الجارديان | النشاط الخارجي لجو بايدن يتعلق بتعزيز الديمقراطية في الولايات المتحدة

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

خلال رحلته الأولى للخارج كرئيس للولايات المتحدة الأسبوع الماضي، استمر جو بايدن في إخبار أوروبا بأن “الولايات المتحدة قد عادت”. وقبل اجتماع مجموعة السبع، وقّع بايدن على ميثاق الأطلسي الجديد مع بوريس جونسون والذي اتفق على حماية الديمقراطية والمجتمعات المفتوحة. وبعد كورنويل، ذهب لحضور المزيد من الاجتماعات في بروكسل مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك أيضًا إلى قمة ناتو ولقاء مع فلاديمير بوتين في جنيف. اعتبر الرؤساء السابقون الاتحاد الأوروبي بيروقراطية غير ذات صلة أو تهديد شرير. لكن بايدن وصفه بأنه “كيان قوي ونشيط”.

في مؤتمره الصحفي مع إيمانويل ماكرون، بدا بايدن وأنه يعد بعودة الولايات المتحدة إلى دورها الطبيعي في السياسة الدولية. بعد دونالد ترامب، ربما يأمل بعض الساسة الذين يحنون إلى الماضي في إنعاش ما يُسمى بالنظام الليبرالي القائم على القوانين الذي ساد منذ الحرب العالمية الثانية.

إن أي شخص يحمل تلك الآمال محكوم عليه بخيبة الأمل. فبالرغم من خطابه، بايدن ليس مهتمًا حقًّا بالعودة إلى الوضع الراهن، أو بإعادة توحيد مناصري التعاون الأطلسي. لقد عكست العلاقة عبر الأطلسي القديمة احتياجات أمريكا بعد حرب 1939-1945. لم تنشئ الولايات المتحدة الناتو أو تغدق بالأموال على الاقتصادات الأوروبية المحطمة بدافع السخاء النزيه، بل لأنها أرادت تعزيز الحلفاء لكي يواجهوا التهديدات المشتركة بطريقة أفضل.

الآن، تغيرت احتياجات الولايات المتحدة، وكذلك ستتغير أفعالها. يخشى بايدن من أن الديمقراطية الأمريكية في خطر. تأتي التهديدات من الخارج، لأن الصين تقدّم نموذجًا بديلًا جذابًا، حيث تستطيع الاستبدادية توفير قدر معقول من الازدهار لشعبها. لكن الأمر الأشد ضررًا هو أن الديمقراطية الأمريكية مهددة من الداخل. لم يتقبل ترامب هزيمته الانتخابية في نوفمبر وحرّض مؤيديه على مهاجمة مبنى الكابيتول الأمريكي يوم 6 يناير لقلب النتائج. في الوقت نفسه، يستخدم الجمهوريون سيطرتهم على السلطة التشريعية للولايات لتمرير عدد كبير من القوانين التي تهدف لجعل التصويت أكثر صعوبة وبالتالي يرسخون حكمهم.

إن بايدن أقل حرصًا على مناقشة حقيقة أنه عاجز نسبيًّا عن معالجة تلك التهديدات الداخلية، ولا شك أن أغلب الديمقراطية الضئيلة في كلٍّ من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، بالإضافة إلى المعارضة الجمهورية الموحدة ووجود مماطلة في مجلس الشيوخ، يجعل من شبه المستحيل تمرير أي تشريع.

وفيما يتعلق بالشئون الخارجية، فإن واحدًا من المجالات الرئيسية القليلة التي يتفق فيها الحزبان هو عدم الثقة في الصين. لهذا السبب استطاعت الإدارة وحلفاؤها تمرير تشريع يهدف إلى تعزيز المشروعات البحثية الأمريكية، التي يمكن تبريرها بأنها تساعد الولايات المتحدة على منافسة الصين. هذه النظرة المستقبلية المشتركة تتيح لبايدن المزيد من المساحة من أجل نهج قوي تجاه الصين – وبالإضافة لهذا، من الأسهل عليه أن يعمل بالخارج بشكل منفرد من العمل على الشئون الداخلية عبر الكونجرس. يملك الرؤساء الأمريكيون مساحة واسعة لصنع السياسة الخارجية طالما لا يحاولون التوقيع على معاهدات مُلزِمة.

والنتيجة هي نهج يجمع المنافسة مع الصين، والجهود الرامية إلى حماية الديمقراطية العالمية والتدابير التي تهدف لتدعيم بعض نقاط الضعف الكبيرة في السياسة الداخلية الأمريكية. أراد رؤساء آخرون نشر الديمقراطية حول العالم، سواء من خلال ليبرالية التجارة الحرة أو من خلال القوة. تريد الإدارة الجديدة إعادة الديمقراطية إلى الوطن.

هذا التركيز سيعيد صناعة العلاقة عبر الأطلسي. إن الشعار التوجيهي لفريقه الدولي هو أنهم يصنعون “سياسة خارجية للطبقة المتوسطة”. هذه العبارة ليست لطيفة كما تبدو، إنها توحي بأن النهج التقليدي للسياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الماضية – الضغط من أجل اتفاقيات تجارة حرة لنشر الليبرالية الدولية – تضر الأمريكيين العاديين وتجعلهم مرجحين أكثر لانتخاب ترامب، مع كل المخاطر على الديمقراطية التي يستتبعها ذلك.

من المرجح أن تكون إدارة بايدن أقل اهتمامًا باتفاقيات التجارة الحرة من أسلافها الذين سبقوا ترامب، خاصة عندما تكون مكلِّفة للصناعة الأمريكية. من الجدير بالملاحظة أن ميثاق الأطلسي الجديد مع بريطانيا لا يحمل أي إشارة لمنظمة التجارة العالمية، وأنه يتحدث عن “التجارة المفتوحة والنزيهة” بدلًا من “التجارة المفتوحة”. في الوقت نفسه، يريد الرئيس استخدام إجراءات اقتصادية، مثل إعادة بناء سلاسل الإمداد من أجل تقليل الاعتماد على الأنظمة الاستبدادية ومنع وصول الصين إلى التكنولوجيات الرئيسية، لكن تلك الجهود ربما لا تتماشى مع قوانين منظمة التجارة العالمية.

وبالرغم من مودة بايدن الظاهرية هذا يشكل تحديًا كبيرًا للاتحاد الأوروبي، الذي كان من بعض النواحي أكثر التزامًا بالتجارة متعددة الأطراف القائمة على القوانين من الولايات المتحدة. وربما يقدم أيضًا صعوبات على بريطانيا ما بعد البريكست. إن العالم ذا القوانين متعددة الأطراف المستقرة والقائمة مريح أكثر بكثير لقوة متوسطة الحجم من عالم جديد متاح للجميع. إن الاقتصادات مثل ألمانيا، التي اعتمدت بشدة على السوق الصينية، سوف تواجه أيضًا بعض الخيارات الصعبة.

إن حماس بايدن الجديد لقوانين ضرائب عالمية أكثر حزمًا يقدّم أيضًا بعض المشاكل للشركاء الدوليين. مرة أخرى، الأسباب داخلية إلى حد كبير: تردد السياسة حُجة بيرني ساندرز، القيادي من يسار الحزب الديمقراطي، بأن الملاذات الضريبية وتدفق الأموال السهل ومجهول الهوية تضر الديمقراطية عن طريق إتاحة الفساد والسرقة. هذا سيصبح محرجًا للمملكة المتحدة، التي غضت الطرف طويلًا عن تدفقات الأموال المشبوهة والتي تُعد أراضيها بالخارج ضمن أكبر الملاذات الضريبية في العالم. إنه مشكلة أيضًا للملاذات الضريبية التابعة للاتحاد الأوروبي مثل جمهورية أيرلندا وهولندا، ولجزر مثل قبرص ومالطا التي تلبي أنظمتها المصرفية احتياجات النخبة الروسية والأوراسية.

وفي حين أن بايدن يزعم أن أمريكا عادت إلى الساحة الدولية، فإنه يتطلع إلى الداخل، وهو منشغل بنظام سياسي داخلي معطل وكيفية إصلاحه. وعن طريق معالجة تلك القضايا الدولية المحيرة المتعلقة بالصين، والتجارة والضرائب، يأمل بايدن بدوره في مساعدة الديمقراطية الأمريكية على إيجاد طريقها مرة أخرى. إذا كانوا يرغبون حقًّا في إعادة إقامة العلاقة العابرة للأطلسي، سيتعين على المملكة المتحدة وأوروبا العمل معًا مع إدارة ذات فهم مختلف تمامًا للمصالح الأمريكية عن الإدارات السابقة.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا