار مرحب بها، حيث فرض الاتفاق النووي قيودًا مهمة على برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات.

لكن هناك بعض البنود المهمة في الاتفاق التي لها تاريخ انقضاء. لهذا السبب ينبغي أن يفتح جانب مهم في هذه العملية الباب أمام التوصل لمزيد من الاتفاقيات التي قد تخفف من مخاوف حقيقية بشأن طموحات إيران طويلة الأمد، وتحدّ من اندلاع سباق تسلح ناشئ في المنطقة. وسيؤدي هذا، من الناحية المثالية، لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي. يبدو أن إدارة بايدن تفهم هذا، ولهذا تعهّدت بالتوصل لاتفاق “أطول مدى وأقوى” في المستقبل.

إن العقبات كثيرة وصعبة للغاية. لكن يبدو أن الرياح مواتية، على الأقل فيما يخص إعادة إحياء الاتفاق الحالي. لقد قيل إن المرشد الأعلى الإيراني، صاحب السلطة الحقيقة في البلاد، يرغب في إعادة الاتفاق قبل تولي رئيس جديد للسلطة من الرئيس الحالي حسن روحاني في أغسطس المقبل.

بذل السيد حسن روحاني قصارى جهده عام 2015 للتوصل للاتفاق النووي مع إدارة أوباما وقوى عالمية أخرى، من بينها الصين وفرنسا وروسيا وألمانيا وبريطانيا، وذلك قبل أن ينسحب دونالد ترمب منه عام 2018 ويعيد فرص عقوبات، والتي، من بين نتائج أخرى، تركت المواطنين الإيرانيين العاديين يكافحون للحصول على الدواء، بما في ذلك لقاحات كوفيد19.

من المتوقع على نطاق واسع أن يكون “إبراهيم رئيسي”- رئيس القضاء المتشدد – خليفة السيد “روحاني” في منصب الرئيس، وذلك عقب انتخابات إيران الرئاسية المقرر عقدها يوم الجمعة المقبلة. ولو جرى التوصل لاتفاق الآن، سيتمتع السيد “رئيسي” بفوائد الاتفاق من دون أن يضطر للقبول بمسؤوليته عنه- أو في حال انهار مجددًا.

بموجب اتفاق 2015 النووي، وافقت إيران على الحدّ من كمية المواد الانشطارية التي تخزنها، والاحتفاظ بمستوى نقائها تحت النسبة المطلوبة لتصنيع سلاح نووي. لكن القيود المفروضة على إنتاجها للوقود النووي ستنقضي عام 2030، بعدها ستمتلك إيران حرية التخصيب على مستوى صناعي- لكن تحت أعين مفتشين دوليين.

ومن غير المرجح أن توافق إيران على فرض قيود أطول مدى طالما كانت هي القوة الإقليمية الوحيدة الخاضعة لهذه القيود. ينبغي أن يكون الهدف هو جعل دول الخليج الأخرى توافق على معايير منع الانتشار المتشددة ذاتها، ما يؤدي عمليًّا لإنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في المنطقة ومنع حدوث سباق تسلح نووي حتمي مزعزع للاستقرار.

إن فكرة التوصل لاتفاق إقليمي موجودة منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما قاد شاه إيران تلك الفكرة، ربما في محاولة لإظهار الدور القيادي لبلاده. وقد عُقدت لقاءات متقطعة ونقاشات خلف الكواليس بشأن الموضوع منذ ذلك الوقت، بما في ذلك لقاءات في الأمم المتحدة عام 2019. لقد جرى بالفعل تأسيس مناطق خالية من السلاح النووي في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا.

وربما يرفض المشككون هذا الاقتراح باعتباره فكرة حُكِمَ عليها بالفشل لأسباب ليس أقلها امتلاك إسرائيل غير المُعترف به وغير القابل للتفاوض للسلاح النووي، لكن لا يزال من الممكن إحراز تقدم بين إيران وجيرانها العرب. أعلنت السعودية، وهي بلد عربي سُنّي يخوض تنافسًا مريرًا مع حكام إيران الشيعة، نيّتها بناء سلسلة من مفاعلات الطاقة النووية، كما أصبحت دولة الإمارات أول بلد عربي ينتهي من إنشاء مفاعل نووي مدني في العام الماضي، بعد موافقتها على ضمانات دولية.

لو كانت الطاقة النووي المدنية هي السبب الوحيد الذي يجعل إيران وجيرانها يحتاجون الوقود النووي، فسيكون أكثر أمنًا وأرخص بكثير لهم شراء هذا الوقود من اتحاد شركات تجاري أو الحصول عليه من بنك وقود إقليمي، كما اقترح عضوا مجلس الشيوخ “بوب مينيندز” و”ليندزي غراهام” في مقال لهما بصحيفة واشنطن بوست.

يحصل الأمريكيون مثلًا على وقود لمفاعلاتهم النووية من “يورينكو” وهي عبارة عن اتحاد شركات الماني-هولندي-بريطاني. لكن إيران تصرّ على أنها تحتاج لإنتاج وقودها، مُستشهدةً بتاريخ طويل من العقوبات والتدخلات الأجنبية. كانت إيران مستثمرًا مؤسّسًا ل “يوروديف”، وهو اتحاد شركات لإنتاج اليورانيوم مقرّه في فرنسا، لكن بعد الثورة الإسلامية عام 1979، لم يتم تسليم الوقود مطلقًا.

عند التفكير بما حدث في الماضي، سنجد أنه ربما كان من الأفضل ضمان تسليم الوقود لإيران عوضا عن منحها ستارًا لتخصيب اليورانيوم بنفسها، ما قد يمكّنها من تحويل مسار هذه التخصيب لتصنيع أسلحة نووية. أصبح البرنامج رمزًا للفخر الوطني والمقاومة – فضلًا عن كونه ضمانة – ضد العدوان الأجنبي، وورقة مساومة مهمة لرفع العقوبات عنها. لن تتخلى إيران بسهولة عن هذا البرنامج النووي، إن تم ذلك أصلًا.

على الجانب الآخر، من غير المرجح أن يثق العالم مطلقًا في عدم تصنيع إيران لسلاح نووي. إن البرنامج بوضعه الحالي، ستكون له دائما تكلفة اقتصادية مرتفعة متمثلة في وصمة العار الدولية التي ستلحق بإيران، كما سيضرّ هذا بمحاولات إيران للتفوق على منافسين إقليميين في مجال التكنولوجيا النووية.

هناك حل يحفظ ماء وجه إيران يتمثل في أن تحوّل منشآتها لتخصيب اليورانيوم إلى اتحاد شركات متعدد الأطراف يعمل به موظفون دوليون، شبيه بنموذج اتحاد “يورينكو”، والذي قد يوفر ببساطة وقودًا نوويًّا لمفاعلات طاقة في عموم المنطقة- وهي فكرة اقترحها “سيد حسين موسويان” الدبلوماسي الإيراني السابق، والذي يعمل الآن خبيرًا في السياسة النووية في جامعة برينستون، وهو مشارك في تأليف كتاب “شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل: نهج جديد لمنع الانتشار النووي”. وضع علماء في معهد “ماساتشوسيتس” عام 2008 خطة مماثلة، ذكر أعضاء مهمون في الكونغرس الأمريكي أنها تستحق الدراسة.

هذا قد يساعد في إشباع رغبة إيران في الاعتراف بها واحترامها، والعمل في الوقت ذاته على تقليل خطر برنامجها النووي. كما أن فرض حظر على إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب هو احتمال آخر يستحق الدراسة.

لكن هناك مشكلة واضحة في هذه الفكرة تتمثل في أن المنافسة الشيعية – السُنّية تصاعدت وتحولت إلى صراع نفوذ كبير. تدعم إيران قوات وكيلة في دمشق وصنعاء وبيروت، كما قد يتزايد نفوذها في أفغانستان بعد رحيل القوات الأمريكية وقوات الناتو. بالنسبة للبعض في إدارة ترامب، كان ذلك يُعدّ خطرًا أعظم بكثير من البرنامج النووي. من بين مئات المطالب التي طرحتها الإدارة على إيران عندما انسحبت من الاتفاق النووي، كانت هناك أربعة مطالب فقط متعلقة بالأسلحة النووية. ركزت جميع المطالب، باستثناء مطلب واحد، على دعم إيران العسكري لمليشيات في عموم الشرق الأوسط.

لهذا السبب فرضت إدارة ترامب الكثير من العقوبات القاسية على إيران، وصاغت تحالفًا معاديًا لإيران مع إسرائيل والسعودية ودول خليجية أخرى. مع هذا، لم تمنع سياسة “العقوبات القصوى” إيران من تدريب وكلاء في المنطقة، والذي كان بالنسبة لها استثمارًا قليل التكلفة نسبيًا. كما لم تمنع سياسة ترمب إيران من تطوير برنامجها النووي. إن تأجيج التوتر الطائفي ليس حلًّا لمشاكل المنطقة الكثيرة.

حتى في خضم الاتهامات المتبادلة وانعدام الثقة، هناك إشارات على أن الأمور قد تتغير. ذكر مسؤولون إيرانيون أنه لو عادت الولايات المتحدة للاتفاق النووي، فسيكونون على استعداد لمناقشة قضايا أخرى. في مطلع هذا العام، عقد مسؤولون سعوديون وإيرانيون سلسلة لقاءات تهدف لتهدئة التوتر، وهو أول تواصل دبلوماسي من نوعه منذ أعوام. إن فكرة وجود تعاون نووي سلمي في منطقة الخليج، ربما تبدو غير واقعية اليوم، نظرًا لمستوى غياب الثقة. لكن يجب تذكّر أنه كانت هناك علاقات وثيقة تجمع بين إيران والسعودية، بل إن البلدين وقّعا اتفاقًا أمنيًّا عام 2001.

إن أي سياسة تجاه إيران أو الشرق الأوسط محفوفة دائمًا بمخاطر كبيرة. لكن طالما كانت هناك فرصة لحرمان إيران من امتلاك سلاح نووي وإنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطرابًا، فإنه يتعيّن على الولايات المتحدة وشركائها أن يكونوا مستعدين لتحمل تلك المخاطر. 

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا