فورين بوليسي|في حال رئاسته لإيران.. ما المخاطر المتوقعة التي سيواجهها «إبراهيم رئيسي»؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

تمامًا مثل زوجات الملك هنري الثامن، نادرًا ما يحظى رؤساء إيران بنهايات سعيدة. تعرّض أول رئيس للاغتيال، ونُفي الثاني، بينما نجا الرئيس الثالث المرشد الأعلى الحالي “علي خامنئي” من محاولة اغتيال، لكن الرؤساء الرابع والخامس والسادس جرى استبعادهم من الحياة العامة. ويبدو أن المصير ذاته ينتظر الرئيس السابع المنتهية ولايته.

منذ بداية الثورة الإيرانية، كان الصراع على السلطة بين المرشد الأعلى والرئيس مشكلة متأصلة في الحياة العامة الإيرانية. وقد برزت هذه المشاكل بشكل واضح خصوصًا في السنوات الأخيرة، إذ دخل الرئيس السابق محمد خاتمي والرئيس الحالي حسن روحاني في خلافات مهمة مع خامنئي. انتهت محاولاتهما للتقارب مع الغرب بالإذلال، بينما اعتُبر أن سياساتهما الليبرالية نسبيًّا شجّعت الاحتجاجات الكثيفة عام 1999، والاحتجاجات التي اندلعت في الفترة بين 2017 و2018، والاحتجاجات بين عامي 2019 و2020. وعلى يمين هذين الرئيسين، كان مصير الرئيس السابق غريب الأطوار “محمود أحمدي نجاد” أفضل قليلًا، وذلك بفضل طموحه الشخصي وعدم احترامه لخامنئي.

بعد انتهاء انتخابات هذا الأسبوع – بافتراض أنه لن تكون هناك جولة إعادة في وقت لاحق من الشهر – سيصبح رئيس القضاء “إبراهيم رئيسي” بالتأكيد الرئيس، فالشعب الإيراني ليس له رأي في هذا الأمر. هذا أمر مهم، ليس بسبب ما سيفعله، ولكن لأنه يختلف عن سابقيه. عوضًا عن التنافس مع خامنئي، سيكون شريكًا مثاليًا في خطة خامنئي لجعل الجمهورية الإسلامية أكثر “إسلامية” وأقل “جمهوريةً”.

خلافا لسابقيه – وجميعهم كانوا سياسيين محترفين – فإن رئيسي شخصية بيروقراطية ذات مؤهلات لا غبار عليها. هو يحظى بلقب “سيّد”، أي أنه ينحدر من نسل النبي محمد، وحاصل على الدكتوراه في القانون الإسلامي وترقى مؤخرًا لمرتبة آية الله، وهو متزوج من ابنة رجل دين كبير تجمعه علاقات وديّة بخامنئي، وقد انضم للنظام في عمر العشرين، وصعد ليصبح مدعيًا عامًا ورئيسًا للقضاء. كما أن مؤهلاته فيما يخص الممارسات المتشددة مذهلة. في عام 1988، عندما كان نائب المدّعي في طهران، ساعد “رئيسي” في إصدار حكم بالإعدام على أكثر من ألف معارض، ما أدّى لإدراجه على قائمة عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. في الفترة بين عامي 1997 و2004، قاد “رئيسي” هيئة مكافحة الفساد الإيرانية وسجن العديد من حلفاء “خاتمي” الإصلاحيين. نال “رئيسي” المديح من رجال دين بارزين وقادة الحرس الثوري الإيراني بفضل أدائه كمدعٍ عام. والآن، اتحد سياسيون وصحف ووسائل تواصل اجتماعي محافظة لدعم ترشحه.

لقد زوّر “خامنئي” عمليًّا النظام لصالح “رئيسي” عبر مجلس صيانة الدستور – الذي يسيطر عليه عمليًّا المرشد الأعلى – إذ تم منع جميع المرشحين الإصلاحيين تقريبًا من خوض الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية. بطريقة ما، فإن هذا ما حصل بالضبط قبيل انتخابات عام 2005. حينئذ، تمامًا مثل الآن، أدّت الإخفاقات المتصورة للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، الذي خاض الانتخابات على أساس حرية الصحافة وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، لحدوث ردّة فعل محافظة عنيفة أسفرت عن انتخاب “أحمدي نجاد”، ذلك الرئيس “الأصولي” الذي ألغى الإصلاحات واتبع سياسة خارجية متشددة مناهضة للولايات المتحدة. قبل انتصار أحمدي نجاد في الانتخابات، اكتسح الأصوليون انتخابات عامي 2003 و2004 المحلية والتشريعية بعد منع الإصلاحيين من خوضها. في انتخابات 2005 الرئاسية، مُنع معظم الإصلاحيين مجددًا، ويبدو من المرجح أن الحرس الثوري زوّر صناديق الاقتراع لمساعدة أحمدي نجاد، الذي قضى السنوات الثمانية من حكمه في إلغاء إصلاحات خاتمي.

وكما كان الحال عام 2005، يمهّد خامنئي الآن الطريق لتمكين رئيس أصولي من إلغاء إصلاحات الأعوام الثمانية الماضية. إن النتائج الاقتصادية الكارثية لرئاسة روحاني – التي نتجت جزئيًّا من قرار أمريكا عام 2018 بإعادة فرض عقوبات شاملة – سهّلت هجوم خامنئي على الإصلاحيين. تصاعدت نسبة البطالة، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي بما يزيد على 10 بالمائة، وخسرت العملة الإيرانية، الريال، ثلثي قيمتها، وتسببت الاضطرابات الاقتصادية في اندلاع احتجاجات كبيرة دعمتها إدارة ترامب.

ومع استعداد خامنئي للتخلي عن آخر مظاهر الديمقراطية، يستعد الأصوليون لاكتساح البلاد. لكن خلافًا لعام 2005، فإن تحوّل السلطة لصالحهم سيكون من الصعب عكس مساره. يبلغ خامنئي الآن 82 عامًا ويعاني من سرطان البروستاتا، ومن المرجح أنه يرغب في تعزيز إرثه، وهذا يتطلب إنهاء الصراع بين الأصوليين والإصلاحيين وبين الرئيس والمرشد الأعلى. ويتطلب هذا أيضًا إبعاد الشباب دون سن الثلاثين – الذين يشكلون 60 بالمائة من السكان – عما يُسمى “غربزاديغي” (أو الانبهار بالغرب). بالرغم من أنه من المرجح أن يكون “رئيسي” شريكًا راغبًا في مثل هذا المشروع، إلا أن المقربين منه سبقوه في هذا الأمر. إذ اقترح مدير وسائل التواصل الاجتماعي في حملته مؤخرًا قانونًا يجرّم استخدام شبكات افتراضية خاصة، والمفارقة أنه يريد أيضًا حظر العديد من وسائل التواصل الاجتماعي.

إن طموح “رئيسي” هو حافز آخر له للمساعدة في مكافحة أي عملية إصلاح. فقد تم الترويج له لسنوات باعتباره خليفة محتملًا لخامنئي، وتجدر الإشارة هنا إلى أن خامنئي خلف سلفه بينما كان رئيسًا عام 1989، وكان حينها في نفس عمر “رئيسي” لكن بمؤهلات علمية أقل. في حال انتخابه، ربما يستخدم “رئيسي” فترة حكمه لإرضاء الفصائل المتشددة التي لديها نفوذ على عملية خلافة خامنئي، لا سيما رجال الدين المتشددين والحرس الثوري. لكن بغض النظر عما يريده، سيكون رئيسي – تمامًا مثل روحاني – بيدقًا في خطة استبداد أكبر يتم حبكها من دونه.

إن إيران بالطبع هي بالفعل واحدةٌ من أسوأ البلدان المستبدة في العالم. لكنها ربما تصبح قريبًا أكثر استبدادًا. منذ عام 2012، عملت إيران لإنشاء “إنترنت حلال” معزول عن الشبكة العنكبوتية. في العام الماضي، أظهر النظام قدرته على فصل كل محافظة على حدة عن شبكة الإنترنت العالمية، بينما أبقى على مواقع مُستضافة محليًّا. وفي المستقبل، ربما تستخدم إيران هذه القدرة لحظر خدمات شبكية مثل غوغل وإنستغرام بمجرد أن تسنح فرصة سياسية لذلك. يُقال أيضًا إن إيران ستوسّع أنشطة مراقبتها المحلية، بفضل نحو 10 ملايين من كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة الجديدة التي اشترتها من الصين. في السنوات الأخيرة، ناقش خامنئي حتى فكرة استبدال الإنجليزية باللغة الماندرية الصينية، لمنع الوصول للثقافة الغربية. من المرجح أن تمضي هذه الخطة قدمًا في حال عدم معاناة إيران من نقص كبير في أعداد المدرسين الصينيين.

في غضون هذا، سيكون كبار قادة الحرس الثوري الإيراني وأعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي، الذين دائمًا ما انتقدوا روحاني، سعداء بالتأكيد للتخلص منه، حتى يتمكنوا من تنفيذ أجندتهم من دون معارضة محلية. إن قائمة الاحتمالات السوداوية طويلة للغاية. سيكون الحرس الثوري حرًا لتصعيد الضغط على الولايات المتحدة عبر مهاجمة أصول أمريكية في العراق، والتدخل في انتخابات أكتوبر المقبلة في العراق، واستغلال وقف إطلاق النار المزيّف في اليمن كستار للسماح لمتمردي الحوثي لإحكام السيطرة الفعلية على البلاد، كما حصل عام 2014، وتوسيع السيطرة السياسية على لبنان عبر ما يسمى بالمساعدات الاقتصادية. وفي حال تمت العودة للاتفاق النووي، فسيتم توسيع قدرات إيران على نشر الخراب، وذلك في حال تمكنت من الوصول إلى 120 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبية المجمّدة، أو مئات ملايين الدولارات من عوائد النفط.  بل من الممكن أن يتعزز وضع النظام أكثر في العام 2023، بعد انتهاء حظر فرضته الأمم المتحدة على إجراء إيران لتجارب صاروخية باليستية، فضلًا عن رفع الحظر على مجموعة كبيرة من العقوبات الإضافية وعلى تصدير تكنولوجيا صاروخية متطورة إلى إيران.

إن انتخاب “رئيسي” سيقوّي فصائل داخل إيران تنظر إلى الثورة الإيرانية باعتبارها مهمة متواصلة بحاجة لتعزيزها في الداخل وتوسيع نطاقها في الخارج. حتى لو لم يكن رئيسي نفسه مشاركًا بنشاط في عملية محاربة الإصلاح، إلا أنه على أقل تقدير سيساعد في تدمير المعارضة وإنشاء قفص حديدي سيتجاوز فترة حكم إدارة بايدن، وفترة حكمه، وربما خامنئي نفسه.

من المبكر للغاية تحديد ما إذا كان “رئيسي” سيسير على نهج خامنئي ليصبح مرشدًا أعلى، كحدث استثنائي يجري مرة كل جيل يناقض تمامًا السجل سيء الطالع للرؤساء الإيرانيين السابقين. لكن في الوقت الراهن، يبدو أنه يحظى بدعم الفصائل القوية التي قد يمكنها إسقاطه. هذا يبشّر بالخير لسلطته. لكنه نذير شرّ لإصلاحيي إيران وشبابها، الذين ستتواصل معاناتهم. إن النظام الديكتاتوري القائم على المراقبة الجماعية، والذي يأمل هؤلاء الشباب في التأثير عليه، سيعاملهم بأسلوب أكثر قسوة. بالرغم من آمال إدارة بايدن الخجولة للوفاق مع النظام الإيراني، إلا أن هناك فرصة لأن يصبح هذا النظام عدوًّا مُخيفًا أكثر. سيساعد رئيسي على حصول هذا، بينما سيتلقى رئيسي نفسه مساعدة من الاتفاق النووي، بفضل مساعداته المالية وبنود انقضائه السخيّة، وهذا مستقبل لا شك مظلم.       

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا