معهد أبحاث السياسة الخارجية | تقييم الاستراتيجية المؤقتة لإدارة بايدن في سوريا

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

بعد تولي المنصب في يناير، بدأت إدارة بايدن مراجعة السياسة الأمريكية في سوريا والحرب الأهلية الدائرة هناك. سعت هذه المراجعة إلى طي صفحة سياسات إدارة ترامب، التي نقلت الأولويات الأمريكية في سوريا من الهدف الضيق المتمثل في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية إلى توسيع المهمة لكي تصبح مواجهة إيران وحماية النفط السوري من بشار الأسد. انبثقت سياسة عصر ترامب من خصائص الإدارة، حيث قاوم الأفراد الذين خوّلهم ترامب للإشراف على هذه السياسة جهوده لسحب القوات الأمريكية. أعادت إدارة بايدن ربط السياسة الأمريكية بهزيمة داعش وجرّدت الأهداف الأمريكية من أية أفكار عن حماية المنشآت النفطية أو مواجهة الوكلاء الإيرانيين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.

هذه النقلة في السياسة هي انعكاس براجماتي لأهداف الإدارة الشاملة. لقد نقلت الولايات المتحدة أولوياتها من الشرق الأوسط إلى منطقة المحيط الهندي – الهادئ، في الوقت الذي تحاول فيه إصلاح العلاقات المتوترة مع الكثير من الحلفاء المقربين لأمريكا في أوروبا. إن الأولوية الرئيسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي التوصل إلى اتفاقية مع إيران حول العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وكيفية ترتيب رفع عقوبات عصر ترامب. الحرب الأهلية السورية أولوية أيضًا، لكن سياسة الإدارة لم تعد مرتبطة بطموحات إقليمية أوسع، مثل مسعى فريق ترامب لإسقاط النظام الإيراني بالعقوبات أو منع الشركاء العرب للولايات المتحدة من تحديث سياستهم عبر التواصل مع دمشق.

إن النظام السوري هش وغير كفء، لكنه يحظى بدعم روسيا وإيران. لقد صمد أيضًا أمام التمرد الذي قادته المعارضة لعشرة سنوات. لا يسيطر النظام على كامل الدولة، لكن المعارضة أضعف من أن تشن عمليات هجومية لاستعادة الأراضي. تواجه الدولة كارثة اقتصادية، نابعة من انهيار القطاع المصرفي اللبناني، وتأثير كوفيد-19، والعقوبات الأمريكية، والجفاف الشديد الذي قلل المحاصيل الزراعية، وتدمير البنية التحتية. إن المصالح الأمريكية مرتبطة الآن بهدفين: زيادة المساعدات الإنسانية والحفاظ على تواجد عسكري أمريكي لمكافحة داعش.

ترتبط الأولوية الأولى بالمداولات في مجلس الأمن والتفويض الذي يحكم توصيل المساعدات عبر الحدود إلى المناطق الخاصعة لسيطرة المعارضة. سمحت اتفاقية 2014 بأربعة معابر، لكن انخفض هذا العدد إلى واحد؛ بسبب المعارضة الروسية والصينية. ينتهي التفويض لنقطة العبور الأخيرة يوم 10 يوليو، ودون التمديد، يخاطر شمال غرب سوريا بأن يُقطع عن آخر معبر مع تركيا. إن الموقف الروسي هو أن دمشق هي حكومة سوريا السيادية، وبالتالي، يتعين على الأمم المتحدة توصيل المساعدات فقط عبر عاصمة الدولة.

بعد تولي المنصب، أفرجت إدارة بايدن عن 50 مليون دولار من أموال المساعدات الموجهة لإرساء الاستقرار، والتي جرى تجميدها أثناء حكم إدارة ترامب والتي تُنفق بشكل رئيسي في شمال شرق سوريا. هذه الأموال، إضافة إلى 600 مليون دولار من أموال المساعدات الإنسانية لكل سوريا، ويشمل ذلك اللاجئين في البلاد المجاورة. قررت إدارة بايدن أيضًا الاحتفاظ بقوات برية ومعدات القوات الجوية الأمريكية لدعم قوات سوريا الديمقراطية، القوة الشريكة التي تولت القيادة في القتال ضد داعش، وهو الأولوية الثانية للإدارة. يعتمد التواجد البري الأمريكي على آليتين مترابطين لوقف الصراع، والتي تدير العمليات الجوية والبرية الأمريكية والروسية. استخدمت هذه الآليات نهر الفرات كحد، بقليل من المقتطعات الممنوحة لكل جانب. تغير الموقف بعد الغزو التركي لشمال شرق سوريا في أكتوبر 2019، الذي أدى إلى انسحاب أمريكي متسرع من المناطق الحدودية وتحرك روسي لأخذ المواقع الأمريكية. الأمريكيون والروس قريبون الآن من بعضهم البعض، بطرق تختلف إلى حد كبير عن بيئة ما قبل أكتوبر 2019.

أشارت إدارة بايدن علنًا إلى موسكو إنها تنوي البقاء في سوريا، عن طريق إرسال وفد رفيع المستوى لمقابلة قيادة قوات سوريا الديمقراطية لنقل قرارات السياسة الأمريكية. هذا الجهد يشمل أيضًا قدر كبير من التواصل مع تركيا، وهو مهم للجهود الأمريكية لزيادة مساعدات إرساء الاستقرار. هذا التواصل يعترف بأن تركيا وروسيا لديهما علاقة منفصلة خاصة بهما في سوريا، مبنية حول عملية أستانا. تركز عملية أستانا على إصلاح الدستور السوري، وخدمت أيضًا كآلية لأنقرة وموسكو لإدارة التوترات وإيجاد حل وسط في القضايا الرئيسية. سعت إدارة بايدن إلى الاستفادة من هذه العلاقة، خاصة في مسألة مساعدات إرساء الاستقرار وإيجاد حل وسط في توصيل المساعدات بين المناطق الخاضعة لسيطرة الأتراك والنظام. والصيغة الأساسية، كما يبدو، هي تقديم “المزيد من المساعدات من أجل الوصول المستمر”. هذه الصيغة سوف تزيد إجمالي المساعدات الأمريكية للأمم المتحدة، والتي ستشمل بالضرورة المزيد من المساعدات التي تصل عبر دمشق. هذا الحل الوسط سيُرضي بعض رغبات روسيا، بدون المساس بالجهود الأمريكية في شمال شرق وشمال غرب البلاد.

تظل موسكو ملتزمة تجاه الأسد وقد حافظت على سياسة متسقة تجاه سوريا. تركز هذه السياسة على تدريب وتجهيز القوات المسلحة السورية، وتقديم الدعم للعمليات الجوية والخاصة، وحماية النظام دبلوماسيًا في الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى. أتى هذا الجهد ثماره، لا سيما في ميدان المعركة. إن النظام آمن، حتى لو كانت الدولة في حالة مدمرة وغارقة في الانهيار الاقتصادي. إن المعارضة ضد الأسد محصورة في إدلب، تحت الحماية التركية الفعلية وهي عاجزة عن شن عمليات هجومية. من وجهة النظر الروسية، منعت موسكو انهيار دولة شريك إقليمي.

لا تتفاوض الولايات المتحدة مباشرة مع روسيا، لكنها تشير إلى أنها قد تحيي دبلوماسية صريحة ومثمرة أكثر إذا أظهرت موسكو بعض النوايا الحسنة. هذا النهج منفصل عن نهج إدارة بايدن الأوسع تجاه العلاقات مع روسيا، لكنه يلائم الجهد الشامل لجعل العلاقات أكثر قابلية للتنبؤ ومرتكزة على مناطق حيث يستطيع الجانبان إدارة التوترات. من المتوقع أن تبحث الولايات المتحدة وروسيا الحرب الأهلية السورية في القمة الثنائية في جنيف. وفي ظل وجود القوات الأمريكية والروسية بهذا القرب، هذا يخدم المصالح الأمريكية بالحد من التفاعلات السلبية في صراع هامشي مثل سوريا. إن التنازل الروسي الفعلي في مسألة إرساء الاستقرار قد يفتح مجالًا للمحادثات الهادئة حول الحرب، وهو ما يمنح الدولتين بعض المساحة لتعميق التفاهم حول المصالح بعيدة المدى للجانب الآخر. ربما لا يؤدي هذا المنتدى إلى نتائج ملموسة، لكن يمكن استخدامه لإدارة الاختلافات، أو يخدم كقناة خلفية لتقديم المقترحات لإضفاء الطابع الرسمي على اتفاق لوقف إطلاق النار على مستوى الدولة.

قلّصت إدارة بايدن الأهداف الأمريكية في سوريا، تاركةً وراءها السياسة الفضفاضة والضعيفة قانونيًّا التي اتبعها فريق ترامب. هذه السياسة الجديدة تقترح تواجد أمريكي مفتوح في الشمال الشرقي لضمان أن يبقى تنظيم داعش مستهدفًا. تبدو الإدارة أيضًا ملتزمة بحزم بتقديم الأموال لمساعدات إرساء الاستقرار، في ترتيب “الوصول مقابل الوصول” الذي يكسب الدعم الروسي. إن نظام الأسد مستقر في السلطة، وألمحت واشنطن إلى أنها لن تتخذ إجراء لعزله وأنها تريد علاقة أكثر قابلية للتنبؤ مع روسيا في سوريا. إن الكرة في ملعب موسكو، لكن إدارة بايدن أوضحت أنها ستحتفظ بقوات في البلاد وأنها مستعدة لزيادة المساعدات الأمريكية لإدارة الكارثة.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا