معهد دراسات السلام والصراع | هل تنسحب إيران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية؟

آية سيد

ترجمة: آية سيد

هناك تفاؤل متزايد حول إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة في الجولات الخمس من المحادثات التي عُقدت في جنيف حتى الآن، غير أن إيران أصرّت على أنها ستمنع إمكانية وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المواقع النووية الإيرانية إذا لم ترفع الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية. على الجانب الآخر، جعلت الولايات المتحدة استئناف إيران لامتثالها لخطة العمل الشاملة المشتركة شرطًا أساسيًّا لرفع العقوبات.

وبينما تجد الولايات المتحدة وإيران نفسيهما في معضلة، تبتعد إيران أكثر عن التزاماتها بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية – مثل الالتزام بالبروتوكول الإضافي. هذا قد يثير انسحابًا إيرانيًّا من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. سوف يحلل هذا المقال إيجابيات وسلبيات الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية بالنسبة لإيران.

إيران ومعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.. لمحة عامة

تمتلك إيران تاريخًا متقلبًا مع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. لقد كانت واحدة من أوائل الموقّعين على المعاهدة في 1968، وبصفتها دولة غير مسلحة نوويًّا، تُلزمها المعاهدة بعدم تطوير قدرات الأسلحة النووية وبإخضاع منشآتها النووية للمراقبة الدولية من طرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقّعت إيران على اتفاقية الضمانات الخاصة بالمعاهدة في 1974، واعتمدت البروتوكول الإضافي في 1997، إلا أنها تورّطت بصورة متكررة في أنشطة انتشار سرية. في السنوات التالية، كتبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقارير عن عدم التزام إيران المتزايد من ناحية غياب الشفافية و”تورطها في أجزاء حساسة من دورة الوقود النووي”.

قارن المحللون حالة إيران بحالة كوريا الشمالية التي انسحبت من المعاهدة في 2003 بعد مخالفتها لالتزاماتها بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، إلا أن حالة إيران ليست مباشرة بنفس القدر. كانت قدرة الأسلحة النووية لكوريا الشمالية مقيّدة بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية فقط. لكن نظام الحد من الانتشار في حالة إيران يشمل مجموعة موسعة من المؤسسات: معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وقرارات مجلس الأمن، وخطة العمل الشاملة المشتركة. وبالتالي، إذا كانت إيران لتنسحب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، لن يكون هذا بغرض تطوير أسلحتها النووية فقط. بدلًا من ذلك، سوف تسعى طهران لاستخدام الخطوة كورقة مساومة وإرغام الولايات المتحدة على رفع العقوبات الرئيسية والثانوية الأحادية الحالية على إيران.

إيجابيات الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية

هناك ميزتان محتملتان للتهديد بالانسحاب وكذلك للانسحاب الفعلي من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. الأولى هي إقناع الأطراف الأوروبية بعقد اتفاقية، والأكثر أهمية، إقناع الولايات المتحدة باستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة، مع الضغط لرفع العقوبات الأمريكية. أصدرت إيران هذه التهديدات من قبل – في 2012، 2018 ومؤخرًا في 2020. مع هذا، كان يُنظر لها كتهديدات فارغة، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأنها ستكون مختلفة هذه المرة.

الميزة الثانية والأكثر أهمية قد تكون إبعاد كل منشآتها النووية عن الإشراف الدولي لتعزيز برنامج أسلحتها النووية. مع هذا، لم تكن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية رادعًا كبيرًا في مسعى العراق للحصول على الأسلحة النووية. لقد بدأت برنامجًا سريًّا لتخصيب وإعادة معالجة وقود اليورانيوم في نطنز، وشرعت في إنشاء محطة لإنتاج الماء الثقيل في آراك، وبدأت أنشطة تحويل اليورانيوم في أصفهان، واستأنفت تصنيع، وتجميع، واختبار الطاردات المركزية، إلى آخره. في الواقع، بعد أن رفضت إيران رسميًّا الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة في مايو 2019، استطاعت زيادة مخزونها الإجمالي من اليورانيوم المخصب إلى 3241 كجم، وهو “أعلى بـ16 مرة من المخزون المسموح به بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة”. لقد خصبت اليورانيوم بنسبة نقاء 60%.

هذا لأن نظام ضمانات معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ليس مقاومًا للخدع – يمكن لدولة أن تبرع في مراحل مختلفة من دورة الوقود النووي دون مخالفة المعاهدة. وقّعت إيران في 2003 على البروتوكول الإضافي، الذي يمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية إمكانية الدخول دون سابق إنذار إلى المنشآت النووية المعلنة وغير المعلنة وتأشيرات دخول وخروج متعددة للمفتشين، لكنها لم تصدّق عليها. إن البروتوكول الإضافي طوعي ويمكن للدولة الطرف إلغاء الالتزام في أي وقت، وقد أعلنت إيران تعليقها للبروتوكول الإضافي في فبراير 2021 واستبدلته بإمكانية دخول محدود للوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى يتم التوصل إلى اتفاق.

سلبيات الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية

في حين أن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ربما لا تكون فعالة كثيرًا في وقف الانتشار النووي، إلا أنها تعزز مكانة وشرعية الدول الأعضاء في النظام النووي العالمي. إن جهود الثلاثي الأوروبي الحثيثة في محاولة استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة وعزل الولايات المتحدة دبلوماسيًّا لـ”العودة” إلى حظر السلاح في مجلس الأمن، ربما تترسخ في جهد لإحباط برنامج إيران النووي، لكنه متأثر أيضًا بالنية الحسنة النابعة من عضوية إيران في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. تمنح عضوية المعاهدة الدول الأعضاء قبولًا قانونيًّا في النظام النووي العالمي، الذي لا تستطيع إيران المجازفة بخسارته في هذه المرحلة. إن مغادرة معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية سوف تجسد وضعها “المنبوذ” وتهدم الأمل في التوصل لاتفاقية مستقبلية.

سوف يعني الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية العودة الفورية لثلاث مجموعات من العقوبات الاقتصادية والعسكرية: قرارات مجلس الأمن السبعة (التي جرى تعليقها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة)، وعقوبات الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية المعمول بها بالفعل.

وأخيرًا، بعد الانسحاب، لن تتمكن إيران من الحصول على أي مساعدات نووية مدنية من الدول الأخرى الأعضاء في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. على سبيل المثال، الانسحاب قد يعيق بشدة إنشاء المرحلة الثانية من مفاعلي بوشهر ذات التصميم الروسي بقدرة 2100 ميجاوات من الكهرباء، والتي كان من المفترض أن تدخل حيز التشغيل في 2024.

وفي حين أن إيران ليس لديها الكثير لتكسبه من الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، فإنها بالتأكيد لديها الكثير لتخسره. تدرك طهران بالطبع هذه السلبيات، وبالتالي ستعتمد نهجًا مدروسًا في استخدامه كورقة مساومة، لكنها لن تفي بتهديد الانسحاب.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا